أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - يوميات ملازم -4-














المزيد.....

يوميات ملازم -4-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6573 - 2020 / 5 / 25 - 11:16
المحور: الادب والفن
    


بعد ذلك اليوم تولَّدت الرغبة في داخلي أخيراً لزيارة مدينة دمشق والتعرُّف إلى بعض معالمها، جبلها، حدائقها، جامعتها، جسورها، أحياءها، شوارعها ومقاهيها، رغم أني أعيش فيها منذ أكثر من نصف سنة. لكن لم تكن بحوذتي النقود الكافية لتمويل هذه المشاريع الصغيرة، ولا أقصد بذلك أكثر مما يلزم لأجرة التنقُّل بالسرفيس وشراء سندويشة فلافل وعلبة سجائر.
كان الراتب الشهري للملازم المجنَّد المقيم بالكاد يكفي لسفرتين من اللاذقية إلى الشام، أو لشراء ثلاثين علبة من السجائر الوطنية على الأكثر.
دخلت إلى مكتبي ذات ظهيرة مشمسة مضجرة وأنا أنتوي الإقدام على فعل شيء لم تتَّضح معالمه بعد، حدث ما يكسر الروتين الذي أعيشه، وجدت أنه مع الأيام قد تراكمت تحت سرير نومي وطاولتي مواد تموينية زائدة عن الحد الذي أحتاج إليه، رغم أني لم أطلبها منذ خمسة أسابيع.
كان لدي بعض المعلبات الغذائية وحوالي خمسة كيلوات من الأرز ومثلهم من السُكَّر والبرغل، مواد تكفي لغداء عشرين عسكرياً لثلاثة أيام على الأقل. أنبني ضميري وحزنت في سري فأنا أعرف أن المجنَّد بالكاد يشبع الطعام في هذا الحقل. في الوقت الذي يسرق فيه المساعد أو الضابط فَرُّوجاً كاملاً يوم الخميس وعلى مدار السنة، يحصل عشرة عساكر مجنَّدين على فَرُّوج مسلوق يأكلونه مع القليل من الأرز.
تتاولت حقيبتي السوداء وأخرجت منها ملابسي الداخلية وبعض الأشياء التي لم أستعملها بعد، ملأتها بالتموين الفائض لدي، أوقدت سيجارة وجلست على حافة السرير أفكّر بما ينبغي أن أفعله بهذه الحمولة الزائدة: أأوزعها على العساكر؟ أأعيدها إلى المطبخ؟ أأهديها لبعض المعارف؟ أم أسأل عمّن يشتريها؟

**

لم يكن قد مضى أكثر من أشهر قليلة على محاولة التفجير المُتعمَّد في مقبرة نجها أثناء زيارة الرئيس، حين جاءنا أحد رجال البدو مساءً وزعم أن هناك شخص إسرائيلي هارب من مكان ما ويخطّط لتنفيذ عمل تفجيريّ.
اعترانا الخوف والقلق والفشل في تحمُّل المسؤولية المناطة بنا تجاه قضايا وطننا وجيشنا.
جمع مساعد الانضباط حوله بعض العساكر الأشداء الموثوقين وأمرهم بالبحث عن الإرهابي، بعد عدة ساعات وجدوه مختبئاً في حفرة قريبة من الحقل. كان رجلاً غريب الأطوار في منتصف عقده السادس، يرتدي جلباباً وقد علّق في رقبته حبلاً ربط به دفتراً مهترئاً، بدا في الحقيقة عبيطاً درويشاً لا علاقة له بالإرهاب ولا بإسرائيل.
قال المساعد كيصوم إن الدفتر مكتوب بلغة لم يفهمها ومملوء بالرموز والإشارات الغريبة، وأضاف أنه قد وجد في محفظته عملة إسرائيلية.
فهمت يومها أنه من الخطأ وضعه في السجن ريثما يأتي العقيد صباح اليوم التالي ليتصرف بشأنه، لأن الرجل خطير وقد ينتحر في أي لحظة دون الاعتراف بجرائمه.
في منتصف الليل طلب المساعد كيصوم حضور دورية من المخابرات الجوية، سطَّر تقريراً وسلَّم الإسرائيلي للأيادي الأمينة.
مع مرور الأيام تناسينا الموضوع، بالأحرى لم نجرؤ على ذكره.

**



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات ملازم -3-
- يوميات ملازم -2-
- يوميات ملازم -1-
- الحب والغباء
- المُستَبِد اللطيف
- الجَلاَّد الحنون
- هاني أبو المجد
- يا من لم يعرفني قَطّ
- مقتطفات من كتبي
- في المهجع
- فول أخضر
- حصاد الحقل الإلكتروني
- السيدة كورونا
- المثلث
- المنحنى الأُسّيّ
- الكمَّاشة
- شيء أحمر كالقلب
- عن غسيل الزيزفون
- متفرقات
- وباء التاج الذهبي


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - يوميات ملازم -4-