أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبد السلام الزغيبي - صديقي.. مدمن المحاكم...














المزيد.....

صديقي.. مدمن المحاكم...


عبد السلام الزغيبي

الحوار المتمدن-العدد: 6577 - 2020 / 5 / 29 - 23:39
المحور: كتابات ساخرة
    


صديقي.. مدمن المحاكم...

قلم/ عبد السلام الزغيبي


تقول الحكمة المعروفة،"الناس في ما يعشقون مذاهب"، وربما من أغرب أنواع العشق وأكثرها تكلفة، وبالأخص على الصعيد النفسي والاجتماعي والأسري، الذي يحمله عدد من الناس للذهاب إلى المحاكم أو كما يطلق عليهم، " عشاق أو مهووسو المحاكم ". ويصل هذا الحد من الهوس إلى ترددهم عليها يومياً أو بشكل شبه مستمر كأنه مكان مقدس، رغم أنه لا يمكن منعهم من ذلك كونه حقاً مشروعاً لهم. هؤلاء لديهم حب المعرفة والفضول في جلسات المحاكمات وبالذات التي تعقد بالقاعات في الجلسات العلنية.

هم أناس بسطاء تبدو على وجوههم الهشاشة الاجتماعية، ليسوا أطرافا في الملفات المعروضة على القضاء ولا تربطهم علاقة بها، يخصصون أوقاتا من حياتهم للتردد على قاعات المحاكم، لا لشيء سوى لمتابعة أطوار الجلسات المثيرة، حتى أصبحوا مهووسين بالاطلاع على مشاكل الناس وهمومهم داخل المحاكم، ودفعهم هذا الهوس إلى ترك أشغالهم والحضور إلى المحكمة.

حسب علم النفس، إن الطبيعة البشرية بها خصائص ومكونات وتختلف من شخص لآخر، ومنها على سبيل المثال إدمان شخص على شيء معين بسبب أو من دون سبب. هذا الشخص يرتبط في أمر معين أي يعتاده ويصبح به مهووساً، حيث تجد من يقضي ساعات طوال في المقاهي أو السوق قصد الحصول على الراحة، فقد يصاب باضطراب نفساني وتصبح حالته بمثابة مرض نفسي، لا يمكن أن يتخلص منه إلا بتردده على مكانه المحبب. لذا نجد منهم الأشخاص المدمنين على زيارة المحاكم الذين يرون راحتهم داخل قاعاتها ومتابعة القضايا المختلفة من جنح وجنايات باختلاف دوافعهم وخصوصاً إذا ما كانوا من المتقاضين. مشيرة إلى أنواع من الإدمان أو التعلق الاجتماعي الذي يصل إلى حد الهوس كـ "الهوس على التسوق وكرة القدم والنظافة".

تعرفت على واحد من هؤلاء بالصدفة، هو جاري ويكبرني في السن، وكنا معا في فرقة مسرحية، ولم أكن أعرف أنه مهووس بهذا الشئ، حتى جاء في يوم من الايام غاضبا، يحكي لي عن شخص قصده من أجل تسهيل إستخراج جواز سفر وإصدار تاشيرة سفر من فرع جوازات بنغازي"، فرضت تاشيرة خروج على الليبيين الذين يريدون السفر للخارج ثم الغيت" لكن صاحبه، قال له:" عليك وعلى فلان الفلاني، هذا الوحيد اللي يقدر يخدمك"، ورد عليه:" معقوله أنا ولد لبلاد نمشي نصبي على الصادشين* هذا" هضي عقابها"..

قلت له:" وانت مالك وماله، أمشي انهي موضوعك، وبعدين منين عرفت أنه صادشين؟ قالي:" شفته من كم يوم في المحكمة في قضية طلاق، وأنا استغربت لما عرفت أنه مش ليبي؟ قلت له:" أنت شنو أدير في المحاكم؟"
قالي:" كيف أنت مش عارف اني كل يوم غادي، نمشي نكسد بعد نكمل الشغل".. قتله شكلك فاضي، قالي عندي حكايات واجدة توا نحكيها لك.

في تلك اللحظة عرفت ان جاري كانت لديه هذه الهواية الغريبة - حسب نظري- وهو التردد على المحاكم وحضور الجلسات. كان يخرج حسب ما حكى لي من عمله مبكرا بأي حجة كانت ويذهب إلى قاعة محكمة بنغازي القريبة من عمله - لحسن حظه- ويحضر جلسات المحكمة من بدايتها ويسمع أقوال المتهمين والقاضي ومرافعة المحامي والنيابة، وأصبح يخصص جزءا من وقته للتوجه إلى قاعات الجلسات كلما أخبره أصدقاؤه بوجود ملف مثير يروج داخل ردهات المحكمة.

