أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - مرتضى العبيدي - إفريقيا بين الأمن الغذائي المفقود والإصلاح الزراعي المنشود















المزيد.....

إفريقيا بين الأمن الغذائي المفقود والإصلاح الزراعي المنشود


مرتضى العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 6564 - 2020 / 5 / 15 - 12:46
المحور: الصناعة والزراعة
    


مع انتشار جائحة الكورونا، وجدت معظم البلدان الإفريقية نفسها في مواجهة جائحتين: جائحة كوفيد ـ 19 المستجدة وجائحة الجوع الدائمة، وهي الأكثر فتكا بالإنسان في هذه البلدان. إذ أن المنظمات الدولية المختصة مثل منظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة الصحة العالمية وحتى المنظمة العالمية للتجارة سارعت بإرسال نداءات استغاثة للمجتمع الدولي لتقديم المساعدة للبلدان المنكوبة لتجنّب الكارثة، باعتبار النقص الفادح في المواد الغذائية في عديد البلدان الإفريقية واستحالة التوريد نظرا لتعطل حركة النقل عبر كبرى المواني العالمية. وهذا هو إحدى نتائج عولمة التجارة التي جعلت تغذية مئات الملايين من البشر في شتى أنحاء العالم مرتبطة بمسالك التجارة العالمية وعمّقت بذلك تبعية هذه البلدان الى الدول المصدّرة والشركات العابرة للقارات.
ومعلوم أن انعدام الأمن الغذائي كان أحد أسباب اندلاع النزاعات في القارّة السمراء، خاصة وأن الأنظمة القائمة في معظمها بحكم طبيعتها ، فضلت الانخراط في السياسات المسطّرة والمملاة من قبل الدول الامبريالية ومؤسساتها المالية. علما وأن جميع الأحزاب الإفريقية التي قادت حركات التحرّر الوطني في منتصف القرن الماضي كانت واعية أتمّ الوعي بمحورية القطاع الفلاحي وضمّنت في برامجها ودساتيرها ضرورة إنجاز إصلاح زراعي جذري حال حصول بلدانها على الاستقلال.
وعلى سبيل المثال، فقد تضمّن "ميثاق الاستقلال" وهو عبارة عن دستور المؤتمر الوطني الإفريقي بجنوب إفريقيا بندا ينصّ على الإصلاح الزراعي بما فيه استرجاع الأراضي من الأقلية البيضاء التي كانت ومازالت تمتلك أكثر من 95 ℅ من الأراضي الصالحة للزراعة وإعادة توزيعها على أصحابها الشرعيين، أي سكان البلاد الأصليين. ونظرا الى أن الحكومات المتتالية لم تتقدم خطوة واحدة نحو إنجاز هذا المطلب الشرعي، فقد أدى ذلك الى توترات داخل حزب المؤتمر الحاكم، نتج عنها انسلاخ بعض مكوّناته وبحثها عن صيغ جديدة للتنظم المستقل. وكان عدم الإيفاء بهذا التعهد، الى جانب استشراء الفساد لدى الحكّام الجدد، أحد أسباب انسلاخ "نقابة عمال المعادن"، كبرى نقابات البلاد، من المركزية النقابية (كوساتو) سنة 2013 وهي إحدى المكوّنات الأساسية للمؤتمر الوطني الإفريقي.
وفي نضاله ضد الاستعمار البرتغالي من أجل تحرير غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر، اهتم أميلكار كابرال، وهو المهندس الزراعي، بمسألة الإصلاح الزراعي لا من الناحية النظرية فحسب بل شرع في تطبيقه على أرض الواقع على جميع الأراضي التي يتمّ تحريرها، من أجل توفير الاكتفاء الذاتي لسكان الأرياف التي كانت الحاضنة الأساسية للقوات الثورية التي خاضت حرب التحرير الوطني على مدى 10 سنوات (1963 ـ 1973). وكان يقوم بنفسه بتعليم قوات جيش التحرير التقنيات الزراعية، الذين كانوا ينقلونها الى المزارعين حتى يتمكّنوا من الزيادة في الإنتاج والإنتاجية لضمان إطعام أسرهم وكذلك إطعام المتفرّغين منهم في صفوف جيش التحرير ، وكان هؤلاء يساعدون المزارعين في كل الأعمال الفلاحية من حراثة، وسقي، وجمع المحاصيل...
