أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - موضوعات للمناقشة - مسيرة العراق القادمة في ضوء مستجدات الوضع السياسي الراهن















المزيد.....



موضوعات للمناقشة - مسيرة العراق القادمة في ضوء مستجدات الوضع السياسي الراهن


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 1584 - 2006 / 6 / 17 - 11:42
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


(1)
لا خلاف, كما أرى, حول حقيقة أن أوضاع العراق الراهنة وتعقيداتها وتشابكاتها لا تنفصل عن أوضاع منطقة الخليج والشرق الأوسط. وبالتالي فأن ما يجري في العراق هو تعبير عن واقع المشكلات السائدة في هذه المنطقة من العالم والصراعات الدائرة حول المصالح إقليمياً ودولياً, مع تعقيدات غير قليلة خاصة بالعراق سنتتبع بعض تفاصيلها أيضاً. والظواهر الراهنة في منطقة الشرق الأوسط تشير إلى ما يلي:
- صراع يتفاقم بين غالبية شعوب ودول منطقة الشرق الأوسط وبين الولايات المتحدة الأمريكية حول سياساتها وممارساتها في المنطقة بغض النظر عن مدى صواب أو خطاء ذلك من جهة, وبغض النظر عن مدى عمق وشدة الصراعات الدائرة بين الشعوب العربية وحكوماتها من جهة أخرى, إذ أن فيضاً كبيراً من الضباب يحيط بهذه الصراعات, وهي التي تغطي الرؤية الواضحة والمسؤولة للوقائع الجارية من جاب الغالبية العظمى من شعوب المنطقة, خاصة وأن الوعي الديني غير المتنور والتخلف الفكري والاجتماعي هي السائدة في بلدان المنطقة. ويفترض أن نلاحظ بأن هناك محاولات جادة لتحويل الصراع السياسي بين الولايات المتحدة والشعوب الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط إلى صراع بين الحضارات, وهو أمر خطير ومضر جداً بمنطقة الشرق الأوسط والشعوب الإسلامية ذاتها وقبل غيرها, يفترض أن لا نسمح بمروره.
- تنامي في قدرة التيارات الإسلامية السياسية, وخاصة المتطرفة منها, في التأثير على الجماعات الكادحة والفقيرة والمسحوقة من شعوب بلدان المنطقة, وهي تشكل الغالبية العظمى وفي الحركة الشعبية, وهي تعبير عن ردة حضارية في العقل والفكر العربي والإسلامي بشكل خاص, في مقابل تراجع ملموس لحركة ودور وتأثير التيار الديمقراطي والعلماني واللبرالي على شعوب المنطقة, وبشكل أكبر ملموسية يلاحظ تراجع التيارات اليسارية, إضافة إلى تشتتها وعجزها عن إيجاد لغة مشتركة أو قواسم مشتركة في ما بينها تساهم في استعادة عافيتها ودورها في المنطقة. وظاهرة التبعثر والانشقاقات مستمرة والرغبة في تشكيل أحزاب وتكتلات جديدة مستمرة في إطار ذات القوى ودون أن تكون كلها قادرة على كسب الجماهير لأنها ما تزال تعمل في أغلبها وفق فكر الخمسينات والستينات من القرن الماضي.
- ولا شك في أن هناك صراعاً متفاقماً بين دول المنطقة حول الدور الذي يريد بعضها أن يلعبه في قيادة المنطقة مثل إيران ومصر والسعودية وتركيا, إضافة إلى إسرائيل على المدى الأبعد, على نحو خاص. فإيران تتطلع إلى دور أكبر بقدرات عسكرية جديدة ورادعة وبتحالف إسلامي سياسي شيعي في الغالب الأعم وبذهنية طائفية ودولة إقليمية كبرى وذهنية خيمنية لتصدير الثورة الشيعية الجعفرية. ومن هنا يأتي نشاطها لتخصيب اليورانيوم في إيران من أجل إنتاج أسلحة الدمار الشامل وسعيها الحثيث لامتلاكها. أما تركيا فهي دولة تقيم علاقات واسعة مع الدول العربية ومع إسرائيل ولها مشكلاتها مع إيران, إضافة إلى كونها عضواً في حلف الأطلسي الذي يعزز من سعيها لقيادة الإقليم بالتحالف مع الولايات المتحدة. وما يضعفها هو موقف الاتحاد الأوروبي ورفضه عضويتها الكاملة بسبب كونها دولة مسلمة من جهة, وبسبب سياساتها غير الديمقراطية والشوفينية إزاء الشعب الكردي وحقوق الإنسان من جهة أخرى. وتعترف الدول العربية لمصر بدور قيادي تشاركها في ذلك السعودية ولكن تتطلع الأخيرة بدور أكبر في العالم الإسلامي المنبثق من ثلاث مصادر, وهي: 1) كونها تمتلك بيت الله, مكة المكرمة, و2) تمتلك النفط الخام والغاز اللذين يوفران لها الأموال التي تبذلها للحصول على تأييد الدول الإسلامية بشكل عام, ومن أجل 3) ترويج مذهبها الوهابي الذي يرفض بقية الأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية ويحرض على العنف, وخاصة التيار الأكثر سلفية وتطرفاً فيه. ومصر تسيطر بحدود غير قليلة على قيادة الجامعة العربية وتوجهها, ولكنها تحاول ممارسة سياسة وسطية لتقبل بها كل الدول العربية. إن هذه الحالة تنعش حالة سباق التسلح بين دول المنطقة ومحاولة الحصول على أجيال جديدة وحديثة من الأسلحة الدفاعية والهجومية, إضافة إلى جهود معروفة لامتلاك مختلف أسلحة الدمار الشامل. ويكلف هذا السباق المزيد من الأموال ويرهق ميزانيات الدول المختلفة ويضعف قدرتها على تطوير عملية التنمية وتقليص البطالة وتحسين مستويات المعيشة.
