أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مهند طلال الاخرس - كل يوم كتاب؛ عبور النهر















المزيد.....


كل يوم كتاب؛ عبور النهر


مهند طلال الاخرس

الحوار المتمدن-العدد: 6564 - 2020 / 5 / 15 - 02:16
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


عبور النهر
رواية لمحمد محمود يوسف (ابو علاء منصور) وتقع على متن ٢٣٨ صفحة من القطع المتوسط وهي من اصدارت اتحاد الشباب الفلسطيني في رام الله سنة ٢٠١١.

الرواية تتناول تجربة احدى خلايا المقاومة الفلسطينية التابعة لحركة فتح، وهي تلك المجموعة التي اسسها الكاتب نفسه وهو ابو علاء منصور، وهذا اهم ما يميز هذا الكتاب، فنحن امام تجربة فريدة ومميزة فالكاتب هنا هو نفسه بطل الرواية، والبطل في الرواية هو ذلك الفدائي الذي نحب من ذلك الزمن الجميل، زمن التضحيات والعطاء بلا حدود.

ان تقرا لهكذا كاتب مع ما يملكه من حس مرهف فأنت امام نص فريد وغني بالاحداث والادبيات الثورية والابجديات التنظيمية والتي تشكل مادة دسمة تصلح لان تكون ضمن سلسلة وكتيبات التجارب الثورية التي تدرس في الاكاديميات والجامعات ومدارس اعداد الكادر الوطني المتحفز والمتأهب دوما للمواجهة والنضال على الصعد كافة.

في هذا الكتاب دعوة صريحة من ابو علاء لكل صاحب تجربة ان يكتب تجربته ويوثقها، حفظا لتاريخ وتراث الشعب الفلسطيني، وحرصا على مسيرة النضال الوطني الفلسطيني ضمن سياقها العالمي، لكي تأخذ مكانها الطبيعي بين التجارب الثورية العالمية، فبدون تدوين وتوثيق هذا التاريخ وتلك التجارب الناصعة كيف لشعب ان يصنع مستقبله، وكيف له ان يشحن ويعبيء الاجيال القادمة، ويحملها بموروث من العز والفخار، بحيث تصغر في عيني الاجيال اللاحقة التضحيات الجسام في سبيل الحفاظ على هذا الارث العظيم، فأمة لا تدرك كنه تاريخها لن يحفزها شيء للدفاع عنه.

الكتاب يفيض بتجربة غنية تأخذك الى بداياتها الاولى بلمسة انسانية مفعمة بالحب ومجبولة بكثير من الدموع. تبدأ الرواية من عند مولد بطلها في عام ١٩٤٩ وهو ابو علاء منصور وبحيث يستحضر ابو علاء كل تلك المعاناة في الولادة ابتداء وفي النكبة والتشريد ثانيا وهنا يفيض الكاتب بالبوح عن تلك الايام دون تكلف بل وبنزعة انسانية جارفة يملئها الحب والتعب وكثير من ايام الكد والضنك.

"منحني قدومك كثيرا من الامل، لكن ذلك لم يكن كافيا لطرد هواجسي. القيت نظرة الى وجهك الصغير، وسالت من عيني دمعة، فخاطبت براءتك: لماذا علينا ان نعيش وسط هذا الجحيم؟" بهذا الاستهلال الوارد على لسان والدة ابو علاء منصور في الصفحة السابعة من الرواية ما يفسر كثيرا من شخصية تلك الام الصابرة الصامدة الناظرة بعين ثاقبة للمستقبل ما يلخص كثيرا من فحوى احداث الرواية، فنحن امام نموذج للام الفلسطينية تعطي من عمرها ليحيا الاخرون، والاخرون هنا ابنائها وفلذات اكبادها، لكن لا مانع من ان يكونوا قرابين للحرية ولذلك اليوم الموعود.

