أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منار القيسي - المضامين البنيوية في مجموعة الشاعر حسين الهاشمي -صديقنا خط الأفق-/ دراسة نقدية















المزيد.....


المضامين البنيوية في مجموعة الشاعر حسين الهاشمي -صديقنا خط الأفق-/ دراسة نقدية


منار القيسي

الحوار المتمدن-العدد: 6559 - 2020 / 5 / 9 - 22:55
المحور: الادب والفن
    


المقدمة:

تدهورت أحوال بعض المجتمعات العربية, ضاعت ارض وظهرت مواطن استبداد فعلت في العالم العربي مافعلت, وكانت جميعها موضوعات للشعر.. وفي اعتقادي يبقى الشعر شعراً ليس بموضوعه بل بالصياغة التي ترتقي الى الأفق الذي ترتضيه حقيقة ذاته.ولابد لان نشير لحالة الخروج عن نظام البحر والخروج عن سمعية القصيدة اوشفاهيتها وبكل مايشير الى المفهوم الايقاعي الخارجي ..وربما يتردد هنا او هناك مبررات لربط النتائج غير المقنعة بالاسباب, كما في العلاقة بين تعقد الحياة الحديثة وتسارع النسق فيها , بل هناك من الأدلة التي تجعل من قصائد النثر وقصائد الكلمة احياناً نموذجاً يردد " التشظي"الموجود في الضمير الحديث ..وقصيدة النثر (الفرنسية المرجع كما في أشعار أنسي الحاج وأدونيس) , وبقليل من المؤثر الإنجلوسكسوني ممثلا بتجارب يوسف الخال الذي ذهب سريعا إلى المؤثر الديني وما في الكتاب المقدس من أسلوب وأفكار في المقام الأول.. وقد استجاب في العراق لذلك المؤثر شعراء جماعة كركوك ( سركون بولص وفاضل العزاوي وصلاح فائق وجان دمو ومؤيد الراوي ويوسف سعيد ) إضافة لشعراء بغداد (عبدالرحمن طهمازي وعمران القيسي وحسين عجة وآخرين , وعلى امتداد فترات زمنية ظهرت اسماء يمكن ان نشير اليها كتجربة تستحق كالشاعر حسين الهاشمي..) .

هناك تعدد من القراءات النقدية , كالقراءة الهيرمينوطيقية والقراءة الشاعرية والاستنطاقية والتفكيكية وغيرها, وبالتالي تلك القراءات تكون مفتاحاً لللغة الفكرية والمعرفية والمفهومية.ربما يُقدّر لنص ان يثير استفزاز القارئ فيضطر هذا الأخير الى اقتحام كل مايسمح بهِ النص من أنظمة لغوية وبنيوية ولايعد هذا الاقتحام الا فشل ذلك القارئ بادراك حقيقة النص الذي لايمنح نفسه بالقسوة التي تسيءاليه...عليه فإنّ التاويل آلية يستعين بها القارئ لفهم معنى النص او فهم مايكمن خلف النص الغامض الذي يرفض منح نفسه بسهولة ,بهذا المفهوم تعاملنا مع منجز الشاعر العراقي الأستاذ حسين الهاشمي والموسوم (صديقنا خط الأفق), وهو شاعرٌ آمن بالتجديد في اللغة والحياة والابتعاد عن التقرير والزخرفة في اللفظ, ودعا صادقاً الى الاهتمام بالإنسان ومعاناته, نصوص المجموعة والتي اتسعت فانفتحت على الوجود وافتراضاته, ولذا يتوجب ان نسلم قبل كل شيء بافق التوقع والذي يمثل المسافة الجمالية بين النص والقراءة، ولو ادركنا هذه البديهية نكون بذلك قد ولجنا الى فسحة التجلي للنص ومنح واعيتنا كمتلقين ملكة التدبِّر.
العرض:
يمكننا تلخيص مضمون الديوان بأنه سرد لسيرة ذاتية تدون حالة التواصل مع الطبيعة والانسان باشكالهما المتعددة , وبما نستشف من خلال انعكاس ضياء مصباح الذات على مايحيط , فيؤنسن عوالم المعيش والخطوط المتماسة بتقاطعاتها معه وخلال لحظة تأمل هادئة أحياناً ومضطربة حدّ القلق أحياناً أخرى من زمنه الشعري.
