أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيم الحلي - بيت النداف قصة قصيرة كتبها رحيم الحلي















المزيد.....

بيت النداف قصة قصيرة كتبها رحيم الحلي


رحيم الحلي

الحوار المتمدن-العدد: 6564 - 2020 / 5 / 15 - 22:37
المحور: الادب والفن
    


عاش ابو ذر في بيت طيني صغير في حارة فقيرة ، مكون من غرفتين صغيرتين يحتوي سقف احداهما على فتحة سماوية . تطل تلك الغرفة على الليوان وهو عبارة عن مدخل مسقوف بجذوع النخيل مثل الغرفة الخارجية الاخرى المطلة على فسحة سماوية صغيرة تحتوي على صنبور للماء وحوض صغير تتجمع فيه المياه لتخرج الى البالوعة التي تتوسط تلك الفسحة ، جميع الغرف ليس فيها شباك ، كان الفطور اليومي قطعة من الخبز مع قدح الشاي ، اما في وجبة العشاء فلا يجتمع الرز مع المرق سوى ليلة الجمعة عدا وجبة الغذاء فكانت تحتوي على قطعة صغيرة من اللحم مع ماعون من الرز ، كان ابو ذر مجتهداً في دراسته ونال اعجاب ابناء حارته خاصة جيرانه بيت عبيد النداف ابو مراد الذين اذهلتهم قدرته على الكتابة ومهارته في الرياضيات وهو في الصف الثاني الابتدائي واجرت احدى فتيات الاسرة مقارنه بينه وبين اختها التي كانت في الصف الرابع والتي فشلت في كتابة بعض الجمل لكنه نجح هو في ذلك فقرروا ان يسمحوا له بمرافقة ابنهم عمران بعد ان كانوا يرفضون قبل ذلك ربما لان والده كان حمالاً فقيراً او هناك اسباب اخرى يجهلها ، وذات يوم بعد ان تمكن الحكام الزرق ان يبنوا دولة الرعب التي كتمت الانفاس في تموز عام 1968 اعطاه صديقه عمران بعض الكتب الاجنبية التي تتحدث عن العدالة والحرية والتي اخفاها عند اهله صاحبها السجين في قصر النهاية .
بيت النداف تعرضوا للتجريح والنقد من بعض ابناء الحارة عليهم فالناس يتكلمون عن والدهم الذي يشرب العرق كل يوم ، وكان الجميع يتطلع اليه حين يمر في ازقة الحارة حين يعود الى بيته وقت الظهيرة او بعد نهاية عمله بعد الغروب ، يبدو ان رجال الدين هم من يحرضون البعض للثرثرة على هذا الرجل المسالم الوديع ، بينما لا يكترثون للشجار والخصومات التي تحصل في الحارة التي تنتج عن اعتداءات البعض على حقوق الاخرين او حين يسرق الصبية البضائع المعروضة في دكاكين المدينة او حين يتسلقوا اسوار البيوت في الحارة الجديدة في المدينة او حين يسرقون الدجاج والبيض من سوق الدجاج.
كان ابو مراد رجلا طيباً نجح في تربية ابناءه واصبح ابنه الكبير مراد معلماً في احدى قرى الحلة وساهم الاخير في نشر الوعي في الحارة وفي احدى العطلات الصيفية اشترى مراد مسجلة صوت كبيرة وقد اندهش ابو ذر وهو يرى الشريط يدور بين اطرافها ويصدر صوتاً وقد استمع الى صوته المسجل مما اصابه الذهول لقد اوصى مراد شقيقه عمران بمرافقة ابو ذر وابعاده عن الصبيان المنفلتين في الحارة حين وجد ان ابو ذر طفل ذكي وبريء ومختلف عن اقرانه من صبيان تلك الحارة التي ينتشر فيها الجهل والفقر والخشونة في الالفاظ والتعامل.