وفي هذا الاستذكار والاستحضار الدائم والوارد عبر صفحات الرواية المتعدد للوالدة عدة دروس وعبر احسن ابو علاء واجاد في توظيفها، بالاضافة الى ان الاستشهاد بهذا المثال (الام) انما هو دليل صحة وعافية على نسيج المجتمع وولائه وامتنانه لمن قدم واعطى وبذل وقدم، وبهذا دليل منقطع الدلالة والثبوت على ان نموذج الام كمدرسة اولى للاجيال والاساس في بناء الاوطان يجب ان يبقى في صدارة المشهد، وعندما يُضرب المجتمع بتلك الاسس فلا عجب فيما بعد من ان نشاهد كل هذا الانهيار.

يذهب ابو علاء للدراسة في بغداد محملا بأماني وتطلعات كل من خلفه، وصل بغداد على امل دراسة الطب، لم يتحصل على مقعد لتحقيق تلك الامنية فدرس الرياضيات وتعلم معه اشياء اخرى كان اهمها انخراطه في حركة فتح.

يرجع ابو علاء الى رام الله ليعمل مدرسا وليعمل ايضا في اشياء اخرى، حيث يبدا العمل على تأسيس خلايا للمقاومة، ويقدم لنا نماذج لكيفية اختيار الاعضاء ونماذج العمل، وينجح في مهمته وتقوم المجموعة باولى عملياتها البطولية والمعروفة بعملية بنك لئومي وتنجح العملية وتسفر عن مقتل الجنود الصهاينة وتغنم المجموعة كل سلاح الدورية الاسرائيلية. بعد فترة يتسرب الخبر للاحتلال بهفوة من احد الافراد، فتتم الملاحقة والمطاردة من قبل الاحتلال، يتخفى ابو علاء وينجح بالوصول الى اريحا، وهناك تبدا قصة اخرى ومشوار طويل، تبدا اولى تفاصيله عند النهر وتنتهي اجمل فصوله واكثرها تشويقا عند النجاح بعبور النهر، ومن هنا جاء اسم الرواية مكللا بالغار ويستحق ان يكتب بحروف من ذهب.

في الرواية يقدم لنا ابو علاء خبرة واسعة مستقاة من التجربة والعمل ابتداء ومن حسن الدراية والتخطيط لاحقا، وهو ما عبر عنه ابو علاء على لسان والده في ص ٤٣ في معرض تعليقه على اندلاع حرب النكسة في ١٩٦٧ بقوله :" الحروب ليست رحلات صيد صيفية، الامم والشعوب تندفع الى الحروب، اما لتحرير اوطانها او يسوقها الى التهلكة، الطغاة والمستبدون من الحكام والمستعمرين او الطائشين، مدفوعون بنزواتهم وحبهم للنفوذ والسيطرة ، الحرب حرب بغض النظر عن عدالتها واهدافها ونوايا اصحابها"، ثم يعود ليقول في نفس الصفحة وعلى لسان والده:" على المرء في اجواء انفلات عقال العواطف وتأجج المشاعر ان يفكر بحذر ويتصرف ببرود اعصاب".

ولا يبخل علينا ابو علاء بمزيد من الدروس والعبر حين يحدثنا عن الخوف كصفة انسانية اصيلة ومتجذرة، ويقدم لنا الدروس الصادقة من وحي التجربة للتعامل مع تلك الحاسية فيقول في ص ٤٧ :"الخوف يعطي للاشياء صورة فظيعة". ثم يتابع في معرض تقديمه للدروس المستفادة من رحم النكسة ١٩٦٧ وفي ص ٤٩ فيقول:" لا ترخوا آذانكم للشائعات، واجبنا الاول هو ان نثبت في ارضنا"، ..لكن للاسف ما يحدث في اجواء الانكسار تنتشر الشائعات كالنار في الهشيم وسرعان ما تتصخم فيكون اول ما يفكر فيه الناس الهروب والرحيل.

