سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 6582 - 2020 / 6 / 3 - 20:58
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- لماذا نحن متخلفون (76) .
أعلنت عن توقفى عن الكتابة فى مقالى السابق نتيجة ظروف أسرية وكنت أعلم تماماً أن قرارى هذا صعب التحقيق فهو يعنى الإختناق وفقدان أوكسجين الحياة المتمثل فى البوح بأفكارى .
توسمت فى زيادة معارفى العلمية فى تخفيف وطأة العزلة والتوقف ولكن إكتشفت أن العلم والثقافة إذا لم تكن فاعلة متفاعلة مُصدرة مُعبرة عن رؤية فكرية فهى تكون أرشيفية بلا جدوى فهى لشحن الدماغ فقط .
عاد الإختناق يحاصرنى لأتيقن أن الكتابة والتعبير عن الأفكار هى إثبات وجود وفعل وحيوية حياة .
أستهل رجوعى بتأملاتى أثناء فترة التوقف والتى تخرج من إنطباعاتى ومشاعرى الذاتية لتنقد حالة فكرية ثقافية متخلفة سائدة , ليزداد يقينى أنه بدون تغيير الثقافة فالأمل فى التطور والرقى كأمل من يحرث فى الماء .
- تصبح الكتابة والتعبير عن الأفكار بغض النظر عن حسنها أو قبحها إثبات للوجود وحيوية وفعل حياة , فبدون البوح والجهر بالأفكار نختنق ونصير كائنات بيلوجية .
- ولن يرضى عنك المسيحيون والمسلمون حتى تتبع ملتهم ..كلما تنازلت خطوة إحتلوا خطوتك هذه وطالبوا بالمزيد .. لن يرضوا بتوقفك بل بالتخلص التام من دماغك .
- الشيخوخة والموت الحقيقى هو أن تفقد القدرة على الحلم والإعداد والتخطيط للمستقبل .. من أسرار تخلف مجتمعاتنا أنها إفتقدت القدرة على الحلم حتى على المستوى الشخصى لتكتفى بإجترار الماضى ومراقبة سير الواقع .. إعلم أننا لو بطلنا نحلم نموت .
- هناك صراع وحيرة إنسانية مابين حب وتضحية الإنسان فداء الآخرين وبين إثبات وجوده , فهو لو تخلى عن فاعلية دماغه وحريته وإثبات وجوده فداء حب وسلام الآخرين فهو هنا مثالى , ولو إنحاز لدماغه وهويته ووجوده فقد صار أمامهم أنانياً .
- بؤس وبئس الحياة بدون قضية فكرية تتماهى فيها وتضحى من أجلها فبدون القضية تصير كيان بيولوجى .
- القضية هى إثبات وجود وحيوية وفعل حياة ولكن قد تقع القضية عند البعض فى براثن العنف والوحشية والسادية والتلذذ بقهر البشر .
- بئس وبؤس الثقافة والعلم عندما تتحول لأرشيف وثقافة موسوعية أقصى ما تستفيد منها هو حل الكلمات المتقاطعة .. الثقافة إذا لم تتحول إلى ثورة وفعل تغيير وتفاعل فلا داعى منها .
- المشاعر من الأشياء الجميلة التى تعطى للحياة معنى وغاية ولكن فى الفكر الإيمانى يتم تعظيم المشاعر على العقل والمنطق لينتج كائنات بيلوجية متعتها فى مشاعر خالية من أى منطق ليسود مفهوم وضع العربة أمام الحصان .
- لن ترى مجتمعاتنا أى تقدم لأننا أصحاب ثقافة لا تعتنى بالدهشة والقلق الوجودى لتمر كل الأمور أمام عيوننا بلا دهشة ولا قلق .
- الثقافة الدينية لا تعرف ثقافة السؤال .. نحن شعوب تفتقد القدرة على السؤال خاصة السؤال بلماذا لنلجأ للإجابات المعلبة الجاهزة المقررة التى لا تكون إجابة بقدر ماهى لتخدير وقتل السؤال , لن نرى تحضر وتقدم بدون الجرأة على السؤال .
- إنعدام ثقافة السؤال والبحث والنقد أنتج حالة تعبد لصنمية الشعارات وتقديس الأصالة كحفاظ على القديم بكل إرثه , مما أنتج شعوب عاجزة تماما عن المراجعة سهلة الإنقياد وسهل العزف على أوتارها .
