أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم الحلوائي - سنوات بين دمشق وطهران 4















المزيد.....

سنوات بين دمشق وطهران 4


جاسم الحلوائي

الحوار المتمدن-العدد: 1584 - 2006 / 6 / 17 - 11:42
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ذكريات
سنوات بين دمشق وطهران ( 4 )
مع تطور حركة الأنصار التابعة للحزب الشيوعي العراقي في بداية ثمانينات القرن الماضي، أصبحت منظمتنا في إيران تكتسب أهمية أكبر وتحولت الى قاعدة خلفية حيوية للحركة، وحلقة وصل هامة بين الداخل والخارج. وكان تحركنا في ايران سريا مغطى بأوراق من الأحزاب الكردية بقدر ما يتعلق الأمر بحركة رفاقنا الأنصار، من قواعدهم وانتقالهم الى طهران وارومية وبالعكس، ولمراجعة دوائر الإقامة والسفر وسواها. وفي لقاءات نادرة جمعت ممثلي قيادة حزبنا، الرفيق يوسف حنا في بداية الثمانينات، ولاحقا هو والفقيد الدكتور رحيم عجينة ، مع قادة الحرس الثوري (الباسدار) بحضور ممثلي أحزاب كردية على الحدود بين كردستان العراق وإيران، اخبر رفاقنا الجانب الإيراني بأننا لانطلب اية مساعدة منهم أكثر من السماح لنا بمعالجة مرضانا وجرحانا في المستشفيات الإيرانية وغض النظر عن مرور منتسبينا عبر ايران الى كردستا ن العراق. وكان موقفهم دائما هو الوعد بدراسة الطلب ، والذي بقي مجرد وعدا، ورفض الطلب الثاني بذريعة أن لدينا سوريا التي تسمح لنا بالعبور.

كنا حذرين في تحركنا وفي سلوكنا السياسي. لم ندع حصول أي نوع من التشابك التنظيمي أو السياسي مع حزب توده ايران، مكتفين بالعلا قة الرسمية معهم. وعندما تعرضوا للضربة الواسعة التي أشرت اليها قدمنا لهم المساعدة الممكنة دون أن نقوم بدورهم النضالي. فقد إحتضن الحزب العشرات منهم، وكذلك من منظمة فدائيي خلق ـ الأكثرية، كضيوف في قواعد أنصارنا في كردستان العراق لحمايتهم وتقاسم لقمة العيش معهم. كان الرفاق في منظمة طهران، وهم بضع عشرات من المهجرين العراقيين وغالبيتهم من الأكراد الفيلية، يقرأون المطبوعات السرية لحزب توده وسواها من المنظمات المحظورة، ولكن من غير المسموح لهم إيصالها للإيرانيين وفقا لقرار منظمتنا. وعندما كلفنا من قبل قاطع السليمانية بإيصال مطبوع ورسالة مرسلة من التودويين الى عنوان في طهران، ــ كانت قيادة القاطع المذكور تتصل بنا مباشرة لتمشية الأمور الروتينية، لسهولة صلتهم بنا ــ إعتذرنا عن القيام بذلك. وأكدنا لقيادة الحزب على إستعدادنا لتقديم أية مساعدة ممكنة للتودويين على أن لانأخذ دورهم النضالي وأن لايحصل تشابك مع قاعدتهم، ودعمت قيادة الحزب موقفنا هذا. وفعلا، كنا نوصل، عبر قيادة حزبنا، جريدة "مردم"، التي تصلنا الى طهران مطبوعة في الخارج، بكميات محترمة الى قيادة منظمتهم في قواعد الأنصار،.