في رحلته الى المجهول من رام الله لعمان بعد وقوع النكسة والتي يرويها ابو علاء ابتداء من ص ٥١ صفحات من تاريخ المأساة الفلسطينية وكيفية ادمانها على النهوض من تحت الركام كطائر الفينيق، وفي هذه الصفحة ينجح ابو علاء في ان يستحضر ذلك الموقف وكأنه ماثل امامك الان فيقول:" ودعتني بدموع مخنوقة حرصت على حبسها كي لا يوحي لي مظهرها بأي ضعف يمكن ان يؤثر على تماسكي وانا على ابواب رحلة المجهول" ، وهنا ايضا احسن الرمزية الفائقة في التوظيف والربط والمجاز، فهنا كانت رحلة ابو علاء للمجهول وكذلك الحال بالنسبة لكل من عبر ذلك الجسر المهدم في اعقاب النكسة، ليس هذا وحسب ،بل واثناء انتظاره على الجسر يحدث مالم يكن في الحسبان وينام في اريحا ويتأجل السفر ولا يقدر ان يعود للبيت لعلمه بكيفية اخذ امه لقرار سفره منفردة، اضافة الى بعض التفصيل الدقيقة التي تضفي لمسة انسانية مرهفة تزيدك التصاقا مع النص.

في عمان يعمل ابو علاء في فرن، ويحتضنه صديقه عطا ص ٥٥، وفي تلك الصفحة فقرة نجحت في ان تختزل كل تلك العلاقة مع عطا بالاضافة الى نجاحها في تصوير كل تلك الوجوه الهائمة والقادمة من الضفة لعمان، تلك الوجوه كانت كالمستجير من الرمضاء بالنار " اتاح له حُسن خلقه واتساع منزله النسبي وتضخية زوجته وتفهمها للظروف التي استجدت بعد الحرب، احتضاني واستضافة عدد اخر من نازحي القرية والقرى المجاورة".

في عمان تبدأ اولى خطوات ابو علاء مع فتح، وهذا ما يبوح به في ص ٥٧، فيقدم لنا صورة حية وصادقة ومليئة بالتواضع لاول تلك الخطوات، ولا ينسى ايضا ان يذكر نادر القدومي وبأنه اول من تسبب بتلك الخطوات.

وفي ص ٦٠ يستحضر ابو علاء اول تلك الخطوات، فيحدثنا عن اول دورتين عسكريتين التحق بهما الاولى عسكرية وسياسية في معسكر ٩٩ في جبال السلط، والثانية دورة كوادر اعلامية في الوحدات.

يذهب ابو علاء لبغداد لمتابعة دراسته الجامعية بعد سلبه هذا الحق في الاردن في قصة لا يتوانى عن تقديم بعد سطورها الينا ويختمها بقوله:" بمثل تلك الاساليب الخسيسة تتحط القيم وتفسد المجتمعات ص ٥٩" وينجح ابو علاء في بغداد ويتفوق ويتقدم تنظيميا لكن اهم تلك الدروس التي نجح في تقديمها لنا تلك القصة الواردة على متن ص ٦٢ مع ذلك الطفل العراقي الذي طلب من ابو علاء ان ينتظر حتى يشتري غرضا من البقالة ويعود ليتبرع بالباقي!

تلك القصة( قصة الطفل العراقي وقصة مقعد كلية الطب الجامعية المسلوب من ابو علاء) تصلح للمقارنة والمقاربة بين بغداد وعمان ويمكن اسقاطها على دور كل منهما تجاه فلسطين وقضيتها منذ النكبة وحتى الان. مرة اخرى ابدع ابو علاء في الاستحضار والتوظيف وصنع المقاربات والاهم توضيح الفارق بين الاصيل والعديم وبين السارق والمارق وبين الخارق الحارق.

