أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - مصاديق مصطلح الكتاب.. قراءة في سورة هود















المزيد.....

مصاديق مصطلح الكتاب.. قراءة في سورة هود


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6558 - 2020 / 5 / 8 - 10:00
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تبدأ سورة هود في أولى آياتها الأفتتاحية بالكلام عن الكتاب وصفا وشرحا وتقديرا ومصدرا (الٓرۚ كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (1)، وبذلك نفهم أن لفظ الكتاب هنا يختص بالقرآن بأعتبار المتكلم والحال، فالمتكلم هنا النبي محمد ص وهو يخاطب قومه بشهادة الآيات اللاحقة وما ورد فيها من أشارات تاريخية تتعلق في زمن الدعوة، خاصة مع حالة الضيق والشعور بعدم القدرة على تحمل ردات الفعل منهم (فَلَعَلَّكَ تَارِكُۢ بَعۡضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ وَضَآئِقُۢ بِهِۦ صَدۡرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌۚ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٞۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٌ) (12)، لكن من خلال الأستمرار في قراءة السورة نكتشف أن الكتاب ليس القرآن وحده، بل هو مضمون رسالي تحمله الأنبياء جميعا (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ) (17).
بل والأعمق من ذلك أن مصطلح الكتاب يتعدى كمصداق المفهوم السابق ويوسع من دائرة الدلالة والقصد، فنجد مثلا أن كلية الإنسان الجامعة من وجوده لعدمه يطلق عليها أيضا لفظ كتاب حقيقة وليس مجازا ( وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا وَيَعۡلَمُ مُسۡتَقَرَّهَا وَمُسۡتَوۡدَعَهَاۚ كُلّٞ فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ) (6)، إذا الكتاب ليس هو مضمون الرسالة فحسب بل هو كل مدون مجموع من أمر الله وأمر خلقه سواء ما علمناه أو ما خفي عنا، أو ما أطلعنا عليه وما يمكن أن نكتشفه لاحقا (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) الكهف (49).
إذا الكتاب اسم جامع عام مطلق لأمر الله فيه كل ما يدرك وكل ما لا يترك (وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) الأنبياء 50، بمعنى أنه الصورة الكاملة التي تعبر عن وجوده الله (ذِكْرٌ مُبَارَكٌ) فكل الكتاب ذكر مبارك سواء الكتاب الذي نزل أو الكتاب المحفوظ في أم الكتاب (هَٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ۗ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ۖ فَهُم مُّعْرِضُونَ) الأنبياء (24) ، والذكر خلافا لغالب الكتب يتميز بأنه محفوظ لا يمسه السوء (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحِجر 9، وحينما أشار الله للقرآن الكريم بصيغة الذكر إنما أشار من طرف أخر أنه محفوظ، وليس بمعنى أن القرآن هو كل الذكر فهو جزء منه يتميز بذات الصفة التي منحها الله للأصل، بينما بقية الكتب وحسب ما ورد في النصوص الكثيرة قد أصابها عدم الحفظ، هنا الحكم أما أن القرآن هو الذكر كاملا وبالتالي محفوظ كاملا، أو أن القرآن الكريم مصداق من مصاديق الذكر لوحده دون بقية الكتب تخصيصا وحصرا له.
هذا الكتاب بالحقيقة يحتوي أجزاء متنوعة مختلفة في مضامينها ولو أنها بالنتيجة واحدة (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ) الشورى: 17، هنا نجد صنفين من إرادة الله وفعله (الحق) مطلقا، و(الميزان) جزء من الحق بأعتبار أن أي ميزان لا ينسجم مع الحق ولا يقاس الحق بالميزان لا يمكنه قبولهما معا، لذا أشار لأهمية الميزان في الحياة الوجودية للمخلوق من أنها تحقيق للعدالة المطلقة في توازن لا يختل ولا ينتهك، وبما أن الحق تعريفا هو وضع الشيء في محله دون زيادة أو نقصان لا في المحل ولا في المحلول، فيكون الميزان تعبيرا عن أستواء الحق في مكانه، لنتأمل الصيغة بنص قرآني أخر من خارج السورة (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) ٌالحديد: 25.