والى جانب الحذر السياسي، كنا حذرين أمنيا، فالنظام الإسلامي أعاد مسؤولين كبار من جهازالأمن السابق ( السافاك) للجهاز الجديد. لم يكن لدينا تلفونات ولا سيارات خاصة، وكان بالإمكان أن يكون لدينا ذلك فطبيعة عملنا تتطلبه، وربما كانت تفيدنا بعض الشيء. ولم يكن لدى قيادة الحزب تحفظ على حيازتنا لها، خاصة بعد أن سمعت من ممثل أحد الأحزاب الحليفة لنا عن حاجتنا للسيارة. مع ذلك لم تغرنا مميزات السيارة والتلفونات وفضلنا الصيانة عليها. لقد تعمدت ذكر هذه التفاصيل لأن البعض يتصور بأن عدم توجيه ضربة لتصفية وجودنا في طهران يعود الى غض نظر ايراني عنا، ومن شأن هذا التصور أن يضيع دروس التجربة. ففي حقيقة الأمر إن الأجهزة الأمنية الإيرانية لم تغض النظر عن أي شيء يمكن أن يوصلها الى المنظمة وأسرارها . فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد أعتقلت مراسلنا الرئيسي مع قيادة الحزب الرفيق رحيم الشيخ علي (حيدر فيلي) ، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الكردستاني ووزير الأتصالات في حكومة كردستان العراق في الوقت الحاضر، وتعرض لتعذيب بشع وبقي معتقلا أكثر من خمس سنوات، ولولا صموده البطولي لتعرضت المنظمة الى كارثة. واعتقل مراسل آخر وهو الرفيق أبو زكي الذي تعوق عقليا جراء ما تعرض له من تعذيب في المعتقل. وإعتقل مراسل ثالث بين الرضائية والقاعدة. والقي القبض على الفقيد رحيم عجينة وتعرض الى معاملة منافية لأبسط الحقوق التى تنص عليها القوانين الدولية، وبقي سبعة شهور في المعتقل ، قضى 185 يوما منها في زنزانة إنفرادية. وأعتقل كذلك الفقيد أسعد خضر(أبو نجاح) وزوجته أم نجاح في مطار طهران وأحتجزوا شهورا عديدة وعوملوا معاملة لاإنسانية. وأعتقل كذلك الفقيد أنور طه ( ابو عادل ) وهرّبه الرفاق من المعسكر ومن ثم سُفر خارج ايران. وطورد الفقيد عامر عبد الله في طهران من قبل سلطات الأمن، وساعدته ظروف معينة للتخلص منهم. وعندما علمت بأن الباسدار إستفسروا عني في الفندق الذي كنت أقيم فيه في الرضائية، غادرت المدينة فورا ولم أعد أتوقف في المدينة المذكورة في سفراتي من طهران الى قاعدتنا في كردستان.

وكان حزب البعث، بأسلوبه الخاص، يحرض علينا. فقد وزع منشورا يحمل توقيع الحزب الشيوعي العراقي، يحتج فيه على الإضطهاد الذي يعانيه الشيوعيون في ايران ويستنكر إعتقال الرفيق عادل حبه ومطاردة الرفاق جاسم الحلوائي وآخرين في كرج. يوجد في كرج مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني، وكنت مع آخرين نتردد عليه ولم نطارد في يوم ما هناك إطلاقاً. وكانت معلوماتنا تشير بأن هناك قوى إسلامية عراقية متشددة هي الأخرى تحرض علينا، واستفحلت هذه الظاهرة الأخيرة في النصف الثاني من عقد الثمانينات، ولم أكن موجودا في ايران.

في شتاء عام 1982 حاولت السلطات الأمنية إلقاء القبض على الرفيق عزيز محمد الأمين العام للجنة المركزية لحزبنا. كان خالو حاجي ممثل الحزب الإشتراكي الكردستاني (حسك) يتابع معاملة جوازالرفيق عزيز في دائرة السفر والإقامة عندما تعرفت المخابرات على صورة الرفيق عزيز وطلبوا من خالو حاجي، الذي أنكرمعرفته بمكانه، إحضاره فورا تحت تهديد ووعيد شديدين . كان الرفيق عزيز يقيم في شقتنا في طهران عندما زارنا الرفيق فلاح، وهو الرفيق الوحيد الذي يعرف بيتي من بين رفاق منظمة طهران، وأخبرنا بالموضوع وأضاف بأن خالو حاجي خائفا جداً وينتظر رأينا. إتفقنا أن نأخذ منه الجواز ونعفيه من المهمة. في عصر نفس ذلك اليوم وكنا نتجول، الرفيق عزيز وأم شروق وأنا، في شوارع هادئة قريبة لبيتنا، إتصلت بخالو حاجي من تلفون عمومي وبعد التحيات ناولت سماعة التلفون للرفيق عزيز الذي شكره ورفع معنويات وطمأنه وقال له:

ـ لقد أديت مهمتك ولست مسؤولا عن عدم إنجازها و أرجو أن تعود الى عائلتك، وذلك ردا على أسف خالوحاجي لعدم إنجازه المهمة.