- كما أن هناك صراعاً ملموساً بين دول الاتحاد الأوروبي من جهة, وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى أولاً, ثم بين روسيا والصين من جهة, والولايات المتحدة من جهة أخرى, ثانياً, حول النفوذ والمصالح في بلدان الشرق الأوسط, وبشكل خاص حول النفط والأسواق والاستثمارات والأموال المعطلة في المنطقة.
- ومما يزيد في الطين بلة الموقف السياسي غير الحكيم وغير العقلاني للولايات المتحدة والموقف التوسعي والعدواني لإسرائيل من القضية الفلسطينية التي تصب مزيداً من الزيت على النيران المشتعلة, خاصة بعد وصول حماس إلى السلطة الفعلية. وتؤكد الرؤية المدققة للقضية الفلسطينية أن هناك قوتان عربيتان, إضافة إلى إيران, من جهة, وإسرائيل من جهة أخرى, لا تريدان حلاً سلمياً للقضية وتسعيان إلى استمرار التوتر وحالة المناوشات الصغيرة وحالة لا حرب ولا سلام, الأولى تريد اجتثاث إسرائيل من خارطة الشرق الأوسط وهي القوى الإسلامية السياسية المتطرفة على نحو خاص, ومنها حماس والجهاد الإسلامي, والقوى القومية اليمينية والشوفينية المتطرفة, والثانية تريد المزيد من التوسع على حساب الأرض الفلسطينية وإلحاقها بإسرائيل, وهي القوى الحاكمة في إسرائيل حالياً.
وتدلل الكثير من المؤشرات على أن الصراع بين الشعوب والحكومات في هذه المنطقة ما يزال مستمراً لأسباب كثيرة, وخاصة انعدام الديمقراطية واستمرار الاستبداد, وزيادة عدد الفقراء واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء وزيادة عدد المليونيرية وتقلص حجم وتأثير الفئات المتوسطة...الخ, رغم ما يبدو من أن الصراعات الأخرى وكأنها غطت على هذا الصراع. فجهود الحكومات المختلفة متوجهة صوب تذويب هذا الصراع أو جعله ثانوياً, في مقابل الصراعات الأخرى , وخاصة بسبب الإرهاب الذي بدأ يتسع ليصل إلى مواقع جديدة في المنطقة.
كل هذه العوامل وغيرها تلعب دورها المباشر وغير المباشر على الأحداث الجارية في العراق وتزيد من صعوبة لجم قوى الإرهاب الدولي لأنها تتغذى وتقوى من خلال تلك الصراعات والدول المتورطة فيها.
(2)
إن الإلمام بهذه المستجدات الدولية والإقليمية يفترض أن نطرح ابتداءً الموضوعة التالية التي تشكل مدخلاً لحالة العراق الراهنة, وهي:
من كان يتابع الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في العراق, كان يدرك عملياً بان النظام الدكتاتوري المطلق كان يعيش أزمة حادة ومتفاقمة وعزلة متنامية عن الغالبية العظمى من الشعب, ولكنه مع ذلك لم يسقط من جراء أزمته الموضوعية, كما لم تستطع القوى السياسية العراقية المعارضة من إسقاطه, رغم نضالها الطويل والعنيد والمليء بالتضحيات الذي مارسته كل قوى المعارضة العراقية من مختلف مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والفكرية والسياسية, بل سقط النظام عبر الحرب الخارجية. وهي إشكالية تختلف كلية عن حالة سقوط النظام بقدرة الشعب وقواه السياسية, إذ عندها تجسد حالة موضوعية وذاتية أخرى لتلك القوى السياسية. ولكنها أكدت مجموعة من الحقائق, ومنها:
أ) هشاشة النظام الصدامي الدموي وعجزه عن الدفاع عن نفسه وعدم استعداد حتى قوى النظام من الدفاع عنه, دع عنك فرحة غالبية الشعب بسقوطه.
ب) كان النظام يمتلك القدرات العسكرية والجماعات الأمنية والعسكرية والقوات الخاصة القادرة على لجم الشعب وقواه السياسية بممارسة العنف والقسوة والقتل الجماعي, ولكنها لم تكن قادرة على مواجهة القوى الخارجية.
ج) ضعف القوى السياسية العراقية وعجزها عن تعبئة القوى الشعبية لإطاحة بالنظام مما دفعها للاستعانة بالقوى الخارجية.
د) وفي ضوء ذلك لم تكن القوى السياسية العراقية, وخاصة الديمقراطية منها, مؤهلة لتسلم الحكم في البلاد وإدارة وقيادة المجتمع ديمقراطياً, مما أصبح غنيمة سهلة لقوى أخرى.
لا شك في أن هذه الحصيلة مرتبطة بعوامل عدة يقف في مقدمتها الظروف الموضوعية والذاتية للقوى الديمقراطية العراقية, وبالوعي الاجتماعي والسياسي غير المتنور والمتخلف الناجم عن العقود الأربعة وعقود أخرى من الحكم اللاديمقراطي والاستبدادي. وإذا كانت هذه الظاهرة صحيحة للقسم العربي من العراق, فأنها لا تنطبق على الوضع في إقليم كردستان العراق الذي استطاع قبل ذلك أن يدير الحكم في كردستان بشكل أفضل, وخاصة في أعقاب عام 1998 حين اتفق الحزبان على معالجة خلافاتهما بالطرق السلمية والتوافقية بعد قتال مرير وخسائر فادحة بشرية وسياسية ومعنوي داخلية وخارجية في العام 1995.
