أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح بوزان - سعيد كاباري لك الرحمة















المزيد.....

سعيد كاباري لك الرحمة


صالح بوزان

الحوار المتمدن-العدد: 6565 - 2020 / 5 / 16 - 01:10
المحور: الادب والفن
    


قبل أن أدخل إلى صلب الموضوع أريد القول أن المطرب الشعبي الكردي (Stranbêj) كان له دور متميز في الحفاظ على اللغة الكردية وفلوكلورها، وجعل الشبيبة تتعلق بها ذاتياً ودون توجيهات وشعارات. وبالتالي يستحق هذا الكردي إلى تقدير كبير. فقد لعب دوراً قوميا أكثر من أغلبية الأحزاب والساسة والكتاب الكرد. ولهذا مهما كان الموقف السياسي للمطرب الكردي غير مقبول، فإنه بالمقابل ناضل ببسالة من خلال فنه لنهضة الوعي القومي الكردي.
ومهما تكن آراؤنا مختلفة حول سعيد كاباري فإنه يبقى أحد المناضلين بصوته من أجل شعبه. لا يمنع هذا القول أن ألفت القارئ إلى ما انتشرت من تعليقات متناقضة بعد وفاته في الفيسبوك. وبإمكاني حصر المعلقين في ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى اعتمدت على الخلفية السياسية للفنان الذي بنى كل مواقفه السياسية على موالاة قادة أربيل، ولا سيما السيد مسعود البرزاني. وهذه المجموعة هي أيضاً على نفس الخط السياسي للفنان وللمجلس الوطني الكردي. وبالتالي قامت بتضخيم الفنان سياسياً وفنياً لدرجة ضاعت علينا الحقيقة. المجموعة الثانية، وهي على خط حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي قللت من أهميته الفنية وهاجمته سياسياً، لأن الفنان صرح في فيديوهات علنية كلاماً غير معقول عن هذين الحزبين.
أما المجموعة الثالثة، فهي من عشاق صوته ولحنه وأغانيه. هذه المجموعة عبرت عن مشاعرها وقناعاتها بعيداً عن السياسة. لكن أغلب كلماتها جاءت على نمط الشعارات الحزبية باستخدام مصطلحات غير واقعية مثل "امبراطور الغناء الكردي".. وما شابه ذلك. وقد سبق أن قالوا مثل هذا الكلام عن المرحوم سعيد يوسف قبل شهر. في النتيجة سنضطرّ للقول أنه يحق للعاشق ما لا يحق لغيره. فكاباري بالنسبة لهم بهذا المستوى.
لم أقرأ أي رأي جاد يقيم كاباري فنياً ويحاول تعريف الناس بأهمية فنه. وهذا نقص كردي ليس على هذا الصعيد فقط، بل كذلك على صعيد الموسيقى والأدب بكافة فروعه.
أقرّ أنني أعرف القليل عن هذا الفنان، ومن خلال ما نشر محبوه وموالوه من فيديوهات لأغانيه بعد وفاته وكذلك ما نشر منتقدوه بعض تصريحاته السياسية، تكونت لدي صورة أنه شخص بسيط سياسياً وثقافياً وحتى فنياً. لم أستطع تميزه بين مطرب أو فنان. أقصد أنه مغني فطري، وليس لديه نمط خاص في التلحين. أما سياسياً فأميل إلى أن هناك من دفعه ليصل إلى مستوى تشبيه حزب الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني بداعش. ويبدو لم يكن لديه صديقاً مخلصاً لينصحه بأن هذا التشبيه من صنع المخابرات التركية وبعض المعارضين السوريين الأكثر شوفينية وليس كلهم.
أصارح القارئ أنني لا أستذوق هذا النمط من الغناء، ولذلك لم أستمع له كثيراً في السابق. زد على ذلك أنني في الحقيقة لا أمتلك معرفة نقدية فنية حتى أقيم هذا الفنان. فكل ما أملكه على هذا الصعيد أن أشرح لماذا أحب هذه الأغنية ولا أحب تلك، ولماذا أحب هذا الفنان ولا أحب ذاك. قد أقنع القارئ بشرحي وقد لا أقنعه. ومع هذا، فذوقي لا يقلل من مكانة سعيد كاباري كمطرب شعبي كرس حياته للغناء الكردي، وله جمهور واسع.
أريد استغلال مناسبة وفاته، وكل الرحمة له، لأقدم شعوري تجاه الفن الغنائي الكردي الشعبي السوري، لا أقول "رأيي" لكوني لست ناقداً فنياً كما سبق القول.