- الثقافة الدينية همجية غير متحضرة فهى لا تقبل أى فكر مغاير وإن سمحت بتواجده لظروف التمدين , فهو منبوذ مكروه غير مقبول , فلا تسأل بعدها لماذا لا تعرف المجتمعات الدينية الديمقراطية والحريات , فالأمور ليست من سطوة حاكم بل من ثقافة .
- الأديان والعملية الإيمانية لا تقوم لها قائمة بدون خلق التابوهات والأصنام الفكرية فهم يؤمنون بأشياء لا وجود بها ولا يمكنهم حتى من تعريفها ولا تتوافق مع علمهم ومعارفهم كمقولة الخلق والخالق والمطلق و المقدس .. لقد أطلقها الأجداد وسار عليها القطيع .
- سر بقاء الإيمان والأديان رغم تهافتهما يقبع فى البحث والتنفيس عن العنصرية والتمايز والأفضلية والهوية والتعصب , فهى صور من صراع الإنسان البدئى .. من الخطأ أن يبقى الصراع البدئى فى عالمنا المعاصر .
- إحتكار فكرة الإله جوهر الفكرة الإيمانية , فهم يدعون أن الإله لن يعتمد إيمانك به إلا إذا كنت من شعب الله المختار أو من أبناء المسيح أو من خير أمة أخرجت للناس ..فالإيمان بالإله ناقص ومرفوض ومنبوذ بدون موسى أو المسيح أو محمد !
- غريزة العنف والتوحش أصيلة فى الإنسان نظرا لإنحداره من البيئة الحيوانية ولكن التطور والحضارة الإنسانية قللت من منسوب هذا العنف والتوحش , لتبقى الأديان المُعرقل لهذا التحضر الإنسانى محافظة على مخزون العنف والتوحش فاتحة له المجال ضد الآخر والمخالف فكريا والمرأة سواء بممارسة العنف فعلياً أو سلوكياً ونبذاً .
- الفكر الإيمانى يحمل فى أحشاءه العنف تجاه الآخر فلن تكون له قائمة بدون التشبث بالحقيقة التى يحتكرها رافضاً أى فكر مغاير ليمارس العنف سواء قولاً أو فعلاً فى الآخر , فهذا هو سبيله الوحيد فى مقاومة أى فكر يناهض حقيقته أو قل وهمه ووسيلته فى تنفيس العنف الرابض تحت الجلد في الآخرين .
- سر تخلف المجتمعات الدينية أنها ترضى وتعتمد العلم كتقنية وتكنولوجيا وتبتعد تماماً عن المنهج العلمى فى التفكير .. العلم طريقة تفكير أكثر من كونه مجموعة من المعلومات .
- كما نفتقد المنهج العلمى فى التفكير فنحن كائنات تفتقد الفضول المعرفى ليقتصر فضولنا عند البحث فى أسرار الناس ودس أنوفنا فى حرياتهم وحياتهم الشخصية .
- المؤمنون يتحايلون ويزيفون عنما يقولون أن الإيمان يتوافق مع العلم وعندما يتصادم العلم مع الإيمان يقومون بتسخيفه .
- سر التخلف والرجعية فى ثقافة تدعى تسامحها وترفقها ووسطيتها عندما تعلن إستيائها من تطرف الأصوليين الذين يعلنون تكفير البشر فيقولون لا يصح التكفير فأنت لا تعلم ما فى داخله , فهى تظل تعتمد التكفير كمنهجية للإقصاء ولكن بدون إفراط فى الإباحة , لينعدم ويتوه معها سؤال وحق ما شأنك أنت بإيمانه أو كفره ؟!
- سبب حضور الاديان رغم تهافتها هى أنها تعزف وتقتات من نفسية القطيع فرغبة الإنسان الإنتماء للمجتمع يجعله يتنازل عن عقله وحريته , فالآخرون يضحكون من مشهد لا يثيرنى فهم الأصح وأنا المخطأ لذا فلأضحك .. هم يقدسون محمد ويسوع والبقرة فلأتبعهم لأنخرط فى مجتمهم .. هكذا نشأ الإيمان بالإله والمقدس من نفسية القطيع .
- ثقافة القطيع تنتعش وتتعضد من وجود قطيع عريض يتبنى فكرة , فليس من المعقول أن المليارات والملايين على خطأ وأفكارى الشاكة صحيحة فلأنضم للقطيع وأزود عنهم وأدعمهم .. إنهم يغفلون عن شئ هام وهو إن إنتماءهم للقطيع جاء من عوامل البيلوجيا والتاريخ والجغرافيا .