خالو حاجي شخصية فريدة من نوعها. كان مسؤولا عن جهاز مخابرات الحزب الديمقراطي الكردستاني (باراستن) في السليمانية في سبعينيات القرن الماضي قبل أن يصبح عضوا في اللجنة المركزية ﻟ (حسك) وممثلهم لدى السلطات الايرانية وبعض أطراف القوى السياسية العراقية. كان يهتم بكسب ثقة الباسدار للإستفادة من ذلك في تمشية مختلف الأمور لحزبهم وحلفائهم في ايران. خالو حاجي رجل متوسط القامة في الإربعينيات من عمره، لديه لحية كثة سوداء، بشوش الوجه وذو طبع مرح. ولم تكن لحيته وحدها دليل على "إسلاميته" أمام الباسدار وإنما لزواجه بإمراتين ، والأمر الأخير كان يشهره دائما أمام الباسدار بمجرد التشكيك بإسلاميته بإعتباره إشتراكيا.. كان كريما معنا و بيته في أرومية محطة لنا، وفي نفس الوقت لم تكن قيادة حزبنا تبخل عليه وعلى حزبه بأي مساعدة ممكنة. خالو يكيل المديح والثناء لنا ويميزنا عن الآخرين ويبدي الإستعداد لمساعدتنا بأقصى ما يتمكن عليه. ولا اعرف إن كان مصدر ذلك خبرته أم بتأثير زوجته الثانية المنحازة فكريا وسياسيا لحزبنا، أو لربما الى العاملين معا. انه لا يعرف شئء إسمه مشكلة، فهو "حلال المشاكل". وعندما تواجهه مشكلة أمنية يستلهم خبرة عمله السابقة بالباراستن ويقوم، حسب تصريحه لنا، بالتفكيرفي ما يدور في خلد الخصم لمعرفة خططه، لكي يضع الخطة الملائمة. عندما فاتحته بنيتنا إيصال إذاعة من طهران الى رفاقنا في كردستان، لم يتردد في الموافقة على مساعدتنا بشرط إستلامها خارج المكان الموجودة فيه. اخبرته بأنه سيستلمها من الرفيق فلاح. وبالفعل فقد وصلت الإذاعة سالمة الى الرفاق في كردستان، بعد بضعة أسابيع من أحداث بشت آشان التي تكبدنا فيها خسائر جسيمة بالأرواح والممتلكات، ومن بين تلك الخسائر الإذاعة. وكانت الجديدة أفضل من القديمة. وعندما كنت أقول لخالو حاجي من الضروري التحوط والإنتباه في تعامله مع الباسدار، كان يجيب:

ـ لا تخاف أنا مشتغل بالباراستن.

ولكن خوفي كان في محله. فقد أخبر الباسدار، بعد إعتقال حيدر فيلي، عندما سألوه بهذه الصيغة الخدًاعة:

ـ إن مهمة حيدر فيلي مراسل في الحزب، أليس كذلك؟

ـ نعم. أجابهم خالو حاجي، ظنا منه بان حيدر قد إعترف بذلك.

ـ ولم يتمكن خالو حاجي الإستمرار بذلك الوضع، ففي ليلة ظلماء هاجر هو وعائلته الى لندن في اوائل التسعينات.

أغتيل خالو حاجي في عام 1996 في السليمانية، أثناء الإقتتال بين الأخوة، وإتهم الحزبان الديمقرطي الكردستاني والإتحاد الوطني، أحدهما الآخر، ببيانات عامة بالحادث. وإذا صح إدعاء الطرفان، فإن ذلك يعني بأن خالو حاجي ربما لم يخطأ في قراءة عقلية الحزبين، بل أخطأ في قراءة عقلية ثالثة أو تجاهلها غفلة، وهي، ربما، الباسدار. تحية لروحه وعزاؤنا لعائلته.