وزاد في الأمر سوءاً سياسة القوى العسكرية الأجنبية التي حررت البلاد من الاستبداد ولكن فرضت عليه الاحتلال رسمياً وأرادت ممارسة الحكم بصورة مباشرة ثم عززت المجرى الطائفي السياسي في البلاد وعمقت الموقف المناوئ لوجودها.
(3)
ويمكن بلورة مستجدات الأوضاع في العراق وتأثيرها على حركة المجتمع باتجاهين, وهما:
الاتجاه الأول:
1. انتقال الصرع بين قادة الأحزاب السياسية الإسلامية المذهبية من أتباع المذهب السني وأتباع المذهب الشيعي إلى صفوف الأحزاب الإسلامية السياسية وإلى حدود ملموسة إلى صفوف المجتمع ذاته, وبالتالي انتشرت مخاطره لتصيب المزيد من البشر بإضرار الصراع والنزاع الطائفي السياسي. خاصة وأن المزيد من الأحقاد والكراهية بدأت تتراكم لدى الجانبين والكثير من الجهلة والمتصيدين في الماء العكر بدأوا يمارسون دورهم في تأجيج الأحقاد وصب الزيت على الوضع الملتهب. وبدأ الدم ينزف دماً في صفوف الجانبين. ولا شك في الأحزاب الإسلامية السياسية المذهبية تتحمل مسؤولية ذلك, بسبب تشديدها المتواصل للاستقطاب الطائفي السياسي ومحاولة الاستفادة منه خلال السنوات المنصرمة لأغراضها الانتخابية وفرض إرادتها على المجتمع ونظام الحكم.
2. واتخذ الصراع الجديد نهج نزاع دموي وانتقامي متبادل بين ميليشيات مسلحة وجماعات إسلامية سياسية شيعية وأخرى سنية. فهناك قوى شيعية وأخرى سنية تلتزمان القتل والاختطاف المتبادل وتعملان على تهجير الناس من مناطق سكناهم بالارتباط مع قاعدة الأكثرية تطرد الأقلية سنية كانت أم شيعية. وبدأ هذا النوع من النزاع الانتقامي يتفاقم في مناطق واسعة من بغداد والجنوب حتى بلغ عدد العوائل المهجرة عبر هذا الأسلوب أكثر من 12 ألف عائلة, والقائمة متزايدة يوماً بعد آخر.
3. انتقال الصراع السني الشيعي من العراق إلى أجواء المنطقة حيث تبلور في نزاع مصري-سعودي – خليجي من جهة, وإيراني من جهة أخرى, والذي يمكن أن يشمل تركيا لاحقاً, التي ستقف إلى صف المجموعة الأولى. والجماعات الخارجية تسند الجماعات الطائفية السياسية الداخلية وتمدها بالوقود الكافي لإبقاء الوضع مشتعلاً في العراق, وهو أحد أهداف القوى التي لا تريد الخير للعراق.
4. رغم الضربة الموجعة والمهمة التي ألحقت بجماعات القاعدة في العراق بقتل أبو مصعب الزرقاوي وعبد الرحمن المصري وزمرته التكفيرية , فأن مختلف قوى الإرهاب العاملة في العراق كانت قبل ذاك قد تمكنت من إقامة بنيتها التحتية الواسعة نسبياً في مختلف الأوساط الشعبية وأجهزة الدولة والأحزاب والمنظمات المهنية وفي القوات المسلحة وأجهزة الأمن, وأخص بالذكر هنا قوى البعث والقوى القومية اليمينية وقوى الإسلام السياسي المتطرفة من أتباع القاعدة وأنصار الإسلام السنة, وكذلك القوى الطائفية السياسية المتطرفة التي تعمل للحلول محل القوى الإرهابية لاحقاً للهيمنة على أجهزة السلطة والتأثير في مسيرة الدولة. وحققت الجماعات الأولى تحالفاً وتقسيماً جديداً للعمل في ما بينها, في حين ما تزال الجماعات الثانية تتصارع في ما بينها لفرض سيطرة إحداها على بقية القوى واستيعاب الآخرين بها. وكشف قتل الزرقاوي عن العلاقات القائمة بين جماعة إخوان المسلمين في الدول العربية, ومنها حماس في فلسطين وجبهة العمل الإسلامي في الأردن وغيرهما, عن العلاقة الروحية والدعم البشري والمادي واللوجستي الذي كانت تتمتع به جماعة القاعدة في العراق من هذه القوى التي لم تكتف بإطلاق اسم الشهيد على المجرم الدولي أبو مصعب الزرقاوي ومفتيه الدجال عبد الرحمن المصري فحسب, بل وأقامت له الفواتح وادعت أنه يكافح ضد القوات الأمريكية ودافعت عنه واعتبرته شهيد الإسلام والمسلمين, في حين أن القتل الذي مارسه كان بالأساس ضد الشعب العراقي والشعب الأردني وغيرهما من الشعوب, كما كان أحد دعاة الطائفية السياسية المقيتة والذهنية العفنة.

