أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - الزمن والزمن الأخر في سورة المؤمنين















المزيد.....

الزمن والزمن الأخر في سورة المؤمنين


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6566 - 2020 / 5 / 17 - 09:34
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في محاورة فريدة في سورة المؤمنون وإن كانت غيبية تتعلق بزمن قادم وليس بالضرورة أنها حدثت لعلمنا أنها تدور في يوم الحساب، وهو اليوم الذي يقابل البشر جميعا ربهم فيسأل ولا يسئلون ويعتذرون عن كل ما قدمت أيديهم ولكن لا مجال فقد جفت الأقلام ورفعت الصحف ولا عودة للعمل، فقد حان وقت الجرد وكشف الحساب بعد أن بلغت كل الأعذار مداها ولم تنفع الناس النذر وهم عنها غافلون، الفرادة في المحاورة ليس في نوع الحساب والجزاء، بل تكشف عن حقائق غابت عن الإنسان، حقائق العلم الذي يعرفه وتعلمه ومارسه في حياته، لكن لم ينتبه لها بالرغم من أنه يرددها في كل حين ويبني نظرياته وأفكاره عليها، وهي نظرية الزمن والنسبية في المقارنة بين زمن متحرك وزمن قد توقف، بمعنى أن زمن الحياة التي نعيشها وجوديا ليس هو ذات الزمن الذي نعده في الأخرة، لا قياسا ولا كيفا ولا معيارية ولا حتى بطريقة ولادته.
المعروف في قانون الزمن هو الحركة مقاسة على عامل المكان، والحركة تحتاج لتحديد وجه تتجه له حتى يعرف نوع الزمن وقيمته، فعقارب الساعة مثلا تدور بشكل محدد تبدو فيها للذهب البشري أنها تتقدم للشرق والأمام، الشرق بمعنى أستقبال الجديد الذي سيولد في اللحظة التالية المنتظرة، فبدون شروق للحظة لا يمكن أن نعد للزمن الاتي بل نؤشر أما للوقوف أو للعودة للماضي، فكل دقيقة أو ثانية أو جزء منها هو شروق ثم تجانس وتخالط ثم غروب، لذا كان السؤال في هذه المحاورة يدور على هذه الحقيقة (قَٰلَ كَمۡ لَبِثۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ عَدَدَ سِنِينَ) 112.
قد يكون السؤال عن السنين التي عاشها الفرد ككائن أدرك معنى الوقت والتوقيت، أو السنين التي عاش فيها الإنسان في الوجود منذ أول خلقه حتى أنتهاء وجوده في الحياة، وفي كلا الحالين لا يفرق فالسؤال ما زال في طلب الاجابة عنه، هنا ممكن أن يجيب الإنسان عن ذلك بقياس الزمن الذي عاشه سابقا ولكن كيف يمكنه تحديد القياس وقد أنعدم عامل المعيارية الآن، فالزمن الذي كان تاريخيا له في الماضي لم يعد صالحا للقياس الآن، فيجيب قياسا للزمن الراهن الذي هو فيه من باب النسبية والتناسب بين الأشياء فيقول (قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖ فَسۡ‍َٔلِ ٱلۡعَآدِّينَ) 113، من صيغة الجواب هنا نستكشف أن السؤال للجميع وليس تحديدا لفرد وبالتالي فالسؤال المطروح هنا هو عمر البشرية كلها وليس عمر الفرد، النقطة الأخرى هناك مصطلح جديد لم يلفت له الأنتباه، أو لم يدرك على وجه التحديد في فكر المفسرين، وهو مصطلح (العادين).
هذه الكلمة أو المصطلح من الكلمات القليلة التي تجاوزها المفسرون وعلماء اللغة وفقهاء اللسانيات، وعدوها من ضمن مفهوم كلمة (عادون)، أما جذر العاد فهو غير جذر (المعتد) بأختلاف المقصد والدلالة، عد يعد فهو عاد وجمعها عاد عدادين أو عادين وتفيد الحساب والعد، أما كلمة أعتد يعتد فهو معتد وجمعها المعتدون أو عادون وتفيد التجاوز والأعتداء، أنظر مثلا ما ورد في تفسير الميزان {المسألة أكثر وضوحاً، حيث ذكر صاحب الميزان عند تطرقه للآية في سورة المؤمنون (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) المؤمنون 7، أي المتجاوزون ما أحل الله لهم إلى ما حرمه عليهم، وأيضاً يذكر صاحب الميزان مرة أخرى في تفسير سورة المعارج (قوله تعالى "والذين هم لفروجهم حافظون - إلى قوله - هم العادون" تقدم تفسير الآيات الثلاث في أول سورة المؤمنون.) مما يوحي بتشابه المعنى لديه، وأما في سورة الشعراء فيقول (وقوله "بل أنتم قوم عادون" أي متجاوزون خارجون عن الحد الذي خطته لكم الفطرة و الخلق)، ومما يلحظ أن المعنى المشترك هو التجاوز للحد أيضاً}.
لم يتطرق صاحب تفسير الميزان ولا غيره في تفسير كلمة العادين إلا من خلال جعل كلمة العادون هي ذاتها كلمة العادين، مع أن محل الكلمة ودلالاتها تختلف في السورة الواحدة، هنا الله يخبر البشر عن الزمن ويطلب منهم السؤال عن ذلك من العادين، وبحسب تفسير المفسرين يطلب منهم السؤال من الذين تجاوزوا الحد وأعتدوا على حدود الله، بمعنى إجمالي وهو صورة من سور العبثية في التفسير الأعتباطي أنه يسألهم أن يسألوا المجرمين عن ذلك، وكأن المجرمين هم أصحاب العلم والخبرة ولم يقول الله فيهم ووصف حالهم مذهولين لا يعرفون حتى انفسهم (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) الحج 2.