أما كوامي نكروما زعيم حزب المؤتمر الشعبي في "خليج الذهب" (التي ستُسمّى غانا بعد الاستقلال)، ومنذ استقلال البلاد على العرش البريطاني سنة 1957، فقد أعلن غانا بلدا اشتراكيا، وشرع في تثوير الهياكل الاقتصادية التقليدية من أجل إقامة نظام بديل يضمن لغانا استقلالها الفعلي عن المستعمر، وخاصة سيادتها الغذائية. وقد أدرج الإصلاحات التي قام بها تحت مسمّى "الاشتراكية الإفريقية" التي من أبرز مقوّماتها الإصلاح الزراعي. وهو من الأسباب التي جعلت بريطانيا تسارع بتدبير انقلاب عسكري ضدّه سنة 1966 لمّا كان في زيارة رسمية الى الصين، لإجهاض التجربة. ومازالت غانا الى حد اليوم ، رغم ما توفّر لديها من ثروة نفطية، تعاني تخلفا رهيبا في المجال الزراعي حيث تواصل المزارع التقليدية المملوكة لمزارعين صغار الهيمنة على مجمل الزراعة، وغالبا ما يكون هؤلاء المزارعين، بمن فيهم النساء والفتيات، من بين فقراء الريف والذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وعلى خطى نكروما وأميلكار كابرال، سار توماس سانكارا في بوركينا فاسو (1983 ـ 1987)، ولقي نفس مصيرهما إذ تم اغتياله في انقلاب عسكري من تدبير المخابرات الفرنسية وتنفيذ بعض العملاء، وتعطلت برحيله ما أطلق عليه اسم "الثورة الزراعية".
فحالة الهشاشة التي عليها النُظُم الزراعية في إفريقيا اليوم هي متأتية أساسا من تدمير المنظومة الزراعية التقليدية من قبل الأنظمة الاستعمارية وتوجيهها لخدمة حاجيات المستعمر، وزادها حدّة في العشريات الأخيرة نظام العولمة بربط الإنتاج بحاجيات السوق العالمية، ضاربا عرض الحائط بحاجيات أهل البلد. وهكذا فإنّ معظم البلدان الإفريقية رغم ما تتوفّر عليه من إمكانيات، تبقى مرتبطة ارتباطا مذلاّ بالخارج في أبسط حاجياتها الغذائية. فإنتاج القمح على سبيل المثال لا يغطي سوى 10℅ من حاجيات سكان القارّة. وعموما، فإفريقيا عاجزة في الظرف الراهن على إنتاج حاجياتها من المنتوجات الفلاحية من ناحية، ومن ناحية ثانية فهي تصدّر كميات هائلة من المواد الفلاحية التي تعجز على تحويلها محليا والتي يتمّ تصديرها لتصنع ثروة المؤسسات أو المستثمرين الأجانب مثل مادّة الكاكاو.
إن تعطل حركة التجارة العالمية من جرّاء الجائحة وضع مجددا القارّة الإفريقية أمام تحدّي الأمن الغذائي. ففي منتصف شهر أفريل كانت كميات الأرز المخزنة في بلدان غربي إفريقيا لا تغطي إلا حاجيات شهرين من الاستهلاك، وهو ما يطرح بصفة ملحّة مسألة ضرورة مراجعة السياسات الزراعية مراجعة جذرية.
ومما يزيد الأمر إلحاحا التطوّر الديمغرافي الرهيب الذي سيجعل عدد سكان القارّة يتضاعف في حدود سنة 2050 ، إذ تتوقع التقديرات أن يمرّ من 1,2 مليار نسمة حاليا الى 2,5 في التاريخ المذكور. لذا فإن مواصلة تجاهل المسألة الزراعية من قبل الأنظمة القائمة يُعتبر جريمة في حق شعوبها وأجيالها القادمة بالخصوص. ورغم النموّ الاقتصادي التي تشهده بعض البلدان الإفريقية خاصة البترولية منها أو الغنية بالمعادن النفيسة، فإن الزراعة تبقى في أغلبها مهمّشة، بينما يرى عديد الخبراء أن خلاص القارّة وإعادة التوازن الى نموّها الاقتصادي يكمن في النهوض بالقطاع الزراعي، الذي بمقدوره لا فقط تأمين الأمن الغذائي لبلدان القارة بل وكذلك توفير الملايين من مواطن الشغل.
وهكذا يتضح أنه، رغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها الشعوب الإفريقية من أجل الحصول على استقلال بلدانها، فإن الأنظمة المنبثقة عن تلك الحركات التحررية في خمسينات وستينات القرن الماضي لم ترتق في معظمها الى مستوى المسؤولية التاريخية التي كانت ملقاة على عاتقها، واختارت أن تتخذ موقعا ما في المنظومة الاستعمارية الجديدة لا يؤهّلها في الإيفاء بالوعود المقطوعة في التحرر الوطني والسيادة على المقدّرات. وهو ما ترتّب عليه الكارثي الذي عليه الفلاحة اليوم، وهو ما يحتّم على القوى الثورية اليوم في هذه البلدان إيلاء الأمر ما يستحقه من أهمية وإدراجه ضمن برامجها النضالية دون تأخير أو تردد.