5. تنامي نشاط القوى المحسوبة على القوى المحافظة والحكم في إيران في الأراضي العراقية, وهي تتخذ أبعاداً جديدة وخطرة في آن واحد. إذ أن الهمّ الأساسي للإيرانيين منصب على عدد من المسائل أو الأهداف الجوهرية لها في العراق حالياً, وهي:
أ‌. إشاعة الفوضى في سائر أنحاء العراق من أجل زيادة التشويش على وجود القوات الأمريكية وعلى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق والخليج ومنطقة الشرق الأوسط ومنعها من التحرك ضدها أو ضد سوريا, حليفها في المرحلة الراهنة أو ضد حزب الله حليف إيران وسوريا الأول راهناً في المنطقة.
ب‌. تعزيز الجماعة السياسية لمقتدى الصدر أو ما يطلق عليه مجازاً بالتيار الصدري, نسبة إلى الصدرين الراحلين محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر, وميليشيات جيش المهدي المسلحة والمدربة جيداً, وفيهم الكثير من البعثيين السابقين في القوات المسلحة والشرطة والأمن, كما أن فيهم الكثير من الأسرى الذين "غسلت أدمغتهم" ليعملوا لصالح الوجهة العامة التي تسير عليها جماعة مقتدى الصدر, للقيام بعمليات مختلفة لإشاعة الصراع بين قوى الإسلام السياسي عموماً وإضعاف قوى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وفيلق بدر من جهة, والعمل من أجل احتواء قوى حزب الدعوة, كما حصل للجعفري في إطار جماعة مقتدى الصدر بحجة الأصل الصدري الواحد للجماعتين من جهة أخرى, وتشديد صراع حزب الدعوة مع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية, على غرار ما جرى في لبنان مع جماعتي حزب الله وحزب أمل لصالح الأول وضد الثاني.
ت‌. زيادة نشاط المنظمات غير الحكومية والحسينيات لصالح تعزيز مواقع رجال الدين المرتبطين مباشرة بإيران في كل المحافظات العراقية في الوسط والجنوب وكركوك على نحو خاص. كما أن إيران تمتلك قواعد سياسية وأمنية في كردستان العراق أيضاً, رغم أنها لا تبدو فاعلة مكشوفة على سطح الأحداث, كما في البصرة وعموم الجنوب أو كركوك. ولكن لدي الثقة بأن قوى الأمن في كردستان على إطلاع تام بتحركات تلك القوى وعلاقاتها.
6. ومما يزيد الأمر سوءاً تفاقم الصراع الأوروبي الأمريكي والصراع الروسي-الصيني الأمريكي حول مناطق النفوذ والمصالح في المنطقة التي لا تسمح بتعاون أكبر في مكافحة الإرهاب وتفتح أبواباً لزيادة التوتر وتنامي قدرات الإرهابيين على إنزال الضربات بالمجتمع العراقي. إن سياسة الولايات المتحدة غير متوازنة في تقدير مصالح الآخرين مما يعرضها إلى المزيد من الصعوبات في العراق وفي المنطقة, خاصة وأن حلفاء الولايات المتحدة غير مرتاحين من التصرف الأمريكي الوحيد الجانب, وبالتالي فهم يسعون إلى وضع العقبات في طريقها وعدم مساعدتها أو دعم جهودها في العراق. وهي إشكالية حقيقية للشعب العراقي في هذه المرحلة والمرحلة القادمة, ولكنها إن تواصلت ستعود بالضرر على دول الاتحاد الأوروبي ذاته, إذ سيتحول العراق إلى مصدر تصدير جديد لقوى إرهابية إلة دول الاتحاد الأوروبي.
7. وليس هناك أدنى شك في أن الحكم السوري يلعب دوراً مهماً ومباشراً في دعم العمليات الإرهابية في العراق وتزويد الإرهابيين بالكوادر والأموال والأسلحة التي تصلهم عبر الحدود أو حتى عبر إيران حليفة سوريا وبالتعاون مع حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان وبعض القوى الخليجية غير الحكومية وقوى الإسلام السياسي المكشوفة أو المستترة . إن سوريا انتقلت اليوم إلى الصراحة في دعم القوى المعارضة حيث تفسح لهم في المجال إلى تنظيم الاجتماعات ودعم المعارضة وما تسمى بالمقاومة صراحة, وهي مرتبطة بالمشكلات التي تواجهها الولايات المتحدة في المنطقة عموماً .
8. ومما يزيد الوضع تعقيداً تلك المعاناة المتفاقمة للناس في حياتهم اليومية ومعيشتهم وخطر الموت المحلق في رؤوسهم في كل لحظة ونقص الخدمات والبطالة الواسعة والفقر المتواصل للكثير من العوائل العراقية وتفاقم فجوة الغنى والفقر وركض الكثير من المسؤولين في وسط الخراب العراقي إلى الغنى بطرق غير مشروعة, التي تؤدي بدورها إلى تدهور أو تدني سمعة الحكومة وتقلص مصداقية القوى السياسية عموماً والقوى الحاكمة على نحو خاص.
9. ثم يأتي دور الفساد المالي والإداري الذي تحول إلى نظام سائد ومعمول به في العراق يستنزف الناس ويستهلك سمعة جميع السياسيين, وهم متهمون بممارسة الفساد المالي والإداري والمحسوبية والمنسوبية والحزبية الضيقة والعشائرية ...الخ, وبالتالي يحترق الأخضر بسعر اليابس, كما يقول المثل الشعبي. وأبشع أشكال النهب ما يجري لنفط العراق من جهة, وللمشتقات النفطية المستوردة من جهة أخرى, واستيراد وتوزيع وإعادة تصدير المخدرات من جهة ثالثة, إضافة إلى مجالات النهب والرشوة الأخرى, وخاصة في مجال العقود. وقوى من الإسلام السياسي وشخصيات ليبرالية وقوى بعثية سابقة وغيرها متورطة في هذه العمليات مع قوى وشركات أجنبية عديدة.