لدي احساس أن أغلب الفنانين والموسيقيين الكرد في كردستان ايران وتركيا لديهم قدرة متميزة في الابداع الفني، سواء على صعيد الفلكلور أو الغناء الحديث أو اللحن أو الموسيقى. لا يسعون إلى تكرار التراث الكردي الكلاسيكي، وإنما يبثون فيه روحاً عصرية دون أن يفقد الفلكلور لباسه القومي الشعبي، بينما أغلب المطربين والفنانين الكرد السوريين يكررون الفلكلور كما هو. أقصد أنهم يكررون ما أبدعه القدماء. أكاد لا أفرق كثيراً بين ألحان محمد شيخو وسعيد يوسف وكاباري. إنهم يمتلكون أصواتاً جميلة ولكن قلة الابداع. لا شك أنني أستثني محمد شيخو لكونه وضع أساس الغناء الكردي السوري، وخاصة النمط الذي يحبه كرد الجزيرة. وبالتالي ممكن اعتبار محمد شيخو مدرسة. ينطبق معيار هذا على المرحوم باقي خضو المطرب الكوباني المشهور. لم يكن صوت باقي خضو جميلاً في الحقيقة، وربما أنا الذي لم أكن أستذوقه. لكنه أوصل التراث الكردي الشعبي إلى كل بيت في منطقة كوباني وسروج في كردستان تركيا. وبالتالي ممكن القول أن هذا الانسان الذي كان من أصول عربية له دور في انماء الشعور القومي الكردي في المنطقة من خلال التراث.
عندما أستمع للمطربين والفناني الكرد السوريين أشعر أنهم يلهثون وراء كلمات الأغنية ولا يستطيعون غالباً تحويلها إلى كائنات حية من خلال صوتهم ولحنهم. وكذلك بالنسبة للموسيقى التي يستخدمونها. فهي الأخرى تلهت وراء صوتهم. بمعنى آخر ليست الموسيقى مفتاح أغانيهم وإنما الصوت هو مفتاح الموسيقى. أي أن الموسيقى تبقى تابعة للصوت.
ربما يسألني أحد القراء ماذا تعني "تحويل الكلمات إلى كائنات حية"؟ سأشرح لكم رأيي بشكل بسيط. منذ عام نشر أحد الأصدقاء فيديو لمطربة كردية شعبية أعتقد من كرد تركيا تغني أغنية "kederê":
https://www.youtube.com/watch?v=LHTLYz39tJk
لا شك أن الكلمات بحد ذاتها مليئة بالحسرة، ولكن نلحظ تلاحم حزن معاني الكلمات مع نغمة الصوت الحزين، وكأن ملحناً متمكناً وجه المطربة أن تغني الأغنية بهذا النمط. فكم هو بارز الانسجام في الأغنية بين اللحن والصوت والكلمات، ليخلق هذا الهرموني فضاء خيالياً يستطيع أي مستمع أن يتخيله من خلال احساسه الذي يصبح جزءاً من التراجيديا المفتوحة للحزن النازف.
عندما أستمع لكرابيتي خاجو تصيبني حالة ذهول. فحسب علمي أن هذا المغني الأرمني الأصل كان مجرد انسان بسيط، ربما كان راعياً، ولم يتخرّج من أي معهد موسيقي أو غنائي. لكن ما يلفت الانتباه في غنائه ليست الكلمات فقط، رغم قيمتها التراثية العريقة، وإنما كيف يقود بإبداع صوته ويطوعه لروح الكلمات ومعانيها. يأتي التنوع في طبقات صوته ليجعله بديلاً عن الموسيقى، وكأن لديه حس مغني الأوبرا دون أن يعرف في حياته ما هي الأوبرا، وربما لم يستمع إليها يوماً.
كان المطرب الشعبي الكردي يتلاعب بمهارة بطبقات صوته ليقترب إلى النمط الأوبرايي، فتشعر معه وكأن الابداع الفني الشعبي يسكن خلف حسه الفطري. إنه يقوم بدور قائد الأوكسترا لصوته. هذا الابداع واضح عند عارف جزيري وكاوس آغا وتحسين طاها. وأعتقد أن هذا الجانب الابداعي في الغناء الفلكلوري الكردي جعله فناً تراثياً متميزاً في المنطقة.
أريد أن ألفت انتباه القارئ إلى هذا الصوت العميق الذي يغطي الجبل والوادي ويتسلق أمواج الهواء ليطير بعيداً في سراديب معاني كلمات الأغنية التراثية. هذا الصوت لا يختلف في أدائه عن أي مغنية أوبرا في أوروبا. لو كانت هذه الفنانة تحت رعاية أي بلد أوروبي منذ صغرها لكانت اليوم من أشهر مغنيات الأوبرا.
https://www.youtube.com/watch?v=1jxTJJi5im8
سأورد نمطاً آخر يعتبر قفزة نوعية في الغناء الكردي عند الفنانة العظيمة (حسب قناعتي) Pervin Chakar وهي تغني أوبرا "Ay Dîlber "
https://www.youtube.com/watch?v=IgzIwbU_gq8
كثيرون من الفنانين الكرد لحنوا وغنوا هذه الأغنية التراثية الجميلة بكلماتها المشبعة بالعواطف الملتهبة. غير أننا نجد أنفسنا مع بروين شاكر أمام روح ابداعية تخلق حالة خشوع صوفي تجاه الكلمات والصوت والموسيقى السيفوني. لقد أعادت يروين شاكر هذه الأغنية الكردية الشعبية العريقة إلى الحياة وكأنها عروسة شابة. فالتداخل الهرموني بين الكلمات والصوت واللحن والموسيقى السيمفونية يجعلنا أمام كائن سحري في "آي دلبري". لقد أعادتنا بروين شاكر إلى زمن الأغنية الأول دون أن تجتثنا من العصر. أي أنها خلقت تزاوجاً مبدعاً بين الماضي والحاضر.
في الختام، أتمنى من عشاق كاباري وسعيد يوسف وباقي خضو ولا سيما عشاق محمد شيخو أن يقدموا للجيل الشاب تصوراً فنياً نقدياً لتراثهم. فهذا الجيل الشاب مازال ضائعاً في التقليد.