#مرتضى_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تستقيم الفلاحة التونسية وعمودها الفقري أعوج؟
- الحكومات العميلة في أمريكا اللاتينية لا تختلف عن مثيلاتها في ...
- وباء الكورونا: ماذا عن البلدان الإفريقية؟
- هل نجحت البورجوازية في -حجر- روح المقاومة لدى الطبقة العاملة ...
- ستالين والثورة بقلم راوول ماركو/ ترجمة مرتضى العبيدي
- الجيش الأحمر والشعب السوفييتي أنقذا البشرية من النازية/ ترجم ...
- صعود الفاشية في أوروبا ومهام الشيوعيين بقلم كارلوس هرميدا*، ...
- شعب بوليفيا يقاتل ضد الفاشية ترجمة مرتضى العبيدي
- من أجل تثوير عمل الحزب، نص بابلو ميراند* ترجمة مرتضى العبيدي
- بصدد حزب البروليتاريا بقلم بابلو ميراندا / ترجمة مرتضى العبي ...
- بابلو ميراندا* : ثورة أكتوبر والحزب الثوري للبروليتاريا
- ميلاد حزب العمال الاشتراكي الثوري بجنوب إفريقيا(SRWP)
- هل يمكن الحديث اليوم عن تعبيرات سياسية للطبقة العاملة في بلد ...
- البيان الختامي للدورة 24 للندوة الدولية للأحزاب والمنظمات ال ...
- عاشت ثورة أكتوبر*
- دور النساء خلال ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى
- تقديم كتاب: الإرهاب في تونس، الآباء والأبناء للأستاذ عميرة ع ...
- المغرب: حراك الريف 2017 امتداد لحركة 20 فبراير2011
- قمة الناتو المقبلة: قرع لطبول الحرب
- مقاومة الفساد: الشعار الذي يوحّد الشعب في البرازيل


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو ... / سناء عبد القادر مصطفى
- مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس) / صديق عبد الهادي
- الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي. / فخرالدين القاسمي
- التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل ... / فخرالدين القاسمي
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا ... / محمد مدحت مصطفى
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال ... / محمد مدحت مصطفى
- مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق / منتصر الحسناوي
- حتمية التصنيع في مصر / إلهامي الميرغني
- تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام ... / عبدالله بنسعد
- تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا ... / احمد موكرياني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - مرتضى العبيدي - إفريقيا بين الأمن الغذائي المفقود والإصلاح الزراعي المنشود