10. تجاوزات القوات الأمريكية المستمرة على حقوق الإنسان والأحداث المأساوية التي حصلت في أبي غريب وفي حديثة على سبيل المثال لا الحصر, التي ساهمت وتساهم في إثارة الناس وفي استثمارها من قبل القوى الإرهابية لكسب المزيد من الناس إلى جانبهم.
هذه العوامل الفاعلة في أحداث العراق الراهنة تشترك معاً لتساعد القوى الإرهابية على تكريس الرعب من جهة, وتحويل الإرهاب إلى حالة دائمة وإلى أمرٍ اعتياديٍ من جهة أخرى, بحيث أصبح الإنسان يتعايش معه وكأنه القدر الذي لا مفر منه, وأنه ضمن مشيئة الله لا غير, وأنه غير قادر على مواجهته وعليه أن يستسلم له. عندها تكون الطامة الكبرى الفعلية. هذه اللوحة هي الجانب الأول, فما هو الجانب الثاني في اللوحة السياسية الجارية في العراق؟
(4)
الاتجاه الثاني:
إزاء هذه الحصيلة السلبية وقتامتها الفعلية, يلاحظ المتتبع وجود حركة وفعل عوامل أخرى مضادة لها أو تعمل باتجاه معاكس لها, أي تلك العوامل التي تسمح بتصور وجود نقطة ضوء في نهاية نفق الإرهاب والطائفية السياسية والخراب والموت والعبثية السائدة في العراق حالياً, نشير إلى بعضها فيما يلي:
1. حصول عملية تفكك جديدة في صفوف قوى الإسلام السياسي المؤتلفة باتجاهات عدة أهمها الدور المتزايد الذي بدأت تلعبه قوى مقتدى الصدر وميليشياته في داخل الائتلاف على حساب القوى الأخرى التي أثارت وتثير الصراع والانسحابات, والتي ستتفاقم لاحقا, إذ أنها كانت وما تزال أحد السببين الأساسيين في الطائفية السياسية المتفاقمة في العراق, في حين تشكل سياسات وأساليب عمل هيئة علماء المسلمين وميليشياتها السبب الأساسي الثاني. وهذه الحقيقة ستسمح لمزيد من أفراد المجتمع المستنقع الذي تسعى التيارات الإسلامية السياسية المتخلفة وغير المتنورة والطائفية المتعنتة دفع العراق إليه.
2. تفكك وخيبة شديدة في صفوف الجماعات الإرهابية المسلحة التي تقودها جماعة الزرقاوي أو حتى قوى البعث الدموية والتي تجلت في محاولات الزرقاوي بث الحمية والمعنويات في صفوف جماعته التي زاد عدد قتلاها ومعتقليها والهاربين من المشاركة في العمليات. وقد سمح هذا الأمر بتكثيف المعلومات عنه وقتله أخيراً.
3. رغبة بعض القوى المسلحة خوض الحوار مع المسؤولين في الحكم لترك السلاح والتحول إلى العملية السياسية, وهي قوى قليلة, ولكنها تبقى مؤذية إن واصلت حمل السلاح, لأنها بدأت تعتقد بأن الخطر الداهم يأتي من إيران أساساً وليس الخطر الأمريكي. وعلينا هنا أن نشير إلى أن البعض يضع قوى البعث الصدامية ضمن القوى التي تريد نزع السلاح, وهو أمر, كما أرى بعيد المنال. ولدي القناعة بأن هيئة علماء المسلمين تتعاون بشكل وثيق مع جماعة البعث الصدامية.
4. تحسن الوضع في كردستان العراق من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية في فيدرالية الإقليم والانتهاء التدريجي الطويل الأمد من ازدواجية الإدارة في كل من أربيل والسليمانية. وهذا العامل يعتبر الضمانة الداخلية الرئيسة حقاً التي يمكن أن تقف بقوة في وجه القوى الإسلامية السياسية من السيطرة على الحكم بشكل كامل في المرحلة الراهنة وعلى صعيد العراق وإقليم كردستان في آن واحد. فتلك القوى تريد ابتلاع العراق, تماماً كما حصلت سرقة الثورة الإيرانية من أيدي القوى المدنية لصالح قوى الإسلام السياسي بقيادة الراحل روح الله الخميني. والتحالف والكردستاني يناضل بصلابة وحيوية من أجل قيام عراق ديمقراطي فيدرالي حر ومستقل. وهو أمر بالغ الأهمية يفترض أن يعار له كل الاهتمام من جانب القوى والأحزاب السياسية المدنية العربية وغير العربية في العراق. ولا نأتي بجديد حين نقول بأن القوى العربية المدنية والديمقراطية والعلمانية ما تزال تعاني من ضعف شديد ومن عجز متباين عن إدراك تعقيدات وتشابكات الوضع وسبل العمل مع الجماهير والخطاب السياسي المطلوب. إنها في أزمة فعلاً, ومعنى ذلك أنها قادرة على معالجة الأزمة إن سعت ليس للخروج منها فحسب, بل وللتقدم إلى أمام لمساندة قوى التحالف الكردستاني في مسيرته الراهنة ولصالح العراق كله.