-عتبة العنوان أدت مهمتها بشكل دقيق , حملت شفرة الدخول الى المتن دون قسوة أو الاضطرار الى الاستنطاق وليبوح دون اللجوء الى الإيحاء (سنقف لاحقاً عند عتبة العنونة).
-الذات الشاعرة استحوذت على المشهد الشعري ولأنها ذات مركزية فقد شكّلت علاقة جدلية بينها وبين المكان , وسمة أوقاسم مشترك في كل النصوص.
-المعاناة الإنسانية المفجوعة وصرخاتها المعلنة كــ(الاستنكارو الإدانة) أو بشكل التوجع والانين, شكّل المضمون العام للمجموعة.
-الصور الشعرية مستحدثة ,واستخدم "الرمز" بكثرة وكذلك "الانزياح" لايكاد يغادر , لكنها افتقدت "الأسطورة" التي هي عنصر مهم من عناصر الخصائص الفنية الصورة الشعرية المستحدثة , أما"الصور الشعرية الموروثة" وعلى قلتها فقد تمثلت بــ"التشبيه , الاستعارة , والكناية".
المضمون:
استطاع الشاعر ان يمنحنا رؤيا واضحة وساعدنا على فك شفرة الديوان ،والتي تعتبر وثيقة ادانة للمجتمع والوطن والسلطة (كشخص أو كنظام سياسي) ..
- لا غرابة لو تدخلنا الأرخنة الرقمية كعتبة الى متن نص ما , ( 11-2- 1987م ) ليفصح لنا عن مراحل التحولات المتسلسلة للمسار الدرامي للاحداث :(ونسي البكاء تماماً‍ / اخلوه / من رحم الحشود المختبئة/ بسعادةٍ لم تتكرر/ وتمارين بين المجاهيل/ ليتعلم المشي مجدداً / دون الغامٍ ،..)/" ص_24" , ونلاحظ هنا استخدام أسلوب "الجمل الخبرية " , ماعدا جملة قصيرة جداًاقحمت وسط النص ( بسعادةٍ لم تتكرر) "جملة إنشائية " , و لطغيان الأسلوب الخبري نستنتج ان حالة الثبات لدى الشاعر رغم حالة القلق او التوتر النفسي من خلال استخدام جملة انشائية قصيرة , وهذا شيء طبيعي لكون الحالة التي يسردها النص الشعري حالة تداخل المتضادات الثنائية ببعضها وقسوة المشهد , فكان لابد أن يهتز بعض الشيء هذا الثبات لدى الناص .
-كما كشفت لنا النصوص اللاحقة عن شفرتها,فجاءت حالة التحوّل الأولى في نص (إجازة مفتوحة)إشارة صريحة لهدايا الحروب؛ التغييب ،الموت ،الإعاقة الجسدية اوالعقلية ،و الأسر في أحسن الأحوال.. :(في الحرب/ترك رأسهُ في حقيبةٍ/كلّهم عادوا / سواه/ يلملم الحكمة /من غنائم المجانين..)/"ص_49" ،و(وحدي هناك/أقفُ بلا منازع/ أنظم سير الموتى /واصبعي / على زناد العكاز...) /"ص_48" , استخدم الشاعر أسلوب الجمل الخبرية ليفسر حالة الثبات النفسي واقحم الأفعال الماضية والحاضرة ليضع المتلقي في خضم الاحداث .
-التحول الثاني: (لقد أمنت الطريق الى منفاي/ لكن، / اياك ان تستفزاللغم القائم/ في حقل الغيوم / حيث تركتني هناك/ من دون انتباه ) /"ص-67" أسلوب الجمل خبرية بالتوازي مع الإنشائية مما يدل الثبات والتوتر بدرجة واحدة , ارتفعت وتيرة الانفعالات , الهدية الثانية بعد الاعاقة كان المنفى الذي اختاره المضحي اختياراً طوعياً ولكن مرغماً على الاختيار لاسباب تتعلق بكبريائه، بطل لكنه يعيش حالة انكسار داخلي يأبى ان يبوح به (كما سنتأكد من ذلك الامر في نص لاحق سيأخذ حصته من الإضاءة) ,وربما ياخذنا التأويل لهذا النص ليعبر لنا عن حالة الانسان المفجوع والذي يحمل في افقه حقل غيوم،صورة معتمة عن نفسية الانسان الخارج من الانسحاق بين فكي الحياة وبهيأة الحروب،هنا دلالة صريحة تقودنا الى ان نضع فرضيتنا بانتماء النصوص الى "تجربة سؤال الذات" وبقناعة تامة،الدلالات جاءت في غرض النصوص جميعها تتحدث عن المعاناة الانسانية والحروب ،والغربة اوالاغتراب وبصورة المنفى "المعنوي او المجازي".