في ص ٦٤ يتحدث ابو علاء عن واقع الحياة والضنك وكيفية تدبير الامور رغم محدودية الدخل كل هذا واكثر من صور الحياة والمعاناة بعد النكسة نجده تحت عنوان لو كان الفقر رجلا لقتلته. وفي الصفحة ٦٨ وتحت عنوان التحول يورد ابو علاء حكاية انضمامه للجهاز المختص بالارض المحتلة والذي كان يجري انشائه في حينه، تلك الحكاية كان اول شخص في تفاصيلها الكثيرة عماد ملحس ثم صخر حبش واسماء وتفاصيل تمثل سيرة في سطور مسيرة لرحلة شعب قرر وبكل بساطة ان ينهض من تحت الركام، فهو كالعنقاء لا ينكسر.

تنتهي مسيرة ابو علاء في بغداد بانتهاء دراسته الجامعية فيها، ويقدم لم شمل ويتحصل عليه، وينجح بالعودة الى البلاد ليبدأ اول خطواته العملية في بناء الخلايا السرية للقيام بعمليات فدائية تجاه العدو، وفي تلك المرحلة تفاصيل تأخذ كل عاشق لتلك الخطوات وكل محب لتجارب فتح بروادها الاوائل، وتلك حقيقة سيمسك بتلابيبها كل من كان هواه فلسطينيا وبوصلته دائما باتجاه فلسطين، مع تلك السطور وتتابع الصفحات ستسير مع الفدائيين في القرب وترقب الناس وتراقب المحتل وتحركاته، ستنضبط اكثر، وستشعر بأن امال الناس واحلامها معلقة على اكتافك، ستشعر بثقل الحمل وبكل تلك المسؤولية حالما تندفع وتقرر ان تشرك الآخرين معك في ذلك العمل دون ان تملك كثيرا من مقومات الاستمرار غير طهارة الفكرة وذلك الشعور الوطني النبيل.

يعود الفدائي الى البلاد ص ٧٠ يطوفها بخطوات واثقة وعيون فاحصة ويبدأ العمل وتكتمل الخلية، ومع تلك العودة تستمر الدروس والعبر ويعود ابو علاء ليقدم لنا خلاصة عظيمة عن تلك المرحلة احسن توظيفها وصياغتها لتصبح ادبية تنظيمية وابجدية تُدّرس ص ٨٧ " الاعداد الزائدة تتحول الى ثغرة وعنصر هدم، عندما يصبح هؤلاء عبئا على التنظيم في غياب القدرة على تشغيلهم، مع ما ينجم عن ذلك من ثرثرة سببها الفراغ....، الزائد والناقص وجهان لعملة واحدة تلحق الضرر بأي عمل...، التضخم كالنقص تعبيران عن مرض اداري...".

في ص ٩٣ يعود ابو علاء مجددا لتقديم مزيد من الدروس والعبر وهذه المرة من خلال حكاية والدته وكيفية طلاقها الاول وعن الثمن الباهظ الذي دفعته مقابل طلاقها احسن ابو علاء عندما اختصر تلك الحادثة بتلك الادبية " لم يكن امامي غير التصرف على هذا النحو، اذا ما اردت الخروج مما انا فيه، كان الخروج من المشكلة في قمة اولوياتي، اما بعد ذلك فالحياة كفيلة بوضع حلول لاعقد المشكلات".

في ص ٩٧ يتحدث ابو علاء عن عملية فردان ١٩٧٣ واغتيال القادة الثلاث وتبعات ذلك على خلايا الارض المحتلة وبعد طرح المشكلة وتداعياتها ينجح ابو علاء في ص ١٠٢ بتقديم الخلاصة من تلك التجربة(تجربة التحقيق والخوف من الاعتقال) ليصوغها لنا كادبية تنظيمية خطت بحروف تحبس الانفاس" في مثل هذا النوع من المواجهات، ليس امام المرء إلا ان يقاتل على حافة الهاوية إذا ما اراد النجاة. لا مجال هنا للاختيار وإلا فإنك ستنهار. الامر يعتمد على وعي الانسان في التعامل مع قواه الكامنة التي يحركها الحدث او تولد من خلاله. مثل هذه القوى الجبارة لا يمكن للمرء اكتشافها إلا في الظروف الاستثنائية".