اعتاد ابو ذر ان يذهب الى مكتبة المدينة في ضاحية المدينة الشمالية حيث البيوت الحديثة الجميلة التي ارتفعت من اسيجتها الخارجية الاشجار المثمرة والنخيل ، ويعود عند الظهيرة الى البيت لتناول الطعام وكان يأكل برضا ويشكر كل ما تقدمه امه على مائدة الغذاء الفقيرة فهو يعرف ان والده يعمل حمالاً في سوق الخضروات في المدينة لذا لا يمكن لوالده ان يوفر لهم كل ما يشتهون لذلك كان يأكل كل ما تطبخه امه دون اعتراض على عكس شقيقه الاكبر الذي كان يتجادل كل يوم عن الطعام وكميته والذي كان يتجنب الوقوف والحديث مع والده الحمال حين يصادفه في طرقات المدينة فقد كان يشعر بالمهانة من مهنة والده ، فلا يرد على نداءاته حين يلتقيه في الطريق ويهرب من امامه خاصة حين يكون معه بعض اصدقاءه من ابناء الاغنياء ، اما ابو ذر فقد اعتاد ان يساعد والده حين يصادفه في احد الطرقات ويدفع معه عربته ويطلب منه ان يستريح وان يجلس في العربة ليسحبه لكن والده كان يرفض ذلك .
كان ابو ذر يجلس في الحارة بعد تناوله الغذاء ليرى صديقه عمران وحين يتأخر في ظهوره يضطر الى طرق باب بيتهم والسؤال عنه وكان اهل عمران يعترضون على خروجه عند الظهيرة فهم يخشون من ذهابه الى النهر او الشط كما يسمونه اهل المدينة حيث يغرق بعض الصبية كل عام في ذلك النهر الذي كانت تحتوي حافاته على حفر تغمرها المياه عند ارتفاع مناسيب المياه في النهر يقع فيها بعض الصبية الذين لا يجيدون السباحة .
كان عمران شقياً بعض الشيء فقد علمه اخوه مراد ان يكون شجاعاً امام الصبية في الحارة والذين كان اغلبهم غليظي الطباع وسريعي الشجار ويضربون بقسوة ، وامتاز عمران بمهارته في التسلق حيث اعتاد ان يتسلق بعض اسوار البيوت لسرقة العنب من الحديقة المنزلية لتلك البيوت التي زرع اهلها عرائش العنب فهو يعرف البيوت التي تحتوي على الاصناف الطيبة والناضجة ، رغم ان ابو ذر لم يكن راغباً في تلك المغامرات ولم يكن مسروراً منها لكنه لم يرفض تناول بعض ذلك العنب الذي يقطفه عمران من تلك العرائش وكانت تلك الافعال لم تخلوا من المخاطر حيث يكمن بعض سكان البيوت الذين يتضايقون من سرقة العنب الذي يزين عرائشهم للقبض على المعتدين على حدائقهم المنزلية.
مرت السنوات في الدراسة المتوسطة بسرعة ودخل ابو ذر وعمران الدراسة الاعدادية التي تلكأ بها الاخير حيث اصبحت الدراسة تقتضي التفرغ ولم يعطي عمران دراسته الوقت الكافي الذي تتطلبه فقد اصبح والده يعطيه اجرة على كل لحاف ينجزه كي يشجعه على انجاز الطلبات المتزايدة من الزبائن ، وقد حاول عمران ذات مرة ان يشرب قليلاً مما في قنينة العرق فشعر بنوع من الارتياح حتى قرر ذات يوم ان يشتري قنينةً ويخبئها في احدى غرف البيت المهجور حيث اعتاد ان يتسلق الى ذلك البيت ليكمل شربه ولم يخبر صديقه ابو ذر فهو يعلم ان ذلك العمل سيزيد من اللغط بحق والده .