بعد كل تلك الهباة التي تلقاها من الحرب ؛( لايغني لأحد / بل يحتج مصفقاً لجروح الارض / بحياةٍ واحدةٍ / وقدمٍ وحيدةٍ..) /"ص_46" ، ما اكرم الحروب في هباتها التي لاتعد ولا تحصى ,هكذا وبدون استئذان او حياء منحتهُ سمة ظاهرة خلفت آثارها على جسده الضعيف واورثته وجعاً كامل الديمومة ( ياسنتي الجديدة / لاتخطفي قدمي الاخرى / فهي ليست لي..)/ "ص36" ،قدّم التضحية بطيب خاطر من اجل الوطن وابناء وطنه ومن أجل النظام لاشك, وهناك احتمال قائم بأنه مرغماً كان لا بطل ليقدم وبدون ان يبخل.., كلّ من هذه الاحتمالات يمكن ان نركن اليها ونبني عليها تأويلنا واستقراء مايفيض به انثيال المعنى من بين سطور الديوان , ولكن تبقى الحقيقة التي لا لاشية فيها مخبؤة في عمق الذات المجروحة التي يتمتع بها الشاعر أو ما يمثله في النص ، وبالتي سلّم بمضمون ما انتجته الحرب على جسده و اقنعته بــ(المنفى الاختياري، العيش في الظل ،بعيداً عن المجتمع )، حالة دفاع عن الذات تسلكها النفس البشرية (كما يقول علم النفس ) لكي تدرء خسارات متخيلة في ذهنية الفرد لاحقاً،ربما "تتحقق" او "لا"، ويقيناً إن حالة الخوف والاحساس المفرط بــ(الأنا العليا ) هي أهم الأسباب ،فالكبرياء وعزة النفس شيء مقدس لايمكن المساس به والأصح هو خط أحمرلدى الشاعر ، ودونه كلّ شيء يهون حتى ولو كلّف الفرد حياته.
-اما التحول الثالث؛ جاء ضمن نص" أمنيات" اعلان صريح عما يختمر في كينونة الشاعر،(احتفاءٌ بي/ ماتبقى/ كوني وديعة /و سالكة / ياسنتي الجديدة،/ لاتخطفي قدمي الأخرى/ فهي ليست لي...)/"ص_36" , حالة الانكسار والتوسل .
-ويأتي التحول الرابع في نص( ناي), اعلان ادانة صريح واستنكار:(البلاد التي ينشغل فيها الراعي/بسلاحه الفردي/وزيجاته المتعددة/رفقة كنوزه التي لاتغني/سوى دمه البارد/ هذه البلاد/ قد تحمل نكهة الحقل/ومجرى النهر/ لكن/ بانفاس قطيعٍ منخور /وناي كاتم للانين)/"ص_29", و(الى الان/ لا ادري لماذا أيقظوا الغصن معي/وجرجرونا الى الحرب/مع الريحالى الان لا ادري كيف بقينا:/انا /والريح/ والغصن الكسير..)/"ص_76" , ويعلنها بصوت عالٍ صرخة بوجه الوطن الظالم , حاملاٌآلامهوخساراته مع سبق التوجع والكره, في نص (موطني) "ص_81" (الى موطني/ بلا ملامح اعرفها/في كل موسمٍ تأتي/لترفع أصبعاً.. علماً بوجهي/لافرقأأنت القلب/أم الوغد القديم).
-تميزت قصائده بالرمزية والاستعارة (المكنية والصريحة) والتشبيهات والايحاءات المتميزة والانزياح وانعدمت الأسطورة التي هي عنصر مهم من عناصر الصور الشعرية المستحدثة طالما إنه اتجه في تجربته الشعرية لـــ(سؤال الذات) من خلال اعتماده على بعض الالفاظ مثل ( الاسى , عالم الأرواح , البكاء, الانين ...الخ) ,والتجارب المتنوعة لروح الانسان ومعاناته.
