أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - أبق حيث الغناء 3















المزيد.....

أبق حيث الغناء 3


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 6565 - 2020 / 5 / 16 - 20:24
المحور: الادب والفن
    


اكتشفت مع الأيام أن المدن العربية تشدني أكثر بكثير من المدن الأوروبية، لا أدري السبب. شعرت أنها مشرقة، شمسها نقية ضاحكة، يمكنك أن تمشي وتمشي، وتضحك مع شمسها. ربما انتمائي الثقافي
سرت مذهولًا، مسكونًا بالهدوء الذي يغلف عمان. راقبت المدينة والناس بلهفة الغريب المملوء حبًا ورغبة بالاكتشاف.
لم أر قلقًا في وجوه الأردنيين كما هو الحال لدينا كسوريين. لا يشعر المرء ان الإنسان الأردني يعاني الخوف والتوتر كما هو الحال لدى السوري.
اكتشفت مع الأيام أن هيمنة الدولة وأجهزة مخابراتها على المجتمع أكثر خفاءً بكثير من النظام أو الدولة السورية. ولم أسمع خلال فترة وجودي في هذا البلد، عشوائية التحرش بالإنسان. وإن هناك فارق حضاري كبير بين الحاكم الأردني والحاكم السوري.
فالدولة لا تتدخل في أدق التفاصيل ولا تمارس رقابة على الشاردة والواردة، ولم تشعر الإنسان العادي بأنه محل تهديد.
ولم تمارس الإفساد الممنهج كما هو حال سوريا.
باختصار، لم اشعر بعداء النظام السياسي الأردني للمجتمع. كما لم يمارس الإرهاب المنظم على الإنسان العادي عبر تخويفه واستغلال وجوده بأدق اللتفاصيل الصغيرة.
هناك فارق كبير بين الخائف والواثق من نفسه، فالنظام السوري يتعامل مع المجتمع كاللص الذي سرق الحكم لهذا يشك في جميع الناس، خوفه أن يمسك بالجرم المشهود، لهذا يأخذ احتياطاته ويضرب قبل أن يضرب:
إن ضربة الضعيف أقسى وأمر من المتدرب والمتمكن والواثق من قدراته.
شعرت بوجود الملك حسين في كل شوارع عمان، وفي حركة الدولة والمجتمع. شعرت أن عمان أو الأردن تعني الملك حسين، وأن كل شيء تم على يديه في حركة الناس وأجهزة الدولة.
يعلم المجتمع السوري أن نظام بلده لا يمنح رخصة لفتح دكانة صغيرة دون تدخل أجهزة المخابرات ومحاصرة كل إنسان في لقمة عيشه، ومطالبة كل إنسان بالتعاون معه.
سرت مسافة طويلة، رأيت مبنًا كبيرًا، عليه قارمة كبيرة جدًا مكتوب عليها مركز قوات البادية، على الأبواب حراس يرتدون ثياب البادية اللون الخاكي أو العسكري وعليهم شماخ أحمر، وعقال أسود، وعلى خصورهم شراشيب حمراءفي نهايتها عقود. والثوب العسكري طويل يغطي ركبته إلى نصف الساق.
وصلت إلى العبدلي، إلى منطقة الكراجات والسيارات. لم أسمع صياح الدلالين أو الباعة، ولا أبواق السيارات والحركة منظمة وكل باص أو سيارة تملأ بالركاب وتمشي.
ثم عدت أدارجي عن طريق أخر ضيق، مررت من مقر فيه عدد من الناس يجلسون في الشارع أو مقابل مقر عادي مثل حوش عربي، ومبنى حديث، مكتوب عليه:
مقر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وقفت أنظر إلى المبنى والناس والصمت الذي يلف المكان. وبعض السيارات التي تمر في الشارع.
اقتربت من أحد الرجال وسألته:
ـ ماذا تنتظرون في جلوسكم هنا في الشارع؟
نظر إلي الرجل باستغراب وبلهجة عراقية واضحة، قال لي:
ـ الأخ سوري؟
ـ نعم أنا من سوريا.
ـ هذا مقر المفوضية كما ترى. وأغلب الموجودين في الشارع ينتظرون فتح المكاتب في الساعة التاسعة، وكل واحد لديه مشكلة، سواء تسفير أو توطين أو تسجيل اسمه إذا كان جديدًا. هل تريد السفر لدولة ما؟
ـ لا أدري.
ـ أغلب الذين يرغبون بالسفر جاؤوا من العراق، ويوجد القليل القليل من السوريين أو من الدول العربية الذين يرغبون بالسفر من هذا المقر.
تركته وتابعت سيري باتجاه بيت نجيب عبر طريق اقصر بعد أن عرفت بعضًا من جغرافية المكان.
من خلال خبرتي في محاولة معرفة المدن الصغيرة أو الكبيرة، علمت أن على المرء أن يمشي على قدميه. ففي المشي تكتشف بسرعة كل النقاط الكبيرة والصغيرة، الضعيفة والقوية للمدينة.
إذا أردت أن تعرف المدن بدقة وتستمتع بحضورها في قلبك وعقلك، ومعرفة الناس والأبنية ودقائق الأمور فعليك المشي مسافات طويلة كل يوم. فالمكان سر عميق وفتحته يحتاج إلى عيون مرتاحة تنهل من المكان زخارفه الجميلة أو البشعة، وتميز حارات الفقراء أو حارات الأغنياء. غوص في الممرات الضيقة والشديدة القسوة العصية على المعرفة، أصعد الأدراج العالية وأنزل من أعلى الجبال.