في الصفحة ١١٢ يبدأ الحديث عن العملية الاولى "المولوتوف" والحالة النفسية والاعداد والاستعداد واحداث العملية والعزوف عن التنفيذ ويورد كل تلك التفاصيل بكل صدق وتجرد ليتضح فيما بعد ان الزميل الاخر لم ينفذ لنفس الاسباب، لكن ابو علاء نجح في ان يكون قائدا من اوسع الابواب، كان مدخله للقيادة من باب الصدق والتواضع وقدرته على نقد نفسه قبل الاخرين.

في ص ١١٤ يحدثنا عن العملية الثانية بتصوير للمكان اكثر من رائع، حتى انك ترى اثار خطواته في شارع ركب، لا بل يخيل لنفسك انك كنت هناك، وانك كنت تتبعه، لكنك لسبب ولآخر لم تستطع ان تتبعه، خذلتك عيونك واقدامك، اما هو فقد نجح بذلك الهجوم على بنك لئومي وبالقنابل الحارقة ومعه نجح ابو علاء بالعملية واصبح فدائيا حقيقيا رغم انه بالنسبة لنا فقد كان فدائيا منذ خطواته الاولى ومن خلفه تلك المرأة الاولى امه ، تلك الام التي انجبت بطلا وفكرة.

في ص ١١٧ يتحدث ابو علاء عن اصداء العملية بين الناس وعن اثر تلك الاصداء بشحن ابو علاء ومجموعته للقيام بمزيد من العمليات فكانت العملية الثالثة وهي لب الرواية ومركز الحدث وفي تلك العملية الممتدة عبر الصفحات ١١٧ وحتى الصفحة ١٢٨ عندما تنجح العملية ويختمها بقوله:" كانت عملية بنك لئومي اول عملية عسكرية يجري تنفيذها بهذه الكيفية على مستوى الوطن... كانت العملية نقلة نوعية".

في ص ١٤٥ يتحدث ابو علاء عن نتائج العملية والحالة النفسية التي يكون عليها المنفذين وضرورة الكتمان وضبط النفس عن الانفعالات وعاد مرة اخرى ليوظف كل خلاصة ذلك المقصد بادبية تنظيمية وقاعدة يجب ان تأخذ بالحسبان فيقول" تظل الاجهزة الامنية المعادية عمياء صماء، لا تسمع ولا تبصر ، رغم عيونها واذانها. حتى تلقي لها الثرثرة والاستهتار او سوء التقدير برأس خيط...هذا عنصر التهديد الاساسي للخلايا السرية، وهذا ما حصل بالضبط مع خليتنا".

انكشفت خليتنا وعمليتنا، المؤبد طريقنا، نهاية مأساوية مرعبة، مرحلة عزيزة من حياتي انقضت، واخرى مجهولة تلد، ص ١٥٤. بهذه الكلمات حدث ابو علاء نفسه على اثر اكتشاف امر خليتهم. توصل لقرار بمغادرة رام الله الى اريحا باقصى سرعة ص ١٥٦، لكي يكون قريبا من الحدود مع الاردن ليتكمن من الهرب عبر عبور النهر.

في ص ١٦٦ وتحت عنوان التيه يبدأ فصل آخر من الرواية وبحبكات جديدة مشوقة لا تقل جمالا واحداثا عن تلك المرافقة لىفصول السابقة، لكن هنا تشعر انك امام تفاصيل يشملها عرض مسرحي جديد، كان من الممكن ان تشكل رواية اخرى في سلسلة لا تنتهي من صفحات وبطولات ابناء فلسطين.