-استخدم الصورة الحية (وصفية وذهنية وتاريخية) واقحمنا بشكل غير مألوف في نص اتخذ من الارخنة عتبة له, وتشكل النص لديه وفق رؤياه التي في كثير من الاحيان تخرج عن المعتاد في السياقات للنص الشعري ،مثال تلى ذلك نص "غميضة/ص91" (ثلاثة / تقاسموا المكان والزمان طويلاً / احدهم بهيئة محتال ٍ حاضر/ الاخر ولى هارباً/ ودونما عودة / اما الثالث...فأنتَ/ أنت الباقي مغمض العينين/ بلا نداء).
-صرخة الادانة حملها نص "ناي" ص29 ،حيث تكشف لنا حقوله الدلالية والتي في حقيقة الامرهي مركز كل الحقول الدلالية التي وردت في باقي نصوص المجموعة ( حقل الطبيعة وتجلياتها الصورية "الراعي،الرعية،البلاد"،وحقل الذات الشاعرة) سواء كانت ظاهرة اومضمرة بين مفصلات النصوص والتي هي الحقل المهيمن والسائد على راقي الحقول.
-ولكون التمفصلات هنا تشكل افق للجمال الحسي الذي يصدر من اعماق النفس ،فانه يؤطر القلق لينحاز الملموس الى الحس الداخلي ولحين مجيء الغاية المنشودة وضمن المدار الكبير للشاعر, ولكي ترتفع وتيرة التضاد في العلاقة المشوبة بالتوترحتى تنضج النزعة العاطفية وتتجلى الى صياغةٍ تنسجم مع الانفعالات.
-اختار شاعرنا الكثير من الصور المختزنة في ذاكرةٍ متعبةٍ ودون ان يتأنى في الاختيار، لهذا جاءت بعض المقاطع في نصوص متعددة تحمل صبغة الخطابية او المباشرة, وربما الاغراق في الخطابية هو سلوك نهج عليه الاقدمين(شعراء العصر العباسي،وشعراء الاندلس) ولهُ مايبررهُ ، وباعتقادي ان ذلك الامر ناجم عن العناية المفرطة بالصورة الشعرية تركيباً ووضوحاً ومن خلال التعبير عن الذات .
التحليل:
- تأطر القلق فانحازالملموس الى الحس الداخلي فجاءت الغاية المنشودة وضمن المدارالكبير للشاعر , الذات مركز الاحداث ؛حيث يقف التمركز بذات الشاعر وتدور حوله الدلالات المكافئة سواء اقتراباً او ابتعاداً، وبدرجاتٍ متفاوتةٍ من التقبُّل أو النفور .
-الاهتمام بالوجدان والتأمل والتجديد شكلاً ومضموناً..
-ظهر لنا جلياً الترابط الوشيج بين النصوص ، حيث يمكن القول انها وحدة عضوية واحدة ،جسد لنص طويل او حبكة ميلودرامية متجانسة.
- سمة النزعة الانسانية والمعاناة شكّلت دلالات واضحة في المعجم اللغوي وعبرت عن المعاناة بدقة ،وباعتمادنا على الصور البصرية للنصوص والعنونه وبعض الالفاظ مثل (الاسى،الارواح، الانفاس ، روحي، اثار دامية،الانين،عويل،لانملك سقفاً ،الخوف،الجحيم،الارواح الخائفة،احتجاج،افقر الناس،الصوت،الامل،تساقطت حياتنا،الهروب، جثتي، النحيب،العراء).
-من خلال اللغة شعرية يمكننا تحديد الحقول الدلالية المهيمنة والمعجم المرتبط بها و ابراز العلاقة القائمة بينهما، وكما تجلت بوضوح من خلال استخدام بعض الكلمات أومرادفاتها والتي جسّدت حالات (المحبة ،البكاء ،الشكوى ،الحزن ،والاستنكار ..) فكانت صورها هي الغالبة والطاغية في مضامين النصوص .
- حقل الانا أو الذات الشاعرة :( أنا, كلماتي,جسدي, قدمي,حنيني,اسراري,عزلتي, أكتظاظي , لي, الانسان ,بي, وحدي ..).