فهل يسأل السكران عن مسألة تحير البشر كلهم فيها بما فيهم من أنبياء ورسل وصالحين وووو الخ، إذا هذا التفسير لم يكن صائبا وعلينا العودة إلى مفهوم العد والحساب وأن هناك فئة من خلق الله مختصة فيع يسمون العادين، أما هم نفسهم الكرام الكاتبين الذين مهمتهم نسخ كل ما يفعله الخلق في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيره إلا أحصاها، أو غيرهم ممن ورد ذكرهم في الآية التالية (فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) مريم 84، فالعادون هم جند الله الذين يعدون ويحسبون.
المفترض من متابعة الحوار أن الحشر بما فيه لن يتحركوا ولم يسألوا لأنهم في حضرة علام الغيوب، الذي يعلم ما يسرون وما يعلنون، فيأت الجواب منهم (قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يوم)، هذا تقديرهم للزمن بين ما عاشوا فيه وما هم فيه الآن، فهم يتكلمون بلسان وقياس ومعيارية الزمن الأخر، ومع أن التقدير منهم كان تقريبيا وأحتماليا بدليل عدم الجزم به (يوما) أو (بعض يوم) دلالة عدم التأكد من المقياس، يجيب الله أنهم مع تواضع التقدير فيقول (قَٰلَ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ لَّوۡ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ)114، هذا القليل من عمر البشرية ليس قليل فعلي بمقياس زمننا بل بمقياس الزمن المتباطئ في عالم ووجود الأخرة، ويكمل الجواب نافيا علمهم بهذا الزمن وماهياته وقياساته، فيثبت لنا من هذا وما تقدم أن الزمن هناك يختلف تماما عن زمننا الحاضر الزمن التاريخي الذي عاشه البشر بالوجود، وأن هذه الحقيقة غائبة عن علمهم بدليل قوله (إن كنتم تعلمون).
الهدف من هذه المحاورة وعرضها بهذه الصيغة والكيفية مع أننا قلنا أنها أفتراضية طالما لا يوجد دليل وحجة وبرهان بكون ما جرى بالمحادثة قد حصل لأن جزء مهم من البشرية ما زال في الحياة الدنيا ولا نعلم كم بقى لنا من زمن الوجود، ومن ماهية السؤال أن الطلب كان موجها لكل البشرية دون أستثناء ولا تجزئة، إنما أراد الله من هذه المحاورة التنبيه لنقاط عدة منها.
• إن الزمن مرتبط بحركة الوجود وهو نتاج وليس حد بمعنى أنه ليس مستقلا عنه، ولا عاملا خارجيا يؤثر على الوجود بشكل فوقي أو غيري.
• إن الزمن ممكن له أن يتغير تبعا لتغير الحركة الوجودية فيبطأ عند بطء الحركة ويسرع بسرعتها، هذا القانون هو من القوانين التي أكتشفها البشر لاحقا من خلال التجربة العلمية والدراسات المتخصصة.
• وأبضا إن الزمن من جهة أخرى مرتبط بإحساس الإنسان به، بمعنى أن حاسة حساب الزمن التي هي في عقل الإنسان مسئولة عن إدراك الظاهري منه، وليس فقط مجرد وحدات ثابتة تجري بأنتظام، فقد يشعر احدهم بطول الزمن والأخر بقصره وكلاهما في مكان واحد وفي حال متشابه.
إذن الزمن عند الله نسبي تماما يتحرك في حدود عدة بين ذاتيته المرتبطة بحركة الوجود الشاملة، وبين موضوعية المدرك والمتحسس له، وبالنهاية فهو إدراك أيضا مرتبط بقياس العقل وفاعليته، فالوقت لمن لا يدرك ليس بذي أهمية بينما للحريص عى وظيفته الوجودية شديد الأهمية لأنه مرتبط بنتيجة كبرى، نتيجة أنه سيكون في عالم أخر مطلوب منه أن ينجح بالتجربة هنا كي ينجح بالتجربة هناك لو تحققت أو لم تتحقق فهو رهين الزمن، هنا تأتي آية لتختم المحاورة وتكشف النتيجة السابقة بوضوح (أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ) 115.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث دروس من سورة الحج
- نسخ أم فسخ
- المغضوب عليهم والضالين
- صورة الحياة الأخروية في النص القرآني
- سورة الكهف بين الصورة والتصور
- منهجية الدعوة لله في سورة الإسراء بين الترغيب والتخويف
- الأمر الرباني بين الإلزام والألتزام
- رواية (حساء الوطواط) ح 20 والأخيرة
- جدل التوحيد في قصة يوسف ع
- إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في القرأن حقائق مغيبة وأفتراءات تاري ...
- مصاديق مصطلح الكتاب.. قراءة في سورة هود
- الدعوة الدينية وأساليب الجدل العقلي في سورة يونس
- لماذا الكاظمي رئيسا...
- الأستنباط المنطقي منهج الأنبياء وأولي الأمر في الكشف عن موضو ...
- الراهنية الزمكانية في النص القرآني واثرها في ترتيب الحكم الش ...
- رواية (حساء الوطواط) ح19
- الدين وفلسفة الوجه الأخر.
- حقيقة صلاة الجماعة في الإسلام...لا فرض ولا سنة.
- دور الكذب كعامل النفسي في هلاك القرى
- دروس رمضانية قرآنية في سورة الأعراف.


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - الزمن والزمن الأخر في سورة المؤمنين