أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - هدى الخباني - عماء اللغة















المزيد.....

عماء اللغة


هدى الخباني
كاتبة

(Houda El Khoubani)


الحوار المتمدن-العدد: 6578 - 2020 / 5 / 30 - 11:29
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


هل الشعر أعمى والنثر مبصر؟".
تسود اليوم في البلاد، حالة من ديمقراطية الديكتاتورية، لكن عندما نحاور شخصا له وجهة نظر مختلفة، فإن إجابته ستكون على النحو الآتي: إنني مع ديمقراطية الديكتاتورية.لكن هذه المرحلة لم نصل إليها بعد،فما يسود اليوم هو ديكتاتورية الديمقراطية.
نصغي إلى هذا الحديث، فنحار كيف نرتب مقاصده، هو سرد، رأي مرسل، سمه ما شئت، لكنه يدور في العماء.
فاهتزازاته الكثيرة تمنع علينا القبض على مقصده، واهتزاز اللغة هنا ليس اهتزازا في الفك، بل هو اهتزاز في عصب داخلي تحت الجلد، هو عصب الحياة والانتباه.
يقول جان بول سارتر إن اهتزازات الكلمات شبيهة بالهزات الأرضية والأفلاك. إنها خطيرة وتكشف عن اهتزازات عميقة الفور في الحضارة ذاتها.
اللغة الموصلة (Transitif ) أو المتعدية، واللغة اللاموصلة (Intransitif) أي اللازمة، هما العباراتان اللتان استعملهما رولان بارت في كتابه " الدرجة الصفر للكتابة "، للتمييز بين لغة العلوم الإنسانية والاجتماعية والطبيعية من جهة، ولغة الفن من جهة ثانية، فهو يصف الأولى بأنها لغة موصلة بالضرورة، والثانية بأنها لغة لا موصلة بالضرورة .
فلغة العلوم في رأيه، لغة مشروطة بغايات محددة ترمي إليها.فإذا انتفى الوصول إلى هذه الغايات انتفى مبرر اللغة. فأنت حين تعرض نظرية الجاذبية لنيوتن على سبيل المثال، أو النسبية لأينشتاين، إنما تستعمل التعابير والمعادلات اللغوية التي توصل إلى الغرض المحدد بكل دقة.
كذلك حين تعرض نظرية الانعكاس الشرطي في علم النفس، أو نظرية السوق في الاقتصاد، أو نظرية الندرة، أو نظرية النشوء والارتقاء، فإنك ملزم بالضبط والدقة والاختزال والإصابة، وهذه هي عناصر معنى الإيصال.
أما لغة الفنون، فيعتبرها "بارت" لغة مكتفية بذاتها، لا غائية، لا غرضية من وراء اللغة، فهي ذات اكتفاء ذاتي وإشباع، إنها بنية لغوية لا تاريخية ولا اجتماعية، وبالتالي تكاد تكون مقفلة على ذاتها، فالفن في أساسه الالتباس، أما العلم فمن مشاكله الالتباس.
يفصل جان بول سارتر في كتاب 《الكلمات》بين الشعر والنثر، فهو يعتبر الشعر لعبة لغوية تدور في الفراغ، وليس لها التزام، بعكس النثر الذي يرى فيه سارتر ضرورة الالتزام. الناشرون ملزمون بالمعنى وإيصاله، أما الشعراء فلا دور لهم سوى الدوران في مدار الكلمات المغلق.
والرأي هذا، جزء من حاصل تطور تكنولوجي وسياسي لمفهوم الثقافة في الغرب، جنحت من خلاله إلى تغليب الشكل (Forme) و العنصر الآلي على أي معنى غير منظور ديني أو أخلاقي في الإنسان أو الكائن.
وهناك تحفظات كثيرة حيال ذلك، أخذت تظهر في داخل البنية الثقافية للحداثة، في اتجاه تجاوزها إلى ما بعدها، والانتقال من البنية الشكلانية المتراصة إلى التفكيك، والبحث عما قبل الشكل أو ما وراءه من جوهر وجود وكينونة ، من روح أو سحر أو دين أو عنصر بدئي_بدائي، فكان ارتداد إلى ما يشبه الدادائية الجديدة، فأعيد الاعتبار إلى تريستان تزارا في فرنسا، وتم في الولايات المتحدة الأمريكية إعادة اكتشاف الرسام "بن شايم"(بن حاييم)في لوحاته التعبيرية التي تستر التقدم التكنولوجي بما يشبه البدائية.
ويتم الالتفات أكثر فأكثر نحو الطقوس الدينية وما يعمر به في الشرق من روحانية قديمة، كما تم الانتباه إلى الأساطير الشعبية والخرافات والعبادات الرائجة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
أسأل: هل من اللازم دائما، أن يتم تحديد الشعر في موازاة النثر، والنثر في موازاة الشعر؟ أليس من موقع ثالث لهما معا؟ وأسأل: أين؟