فحتى يتكامل الحق مع الميزان أقرنهما الله معا في الكتاب مع تحذير من الأختلاف فيه (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ) (110)، أي أن قوم موسى وما بعدهم وما قبلهم من أهل الكتاب أختلفوا فيه على وجه التحديد حينما فرقوا ما بين الميزان والحق، أختلفوا فيه وليس عليه (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ۖ فَهُم مُّعْرِضُونَ) الأنبياء (24) ، أي أن الأختلاف في الأجزاء لا في الكل، فقد جاء النص التالي ليؤكد الأختلاف في الكتاب جزأ أو كلا (فقد كذبوا بالحق لما جاءهم) الأنعام:5، فالأختلاف في تفصيل الجزء سيقود حتما إلى الأختلاف الكل (ذلك بأن الله هو الحق) الحج:6، بمعنى أن ما جاء من الله هو الحق مطلقا كما أن الله مطلقا هو من أرسل الكتاب وأنزل الميزان.
هذه واحدة من توصيفات الكتاب الواردة إلينا كما هناك توصيف أخر قد يكون إشارة إلى مفهوم ثاني لكنه ليس مغايرا عن الوصف الأول، الفرق أن الأول تكلم عن الكونية الكتابية والثاني عن الكيفية، فقد ورد نص التوصيف الثاني بقوله تعالى (هوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) آل عمران: 7، هنا النص لا يقول بالجزئية التكوينية حق وميزان بل تناول كيفية في الطرح (متشابه ومحكم)، فالتشابه يقع بالصور الذهنية المتولدة من فهم النص أو في التعاطي مع المقاصد تحديدا في موضوعية (الحق) (وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ) يونس (53)، أما الإحكام فيقع في الضبط والأستواء طالما أن الكتاب حكيم فالمؤكد أن الإحكام هنا مستلزم ضروري للكتاب (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) لقمان (2)، الإحكام يكون في المضمون والشكل فلا أختلاف فيه ولا تناقض (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) النساء، (82)، التشابه والمتشابه لا يعني أختلاف في الشكلية المحكمة ولكن يتعلق في فهم الحق وحده والتعاطي معه إذا.
نستنتج من ذلك أن الكتاب يأت وفقا للسياقات التالية:.
1. كل كتاب هو تدوين بشكل ما لما يراه الله أنه حقا لا مرية فيه، سواء ما كان تقديرا للإرادة الإلهية بدأ (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الأنعام (54)، أو تقريرا لها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة (183).
2. في مفهوم الكتاب بمعنى الرسالة هو واحد متجدد في ذاته طبقا للزمان والمكان والحال وبتقدير رب الكتاب لأنها جميعا من مصدر واحد هو (أم الكتاب)، والأم هنا بمعنى أستيلاد الأمر من أصل كائن قبل الكتب (يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُ‌ۖ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلۡڪِتَـٰبِ) الرعد (٣٩)، وتعريف أم الكتاب في القرآن هو بما عبر عنه الله تعالى بكلمة من لدنا (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) النمل (٦)، فأم الكتاب لدى الله وحده وهو الأمر الكلي مطلقا (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) الزخرف (4)، وبذلك يكون كل كتاب هو من عند الله وما لبشر الحق لا في التبديل ولا في التغيير وإلا عد باطلا كل ذلك (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يونس (15).
3. كل كتاب لا بد أن يكون محكما ولا بد أن يكون فيه متشابه وغير متشابه، وأن يكون فيه صورة الحق جلية وفيه الميزان مشروحا ومعتمدا، وكل كتاب لا يكون كذلك حتى ما كتب الله على نفسه وعلى خلقه لا يخلو من هذه الشكلية وهذه الكيفية ليكون حجة على العالمين (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) النحل 64، وإشارة (أختلفوا فيه) هنا تعود لمفهوم الحق وهو ما تشابه على المبطلون إبتغاء الفتنة أو الجهل بذات الحق أو تجاهله عن عمد لأنه لا يوافق الأهواء والميول (وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ) يونس (53).
4. يفهم البعض أن الكتاب قديم بما فيه من تقديرات تصل إلى تقرير فعل الشخص الواحد، وبالتالي فكل أفعال البشر خاصة والوجود عام ومصائرهم وما يجري عليهم هي تقديرات سابقة لا فكاك منها، وبالتالي فالكتاب ليس مخلوقا ولا مستحدثا بل هو إرادة الله لهم مسيرين عليها بالإكراه والإلجاء، وبالتالي فهم ماضون على أمر قد قدر عليهم مستندين إلى النص التالي (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحديد (22)، هنا مصدر الشبه يكون حين نخلط بين التقدير مجردا من علاته وبين الإحكام في جوهره، فالله قد بين طريقين أو نجدين أحدهما يقود إلى نتيجة الفوز والفلاح مثلا والنجاة وسماه الصراط المستقيم أو الهدى، وأخر بخلافه شكلا ومضمونا ونتيجة، وخير الإنسان بينهما لينتظر منه النتيجة (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) الشورى (30)، فما ورد في النص السابق هو نتيجة لاحقة لكسب الإنسان وليس حكما مسبقا عليه تقديرا وإمضاء بغير تبرير (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) المائدة (66)، وكثيرا من الآيات تتحدث بلغة قوامها تعبير (ولولا).
