أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سدخان - صعلوك عاشق














المزيد.....

صعلوك عاشق


حسين سدخان

الحوار المتمدن-العدد: 6577 - 2020 / 5 / 29 - 13:38
المحور: الادب والفن
    


كانت الريح محملة بالامطار السوداء التي تبدو وكأنها شويت على النار ورائحة الشؤوم تملئ الشارع الطويل الذي أندفع به محسن مؤخرا وحيدا ثملا، أندفع حاسر الرأس في ذلك الشارع الكئيب وراسه يميل هنا وهناك كرأس القائد المصفوع على وجهه .. كان يرتدي قبعة سوداء مرقعة وثياب متهرأة لا يمكنها أن تقاوم البرد القارص الذي ينخر العضام ويجمد المفاصل، متجها الى منزل صديقه الذي كان يشارف على الإغلاق بعدما أحيت به ليلة لم يكن يعرف غايتها، كان جثة ثقيلة ومتثاقلة لم يكن قادرا على المشي حتى آلته الموسيقية (الناي) كانت تتخبط على جذعيه، ولذلك بدأ يخاطب الهواء المجنون لكي يحرض قدميه من أجل الوصول
وصل أخيرا لكنه صدم بصدفة خروج ذلك الغليظ الملتحي ومعه ثلاث رجال مرتدين عبائات وعمائم سوداء، وظهر خلفهم زميله أحمد بنفس الزي لكنه جميل الملامح، ذو لحية بيضاء مسترسلة الى الاسفل ... توقف عن السير وبقي ينظر اليهم وفي يده كأس الخمر، وقال :
-أريد المكوث هنا، فأنا متعب !
سخروا من سطحية تفكيره مشبهينها بمشاعر الساذج، وقال أحدهم :
-إرحل من هنا يافاسق
نظر محسن اليه من تحت حاجبين كثين وقال :
-أتعلم إني أرغب في التغوط عليك !! أحس بأن معدتي ستنفجر،
-أقسم إني لو لم أكن امام بيت الله ﻷبرحتك ضربا ياكافر !

تكلم أحمد وكان يحب محسن حبا شديدا، قائلا :
- كفاكم شجارا، محسن اتمنى أن تقضي هذه الليلة في منزلي، وهناك سأجعلك تستحم وتغير ملابسك ..
كان محسن لايجرؤ على الكلام مع أحمد لشدة إحساسه بطهارة أحمد، وحينما أنهى أحمد كلامه بدأ وكان عصا غرست في مؤخرات البقية، ولذلك وقف احدهم على أطراف اصابعه قائلا :
- حقا تريد ان تأخذ هذا الكافر معك؟!، في الصباح يجمع الناس من حوله بالعزف ويلهيهم عن عبادة الله، ومايجمعه من مال يشتري به خمرا في الليل ،صدقوني هذا الرجل الرجم قليلا في حقه، لعنه الله !!

دنى محسن ليسأل أحمد ولايزال كأس الخمر في يده، بصوت يذيب الصخر :
-يأاحمد أشك بهؤلاء لايحبون صديقي ! ...
إبتسم احمد وأراد ان يتكلم لكن محسن سارع في الكلام صارخا بوجوههم، كاسرا جعة الخمر :
خذوا ربكم المجرم، خذوا ربكم المفخخ، إتركوا لي صديقي أنا أعلم بانه يستاء قليلا حينما أعاقر الخمر، لكني احبه كثيرا وعندما أراه يستاء احاول تقبيله على جبينه واخيرا أراه يبتسم لي ! ... أتفهمون أنه يبتسم لي