وذات يوم اكتشف ابو مراد ان ولده عمران يشرب الخمر فضربه بشدة فمسك عمران بيد والده وكان الاثنان في حالة سكرٍ خفيف فحدث عراكاً بينهما ، وامسك الاب بتلابيب ولده وضغط على رقبته فقام عمران بتسديد لكمة قوية على وجه والده فنزف انفه وخرج الدم من فمه وهرب عمران من بيت اهله واصبح ينام في البيت المهجور عند المساء ، وجاء اهل عمران يسألون عن ابنهم عند صديقه الذي ابدى استغرابه لما حصل من احداث ، بدأ عمران يبتعد وينعزل عن الجميع فقد اصبح شخصاً منطوياً على نفسه ، ولم يرغب في الوقوف مع صديقه ابو ذر حين حاول محاورته عن عزلته وابتعاده عن المدرسة والاهل والناس . شعر ابو ذر بالفشل والخيبة فقد اتسعت المسافة الروحية بينهما وشعر ان صداقتهما اصبحت من الماضي لم يعد عمران يصغي اليه ولم يعد يرغب بالحديث والتواصل معه ، ومضت السنوات وجاءت الحرب اللعينة ولم يكن عمران قادراً على الذهاب الى الجيش فقد اعتاد العزلة وقرر ان يتخذ من البيت المهجور محلاً لعمله حيث يخرج عند المساء بين الازقة لجلب القماش والقطن اللازم لإنجاز عمله بعد ان يوصل اللحف التي صنعها في ذلك النهار وثم يعرج الى محلات بيع العرق المطلة على النهر لشراء بعض القناني التي تكفيه لمدة مناسبة كي لا يضطر الى الذهاب كثيراً الى تلك المحلات التي تتواجد حولها بعض عناصر المباحث العسكرية ، ذات يوم كتب بعض المخبرين من عيون السلطة عن هروبه الى سلطات الحزب والامن والشرطة وقد حاولت الشرطة العسكرية اقتحام البيت المهجور لكن باب البيت العالي والذي كان مطموراً بالأوحال منعهم من دخوله فأهل ذلك البيت قد اهملوه بعد ان طالت معاملة التركة في الدوائر العقارية سنوات طويلة ولم يكن بإمكان جميع الورثة من دخوله ، لم تنجح الشرطة في بعض المرات التي هاجموا فيها البيت من دخوله فعليهم في البدء الدخول الى بيت الجيران كي ينزلوا الى سطح البيت ، اما عمران فكان ماهراً في تسلق الجدار وانجاز حاجاته ، وكان يستمع من الباب الى طرقات الشرطة ويعرف بانهم غير قادرين على اقتلاع ذلك الباب المتين الذي دفنت الاتربة والاحجار نصف مساحته وكان بالطبع يراقب بحذر من داخل البيت الموقف كي ينطلق مثل الغزال بين الاسوار الفاصلة بين اسطح البيوت ليغيب اثره في دقائق وليعود بعد ان يشاهد اختفاء الشرطة ، كان يحرص على شراء الخمر ولم يكترث للطعام ولم تمضي بضعة سنوات حتى خرجت رائحة كريهة من ذلك البيت المهجور انها رائحة جسده الميت.



#رحيم_الحلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القمر والصحراء وزائر الليل قصة قصيرة
- قصة وردة كتابة رحيم الحلي
- قصة قصيرة / الغجر يسرقون الماعون
- الحصار قصة كتبها رحيم الحلي
- صياد الجوائز / قصة قصيرة كتابة رحيم الحلي
- الحصان
- قصة العربة
- ناظم الغزالي السفير الاول للاغنية العراقية / رحيم الحلي
- الفنان جعفر حسن .. ستون عام من العطاء
- رحيل السيد عزيز محمد السكرتير الاسبق للحزب الشيوعي العراقي
- الصبح آتٍ
- قصة قصيرة بعنوان الوتد
- اعتذار الى الشاعر الراحل غالب ليلو
- زيارة غير خائبة
- عربة الاغاني
- حطب الايام
- جبار الغزي الشاعر المتشرد
- قصة قصيرة بعنوان فارس من الكوفة
- هل ستعود البلابل الى بساتينها ؟
- المطرب ستار جبار بلبلُ في بستانٍ محترق


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيم الحلي - بيت النداف قصة قصيرة كتبها رحيم الحلي