- حقل الطبيعة أوتجلياتهاالصورية: (البلاد المشرعة ,الأفق, بيوت, مقهى , القمر, الحرب , البركة ,أغصان , شتاء ,الطريق,البيانو ,أبواب, الوردة ,الجدران, الندى, العطر,الصباح, كأس, الغيوم,السماء, البحر, النوافذ, العاصفة,المكان,الأرض, العكّاز ,المتحف,صالة,الريح,نوافذ,عصفور,الخريف, النهر,الطبيعة,الصحراء,..).
وبالعودة لتحليل للصور الشعرية التي وردت في الديوان فانها مستحدثة (الانزياح ,الرمز, فيما لم يكن للاسطورة الحضور القوي ) ,
العتبة الغلافية :
ماذا وجدنا في خط الأفق ؟ لاشيء سوى دلالة على (لاشروق ولا غروب ) , ياترى هل هو انزياح صوري يعبر عن (سماء الجنة), حيث تخلو من الفرقدين (لانهار ولا ليل) ربما هذ دراية مدربة او لاوعي يلتقط ما يغيب عن البصيرة .
-اسم الشاعر بلون اصفروهذا اللون يشير الى الذبول , ياترى هل هو مجازٌ اودلالة على ذبول العمر لصاحب الاسم, حيث يطفو فوق سطح مويجات زرقاء هادئة لبحرٍ أو محيط, وكما هو معلوم ان اللون الأزرق بحد ذاته يمثل صفة الوحدة , السكينة , الفراغ , وربما الاعتكاف و العزلة وفي أحسن الأحوال الركون الى الذات المنغلقة.
-خط الأفق يمثل خط الادراك لدى الشاعرومدى الرؤيا واستقراء(الماضي والحاضر والمستقبل) لمسار الحياة , والملفت للانتباه انه لاشيء هناك وعلى امتداد الرؤيا نحو خط الأفق, لاسوى خط يمتد الى ما لانهاية أو ربما هو خط التلاشي الذي يفسرلنا هيأة الأشياء من عدمها .
السماء اتخذت لونها البنسجي والذي عبر عن الحالة النفسية المرافقة لازمنة النصوص (حالات التوجس والقلق والتوتر المتصاعد داخل النفس البشرية وربما اضطراب الرؤيا واقتراف نهاية السكون الذي يبوح بالعزلة حفاظاً على الذات) ثم يتدرج اللون نحو الأزرق الباهت كلما ارتقينا الى اعلى وبالتالي ليمنحهنا هنا إشارة هامة تساهم بشكل واضح على تفسير كينونة الشاعر وفك شفرة مهمة لغرض الوصول الى فهم أوسع وادق لمضامين النصوص.
-العنوان في العتبة الغلافية يستقر في النصف الأعلى من اللوحة ولبس اللون الأبيض الخافت
فكأنما هو إشارة الى حالة الصفاء أو انه شكّل صورة مجازية كــ "غمامةٌ بيضاء في سماء صيف صافية" ولانّ موقع العنوان لِما هو كائنٌ فيه فهذه إشارة الى ان الشاعر يسمو بالذات الى ضفة الصفة الروحية أكثر مما يتجه شراع مركبه السلوكي الى ضفة الصفة الحسية.
وخير دلالة على ذلك هو ماورد من تأكيد نصي في الاهداء وكانت الإشارة صريحة وواضحة:"الى سماءٍ أقمنا فيها طويلاً", ثم يأخذنا المقطع الثاني من الاهداء "الى أرضٍ لم نصلها بعد" حيث يؤكد ويتطابق مع النصف الأسفل من لوحة الغلاف, لايابسة , وهنا يتشكل لدينا الانزياح الفوتوغرافي والذي ربما استنبط من النص المقدس "وجعلنا من الماء كل شيء حي" وبذلك جعل انتماء الذات الى الماء لطهارته ولأنه أدوات القدرة , اما النص الذي وشّح وجه الغلاف الأخير ويعلوه في الركن الأعلى الايسر صورة الشاعر وكأنما يشير الى مقولته تلك التي عبّرت بوضوح عن حالة الغربة والخيبة والانكسار والتي بمجموعها هي ارثهُ الشرعي من تلك البقعة التي تسمى بلاده. لكنه بالرغم من كلِّ ذلك لديه كم هائل من الحبّ لها ومصداقية في التعامل رغم انها مازالت توهمه وتجعله مترنحا ومصدقاً لها اكثر مما يصدق ذاته .