في كل مرة نلتقي كان يحكي لي ما تابعه في ذلك اليوم ويذهب، ويحضر في المرة الثانية مع حكايات مشوقة جديدة.

بعد مغادرته، كنت أتسأل عن الهدف الحقيقي من مثل هذا التصرف؟ هل هو مجرد هواية ورغبة في المعرفة؟ أم هو نوع من الفضول، والتطفل يرقى الى درجة الهوس..والادمان..؟

عندما سألته في إحدى المرات بشكل صريح ، لمذا تتردد على جلسات المحكمة؟ قال لي: " لست أنا وحدي الذي أتردد فهناك عدد أخر من الأشخاص يترددون على المحاكمة بصفة يومية حتى بات الأمر اعتيادياً بالنسبة لنا، قلت له" لكن الامر يعتبر نوع من أنواع الهوس، فأنت وهؤلاء لستم أطرافاً في القضايا المعروضة، والمحكمة ليست مركز تجاري أو مكان للتسوق لقضاء بعض الوقت في قاعات الجلسات لتكون متنفساً لكم، وتمضية الوقت.

قال لي وهو يبتسم، لقد أصبح البعض من هؤلاء خبراء في القانون، يعرفون في العقوبات التي يمكن أن يصدرها القاضي، وما إذا كانت أحكامه مشددة أم مخففة لمعرفتهم المسبقة بطبيعة القضايا والاحكام.

قلت له:" وانت مالذي أكتسبته من حضور جلسات المحاكم؟".

أجاب:" ترددي على المحاكم أكسبني تجارب في الحياة من خلال الاطلاع على مشاكل المجتمع الليبي، ومتابعة طرق ارتكاب الجرائم وقضايا النصب والاحتيال والسرقة والقتل والاغتصاب والفساد" واضاف:" لقد أصبحت مهووسا بمتابعة قضايا كثيرة، لأن مشاكل المجتمع الليبي لا يمكن أن يعرفها الإنسان إلا من خلال المحاكم"،:" أن إدماني على متابعة القضايا أكسبني خبرة في الحياة، لقد أصبحت ملما بجميع مشاكل المواطنين، وعلى دراية بمعطيات خطيرة حول أسرار المجتمع الليبي من خلال القضايا والنزاعات التي تنظر فيها المحاكم.

واضاف:" هل تعرف إن محكمته شمال بنغازي تسجل شهريا العشرات من حالات الطلاق، وإن هذه النسبة ثابتة منذ أعوام وقابلة للتناقص بالرجوع إلى بيت الزوجية، أو الزيادة وفق حالات الطلاق الجديدة.

ومن المواقف الطريفة والغريبة، التي حكاها لي جاري وصديقي أن هناك شخصاً يحضر دائماً معه وجبته الغذائية ويأخذ موقعاً معيناً في ساحة المحكمة، ويبقى جالساً مستمتعاً في وقته وبعدها يأخذ في المرور على كل الغرف ويبدأ بالسلام على جميع الحضور والمتواجدين، ويحضر الجلسات ومن ثم يغادرها في موعد الدوام الرسمي كحال الموظفين، دون أن يعرف أحد السبب في قيامه بذلك أو طبيعة وظيفته.


* هم الليبيين العائدون من المهجر " مصر"



#عبد_السلام_الزغيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تائه في أومونيا....
- في أثينا.. بدأ (الحوار) ولم ينته بعد
- هل تكون نهاية -فيس بوك- على يد توكل كرمان..
- قانون ساكسونيا الليبي...
- اليوم يا غريفة فيك الضي..
- لا تذم ولا تشكر إلا بعد سنة وست أشهر..
- الليبيون والسخرية من فيروس الكورونا...
- الحياة في زمن كورونا...
- من وحي كورونا ...
- حارس المدينة المتعبة وميلاد صوت شعري جديد
- رواية تمر وقمعول ... ابداع السرد
- نحن والافيال...
- حصاد معرض القاهرة للكتاب
- أحتفالات رأس السنة.. من بابل الى اليونان
- بصمات عربية في مسيرة الفن والاعلام الليبي ( 2/2)
- الاستعانة بالخبرات العربية في مسيرة الفن والاعلام الليبي ( 2 ...
- لاستعانة بالخبرات العربية في مسيرة الفن والاعلام الليبي ( 2/ ...
- في أثينا.. في كل يوم خطاب وفي كل يوم مسيرة
- طرابلس السبعينيات التي عرفتها
- الاستنجاد والتوسل بأولياء الله الصالحين


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبد السلام الزغيبي - صديقي.. مدمن المحاكم...