المحير حول ما هذا؟ وما ذاك؟ هو أنه أحيانا، تنطبق أوصاف هذا على ذاك، وذاك على هذا..ويجد المصطلح نفسه واقعا في مأزق التسمية الذي حاول أن يتلافاه فوقع فيه، من ذلك على سبيل المثال ما قاله الباحث زياد بركات، في بحث له يحدد فيه حدود النثر وحدود الشعر، ويرسم لكل منهما حقلا وهوية، فالنثر في تصور بركات كائن خاص قائم بكينونته. مجده وطموحه أن يكون" مبتذلا"_بتعبير الكاتب.
وخصوصيته هي في أن يبتعد عن "الشعرية " كمعيار.فقد "وُجد لكي يسلي الآخرين "، وله فضائحه الكثيرة، فبذرائعيته الرخيصة يكشف عن مراياه الصافية التي لا تعكس إلا الوحل.إنه مضلل وبرجماتي وسيد وخادم في الوقت نفسه، بدءاً من خطب الرؤساء، انتهاء بابتهالات الوعاظ، مروراً بالاستدعاءات التي تكتب على أبواب المحاكم. ثمة ما يثبت دائماً فضيحة النثر وطلاقه مع الإخلاص لمبدأ واحد أو حتى الإخلاص لكاتبه". فليس على النثر أن ينتج شعريته، سيكون، إنتاج ذاك، الأسواء، بل الخائن لنفسه، المحكوم بعقدة نقص تجاه الشعر.سيكون له شعور بالدونية.
يرى بركات أنه لا قيمة للمؤلف والطقوس والموضوع في النثر، بل هو سرد طويل مهذار جميل مبتذل حي حكائي نثري ناقل ونافل، للسوقة والملوك وللخاصة والعامة، وهكذا ينتشر ويتدافع، وينهي بركات فكرته بالجملتين التاليتين:
《لا قداسة أبدا في النثر》، 《لا شعر أبدا في النثر》.
حسنا، قلت في نفسي: إذا كان هذا هو النثر، وهذا هو اقتراح حده، فهو أيضا "الشعر " في الاقتراحات الحديثة والمابعد..لحدوده.
فما صح من أوصاف بركات على الأول، يصح على الثاني، فهو أيضا(أي الشعر) صعلوك سردي هامشي جرائدي منتشر متفلت كاسر وقح حر مغامر مسلّ رؤيوي قديس مبتذل مرتب مبعثر ثقيل خفيف طائر منغمس في القذارة انغماسه في الطهارة، بل لعل كل معنيين واحد فيه، وبالتالي ليس له سوى أن يعرف بذاته الهائلة المنفلشة على اليابسة انفلاش الموجة على الرمال.
هل نعود إلى السؤال من أوله؟ هل الشعر أعمى والنثر مبصر؟
بمقدار ما هو السؤال قلق، الجواب صعب، تبدو لنا إشكالية في علاقة الفن بالعلم، وعلاقة كل منهما باللغة.ونعني بالإشكالية هنا مشكلة مفتوحة لا حل لها. طرحت المسألة بشكل شامل ومتنوع المجلة الفرنسية المسماة "أوترمان"Autrement" بإصدارها عددا خاصا بهذه العلاقة، ضمنته أبحاثا حول علاقة العلوم الفيزيائية والرياضية الحديثة- من خلال نظرية أينشتاين في النسبية- مع الفنون التشكيلية بشكل خاص، سيما المدرسة التكعيبية التي مر بمرحلتها بابلو بيكاسو من خلال لوحته الشهيرة" فتيات آفينيون " ولوحته الأخرى" الموسيقيون" ورسخها براك في رسومه وتجاربه.
وكان أستاذ الجماليات الفرنسي بول لابورت قد أعد أطروحة جامعية حول علاقة الفن التكعيبي بالنسبية الفيزيائية والرياضية، ووجه سؤالا إلى ألبرت أينشتاين حول رأيه في جدية هذه العلاقة، من حيث كون الفن التكعيبي يتسند إلى الاختزال الهندسي وإلى تعدد زوايا النظر والأبعاد للمنظر الواحد، حيث لحظ البعد الرابع في الفن التشكيلي، المتعلق بالزمن، فهل هو عينه " التتابعية" في النسبية؟
لم يوافق أينشتاين لابورت على افتراضاته، ولكنه أشار إلى نسبية إبداعية في الشعر الصوفي والديني، تلتقي مع النسبية الفيزيائية والرياضية.
هل في الشعر الصوفي تندمج كل الافتراضات والعناصر، كما تندمج المياه في البحر ؟
هل الميتافيزيك أساس الشعر والنثر والوجود والعدم؟
إنها أسئلتنا اليوم على كل حال، مثلما هي أسئلة قديمة قديمة ■



#هدى_الخباني (هاشتاغ)       Houda_El_Khoubani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طريقي إلى الجامعة
- مرض - Sexophobia- في حصة موضوعها - الثفافة الجنسية -
- رسالة إلى الله
- عبد الهادي روضي: لوحة تتعانق فيها الألوان.
- الجوع في بطني يقتل حتى الجوع.
- الثانوية التأهيلية محمد الزرقطوني: هرطقة في هرطقة
- عبد الله: الحنين إلى مجهول
- حبنا يا حبيبي
- لقاء
- يوميات
- نص شعري: مسافة عشق
- نص شعري: امرأة


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - هدى الخباني - عماء اللغة