5. هناك فرق كبير بين القرآن وبين الكتاب مع أن الأول كتاب من مجموعة كتب منها ما يشبهه في الكيفية والماهية والطريق، ولكنه لا يمثل في النهاية الهيمنة عليها جميعا لأنه أولا محفوظ من التغيير والتبديل والتحريف وأيضا لأنه ما ترك شيئا إلا وذكر فيه (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) المائدة (48).
لكنه أيضا لا يمكن أن يكون مستوعبا لمعنى الكتاب كاملا كما ورد في النصوص، فهو كتاب جزء من كتاب أكبر (كتاب مكنون) محفوظا عند الله ( لا يطلع أحدا عليه) كما جاء بتعبير النص التالي (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) الواقعة 77، 78، وأنه حفيظ أي محفوظ عنده (وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) ق (4)، والمكنون هو ذات المحفوظ وهو عند الله وحده وفيه علم الله، أي فيه العلم والغيب كلا كاملا (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل (65)، فيكون القرآن والكتب التي إنزلت هي من العلم وإن حوت أخبارا من الغيب أو عنه لكنها لا تمثل كل الغيب الذي عند الله (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) أل عمران (19).
6. وسمي الكتاب أيضا بالإمام كما ورد في نص سابق لأنه يؤم الإنسان في وجوده ويكون إمامه وأمامه ليسترشد بهّ (إنا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) يس12، وبنفس المنطق جاء النص التالي (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) الإسراء71، أي بكتابهم أو كتاب أعمالهم الشاهد عليهم بما عملوه من خير وشر، كما قال تعالى (وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ) الزمر 69، وقال تعالى ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) الكهف 49، والرأي الراجح عندي إن الإشارة هنا للكتاب بمعنى الرسالة كونه كان حجة على الناس بما أمر الله به، فتكون المحاسبة والمحاججة بين النتيجة التي كسبها الإنسان وبين البلاغ المبين، فضلا عن الكتاب الذي يأت مع الإنسان فيه ما كسب وأكتسب.
الخلاصة التي نصل لها أن الكتاب الذي ورد في صدر السورة ووصفه هو كتاب شامل كامل عامل لا على سبيل المثال، بل جاءت كل السورة بما فيها من أخبار وأذكار لتؤكد قضيتين هما الإحكام والتفصيل في وصف الكتاب (الٓرۚ كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (1)، ولتؤكد أن هذا الكتاب هو ما تنطبق عليه كل مواصفات الكتب الأخرى التي جاءت من قبله، فيه الحق والميزان، وفيه المتشابه وغير المتشابه وفي جزء من الذكر الحكيم وأنه إمام من عند الله مصدره مما هو في اللوح المحفوظ، جاء بصيغة التقدير على محدد سابق وليس تقديرا مسبقا يسلب الإنسان مسئوليته عن عمله وكسبه، وأن في تقرير ما يجب وما لا يجب وتقرير ما هو حق وما هو خلافه، كنهج الكتب السابقة لكنه هيمن عليها بميزة فريدة أنه محفوظ بقدر الله وقدرته، لا يبدل ولا يعدل وإنه ميزان الإنسان في وجوده للمعايرة وبيان الحق، فهو كل كامل يحتاج له ولا يحتاج لشيء غيره (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ) هود (17).



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدعوة الدينية وأساليب الجدل العقلي في سورة يونس
- لماذا الكاظمي رئيسا...
- الأستنباط المنطقي منهج الأنبياء وأولي الأمر في الكشف عن موضو ...
- الراهنية الزمكانية في النص القرآني واثرها في ترتيب الحكم الش ...
- رواية (حساء الوطواط) ح19
- الدين وفلسفة الوجه الأخر.
- حقيقة صلاة الجماعة في الإسلام...لا فرض ولا سنة.
- دور الكذب كعامل النفسي في هلاك القرى
- دروس رمضانية قرآنية في سورة الأعراف.
- رواية (حساء الوطواط) ح18
- دروس قرآنية من وحي رمضان.
- رواية (حساء الوطواط) ح17
- رواية (حساء الوطواط) ح16
- رواية (حساء الوطواط) ح15
- رواية (حساء الوطواط) ح14
- رواية (حساء الوطواط) ح13
- هل تنجح الفلسفة في تنوير العقل الديني التاريخي ج1
- الحب والموت بين وجودنا الأول ووجودنا الراهن
- الترتيل بين الفهم والمفهوم.
- رسالتي المتمردة إلى حضرة الكل


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - مصاديق مصطلح الكتاب.. قراءة في سورة هود