عدت إلى الحارة، ضاحية الحسين، دون أن أضيع أو اسأل أي إنسان عن مكان توجدي. عرجت على الدكان القريب من البيت، كنت اقرأ عيون الإنسان الأردني، الاسترخاء والهدوء فيهما، استرخاء إلى درجة كبيرة. لم اشعر بأي اضطراب أو قلق فيهما، وكأنه كائن ليس من هذا العصر، جالس في زمن ليس زمننا. أو كأنه لبوة في عرينها لا تصدر صوتًا أو حركة، قلت في نفسي:
ـ الأردن دولة دون موارد طبيعية، ودون قدرات إنتاجية ذاتية، كيف تمنح مواطنيها القوة والثقة بالنفس؟ من أين جاء الاستقرار والراحة والاسترخاء؟ وكله بمقارنة بسورية، لأنه لم يسبق لي أن خرجت من سوريا أو زرت دولة أخرى، حتى المدن السورية تختلف عن بعضها. فمدينة اللأذقية تختلف عن الحسكة فالأولى، رأيتها خشة ينظرون غلى الغريب كطريدة او صيدة يمكن الإمساك به، ودمشق القديمة تختلف عن دمشق الحالية، بينما طرطوس كانت وادعة رقيقة مثل شمع العسل البري النائم على جدع شجرة.
الخبز متوفر وبأنواع عديدة، وأبيض وأسمر. خبز مصنوع في الفرن الآلي والعادي وعلى الساج. وأنواع عديدة من الأجبان والمعلبات. كل شيء متوفر، قلت:
ـ سوريا دولة منتجة للقمح، لديها خمسة أطنان من أجود أنواعه في العالم، ومع هذا لا يتوفر الخبز، وإن الحصول عليه لا يتم إلا بعد إذلال مواطنها. منذ أو وعيت على هذه الدنيا والسوريين لا يشبعون الخبز.
اشتريت جبنة وخبز وبندورة وخيار، ومرتديلا وبعض الأشياء البسيطة بثلاث دنانير وربع، أي بسعر، حوالي 250 ليرة سورية، قلت:
ـ الأسعار غالية جدًا في هذا البلد، كيف يعيش مواطن الأردن؟ حيث أن سعر مئة دولار يساوي سبعين دينارًا.
صعدت الدرج ودخلت البيت، كان نجيب نائمًا، بهدوء شديد وضعت الأغراض على الطاولة في المطبخ، ثم خرجت إلى السطح ووقفت أنظر إلى عمان الجميلة من الخارج دون أن أدخل مساماتها أو صوتها. فأنا خارج. والدخول في أنفاس المدن يحتاج من المرء إلى أدوات كثيرة وعلم. والاسئلة تطرق رأسي كل ثانية:
ـ عمان مدينة ساحرة بأبنيتها ونظافتها وتناسق شوارعها بالرغم من أنها تتموضع على الجبال والتلال. ولم أر نهر يمر فيها. ولم اسمع سابقًا بوجود نهر يمر في مدينة عمان، من أين يشربون الماء ويطرحون المياه المالحة؟
الحياة بدأت تدب فيها، السيارات الحديثة تقطع الشوارع. لم أر سيارة قديمة بموديلات الخمسينات والستينات كما كان سائدًا في سوريا قبل السجن. السيارات الصفراء تجوب الشارع النائم تحت الجبل الذي أطل على العالم من خلاله، وعمان.
استيقظ نجيب في الساعة الثانية عشرة صباحًا. رأى المواد التي اشتريتها، عاتبني بشدة:
ـ لماذا اشتريت هذه الأغراض؟
ـ من أجل الفطور.
ـ أنت ضيف في بيتي، وواجب الضيافة أن يقدم المضيف الطعام لضيفه، لا تكرر هذا الموضوع. راح أزعل منك. أريد منك وعدًا أن لا تجلب أي شيء دون أن تخبرني.
نجيب إنسان كريم جدًا، ولا يدقق في موضوع النقود ولا يهتم. إنسان طيب بكل ما في الكلمة من معنى. ولم يسبق أن رأني أو عرفني، ومع هذا استقبلني في بيته كفارس من العصور الغابرة.
كنت محظوظًا بصديق جميل مثل نجيب، بكرمه وشهامته ونبله.
فطرت وحدي لأن نجيب لم يشته الفطور صباحًا. وعمليًا علاقته بالأكل محدودة جدًا. إنه يأكل القليل أي ما يسد المعدة.
بعد أن استرخيت وشرب نجيب قهوته، قلت له:
ـ أنا لا استطيع الجلوس في البيت دون قراءة أو كتابة. وأنت تذهب إلى عملك ليلًا أو تعزف وتغني في أوقات الفراغ أو تخرج من البيت. الجلوس دون عمل حالة صعبة لامرئ في مثل وضعي.
ـ إلى ماذا تشير؟
ـ أريد الذهاب إلى المكتبة لجلب بعض الكتب، تمدني بالقراءة. هل تذهب معي؟
ـ إلى أين؟
ـ إلى المكتبة العامة



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روائح عنبرية
- أبق حيث الغناء 2
- الرجوم
- رقص منفرد على الجمر
- أبق حيث الغناء 1
- كل البشر كاذبون
- المكتبة في الليل
- الساعة الخامسة والعشرون
- اعترافات خارجة عن الحياء
- اللهب المزدوج
- عزلة صاخبة جدًا
- مذكرات نعيم أفندي
- الراقدة على الصليب
- في البادية السورية
- التمرد 5
- التمرد 4
- ذكريات من القامشلي 2
- التمرد 3
- لماذا الغرب متسامح مع الإسلام؟
- التمرد 2


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - أبق حيث الغناء 3