أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عبد المجيد - الله يخرب بيتك يا ريس















المزيد.....

الله يخرب بيتك يا ريس


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 1583 - 2006 / 6 / 16 - 11:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


عنوانُ مقال لا يتناسب مع جدّية الموضوع، لكنه في الحقيقة يُعبر عن أكثر الكلمات استخداماً في الحياة اليومية المصرية.
لا تدري إن كانت ( الله يخرب بيتك يا ريس ) تمنيات أم دعاءً أم بركاناً من الغضب أو صراخا مكتوماً من وجع لو نزل على جبل لتصدع وانشق وتناثر في الهواء.
تقترب من سيدة ترتدي ثيابا بالية وتعبث يداها المعروقتان بمحتويات صندوق قمامة في أحد الشوارع الجانبية بأم الدنيا، وترى عينيها الذابلتين تدمعان على كرامتها وعلى بطون أولادها الخاوية والتي تتضور جوعا، فيمنعك الحياء من الاقتراب أكثر لتسمع دعاءها: الله يخرب بيتك يا ريس.
إنها واحدة من مئات الأمهات اللواتي يبحثن في زمن حسني مبارك عما يسد رمق فلذات أكبادهن، وهن لا يعرفن أن ثروة أحمد عز صديق الرئيس الشاب القادم تبلغ أربعين مليارا من الجنيهات، وأقل منها ثروة علاء مبارك وأفقر منهما جمال مبارك.
تسير على غير هَدْي فتشاهد فتاةً توشي تقاطيعُ وجهها بجمال اعتدى عليه سرطانٌ أطلقته مزروعاتُ يوسف والي طوال عشرين عاما، وتتجه متكئة ذات اليمن وذات الشمال على قريبَيّن لها، فلعل المستوصف القريبَ من منزلها يمنحها أملا في عامين آخرين من حياةٍ بائسة.
تسألها وعيناك تخجلان من الالتقاء بعينيها: ماذا بكِ؟
لسانٌ ثقيل كأنه يحمل جبالا من الحزن يَرَدّ قائلا: الله يخرب بيتك يا ريس.
تنسحب فورا من المواجهة مع عينيها الحزينتين، فهي واحدة من عدة ملايين مصري أصابت أكبادَهم وقلوبَهم ومرارتَهم وكلَّ مسامات أجسامهم أمراضٌ لم يكن من الممكن تجنبها، فهي من الطعام والشراب والمياه الملوثة والهواء الأكثر تلوثا بعدما استنشقت سماءُ الأرض الطيبة كل الغازات السامة من مصانع رجال الرئيس وأصدقاء ابنه .. الرئيس أيضا.

تسمع سُعَالاً كأنه ينذر بالنَفَس الأخير قبل صعود الروح، وتتماسك بشجاعة مفتعلة لتقترب من الميت الحي، فتجده تلميذا لم يبلغ الحُلْمَ بعد، وكان من المفترض أن الحياة كلها تبتسم لمستقبله، وتحتضنه قبل أن تعطيه كل عام ربيعا جديدا.
الوجه الأصفر يُنْبيء بأن ملَكَ الموت على مبعدة أيام أو أسابيع معدودة، فتسأل ذلك الكبيرَ الذي يصحبه عما به، فيجيبك دمعُ خنيق مُحَدّثاً أذنيك عن دفن نفايات الحديد في الأرض الزراعية في تلك البلد التي عاش فلاحوها بجوار أبقارها ومركز محو الأمية والمياه العكرة التي تُكَذّب ما دَرَسْته بأن المياه لا طعم لها ولا لون ولا رائحة.
هذا التلميذ الذي لن تراه مرة أخرى، وسيلفُه قريبا كفن من قماش رخيص، وتحتويه حفرة صغيرة في مقبرة العائلة، هو واحد من ضحايا كلاب الجشع الذين يطاردون أجساد المصريين، فيسرقونها في غرف العمليات، ويسرطنونها في الطعام، ويسممونها فيما يدفنون من نفايات تحت الأرض الزراعية أمام غبطة ورضا وسعادة الرئيس.
تبتعد عن سُعَال هذا المسكين، ثم تلتفت إليه فتسمع حشرجة خارجة من الصدر مباشرة دون أن تمُرّ على اللسان. إنها ... الله يخرب بيتك يا ريس.

تقرر اختصارا للوقت أن تسمعها من جماعات فتطلب من سبعة ملايين عاطل عن العمل،شبابا وكهولا يبتلعون كرامتهم في البحث عن حقوقهم المشروعة، وهي توفير العمل اللائق والمناسب لقيمة الانسان والمواطن، وتسألهم عما يدور في أذهانهم فيجيبونك في صوت جَهُوري واحد: الله يخرب بيتك يا ريس.