ثم رفع رأسه قاذقا بصقة مدوية غطت وجوههم وهرب راكضا بأقصى مايستطيع إلى أن تمزق طرف حذائه المهتري فدنى إليه بوجه منكسر والتقطها وقذفها بقوة نحوهم ولسوء الحظ لم تصل ..
كان يشهق ويبكي بطريقة محزنة ومزرية كإسفنجة تعصرها، بدت الدموع تسيل من عينه وانفه وفمه، سار وحيدا مرة أخرى مع الليل هذا الضيف البائس، كفاسق مسكين، كنهد معذب لعاهرة محترفة، مقاربا للنهر الذي كان يشق مدينته ويتلوى كأفعى بين ضواحيها، سار مخمورا بالعشق الالهي متأملا ذلك الوجه الحنون الذي يبتسم اليه مرارا، ولكن قطع ذلك التأمل صوت يمتزج بروح الغنج وكأنه سوط فرم مخيلة محسن، من حسناء ملتهبة :
- تذكر يامحسن منزلي مفتوح لك دوما !
صوب أسهم نظراته الشبقة الى نهديها المتدليان، وقال:
- لكن ليس لدي مال
إبتسمت بغنج ﻷنها تدرك كم هي فاتنة، وقالت :
- لكني رأيت الناس في الصباح تعطيك المال مقابل إبحارك نحو ديار ممزقة بنأيك المتهرأ
- نعم كانت لدي لكني أعطيتها لفتاة كانت تفترش عفتها كمزاد مقابل حفنة نقود لمتبضعين حاولوا أن يشموا زهرتها، أما الاغنى منهم فحاول تفجير ميسم تلك الزهرة
- ولم؟
- لان محتاجة لذلك المال لدواء والدتها ... نعم لقد اعطيتها جميع نقودي
ونظر صوب الشاطئ واكمل :
وسأعطيها ما سأملك كل يوم ! .. ولن أشتري حذاء من جديد إلا وجعلت الحياة تدب في ذلك الكائن الجميل مرة أخرى، وربما سأعطيها مالي الذي أدخره للخمر، أو أهجر الخمر !
- كفاك ياثرثار، هيا أدخل لا أريد مالك

بدأ محسن في تلك الليلة موسيقار عظيم يحسن العمل على كمان الاجساد المتعطشة ... وفي نهايتها إنتابته حالة من جلد الذات فأغمض عينيه وإبتسم وكأنه يرى صديقه معه ولاحاجة له أن يرفع راسه نحو النافذة التي كانت مفتوحة للسماء في تلك الغرفة وقال :
إسمح لي ياريحانتي هذه الليلة فقط ! .. وأعدك إني غدا سأدخل الى منزلك وانام في حجرك وانت تمسح بيدك فوق شعري، أعدك ..

في الصباح تحول محسن الى جثة مخشبة !!
لهذا كانت الشمس تتهيأ لتقذف نفسها خلف تلك البلدة معلنة انتحارها، وهاجرت العصافير بأجمعها الا عصفور كان يشير لحبيبته أمام النافذة التي خمد فيها محسن وقال:
ياملاكي هنا مات عاشق كان يروينا بلحنه صباحا، وقطع جميع فزاعات الحقول لكي ننعم بالحب لا بالخوف
ثم طوقها بجناحيه ومضى

أخرج محسن من غرفة عتيقة وسط أبنية متهدمة واخرى مبنية من طين، وانتصبت نساء عاريات على عتبات تلك الابنية بأيديهن مرايا يعملن على أغواء حتى الشياطين، حينها تواجدت ثلة قليلة لحمله وحدهم بعدما رفضت مجاميع من الناس الخروج بجنازته واعترضوهم حينما أرادو أن يدخلوا جثمانه لمنزل صديقه، بينما كان رفيقه أحمد في مقدمة تلك الجنازة وبدأ حزنه يتصاعد كأمواج البحر في نفسه وينحسر عند فوهة فمه مخفيا دموعه ﻹستلامه رسالة من نساء تلك البلدة وجدوها في جيوب محسن الفارغة ...
ولكن هنالك فتاة صغيرة كانت تنظر لهذه الحادثة من وراء ثقب حائط ممزق بوجه ممتعض حزين، اخذت تذرف الدموع بصمت كئيب وعاد مرة اخرى الجوع ليفترسها بأنيابه الحادة، لكنها هربت لتسرح شعرها، لتستبدل ثوبها بآخر اكثر عريا، لتطلي شفتيها، لتدلق قليلا من العطر على رقبتها ... واخيرا جاءها الظلام وابتلعها



#حسين_سدخان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سدخان - صعلوك عاشق