-بصمة الشاعر أوالمفتاح السحري الذي يُدخلنا من خلال البوابة الموصدة (التي احكم اغلاقها الشاعر)الى فحوى نصوص المجموعة او لنقل الى عالمه الخاص به/ (ص 9) , فكانت عبارة عن ترنيمة شاردة الى الفضاء الارحب لتعلن عن حالة الشعور بالوحدة والغربة ولتُلْحقَ بعد ذالك بالعتابِ وبصرخةٍ مكتومةٍ يتبين انها تحتل بكمِ الألم الهائل لشاسع مساحةٍ في أعماق الشاعر. اذن ندرك اننا امام حبكة ميلودرامية تفصح عن المعاناة الإنسانية وبالتالي ندرك وبالقاطع أن نصوص المجموعة تنتمي الى( تجربة سؤال الذات) وحسب المنهج البنيوي ,
-هدفه "لم يكن التأكيد على بودليريته بقدر ماكان عملية تقدير لجسد الانسان وحواسه كمعنى فلسفي مبرر للديوان".
-صوّر معاناته تصويراً مؤلماً لايخلو من أدانة وكأنه يشير من طرف خفي الى ادانة النظام السياسي أوممارسات كارثية خاطئة لرجال السلطة , فكانت أرفع هذه الصرخات التي انبعثت من عروقه في لحظاتٍ هائلةٍ تجلى فيها التوجّع الإنساني الرهيب بأقسى صوره.
-وكما هو معلوم ان السيميولوجيا هي دراسة العلامات أو الإشارات أو الدوال اللغوية أو الرمزية سواء أكانت طبيعية أم اصطناعية، فلا بأس لأأن نشير الى ان شاعرنا استخدم العلامات عن طريق اختراعها واصطناعها والاتفاق (حدسياً) مع المتلقي (من خلال النص ) على دلالاتها ومقاصدها مثل: اللغة الإنسانية البسيطة والشفافة والتي تخاطب السمو والرفعة في السلوك الانساني او مايناقضه لاظهار بالمقابل بشاعة القوة المتعسفة وعنجهية سلطة القسر وحالة عدم الاكتراث واللامبالاة التي تمارسها كسلوك, كما ان لغة الإشارات المستخدمة هنا أُفرزتْ بشكل عفوي وفطري لادخل للشاعر فيها كأصوات عناصر الطبيعة والمحاكيات الدالة على التوجع والتعجب والألم والصراخ مثل: آه، آي ... :(دووووووو! /ماالذي يجري /لاشيء/الأرض هناك /تلتقي بعويل السماء /وتستلقي /طريحة الفرار) /"ص_ 23".
-الصور الشعرية في نصوص الديوان والمهيمنة بدأت في لغة "مستحدثة " و التفتت في مواضع الى "الموروثة" , اذ كان الانزياح والرمز (مع انعدام الأسطورة) السمة البارزة الاوفر حظاً,ولا يجب ان نتغافل الاستعارة باشكالها المتعددة ( المطلقة والمجردة والتشبيه) والتي أعطت المجاز اللغوي دفق فني ومعنى عقلي عاطفي مُتَخيّل للعلاقة بين الانسان والأخر أو الانسان مع الطبيعة وبمختلف الأساليب (المشابهة ,أوالتجسيد والتشخيص اوربما حتى استساغت اظهار حالة التجريد) فبدتْ الصور الشعرية حسية وفي ذات الوقت حملت السمة التجريدية الذهنية.
-الصور المؤتلفة بمجموعها أعطت طاقةً شاعريةً خلاقةً، وهذه الصور المركبة منحتنا صورة كلية اجتمع فيها القلق والانفعالات والتوتر واظهرتْ حالة الشاعر النفسية , ونجحت مكونات الصورة بحسن اختيار الالفاظ التي عبّرتْ عن الوجدانية كـ(اللغة),واللغة الشعرية كانت تتراوح بين مكثفة جداً ودون ذلك , وبكلتا الحالتين وغالباً , كانت تحقق ضربتها في اللحظة التنويرية وهذا ناجم عما توفر من وحدة الانطباع والموضوع..