تتمكن في لحظة من لحظات المعجزات الكبرى من أن تجمع ثلاثين ألف معتقل، وتضم إليهم نصف مليون من أقاربهم وذويهم وأحبابهم وأبنائهم وبناتهم، وقد حَرَمَهُم الرئيسُ حقاً منحهم إياه ربُ العزة، وتسألهم جميعا مرة واحدة عن أكثر أمنياتهم قرْبا من مركز القلب، فتسمع هديراً كأنه لسان واحد يلهج بالدعاء الأخير: الله يخرب بيتك يا ريس.

تتسلل إلى مركز اعادة تأهيل ضحايا العنف والتعذيب، وتسمع حكايات لا قِبَلَ لأُذُنٍ بتَحَمُلها، ولا لقلب بالصمود أمامها، ولا لقوة بأسٍ بالتماسك لدى الاصغاء لتفاصيلها.
مئات من البشر المحطمين وقعوا ضحايا رغبة سادية مجنونة من ارهابي يمسك برقاب سبعين مليونا، ويأمر كلابا مسعورة تحمل نجوما على أكتافها، ونياشينَ على صدورها، ودماءً على أنيابها، وحديدا في قلوبها، وصخورا في مشاعرها، وبلادة في أحاسيسها، وعفنا في عواطفها.
باسم السيد الرئيس قررنا نحن ارضاء لجنونه أن نذيقكم عذاب الدنيا بكل صنوفه وأنواعه، ونجعل أقسام الشرطة مرتعا للشياطين، ونُشْهِد العالمَ كله أن متعة رئيسنا في اذلال شعبه أكثر عمقا واختراقا لجنون النشوة من الشبق الجنسي وسادية كل طواغيت العالم مجتمعين.
تقضي في مركز اعادة تأهيل ضحايا العنف والتعذيب بضع ساعات فتخرج لاعِنَاً طينة الانسان ، وغاضبا على الخَلق كلهم، وحانقا على الصامتين، وكافرا بكل ما يكتبه ويخطه المثقفون والاعلاميون والمعلمون والمحامون والقضاة والمفكرون والتربويون، ثم يصل طوفانُ غضبك إلى كل الصامتين على وجود هذا الرجل طوال ربع قرن ولا يزالون يتحدثون في أمور أخريات.
تطلب من مدير المركز أن يجمعهم ليودّعوك بعدما قررتَ نقلَ رغبتهم إلى من يهمه الأمر، في السماء أو في الأرض، ثم تسألهم بصوت خفيض خشية أن تُزيد اضطرابَهم ورعشاتهم: ماذا تريدون مني؟
فتأتيك حشرجاتٌ مختلطة بأنين وصعوبات لسانية، لكنك تتبين منها الدعاءَ المصري الذي سمعَته السماواتُ السبع والأرض وكل الكائنات الحية ملايين المرات: الله يخرب بيتك يا ريس.

تقرر اختصارَ الوقت كله، فتجمع المصريين في ساحة واحدة تتسع لسبعين مليونا، ويأتيك من كل فج عميق أناسٌ ضربتهم المذلةُ، ومرضى، وفقراء، وجوعى، وعاطلون عن العمل، وعدة ملايين من عوانس الوطن المسكين، وملايين من عمال لا تكفيهم أجورهم لليوم السابع من كل شهر، ونصف مليون مدمن قتلتْ إرادتَهم عصاباتٌ حيوانية ليست أكثر من خمسة آلاف من تجار المخدرات تعرف السلطة التنفيذية أسماءهم وعناوينهم ورؤوس أموالهم، لكنها تتركهم طلقاء ليساهموا في زيادة خراب وادي النهر الخالد .. واهب الخلد للزمان.
ويأتيك سكانُ المقابر، وملايين من الأُسَر التي يخجل الفقرُ أن تحمل اسمَه، وملايين من الحالمين بمصر المستقبل التي لا تغادرها الكرامة بأمر الرئيس، ويحصل المواطن على حقوقه، ويعرف واجباته، ويستمتع بخيرات وطنه، ويمارس حياةً تسبقها قيمةٌ سامية لبشر كرمها الله تعالى بنفخة من روحه، فنزعها سيد القصر ووضع مكانها رهبة وخوفا ودموعا ومسكنة ومهانة.
وتأتيك كل دابة على الأرض المصرية وفي سمائها، كأنك أعددت سفينة نوح قبل الطوفان، وتقف أمام سبعين مليونا من النفوس البشرية التي تحمل في جذورها أعرق وأقدم حضارات الدنيا وأكثرها ثراء، وتسألهم عن أمنية واحدة ستقوم بايصالها إلى ربِّ العرش العظيم الذي يجيب المضطر إذا دعاه، فتسمع زلزالا يهز أركان الكون ويكاد يصيبك بصمم أبدي.
لا تصدق للوهلة الأولى أنه الطلب الوحيد من المصريين إلى خالق الكون الذي يقول لكل شيء كن فيكون.
تهدأ قليلا وتتبين بوضوح رغبة كل من شرب من ماء النيل.
كانت .. الله يخرب بيتك يا ريس.

