أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد فرحات - الحكم بعد المداولة.














المزيد.....

الحكم بعد المداولة.


محمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 6566 - 2020 / 5 / 17 - 00:17
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ينهي الهلباوي مرافعته ليصدر بطرس باشا غالي حكمه، فكان كالتالي:

أولا: حسن على محفوظ، ويوسف حسن سليم، والسيد عيسى سليم، ومحمد درويش زهران... بالإعدام شنقا.

ثانيا: محمد عبد النبي، مؤذن القرية، وأحمد عبد العال محفوظ... بالأشغال الشاقة المؤبدة.

ثالثا: أحمد محمد السيسي... بالأشغال الشاقة 15 سنة.

رابعا: محمد على أبو سمك، وعبده البقلي، وعلى شعلان، ومحمد محفوظ، ورسلان السيد علي، والعيسوى محمد محفوظ... بالأشغال الشاقة 7 سنوات.

خامسا: حسن إسماعيل السيسي، وإبراهيم حسنين السيسي، ومحمد الغباشى السيد علي... بالحبس مع الشغل سنة واحدة.. وبجلد كل واحد منهم خمسين جلدة.. وأن ينفذ الجلد بقرية دنشواى فى ساعتها!

سادسا: السيد العوفي، وعزب عمر محفوظ، والسيد سليمان خير الله، وعبد الهادى شاهين، ومحمد أحمد السيسي... بجلد كل واحد منهم خمسين جلدة بالقرية... مع تكليف مدير المنوفية بتنفيذ الحكم فورا..."

"وهكذا، يكون عدد الأهالي الذين حكم عليهم فى مذبحة دنشواي 21 منهم ثلاثة من عائلة محفوظ... واثنان من عائلة سليم... لكن العائلة التى حظيت بالعدد الأكبرـ وهو أربعة أحكام ـ كانت عائلة السيسي... وهم: أحمد محمد السيسي... وحسن إسماعيل السيسي... وإبراهيم حسنين السيسي... ومحمد أحمد السيسي."

لم يفرح الهلباوي ولم يبتهج ككل مرة يكسب فيها حكما لصالحه، ساعتها فقط حين سمع أنين ذوي الفلاحين وبكائهم، علم أنه قد أصدر حكما لا هوادة فيه على نفسه وسنين عمره القادمة بل وعلى تاريخه كله، ساعتها فقط تذكر أنه كان من الأجدر به انتظار القطار .

وها هي الإمبراطورية العظمى التي لا تغرب عنها الشمس تنكل بكل بطشها بحفنة من الفلاحين الذين لم تعرف بطونهم شبعا، ولا
أقدامهم حذاء، من محاكمتهم بشبين الكوم تقودهم في أغلالهم وتحت وقع السياط على مرأى ومسمع من ذويهم وأبنائهم وزوجاتهم الذين لم ينقطع عويلهم وصراخهم، تمر بهم على قرى المنوفية قرية قرية عبرة لمن يفكر في مس جندي من جنودها بسوء، حتى يصلوا إلى مقر تنفيذ الأحكام قريتهم دنشواي التي سمعت مواويلهم، وضحكاتهم، واهتزت لضربات فؤوسهم لتخرج قمحا وقطنا لم يكن يوما لهم، سكنت في ليال الزمهرير لأنس حكاويهم حول نيران الركية وبخار الشاي الأسود يتراقص حول أكوابهم الصفيح الصغيرة... وعلى مرأى من سنابل القمح وأعواد البرسيم نصبت المشانق، وأقيمت عرائس الجلد، بين كل جسدين يتدليان في حبل مشنقة يجلد بائس، يقول ويليم بلانت في تقريره الذي قدمه لمجلس العموم البريطاني عام 1907 "وقامت هناك منصة كبيرة... يبلغ علوها 30 قدما... ولا تزيد مساحتها على مترين... وربطوا حبلا كبيرا يكفي لتصيد فيل كبير... وقد غصت سطوح الأكواخ بالنساء النائحات... ثم صحن صيحات الرعد لما أبصرن معدات الإعدام قد نصبت".