5. ورغم محاولات الولايات المتحدة الأمريكية تغيير مواقفها إزاء الوضع الطائفي السياسي المعقد, الذي ساهمت بتنشيطه وتفاقمه إلى هذا المستوى, وممارسة تكتيكات جديدة, إلا أنها ما تزال غير كافية وهي بحاجة إلى تغيير فعلي من خلال التنسيق مع القوى السياسية العراقية مباشرة, لتجاوز المخاطر الكبيرة التي تواجه الوضع الراهن من جانب قوى الإسلام السياسي المتطرفة وبعض القوى الأخرى المحلية المسندة من قوى ودول مجاورة, التي يمكن أن تستخدم السلاح الذي تحمله علناً, كما يحصل اليوم في البصرة, والذي ينذر بانتشاره إلى بقية أنحاء الجنوب العراقي وكركوك. ورغم ذلك يعتبر وجود قوات الولايات المتحدة والقوات البريطانية وغيرها في العراق حالياً ضمانة لمسألتين, وهما:
أ‌. صمام أمان نسبي في أن لا يفلت الوضع وتسقط البلاد في حرب أهلية تسيطر فيها المليشيات المسلحة وقوى الإسلام السياسي المتطرفة. إذ أن غير ذلك لا يعني فشل الولايات المتحدة في العراق فحسب, بل وفي منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
ب‌. صمام أمان نسبي في الحد النسبي أيضاً من الوجود الفعلي للقوى الإيرانية في العراق عموماً وفي الجنوب والبصرة على وجه الخصوص.
وبمعنى معين, شئنا ذلك أم أبينا, أصبحت القوات الأجنبية مانعة لثلاث مسائل جوهرية مهمة مرحلياً, وهي: هيمنة قوى الإسلام السياسي المختلفة بصورة تامة على الحكم والمجتمع في العراق, وهي في الوقت نفسه مساندة لوجود دولة ديمقراطية فيدرالية في العراق ولفيدرالية إقليم كردستان العراق, وهيمنة إيران على العراق فعلياً.
(5)
ومن المؤسف أن نشير إلى حقيقة أخرى غير إيجابية هي أن الأوساط الشعبية الواسعة تقف اليوم متفرجة على ما يجري لها دون أن تساهم في صنع الأحداث بأي شكل كان. وهي حقيقة مرة ناجمة عن عجز حقيقي في صفوف الحركة الوطنية الديمقراطية العراقية بكل أجنحتها.
كما أن دور المثقفين محبوس حالياً وإلى حدود غير قليلة من خلال انتشار الإرهاب والدور الكابح لهم من جانب السياسيين, وفي هذا خسارة كبيرة للعراق وللعملية التنويرية الدينية والسياسية المنشودة.
ولكن ما حصيلة كل ذلك؟ هناك تناقضات وصراعات مستمرة وهي قابلة للتحول إلى نزاعات جديدة, ولكن هناك في المقابل قوى تواجه هذه التحديات بمحاولات جادة لحل المعضلات بالطرق السلمية, وإطفاء المواقد التي يراد تصعيد اللهيب فيها. ولدي القناعة بأن الوضع في العراق سوف لن يهدأ بسهولة, بل سيتطلب وقتاً طويلاً قبل أن يستقر ويطمئن الناس على حياتهم وممتلكاتهم.

(6)
وماذا يجري في إقليم كردستان العراق؟
الهدوء يعم الإقليم والعملية السياسية جارية ولو بصعوبة غير قليلة, ولكن الجميع يسعى إلى تجنب المطبات من خلال استقراء الوضع مسبقاً. فوحدة الإدارة استثنت أربع وزارات هي: المالية والعدل والبيشمركة والأمن الداخلي., على أن يتم توحيدها خلال سنة. الوحدة ليست سهلة بسبب المواقع التي تشكلت لكل منهما في مناطق الإدارة المنفصلة, وخاصة حقيقة البطانات والمصالح التي نشأت والتي يمكنها أن تعيق أو تعرقل مسيرة الوحدة الهادئة والمعقولة والمطلوبة لشعب كردستان. وتشكلت حكومة وحدة كبيرة وليست اعتيادية ويصعب قيادتها, ولكنها نهدف إلى تلافي الخلافات المحتملة في توزيع الحقائب وبهدف أن يشارك الجميع فيها دون استثناء. يلاحظ في الإقليم وجود عملية بناء سريعة لدور السكن والبنايات الحكومية والمدارس والمؤسسات التابعة للوزارات المختلفة وفي بناء الشوارع العامة والخارجية والتنقيب عن الموارد الأولية, ولكن الإقليم بحاجة إلى مسائل أخرى بجوار الخدمات العامة, مع وجود معاناة كبيرة في مجال الكهرباء والماء وبعض الخدمات العامة الأخرى.
البطالة المقنعة كبيرة جداُ تفوق القدرة على تحملها فترة طويلة, والأيدي العاملة الأجنبية غير قليلة, وهي إشكالية غير طبيعية مرتبطة بواقع الإدارتين والمنافسة بين الحزبين على أصوات الناخبين.
لا شك في أن الفساد المالي والوظيفي واسعان في كردستان, كما هو الحال في كل العراق. والسيطرة عليه صعبة, لأن العملية تحتاج إلى برنامج واضح وجرأة غير اعتيادية في إجراء عمليات تمس قوى مسؤولة مباشرة يصعب تحديد موقعها, ولكني واثق من أن كبار المسؤولين يعرفون بها وعليهم تقع مسؤولية اتخاذ ما يلزم قبل فوات الأوان, إن لم نقل قد مر وقت كان يفترض أن يعالج قبل الآن.