نعود الى الرفيق عزيز الذي تعرقل سفره وفقا للخطة المرسومة، وبقي في طهران حوالي الشهرين . وعندما زار وفد من جمهورية اليمن الديمقراطية برئاسة عبد القادر باجمال وزير الصناعة آنذاك ورئيس الوزراء الحالي للجمهورية اليمنية، طهران في أواخر شهر كانون الثاني عام 1983، طلب من علي خامنئي رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية آنذاك بإصطحاب عزيز محمد معه عند مغادرة طهران. ولم يعترض خامنئي على ذلك. وفي ليلة السفر سلمت الرفيق عزيز الى القنصل اليمني والذي كانت تربطني به علاقة منتظمة. وتنفسنا الصعداء عندما علمنا، في اليوم التالي، بأن السفر قد تم بسلام.

كانت هناك في طهران هيئة حزبية يقودها الرفيق فلاح وفي عضويتها الرفاق سيد هاشم وأبو فاطمة وحيدر فيلي، و ثلاثتهم متفرغون ويرتبط بهم عدد صغير من الرفاق المتفرغين ايضاً. وكان هناك مراسلين بيننا وبين الشام لاعلاقة لهم بالهيئة المذكورة. كانت إحدى المهام البارزة التي تقوم بها المنظمة تقديم المساعدة الى الرفاق الذين يصلون من كردستان للعلاج في طهران وذلك بمرافقتهم ومساعدتهم في الترجمة و بتدبير إقامتهم في الفنادق. واستفاد الرفاق من فندق بعينه حيث تمكنوا من بناء علاقات جيدة مع صاحبه. اما بالنسبة للكوادر الحزبية، فقد كانوا يقيمون في بيوت الرفاق أو في غرفة مؤجرة لهذا الغرض. كان الباسدار يتحرى الفنادق أحيانا ويكتفي بالتأكد من حيازة الشخص على ورقة السماح الصادرة من الأحزاب الكردية ومن عدم نفاذها. وفي وقت من الأوقات كانت لدينا أوراق مختومة وموقعة سلفا، نملأها ونستخدمها عند الضرورة. ويتحرى الباسدار أحيانا الحوائج. وعثروا في احدى المرات على صورة كارل ماركس لدى أحد الرفاق، وإكتفوا بتمزيق الصورة والتهجم على الرفيق. وفي أحد الأيام بلغ عدد الرفاق الذين يقيمون بشكل مؤقت في طهران لأسباب مختلفة حوالي خمسين رفيقاً وغالبيتهم للعلاج.

يمكن أن يستشف المرء من حادث تمزيق صورة ماركس بأن الايرانيين كانوا يعرفون بأن هناك شيوعيون يأتون الى طهران للعلاج و لكن كانوايغضون النظر عن ذلك. أما الأمور الأخرى فلم يكن يعرفون بها، فهي بطبيعتها خطيرة وغير قانونية وكنا مضطرين للقيام بها. كانت تحول مبالغ من الخارج الى كردستان وعلينا إيصالها سرا بعشرات الرحلات الخطرة سنويا. وكانت هناك آلية للتعامل مع هذا الموضوع لاتدع مجالا لأي تلاعب. ففي أول زيارة قمت بها الى قيادة الحزب في كردستان، وكنا، للتو، قد أتممنا صفقة. إستفسر مني أحد رفاق اللجنة المركزية عن جانب منها فأجبته... وإذا بالرفيق يشكك بقضية معينة. لقد كان ذلك بمثابة صدمة لي ، انا أقول له بأن هذا هو أحسن سعر موجود في السوق لهذه البضاعة، وهو يذكر لي سعر آخر. فكرت مليا في الأمر ووجدت من الضروري إتخاذ تدابير من شأنها أن تقيني من أي شك. أخبرت الرفيق عمر علي الشيخ (أبو فاروق) عضو المكتب السياسي، وكان مرجعي الحزبي، بما سمعته وأضفت:

ـ إن أي صفقة لاتتم الآ بقرارنتخذه سوية الرفيق فلاح وأنا، وإن أي تلاعب يتطلب تواطؤاً مع التاجر ومع الرفيق سيد هاشم الذي يعمل معنا ويساعدنا في هذه الأمور. فهل يعقل أن يحصل ذلك؟

ـ لا. أجاب عمر وأضاف: لا تهتم لكلام الرفيق فهو قد يمزح معك.