وكانت المشنقة على مسافة 30 خطوة من الأجران التى كان يتصاعد منها دخان من بقية النار... أعواد المشنقة على مرأى من القرى المجاورة.. وجماعات من الناس وقفوا على مسافات بعيدة لمشاهدة هذا المشهد المخيف. أما العساكر ـ الذين صفوا للحراسة ـ فلم تظهر على وجوههم دلائل الانقباض... وتوالى التنفيذ... وكان الكرباج يهوى على الأجساد... والألم يوجب صراخا... وجماعة من المصورين و الصحفيين يراقبون المشهد وينتظرون... وأصابعهم على أزرار آلات التصوير...وهكذا توالت الإعدامات...والجلد...والصرخات...في مشهد لن ينساه التاريخ "

تتجاهل صفحات التاريخ هذا المشهد غيرة على العزة الوطنية، ولكنها المشاعر الإنسانية بلا مواربة، ولا تجمل، وماذا كان ينتظر المؤرخون منهم غير مشاعر الخوف والترجي والرغبة في الحياة بل والبكاء والصراخ حيال موقف صعب لم يرد في مخيلة أحدهم يوما، وهم البسطاء الذين لم تبارح أقدامهم حدود قريتهم يوما .

المشنوق الأول كان حسن محفوظ 65 عاما، يعتلي سلم المشنقة ويستدير نحو قريته، يودع الحقول وأهله ويصيح "إنا لله و إنا إليه راجعون، الله يخرب بيتك يا شاذلي... الله يخرب بيتك يا محمد يا شاذلي" و محمد الشاذلي كان عمدة قريتهم الذي سلمه، وفي ثوان يتدلى جسد محفوظ مشنوقا .

"إبراهيم السيسي" يصرخ تحت ضربات السوط المنهالة على ظهره العاري ليصرخ "سقت عليكم النبي.. سقت عليكم النبي ياهوه.. اشنقوني أحسن والنبي .." ليغش عليه ويستمر جلده.

"يوسف سليم" المشنوق الثاني، يصيح من على مشنقته "اللهم انتقم من الظالمين، اللهم انتقم من الظالمين" ما هي إلا لحظات ويتأرج جسده المعلق بحبل مشنقته ذات اليمين وذات اليسار..

ويصرخ "حسن العوفي" تحت وقع السياط "في عرض الافندي... في عرض الافندي..."

بينما لم ينطق "عزب محفوظ" بكلمة يصرخ متأوها مع كل جلدة، ثم يأخذ في النباح في نوبة من السعار ...

يتقدم "محمد دريش زهران" للمشنقة، وكان قد نفد صبره، فيصرخ في وجه "عشماوي" "شهل ياخي... شهل".

تكتب المؤيد (فهوت مع زهران قلوب النساء المتفجرات ولطمن الخدود...وترك معلقا في الهواء... تذروه الرياح...يمينا وشمالا...أقمن المناحات، أخذن يبكين رجالا يصرن بعدهن أيامى، وينظرن إلى صغار سيكونون بعد آبائهم يتامى، فهن نارا حامية، وهم في البؤس خالدون.)

يكتب العقاد "كنا أربعة نقرأ وصف التنفيذ في أسوان فأغمي على واحد منا، ولم نستطع إتمام القراءة، إلا بصوت تخنقه العبرات ".

ويسخر "برنارد شو" من عدالة الإمبراطورية العظمى، ويقدر جهودها بحثًا عن «بروجرام» تسلي به جمهور المشاهدين لحفلة الإعدام لتحول بينهم وبين الملل خلال نصف الساعة الذى كان مفروضًا أن يظل فيه جسد المشنوق معلقًا للتأكد من موته .

تقام المآتم في أنحاء مصر، وتصب الصحف لعنتها على أربعة اللورد كرومر ممثل الاحتلال، بطرس غالي رئيس المحكمة، فتحي زغلول، شقيق سعد زغلول عضو هيئة المحكمة والهلباوي ..

لتنهض الروح الوطنية المصرية بعد طول نوم استمر من 1882 وتستيقظ على مأساة دنشواي ...



#محمد_فرحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطار الهلباوي، وموعد مع السقوط! -3-
- سعد والهلباوي -2-
- رواية أحاديث الجن والسطل إصدار دار ابن رشد ، ومناشدة للجهات ...
- كان لسان الهلباوي؟!-1-
- العود الأبدي بين الفلسفة والرواية
- تماهي يومي مع النشرة
- لعق الخوف
- عاهرتي
- موجز صراع
- اعترافات مرتزق مرح
- تجاعيد 2 ( قصة قصيرة جدا )
- تجاعيد 1
- انفعالية الأصدقاء
- أجازة مرضية لرجل جديد وجيد
- مرثية هذا الشيء اللعين
- الانفعالية : شخصية
- القمار
- تنويعة بوهيمية
- عصر الباكتريا
- وردة الفيولا


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد فرحات - الحكم بعد المداولة.