الغنى والفقر ظاهران بشكل صارخ في الشارع وبين الأفراد وبين محلات السكن وفي المدن بشكل خاص. والفجوة بين الحكم والفئات الكادحة آخذة بالتوسع في غير صالح العلاقة المنشودة بين حكومة الإقليم والمجتمع.
(7)
المسؤولون بحاجة إلى اقتراب فعلي من الناس, الاحتكاك بالفئات الكادحة ومعرفة همومها وشجونها وتطلعاتها ورغباتها وفق نظام عمل خاص. لا يمكن حل جميع المعضلات دفعة واحدة, ولكن لا بد من إعطاء الفئات الفقيرة والكادحة الأمل والإشارة بأن الحكومة تسعى إلى معالجة أوضاعهم.
لا أدري ما إذا كان المقربون من المسؤولين في الإقليم يقدمون تقارير واقعية وصادقة عن الوضع في كردستان وعن هموم الناس. أتمنى أن يضع المسؤولون آلية تساعدهم في الوصول إلى الحقائق. لا يحتاج المسؤولون إلى المخلصين فقط, بل وإلى الذين يعرفون كيف يفهمون وكيف يطرحون مشاكل الناس على المسؤولين ويساهمون في بلورة الحلول.
ويبدو لي بوضوح كبير أن الحزبين الحاكمين بحاجة إلى إصلاح حقيقي في القيادة والكوادر الحزبية المتقدمة, إذ أن الترهل باد عمل هذين الحزبين وعلى علاقتها بالقاعدة الحزبية وبالجماهير الكردستانية وغير الكردية في آن واحد. وبدون هذا الإصلاح ستتعرض علاقتهما في المجتمع إلى هزة أوسع بكثير من هزة حلبچة التي يمكن أن تستثمر من قبل القوى الإسلامية السياسية المتطرفة (أنصار الإسلام) وكل القوى المسيئة التي تريد إعاقة تطور الوضع في كردستان باتجاه تصعيده واستغلال مشكلات الناس المعاشية. وعلينا أن ننتبه إلى أن الفقر والحاجة تبرز أيضاً في ضعف الدخل الفردي وعدم ارتفاعه في حين يتواصل ارتفاع الأسعار بدرجة كبيرة بسبب وجود المنظمات الدولية والفئات الغنية والسيولة النقدية لدى فئات معينة.
(8)
إن التحالف الكردستاني يدرك بصورة جيدة أن تطور كردستان وتقدمها وتعزيز فيدراليتها لا يمكن أن يحصل دون وجود دولة وحياة ديمقراطية على صعيد الدولة العراقية الفيدرالية ودون وجود قوى ديمقراطية قوية تستطيع إسناد العملية الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية في العراق عموماً.
إن تطور الديمقراطية في كردستان بمعناها السليم يمكنها فقط من خلال شد المجتمع إلى المؤسسات الدستورية ودعم سياسات الحكومة الكردستانية التي يفترض أن ترتبط وتخضع للحياة والمؤسسات الدستورية.
إن القناعة بتطور ديمقراطي في العراق لا يغني بأي حال عن العمل الجاد من اجل ذلك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية في آن واحد, ونأمل أن تشارك حكومة السيد الدكتور المالكي بفعالية للوصول إلى ذلك الهدف. وتتحمل القوى الديمقراطية العراقية مسؤولية غير قليلة في هذا الصدد.

(9)
والسؤال الذي يفرض نفسه علينا ويستوجب الاجتهاد في الإجابة هو: إلى أين يسير العراق, وما العمل؟
رغم اللوحة الغامقة التي تشكلت للعراق حتى الآن, وهي ليست من صنعي, بل من صنع الواقع العراقي المعاش يومياً, ولكن يلاحظ في خلفية اللوحة إشراقة منعشة يمكنها أن تتسع لتضيء اللوحة كلها. وهي عملية تحتج إلى عاملين: وهما العمل الهادف والجاد والدؤوب لتغيير موازين القوى الداخلية أولاً, والزمن اللازم لهذا التغيير سوف لن يكون قصيرا, لأن مثل هذه العملية لا يمكن أن تكون عفوية ولا تأتي من خلال التمني أو التطلع إلى حركة المجتمع دون تدخل مباشر من الإنسان والمجتمع لإجراء تصحيح أو تغيير موازين القوى.
أدرك أن العملية معقدة جداً وطويلة الأمد, ولكن كلما بدأنا بها مبكراً وصلنا إلى حلول عملية للواقع العراقي. وسيلعب القضاء على الإرهاب والطائفية السياسية والحزبية الضيقة دوره في إجراء تغيير نسبي لموازين القوى في العراق. ومن حقي هنا أن أطرح أسئلة لست قادراً لوحدي الإجابة عنها, بل يفترض أن تجيب عنها الأحزاب والقوى السياسية الديمقراطية في العراق, إذ أن الأهم في كل ذلك هو: كيف ستحلل هذه القوى الواقع العراقي وكيف ستفهم ما جرى في العراق خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة, وكيف ستفهم المستجدات الجارية في الوضع السياسي لمحلي والإقليمي والدولي, وكيف ستجري كل من هذه القوى الديمقراطية العراقية المتعددة بكل فصائلها وأجنحتها تغييراً في طبيعتها وبنيتها وفكرها وتنظيمها وخطابها السياسي وعلاقتها الداخلية في الحزب ومع الأحزاب الأخرى وعلاقتها بالمجتمع بشكل خاص؟ وكيف ستجد الأرضية الصالحة والقواسم المشتركة التي يفترض أن تلتقي عندها بدلاً من تشتتها الراهن وانشطاراتها المستمرة؟ كيف يمكن لها تحديث نفسها والتخلص من أدران الماضي ومن السلفية الفكرية واجترار مستمر لماضٍ لا ولن يعود وأمجاد لم تعد كافية لتحسين المواقع والولوج إلى عقول وقلوب الناس؟ إنه التحدي الأساسي الذي يواجه القوى الديمقراطية والعلمانية واللبرالية. إننا نعيش عالماً وأوضاعاً جديدة ونحتاج إلى برامج وأهداف وتطلعات جديدة في المجالات الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وأساليب وأدوات عمل جديدة ورؤى جديدة لمستقبل العراق الديمقراطي. لا يمكن لي بطبيعة الحال طرح وصفة جاهزة لهذه الوجهة ولكل القوى الديمقراطية, بل هي من مهمات القوى السياسية ذاتها في كيفية استلهامها واستجلائها لواقع الحال في العراق.
