أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين سليماني - أمي...أنت حيوانة؟!















المزيد.....

أمي...أنت حيوانة؟!


ياسين سليماني

الحوار المتمدن-العدد: 6566 - 2020 / 5 / 17 - 00:23
المحور: الادب والفن
    


لم تكتف جان ديبير بقتل الثمانية رجال والمغادرة بهدوء ولكنها كانت تقتلهم بطريقة متوحشة وتستمتع وهي تنظر إليهم بينما تتسرب الحياة من أجسادهم نقطة نقطة لذلك لم يكن صعبا على ابنها الشرطي الذي تركته في طفولته لتقضي عقوبة المؤبد في سجن باريسي أن يقول لها في لقاء عنيف: "أنا أتعذب منذ 25 عاما بسببك، …ربما كذبت عليّ بالأمس بشأن أبي، ربما كان رجلا صالحا، ولكن ربما كان شخصا لم يعد يتحمل الحياة مع امرأة مجنونة، وحش، حيوانة" لتصرخ بواحدة من صرخاتها النادرة في كامل العمل الدرامي المكون من ست حلقات: "توقف".
القتل الوحشي الذي كانت تمارسه ضد رجال يربط بينهم رابط أساسي: أرباب عائلات إما هجروا أسرهم وتركوها للألم وإما متورطون بممارسات جنسية ممنوعة ضد أفراد من الأسرة، ضد الأبناء بالأساس. كان التعذيب ثم التقتيل بتلك الطرق جزاء مناسبا لكل ما اقترفته أيديهم. إنه نوع من "تصحيح الأوضاع" كانت تقوم به امرأةٌ "تقلّد ما تفعله أكثر الكائنات المتوحشة" كما يقول الخبير بمجال السفاحين الذي ظهر على محطة TF1
مناسبة حديث الرجل على المحطة المذكورة ظهور "مقلّد" لجرائم جان، أو "السرعوفة" (La mante) وهو عنوان السلسلة. المقلّد وصل في اغتيالاته إلى الجريمة الثالثة، بتطابق مذهل مع ثلاثة جرائم لجان، مما يعني حسب المحقق فيراتشي (باسكال ديمولون) "إذا لم نمسك بهذا المختل قريبا جدا فسنجد أنفسنا بصدد سلسلة جرائم". تصل رسالة إلى المحقق من جان تخبره أنها مستعدة للتعاون في كشف لغز هذا المقلّد. الشرط الوحيد الذي تضعه أنها لن تتعامل مع أحد إلا من خلال ابنها. مضت سنوات كثيرة لم يلتقيا فيها، اجتهد فيها داميان (فراد تيستو) أن يبني أسرة، أن يعيش سعيدا بينما كذبة قديمة ظلّ يرددها على زوجته لوسي (قامت بالدور الفاتنة مانون آزام) بأن أمه قد ماتت في حادث تحطم طائرة وهي الرواية الرسمية التي اعتمدتها السلطات لأسباب نتعرف عليها في الحلقة الأولى.
بوجه بارد متمعدن تظهر جان ديبير، لا تبتسم، وطبعا لا تضحك، كما لا تتألم أو تتعاطف وهي ترى جرائم مقلّدها في الصور التي أعطيت لها من قبل ابنها والمحقق. وحدها مشاهد قليلة جدا جمعتها بداميان ظهرت فيها أنّها "أم" يمكن لعاطفتها أن تظهر فتجعلها تتألم وتصرخ وقد تبكي. تبكي جان ديبير لمرة واحدة وبشدة في آخر مشاهد السلسلة عندما تحتضن ابنها الذي أصبح أخيرا يناديها بـ"أمي" أمام السجن الذي تعود إليه "بإرادتها" تبكي بكاء مراًّ يمزج بين فرحتها بأنه سيصبح أباً وأنه تجاوز العقدة التي ظل يعيش بها بعدما تخلت عنه أمه، هذا المشهد من أقوى المشاهد في العمل.
ما الذي غذى في جان شهوة القتل بكل هذه الوحشية؟ وكيف لأم بدل أن تربي ابنها راحت تستمتع بالقتل كما واجهها ابنها مرة في محبسها؟ في السلسلة مشاهد في غاية الأهمية لكنها تبدو عابرة لا يتم فهمها إلا في الحلقة الأخيرة. جان تمسك برواية عنوانها "الأسد" (من تأليف جوزيف كيسال صدرت عن غاليمار عام 1958)، ثم جان في حلقة أخرى وهي تنظر إلى تمثالين لأسدين، ثم في حوار قصير بين شارل والد جان وحفيده داميان (قام بالدور السبعيني جاك ويبر) عندما يخبره أنّ جان رأت أسدا يلتهم أمها لما كانوا في رحلة إلى إفريقيا بينما هرب هو ولم يفعل شيئا لإنقاذ زوجته. هناك أيضا صورة صغيرة للأسد في السلسلة التي في عنق شارل نفسه. هل يحيل الأسد إلى شيء ما؟ التسجيل الذي حفظ جلسةَ التنويم المغناطيسي الذي تتحدث فيه عن الأسد يفتح لنا الكثير من المغاليق.