ولان الظرف الطاريء يملي سلوكا استثنائيا ص ١٨٤ فإن صاحبنا واثناء تواجده قرب النهر وعلى اطراف اريحا تحدث له مجموعة من المفارقات ويمر بكثير من الظروف التي تحبس الانفاس لكنها تقدم صورة حية وصادقة عن طبيعة الفعل الفدائي الذي يعتمد المبادرة والمغامرة وتلك حسابات لا تنتهي دائما الى المأمول. هنا وفي هذا الفصل بالذات تشعر بالتيه صدقا، فحالك كقاريء لن يكون بأحسن حال من ذلك الفدائي الذي اضناه التعب على حواف النهر.
ذلك التيه بمحاذاة النهر وتلك التجارب عاد ابو علاء ليقدمها في ابجدية ولا اروع على ظهر ص ١٨٧ و ١٨٨ فيقول فيها:"
الحياة ليست منطقنا فقط.
لها منطقها ايضا.
الحياة ليست خطط مسبقة وكفى.
انها ايضا وقائع تتداعى وتتوالد من ارحام بعضها.
لنا منطقنا وللوقائع منطقها.
علينا المقاربة بين المنطقين.
لتحديد المشترك الذي يؤدي الى النجاح.
منطق البشر وخططهم مهمة، لكنها غير كافية.
من الغباء الارتهان للمنطق وحده.
نحن لا نستطيع الاحاطة بكافة العناصرالمؤثرة بتشكيل الحدث.
هناك عناصر لا ندركها، واخرى لا نحسن تحليلها واستخدامها.
لو ان منطقنا هو الحكم والقول الفصل:
لتوقف الكون عند حُكم المستعمرين والطغاة.
او لتخلى هؤلاء عن غطرستهم وعادوا الى رشدهم.
هؤلاء لا ينقصهم الذكاء، ولا تغيب عن اذهانهم قوة الحجة والمنطق.
لكنه الغرور.
علينا ان نتعلم كيف نحترم منطق الاشياء.
تماما كاحترامنا لمشاعر البشر ومصالحهم.
فمواقف الناس لا تعكس ما يدور في رؤوسهم فقط."

ولأن الحاجة تمنح الانسان فرصة ليصنع حظه بنفسه ص ١٩٥، كان الحظ حليف ابو علاء طيلة ايامه بمحاذاة النهر، وهذه عادة لازمت الشعب الفلسطيني في كل حل وترحال، وهي ترافقه وتظهر بدون ميعاد وعلى خجل، والسبب في ذلك عائد لان القدر كان كثيرا ما يغادرنا عندما نكون بأمس الحاجة اليه، فيتدخل بلطف محاولا تقليل حجم غضبنا عليه جراء كل ما حصل، فكان دائما يعود الينا بطريقة ساخرة اسمها الحظ، وهذا ما رافق ابو علاء واسعفه بعبور النهر. مع بعض الاجتهادات والمجهودات التي ترافق ابتسام الحظ لك، كقول ابو علاء في ص ٢٠٠:"للجسد دفاعات تلقائية، تعمل في الاوقات الاستثنائية". وكقوله في ص ٢٠٢:"التركيز على الهدف يمنحك فرصة بلوغه". وكقوله في ص ٢٠٧ :
" الناجحون والفاشلون يعبرون ذات الطريق.
يسقط البعض.
فيما يواصل غيرهم المسير.
العبرة في الصبر والعمل، لا في انتظار المعجزة.
المعجزة ما تصنعه بنفسك."

في خضم تلك المعمعة ومحاولاته المتعددة لعبور النهر وفي ص ٢١٥ يقدم ابو علاء احد تلك الصور لعبور النهر، عند هذه الصورة بالذات تنحبس الانفاس، وتكاد انت بنفسك ان تمد بيدك لابو علاء لمساعدته ونجدته من الغرق،"اياك ان ترفع قدميك وانت تعبر مياها قوية جارفة، ابقها دوما ملاصقة للقاع، والا فقدت توازنك وغرقت"
اتخذت مسربا مواربا.
تقدمت بزاوية حادة مع التيار، دون ان ارفع قدمي عن القاع.