-الشيء الذي اكسب الاستعارة ابعاداً ايحائية وتخيلية جديدة هو التحويل الدلالي من جماد إلى حياة إضافة الى الصفة الجمالية: (تموهين كثيراً/لينضج السراب في كأس الطريق..)/ "ص_35" , و ( مثل حفيفٍ مكسورٍ/يخطف كراسة الحرب/ ورأيت صوته يغيب هناك/ هناك/ في خط الأفق)/ "ص_22".
- "أحدهم يحب الحياة" تحت هذه العنونه يفاجئنا نص "وصفي النمط "وباستخدام اسلوب "الجمل الخبرية "، ولأنَّ الغرض الشعري اتَّصف بحالة الخيبة والخذلان ،فان ذلك من السمات التي تشير الى انتماء النص الى تجربة سؤال الذات /ص11 ، وهذا وا يتطابق مع فرضيتنا بتحديد هوية النص كتجربة شعرية.
-في نص " بريد "/(ص -12),منحنا الشاعر مفتاح فك شفرته مسبقا، إذ غمزنا وبالاشارة انه رثاء صديق , والذي وقد صِيغَ "بنمط سردي وباسلوب الجمل الخبرية " وحقيقة الامر لم نألف ولم يتحفنا ارثنا الادبي بمثل هذه الصورة لغرض شعري تناوله الاقدمين والمحدثين من الشعراء، ويمكننا ان نفهم ان الشاعر حاول ان يمنح النص بعض الخصوصية من القدسية ، فسجل هنا حالة تناص مع النص القرآني المقدس "ويأتيكم الموت بغتة" حيث تم امتصاص فحوى النص ليمنحنا القناعة و نفسه لان يكون واعظاً او اتخذ صفة التميِّز لغرض اقناع الذات المعذبة .
-نص آخر من أغراض الرثاء ولكن ليس كما اعتمده جماعة "احياء النموذج" هو كسابقه شكل جديد لاينتمي الى الرثاء المتعارف عليه بل هو انعكاس على مرآة الذات لظاهرة فذة, كمن أراد ان يوحي لنا ان المبدعين قد حققوا المعادل في الحياة "تحترق الشمعة لتنير دروب الاخرين" /ص13.
-ايقونة العتبة الغلافية "صديقنا خط الأفق" فحملتْ لنا رؤيا الشاعر بنص انشطر الى تفرعين ، مثَّلتْ الحالة التي يعيشها الشاعر التأرجح ما بين الروحي والحسي بين العقل والجسد. , ولتفكيك هذه الايقونة (ص21و22) بنيوياً وباختصار ....
-عشرون نصاً اختتم بها الشاعر ديوان وبعنونة جعل منها بروازاً محيطاً واهتم بأن يجعل العنونة لها "مخاطبات" وحسناً فعل ذلك ليسهل علينا فك آخر الشفرات للديوان,اللغة بسيطة وشفافة اتكأت ببوحها الخافت تارة والمتصاعد تارة آخرى لاقصاها كصرخة توجعٍ على المعاناة التي ترسم ملامحه بادق التفاصيل وحالات الإحباط المتغلل في الأعماق, واحياناً كانت انفعالية مما منح الخطابية والتقريرية والمباشرة مساحة أوسع للتعبير, مما أدى الى تضييق الفضاءات الاستعارية والرمزية وانعدام الأسطورة تماماً والتي لو وظفت في نصوص الديوان لمنحته درجة اعلى من الكمال , وبذلك هو لم يفعل مثلما فعل الرواد مثل السياب , البياتي, دنقل, ادونيس, الماغوط , حجازي.. وآخرون , ونستقرأ تطابق فرضيتنا حول التجربة الشعرية لديوان يمكننا اعتبار نص طويل متصل يسجل أضاءات مخبوءة في كينونة الذات الشاعرة, حيث جميع النصوص اشتركت بمحاولة رفع قيمة الــ(أنا العليا) وذلك باستخدام( النمط الأمري ) في الجمل لأظهار حالة التوتر والقلق والارباك ,إضافة الى أسلوب الجمل الانشائية التي تدل عدم الثبات .. , وهذا لايعني اغفال أنماط أخرى جاءت في بعض الأماكن من النصوص المشار اليها (السردي , والحواري, والوصفي), لكن طغيان وهيمنة النمط (الآمري)استحوذ جميع النصوص والذي يعبّر كما اسلفنا عن حالة الشاعر ورغبته فرض ( الأنا) عن طريق الدعوة أو النصح والإرشاد ,اما الجمل الخبرية لم يسعفها لتتفوق مما فسحت الفضاء لهيمنة الجمل الخبرية...وبالتالي هي دلالة أخرى للتوافق مع فرضيتنا وبذلك أدت الصور الشعرية في التجربة وظيفتها الجمالية إضافة الى الوظيفة التعبيرية الانفعالية.