- الأديان ضد التعايش السلمى فلن تجد ديناً لا يعلن عن عداء ومؤامرات للشيطان أو لشعوب أو لفكر مغاير , فبدون هذا التجييش لن تقوم للدين قائمة وأنصار ومريدين , فهناك خطر مزعوم يجب مواجهته والنتيجة عداء وكراهية ووهم مستمد من هذا الفهم وتلك الفوبيا .
- الطاعة أقبح سلوك يتم تصديره وترسيخه فى النفس البشرية بغية تمرير الخرافة والوهم ليصب فى مصلحة أصحاب القوة والنفوذ والجاه من الأنبياء وأولى الأمر ليستفيدون منه.. الطاعة هو تسليم برأى وفكر القوى بلا جدال أو حوار ليفقد الإنسان حريته ومنطقه وقدرته فى التعبير والجدل .. لن ينشأ مجتمع إنسانى حر مع مفهوم الطاعة .
- من الخصال القميئة للفكر والفلسفة الدينية أنها أفقدت الإنسان ثقته فى نفسه وعلمته أن يلقى فشله على الخارج فى حسد ومؤامرات الآخرين أو الشيطان أو إختبار الإله فلا يقف أمام نفسه فى أنه سبب الفشل والإخفاق .
- عندما ترى عبارات وصلوات التذلل فى كل دين وتماهى المؤمنين فيه , فلا تسأل من أين أتى الذل ووجد حضوره فى المجتمع تجاه الحاكم وكل صاحب قوة , فهناك فلسفة التذلل لكل صاحب قوة .
- لم يتحرر الإنسان فى المجتمعات الدينية من قيم وسلوكيات مجتمع العبودية , ففلسفة الفكر عبودى فهناك سيد فى السماء وهناك عبيد على الأرض لتمتد الفكرة وتحاط بورق من السلوفان الملون لتكون العبودية لأصحاب القوة فهناك أسياد فى الأرض يتمثلوا فى أصحاب القوة والبطش والمال وعبيد فى الأرض يتمثلوا فى الفقراء والنساء والمهمشين .
- هناك فرق هائل بين سؤال ماسبب هذا وبين سؤال من صنع هذا , ف(ما) تسأل وتبحث , بينما (من) تقر وتفرض إجابة , السؤال ما سبب هذا قد تقودك لمن صنع هذا بدون تهور وتسرع .
- أثبتت جائحة كورونا أن إيمان البشر بالإله إيمان نمطى تلقينى برجماتى هش يُعبر عن حرج شديد , فبلوة كورونا من الإله كما يعتقدون وهو لم يدفعها عن البشر بل سمح بإنتشارها ولم تشفع الصلوات والدعوات , وليستجيب الدينيين بإغلاق المساجد والكنائس والإنصراف عن الصلوات والأعياد وكأن هذا الموقف هو صرخة إحتجاج ضد فكرة الإله الشرير أو العاجز .
- فكرة الله فكرة ضارة ليس على مستوى خطأ ووهم هذه الفكرة بل بما تصدره من فكر يبعث الدونية والإنحطاط , فالله أكبر وله الحمد , والحمد هنا ليس على النعم بل على المصائب والبلايا .. المصيبة أن المؤمنين بدلا من أن يبحثون فى سبب البلايا وكيف يتجاوزنها يمتنون لصحاب البلايا .. فكر عبودى حقير .
- فكرة الإله هى الشماعة التى يلقى عليها الفاشلون والمحبطون ضعفهم .. عندما ننجح فى مقاومة المرض والداء فلن نتذكر ونمتن للإله وفى حالة الفشل سنتذكر الله وقديسيه واولياءه .. عندما ننجح فى إدارة أعمالنا وأرزاقنا فسنعزى هذا إلى حسن تخطيطنا وكفاءتنا وعندما نفشل سنعزى أن هكذا إرادة الله ورزقه .. الإله شماعة عجزنا وفشلنا ليبقى الإغفال عن البحث فى سببية العجز والفشل .
- نشأت فكرة الإله منذ البداية ووجدت حضورها حتى الآن مع كل خوف من المجهول وعجز عن فهم الحياة والوجود .
دمتم بخير
لوبطلنا نحلم نموت .. لو بطلنا البوح بأفكارنا نختنق .. فلما لا نحلم ونصرخ .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