ـ أنا لايعجبي هذا المزاح وأقترح ما يلي:

ـ مادامت هناك ثقة بالآلية التي إتفقنا عليها، فإني أرى أن لاتجيب على أي إستفسار يتعلق بهذا الموضوع. إلا للجهة الحزبية المسؤولة. ومن جانبنا سوف لا نسمح بتدخل أحد في هذا الموضوع.

وفعلا لم يتدخل أحد في هذا الموضوع إطلاقا، ما عدا الرفيق عزيز محمد عندما كان مقيما في طهران واراد الإحاطة ببعض المعلومات في هذا المجال، وحصل على ذلك من الرفيق فلاح. ونحن من جانبنا كنا ملتزمين بشكل صارم بالآلية. وكان الرفيق فلاح ينظم تقريرا شهريا بالحسابات المالية، أطلع عليه وأرسله الى أبي فاروق. ولم يقع أي خطأ أو صدفة سيئة في هذا المجال طيلة سنوات عملنا في هذا الميدان. وقد توثقت الآلية المذكورة بعد تعرف العديد من الرفاق القياديين على الجهات التي نتعامل معها.

***
كان لدينا عدد من العلاقات العامة في طهران. صلتنا بحزب توده كانت بالمناضل المعروف الشاعر والكاتب حسن قزلجي عضو اللجنة المركزية الذي استشهد في المعتقل في الضربة الأخيرة لحزب توده عن عمر يناهز الثمانين عاما. كان قزلجي يتكلم العربية بلكنة كردية فقد عاش في العراق حوالي عشرين عاما هارباً من نظام الشاه. وإشتغل عاملا زراعيا في الريف وعامل بناء في المدن بما في ذلك بغداد. و إستقبلني في أول لقاء المناضل المعروف رضا شلتوكي عضو المكتب السياسي وهومن ضباط حزب توده والذي قضى 25 عاما في سجون الشاه ووجدته رفيقا متواضعا. وقد مات هذا المناضل أيضا في المعتقل في الضربة الأخيرة لحزب توده. وكانت علا قتنا بفدائيي خلق ـ الأكثرية أيضا منتظمة وكانت أغلب اللقاءات تجري في شوارع طهران مع أحد كوادرهم الشابة، وإستقبلني في أول لقاء المسؤول الأول في المنظمة فَرخ نكهدار، وهو شاب غاية في التواضع والهدوء، وكنت أسائل نفسي وهو جالس أمامي أليس هدؤه ظاهريا؟ فالأسلوب الأساسي لكفاح منظمتهم في زمن الشاه هو الإغتيالات، وهي أول منظمة دعت الجماهير الى الهجوم على الثكنات والإستيلاء على الأسلحه. وعند لقائي كانوا قد إستكملوا تحويل منظمتهم من منظمة "مسلحة" الى منظمة سياسية جماهيرية. وأخبرونا في اللقاء بإنهم يقرون جميع بيانات الأحزاب الشيوعية الصادرة من مؤتمراتها العالمية. وكانت لدي علاقة منتظمة ووطيدة مع قنصل جمهورية اليمن الديمقراطية، وهذه القناة كانت حيوية بالنسبة لنا، فعن طريقها كنا نستلم الكتب والمطبوعات والبريد الحزبي أحيانا. اما العلاقة بحدك فكانت تتم مع عثمان قاضي وشوكت عقراوي في كرج. وقد التقيت مرة واحدة بالسيد مسعود البارزاني. ولهذا اللقاء دواعي تستحق التوضيح.