وعلينا جميعاً أن ندرك بأننا لن نستطيع تحقيق تغيير عملي في برامج واتجاهات قوى الإسلام السياسي وإبعادها عن سياساتها الطائفية الراهنة, ما لم تكن القوى الديمقراطية, العربية والكردية وغيرها, قد غيرت نفسها وانتهجت غير ما تمارسه اليوم وأصبحت قوية وقادرة على دفع هذه القوى للتفكير بمواقفها واختيار الطريق الذي يعتمد الديمقراطية والمدنية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعي والتداول السلمي والديمقراطي البرلماني للسلطة بعيداً عن الطائفية والتزوير واستخدام الدين والمرجعيات الدينية كورقة ضاغطة على عقل وفكر الإنسان, والكف عن استخدام الشارع والسلاح والقتل والتهجير وتغيير الدين والمذهب وما إلى ذلك لفرض الإرادة الذاتية والأيديولوجية السلفية لهذا الحزب أو ذاك على الفرد والمجتمع, كما تفعل بعض المليشيات الإسلامية السياسية في العراق حالياً, وخاصة في جنوب العراق وبدعم إقليمي صارخ ومفضوح.
ويبدو لي إن مؤتمراً أو اجتماعاً عاماً يعقد لكل القوى الديمقراطية واللبرالية والعلمانية العراقية, سواء تم ذلك على صعيد القوى العربية أم على صعيد مجمل القوى الديمقراطية العراقية وبضمنها الكردية, يصبح مهمة ملحة وخطوة لازمة على طريق التغيير التدريجي غير المتعجل في العراق.
نثق بأن العراق الديمقراطي الفيدرالي الذي يحترم المواطن وحقوقه هو الذي يوفر الإمكانية لأتباع كل الأديان والمذاهب والعقائد والاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة أن تزدهر وتتطور, في حين أن النظام السياسي القائم على الطائفية والتمييز الطائفي لن يكون سوى أداة بيد هذه الطائفة أو تلك ضد الطائفة الأخرى, وأتباع هذا الدين أو ذاك ضد أتباع الدين الآخر.
لي الثقة التامة بأم مستقبل الدولة في العراق مدني وديمقراطي فيدرالي, إذ لا سبيل في عراق متعدد القوميات والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية المتعددة غير سبيل الحرية والديمقراطية. ولهذا يفترض تجنيد القوى وتعبئة الطاقات وحث الهمم ورفع درجة العمل لتطوير الوعي وتنوير العقل ومكافحة الجهل وعمليات أو محاولات التجهيل الديني والسياسي في العراق.



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل لا يزال الدكتاتور صدام حسين يعيش عالمه النرجسي المريض؟
- هل من مستجدات في الوضع السياسي الراهن في العراق ؟
- عجز فاضح وبداية غير مشجعة!عجز فاضح وبداية غير مشجعة!
- من أجل نهوض جديد وتعاون فعال للقوى الديمقراطية في العراق!
- ماذا تريد المظاهرات الصدرية في مدينة الثورة؟
- من يساهم في استمرار انفراط عقد الأمن في العراق؟
- تصريحات بوش وبلير ومرارة الواقع العراقي الراهن!
- ماذا يكمن وراء الضجة ضد إقليم كردستان العراق؟
- هل ما تزال البصرة حزينة ... وهل ما تزال مستباحة؟
- مع مَن مِن العرب يفترض خوض الحوار حول المسألة الكردية؟
- المزيد من العناية بأطفال كردستان, بناة الحياة الجديدة!
- هل العراق سفينة تشتعل فيها النيران ينبغي نهب ما فيها قبل فوا ...
- الفرق بين الصدرين كالبعد بين السماء والأرض!
- جولة استطلاعية في ضيافة قناة عشتار الفضائية في عنكاوة
- الأخ الفاضل السيد نيجرفان بارزاني, رئيس وزراء إقليم كردستان ...
- الإرهاب الطائفي السياسي في العراق إلى أين!
- أربيل ولقاء أسبوع المدى الثقافي العراق!
- التجمع العربي لنصرة القضية الكردية ومهماته الفعلية؟
- النقد البناء سبيلنا لتطوير العملية السلمية والديمقراطية في ا ...
- واجب الجميع التوقف عن تصعيد الصراع الطائفي في العراق!


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - موضوعات للمناقشة - مسيرة العراق القادمة في ضوء مستجدات الوضع السياسي الراهن