-أجاد باظهار حالة وضوح الإمكانات التعبيرية والايحائية للاشياء والجمادات (من يدوس على الناي..؟/ أنفاسنا أغنيةٌ قصيرة / وانينٌ/بعيد الأمد..)/"ص_12" ,وكثير من ذلك جاء في (نصوص مخاطبات) /"ص92_ص111" , وكما يقول د. أطيمش:"التوجه مشروطاً بمعنى ان يكون مما تستدعيه الضرورة الموضوعية او اللغوية أو الحالة النفسية التي يكون فيها الشاعر, وان لايبد رغبة شخصية غير مبررة لاتخضع لضوابط ولان ذلك يقود الشاعر الى الابتذال الواضح والركاكة المخلة التي تسيء الى القصيد".
-نجح في ادخال الموروث الشعبي في قصيدة " الغميضة" وكذلك الموروث الديني بشكل غير مباشر من خلال امتصاص فحوى النص القراني النوراني/"ويأتكم الموت بغتةً" ولي ( نص / بريد) /"ص_12"
-واخيراً :نستطيع القول ان المجموعة مثلت مدرسة "سؤال الذات" على مستوى المضمون تمثيلاً موفقاً وجلياً أما على مستوى الإيقاع الخارجي فقد اتفقت مع مايدعو اليه شعراء هذه المدرسة الذين خالفوا وانتقدوا "الاحيائيين "على اعتمادالبحور الخليلية , اما اللغة فتغلب عليها البساطة والوضوح بالرغم من ان الشاعر وظّف كلمات قديمة ارتبطت بالشعر القديم مثل(خزائن الأرض,السراب , الصحراء,قطيع,الراعي, النجوم الجبّ,الحكمة , الحرب) لكنه لم يسرف .أما فيما يخص الأساليب فقد جاء أسلوب الجمل الخبرية فكان متوازٍ مع أسلوب الجمل الانشائية و تفوق عليه في بداية المجموعة بشكل واضح.
_وتبقى حالة عكس أغوار الذات الشاعرة وكشف همومها واحزانها وصراعها مع المجتمع عبر التعبيرعنها بالوسائل الفنية التي ذكرناها وبالاستعارات وخاصة الاستعارة المكنية التي عُرف بها شعراء سؤال الذات....(انتهى)
***



#منار_القيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة/ شعوب الواوا بح...
- قصيدة /هتاف
- قصيدة/لاتغضبي مني
- قصيدة / تائهة
- قصيدة/ لوأنّها
- -توازنات البنية في نص بناء على طلب متفاعلن / قصيدة الشاعر زي ...
- قصيدة / تخاصمني
- -رسائل الى مولانا- ..قضية الحب والغزل وصورة المرأة (قراءة نق ...
- ((الغربة وشعرية الأداء السردي في تجربة الشاعر د.علي حداد))
- قصيدة /على عتبات الفجر
- قصيدة / أغنيات على جسرٍ من الجمر..
- زمنُ الجياع
- قصيدة / مَمْنُوْعَةٌ حُرُوْفنَا..
- قصيدة / قرّبي عينيكِ
- قصيدة /نعم أنا أغار..
- قصيدة/خطاب الى رجلٍ ما..
- قصيدة/حكايةُ صديقة
- قصيدة/شكراً نزفتك من دمائي..
- سمراء
- قصيدة/ إنّي خسرتك عامداً برهاني


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منار القيسي - المضامين البنيوية في مجموعة الشاعر حسين الهاشمي -صديقنا خط الأفق-/ دراسة نقدية