وصل الى طهران من كردستان الرفيق باقر إبراهيم وزوجته وكانا يحملان رسالة من المكتب السياسي تشير الى إن مجيئهم الى طهران للعلاج ولتسفيرهم الى سوريا إذا ما توفرت إمكانية ذلك. كانت إمكانية تسفيرهم معدومة تقريبا. الطيران الايراني كان متوقفا بين طهران ودمشق تماما، وكان الحصول على تذكرة لرحلة قريبة على الطائرة السورية غير ممكن إلا عن طريق السفارة السورية التي لا علاقة لنا بها، هذا فضلا عن عدم حيازتهم على جوازات سفر. وصل طهران في حينه خمسة رفاق من سوريا وغادرونا الى كردستان. طرحت فكرة الإستفادة من جوازاتهم والتي تحمل تأشيرة لمدة شهر لتسفير بعض الرفاق الذين ينتظرون في طهران، إذا ما أفلحنا في تزويرها. هناك إذا بصيص أمل. تحركت شخصيا لتحري الإمكانيات. كان هناك رفيقا موجوداً في طهران لديه المام بتزوير الوثائق. إتصلت به وابدى إستعداده لتدبير الأمر. أرسلنا مراسلا جلب لنا جوازات الرفاق الذين غادرونا. وزورت الجوازات وكانت هناك فرصة واحدة للسفر في مدة التأشيرة وهي على الرحلة القادمة على الطائرة السورية. فكرنا بتوسيط الحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك)، لتأمين تذكرتين من السفارة السورية. سافرت الى كرج والتقيت بالسيد عثمان قاضي الذي أخبرني بان هذا الأمر ليس من صلاحياته وربما يتمكن (أبو مسرور) مسعود البارزاني من مساعدتنا، وهو ليس في المقر الآن وذهب الى البيت. طلبت منه أن يخبر السيد مسعود بطلبي اللقاء به. وقد لبى الطلب مشكوراً. عرضت الموضوع على السيد مسعود وأخبرته بان عدم طيرانهم على الرحلة القادمة يعني فشل المشروع.

طرح البارزاني علي سؤالا واحد وهو:

ـ هل بإمكاني معرفة إسم الرفيق المسافر؟

زودته بالإسم. وكلف هو بدوره السيدين عثمان قاضي وشوكت عقراوي بتدبير الأمر. وعندما ودعت البرزاني قال لي:

ـ بلغ تحياتي لأبي سعود ( عزيز محمد) وقل له نحن على العهد باقون.

كبر الرجل في عيني، فتذّكر العهود والوفاء بها هي من أهم خصال الزعماء الحقيقيين والناس المحترمين.

عند عودتي ذهبت الى شارع سلسبيل، وهو شارع جميل يقع غير بعيد عن بيتنا، كنا نتمشى فيه عصر كل يوم. وكنت أتوقع أن أجد أبو خولة وأم خولة برفقة أم شروق. وفعلأ عثرت عليهم. كان أبو خولة يائساً من الحصول على مساعدة (حدك) لذلك فقد تفاجأ بموقف (حدك) الإيجابي.

سافر باقر إبراهيم وزوجته وكنا قلقين عليهم بعض الشيء لأن إسم زوجته في الجواز كان إسم مذكر. ولم يجر تغييره لأنه لم يكن من الأسماء الذكورية الشائعة.

يتبع




#جاسم_الحلوائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سنوات بين دمشق وطهران - 3
- سنوات بين دمشق وطهران - 2
- سنوات بين دمشق وطهران - 1
- في الذكرى الثانية والسبعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي
- الديمقراطية في الحزب الشيوعي العراقي
- الآيديولوجيا والبراغماتية في سياسات الحزب الشيوعي العراقي ال ...
- الآيديولوجيا والبراغماتية في سياسات الحزب الشيوعي العراقي ال ...
- حقيقة علاقة القيادة السوفيتية بقيادة الحزب الشيوعي العراقي ف ...
- القمع الوحشي 6
- القمع الوحشي 5
- القمع الوحشي - 4
- القمع الوحشي - 3
- القمع الوحشي - 2
- القمع الوحشي - 1
- الدراسة الحزبية في الخارج 5 - 5
- الدراسة الحزبية في الخارج 4 - 5
- تعقيب على مقال الأستاذ منير العبيدي-الديمقراطية والإصلاح الس ...
- الدراسة الحزبية في الخارج 3 - 5
- الدراسة الحزبية في الخارج 2 - 5
- الدراسة الحزبية في الخارج 1 - 5


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم الحلوائي - سنوات بين دمشق وطهران 4