من هو المقلّد؟ رجل أم امرأة؟ لماذا السير على خطى جان ومن أين له بكل تلك التفاصيل المدهشة التي تظهر شيئا فشيئا؟ هذا جانب شديد الإبهار من عمل متقن عنوانه "السرعوفة" لم ينسق فيه صناعه للإسهال اللغوي أو الصوري ولا للاستسهال. كل المشاهد كانت تحيل إلى مشهد موالٍ وإلى معلومة أو فكرة مهمة (ربما عدا واحد من المشاهد الأولى التي تبيّن داميان وهو في عملية لمكافحة مهرّبين والذي كان يمكن إيجازه أو تعديله)، القدرة على الاشتغال على التفاصيل ميزة أصيلة في هذه الحلقات التي جاءت ثمرة عمل مشترك لفريق كتابة مكون من ثلاثة كتاب قصة نيكولاس جون، غريغوار دوميزون،أليس شيغاراي برونيو بإشرف لورون فيفيي. قد يكون من المذهل عند الكثيرين أن يشترك فريق لكتابة ست حلقات وحسب. لكن هذا العدد القليل للحلقات يقول بتكثيف ما لا تقوله الكثير من السلاسل الطويلة.
"السرعوفة" سلسلة محكمة عن الهشاشة الإنسانية، عن الأسرة عندما تحيد عن أداء وظائفها فتتحول إلى مشتلة للأزمات النفسية الحادة ومرتعا لإنشاء مجرمين. عندما يتحول بيت الأسرة إلى عنف ورغبات مجنونة. وهي سلسلة تصوّر نفسها بشكل ارتدادي، كل الأحداث التي تجري لها ما يناظرها، أو أسبابها في السابق. لا شيء غير معلّل. لا شيء سيبقى غامضا. لكن السلسلة تعطي لمشاهدها في كل مرة مفتاحا للحل وزاوية ينظر منها للفهم. في "السرعوفة" شكلان من الأسرة، واحدة انهارت تماما وهي أسرة جان، أمها قُتلت، زوجها اختفى، ثم هي دخلت السجن وابن تُرك لقدره. وأسرة أخرى هي أسرة داميان الذي تزوج مع لوسي وأحبّ ابنتها من زوجها الأول كأنها ابنته واعترف لها أكثر من مرة أنه يريد أن يستمر في العيش معها. السلسلة تدافع عن الحب، وتقول أنّ الكذب وإخفاء الحقيقة سيظهر مهما اجتهدنا في هذا. في هذه السلسلة أيضا ينكشف لنا معنى الصداقة. نحن لا نعرف أصدقاءنا حقيقة كما نظن، فقد نتلقى منهم أشد الضربات قسوة بينما كنا نجتهد أن يكونوا هم عاملا قويا يساعدنا على مواجهة ضربات الخارج. وفي هذه السلسلة أيضا نتعلم كيف نكون قادرين على الاستمرار في المواجهة رغم الألم الذي يسيطر علينا. فقدان أصدقائنا، أحبابنا قد يكون سببا في الانهيار والارتكاس نحو وجهة غير معلومة لكنها بالتأكيد مظلمة ولا تدحرج حياتنا إلا إلى هوة عميقة.
كارول بوكي الممثلة الستينية (ولدت عام 1957) تحمل في رصيدها سيزار أفضل ممثلة عام 1990) عن فيلمها Trop belle pour toiوهي ممثلة سينما ومسرح وعارضة أزياء وكاتبة سيناريو ومخرجة، لها تجربة طويلة في المسرح، ومع أسماء لامعة، هكذا وجدناها تشارك في أعمال لكبار الكتاب المسرحيين. هارولد بينتر "كان أمس" من إخراج سامي فراي قدّمت لراسين مسرحيته العظيمة فيدرا 2002 و بيرينيس 2008 كما مثلت في مسرحية "رسالة إلى غينيكا" عن عمل لأنطونان ارتو وعادت لتمثل أعمال هارولد بنتر مع مسرحية dispersion "تشتت" وإخراج جيرار ديزارث وصولا إلى "سعداء هم السعداء" للفرنسية ذات أصل إيراني ياسمينا رضا (تشترك مع كارول بوكي في الكثير من القواسم، النجاح أولا ولن يكون السن آخر هذه القواسم). أقول دائما أنّ المسرح "فرن" لإخراج المواهب العظيمة تستفيد منه السينما والدراما التلفزيونية لاحقا وعظمة التمثيل عند كارول بوكي أنها وقفت على المسرح مع نصوص كبيرة ومخرجين كبار.



#ياسين_سليماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محطات تلفزيونية أم دكاكين خردة؟ مقال في تعذّر صناعة دراما جز ...
- عيد ميلاد جديد: غابت الطرطة بسبب السيد كورونا
- جهالات عبد العزيز كحيل
- واحد -عيد- ناقص -ذبح- من فضلك
- إنه الفن يا كلاب الجحيم
- كاريكاتورية لافتات -أنا محمد-
- انتبهوا...أنهم يسرقون الله
- كلاب الله


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين سليماني - أمي...أنت حيوانة؟!