#صالح_بوزان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لنوقف هذا الجهل حتى لا يتحول إلى كارثة
- (خيارات الكورد الصعبة في سوريا وسط معطيات معقّدة)
- ما أصعب مواجهة الحقيقة (حول مقال الدكتور آزاد علي: نقد الروم ...
- نيجرفان برزاني رئيساً
- الحركة الكردية السورية بين أربيل وقنديل
- الاسلام مشكلتنا وليس مشكلة الغرب - القسم الثالث
- الاسلام مشكلتنا وليس مشكلة الغرب- القسم الثاني
- الاسلام مشكلتنا وليس مشكلة الغرب - القسم الأول
- حساسية تركيا
- استراتيجية العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال ال ...
- الكرد السوريون والعلاقات الاستراتيجية (حزب الاتحاد الديمقراط ...
- يقظة الرجعية الكردية
- حين تُعرض الشهادة الأكاديمية على بازار السياسة- الخاتمة
- ماذا حقق سيدا للكرد وماذا حقق حزب الاتحاد الديمقراطي؟
- حين تُعرض الشهادة الأكاديمية على بازار السياسة - القسم الثان ...
- حين تُعرض الشهادة الأكاديمية على بازار السياسة
- هل الحج طقس ديني سماوي أم طقس وثني؟
- الدكتور محمد حبش متنوراً
- عفرين وحسابات القوى المتصارعة
- لقد وقعت روسيا في الفخ الذي نصبته لغيرها


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح بوزان - سعيد كاباري لك الرحمة