تلك المعمعة نجح ابو علاء ايضا في تقديمها لنا كدرس وقاعدة تصلح للعمل التنظيمي :"لا تواجه عدوك في نقاط قوته، عندما تضطر لمواجهته، اشتبك معه في نقاط ضعفه، حاول تحييد اقصى ما تستطيع من عناصر قوته، واستند دائما الى اقوى نقاط قوتك".

في هذه الصفحات تخال نفسك تجول وتسبر اغوار النهر بغية عبوره، تراودك الافكار وتزدحم حتى انك تبتل منها، وتشعر ان النهر لوهلة قد تراجع امامك، وبدا الماء ينحسر،تتقدم خطواتك بثبات ، تقتحم النهر، يتراجع الماء امامها، يبدوا ان خطواتك قد نجحت للتو في اجتياز النهر، تتنفس الصعداء، تستطلع حقيقة الامر، تجده حقيقة مؤكدة، لقد انتصرت خطواتك على النهر، وها هي الان على الضفة الاخرى، ص٢١٦.

في الضفة الاخرى يحدث ما اعتاده الفدائييون في كل وطنهم العربي الكبير؛ يتم الاعتقال، وتلك حكاية اخرى، قد يبوح بها ابو علاء عند عودته لعبور النهر مرة اخرى.

لذلك النهر وحوافه المعمدة بدمائنا؛ قُضي الامر، ذلك عهدٌ قطعناه..
سنجتازك يوما ما...



#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كل يوم كتاب؛ اسرار حرب لبنان
- كل يوم كتاب؛ حب وموت في بيروت
- كل يوم كتاب؛ البيت الثالث
- كل يوم كتاب؛ السيرة والمسيرة مذكرات سليم الزعنون ابو الاديب
- كل يوم كتاب؛ دفاتر الثورة الفلسطينية، دفاتر الفتح، فاروق الق ...
- كل يوم كتاب؛ طريق الخيّالة
- كل يوم كتاب؛ نهاوند
- كل يوم كتاب؛ ترويض النسر
- كل يوم كتاب؛ حكايات من اللجوء الفلسطيني
- كل يوم كتاب؛ ازهار واشواك مذكرات ضابط فلسطيني
- كل يوم كتاب؛ المسكوبية
- كل يوم كتاب؛ 60 مليون زهرة
- كل يوم كتاب؛ الرحلة الاصعب
- كل يوم كتاب؛ رحلة جبلية...رحلة صعبة
- كل يوم كتاب؛ غربة الراعي
- كل يوم كتاب؛ البندقية وغصن الزيتون
- كل يوم كتاب، قواعد الشيوخ ١٩٦٨١ ...
- كل يوم كتاب ، من ضفاف البحيرة الى رحاب الثورة
- كل يوم كتاب؛ ماجد ابو شرار، مشروع النهوض الوطني الفلسطيني
- كل يوم كتاب ، سيرة الأرجوان والحبر الثوري


المزيد.....




- بتدوينة عن حال العالم العربي.. رغد صدام حسين: رؤية والدي سبق ...
- وزير الخارجية السعودي: الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في غز ...
- صواريخ صدام ومسيرات إيران: ما الفرق بين هجمات 1991 و2024 ضد ...
- وزير الطاقة الإسرائيلي من دبي: أثبتت أحداث الأسابيع الماضية ...
- -بعضها مخيف للغاية-.. مسؤول أمريكي: أي تطور جديد بين إسرائيل ...
- السفارة الروسية في باريس: لم نتلق دعوة لحضور الاحتفال بذكرى ...
- أردوغان يحمل نتنياهو المسؤولية عن تصعيد التوتر في الشرق الأو ...
- سلطنة عمان.. مشاهد تحبس الأنفاس لإنقاذ عالقين وسط السيول وار ...
- -سي إن إن-: الولايات المتحدة قد تختلف مع إسرائيل إذا قررت ال ...
- مجلة -نيوزويك- تكشف عن مصير المحتمل لـ-عاصمة أوكرانيا الثاني ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مهند طلال الاخرس - كل يوم كتاب؛ عبور النهر