تقرر فجأة القيام بزيارة الرئيس حسني مبارك في قصر عابدين، فلا تعثر عليه، ثم تمر على قصر العروبة فيقال لك بأن الرئيس غادر العاصمة إلى مأمن له ولأسرته.
تنطلق إلى شرم الشيخ، فتمر على حراسة تدهشك كثافتها فتظن أنها لحماية الرئيس من عزرائيل وليس من المصريين.
يخطف بصرَك مشهدُ وفد إسرائيلي خارج لتوه من مقر السيد الرئيس، وتسمع أحدَ الأعضاء يضحك ملء وجهه وهو يقول: لقد حصلنا من زعيم مصر على أكثر مما طلبنا.
تدخل مهرولا عليه، وتطلب منه أن يستمع إلى رغبة كل أبناء شعبه، باستثناء بعض اللصوص والأغبياء والحمقى والوصوليين والمستفيدين والبلهاء، فيقول لك : هات ما عندك!
يتحول خوف السبعين مليونا في لسانك إلى شجاعة أنبل الفرسان، وتلقي في وجهه بأمنية المصريين:
الله يخرب بيتك يا ريس!

يستمع إليك الرئيس، ويستلقي على قفاه من الضحك ثم يقول لك:
لو تكاثر المصريون كالأرانب مئات الملايين وغضبوا علي، ولعنوني في يقظتهم ومنامهم، وجعلوا ختام صلاة الجمعة وقُدّاس الأحد بـــــــ ( الله يخرب بيتك يا ريس ) لَما تحركت شعرةٌ مصبوغة فوق رأسي،
لا تدمع عيناي إن كرهني كل المصريين فإنما يبكي على الحبِ النساءُ، ومادامت الصفوةُ والنخبةُ والمثقفون وصُنّاع الفكر في مصر تلتقي مصالحهم مع بقائي فوق رؤوسهم فلن تثور الجماهير.
المصريون يقولون : الله يخرب بيتك يا ريس أما أنا فأخرب بيوتهم في ظل صمت كبارهم.



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار بين حر سجين و ... سجين حر
- رسالة مفتوحة إلى نشطاء ( كفاية ) .. الانتفاضة أو الطوفان
- رسالة إلى محمد الشرقاوي .. أحزانك أشرف من أفراحنا !
- إبليس يتنازل للعراقيين عن المهمات القذرة
- سيدي الرئيس ... أرجو أن تبصق في وجوهنا
- أيها المصريون.. نعم أنا نذل، وسنغتصبكم فردا .. فردا
- الرئيس مبارك: نعم أنا جبان، فماذا أنتم فاعلون؟
- سيدي الرئيس ... أنت جبان
- نفوضكم أيها القضاة بتولي حكم مصر إلى حين
- مقطع من يوميات كلب
- أيها المصريون، هذا الرجل مجنون ... هذا الرجل نيرون
- مباحث أمن الدولة والمخابرات المصرية وانتفاضة 23 يوليو 2006
- دعوة القضاة لدعم الانتفاضة المصرية في 23 يوليو 2006
- الأقباط والانتفاضة المصرية في 23 يوليو 2006
- الرئيس السوري يطلق رصاصة الرحمة على قلب دمشق
- الإخوان المسلمون والانتفاضة المصرية في 23 يوليو 2006 رسالة م ...
- أيمن نور والانتفاضة المصرية في 23 يوليو2006 رسالة مفتوحة إلى ...
- المشهد الإماراتي في عهد محمد ين راشد آل مكتوم
- هيكل والانتفاضة المصرية في 23 يوليو 2006
- الانتفاضة الشعبية المصرية في 23 يوليو 2006


المزيد.....




- بتدوينة عن حال العالم العربي.. رغد صدام حسين: رؤية والدي سبق ...
- وزير الخارجية السعودي: الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في غز ...
- صواريخ صدام ومسيرات إيران: ما الفرق بين هجمات 1991 و2024 ضد ...
- وزير الطاقة الإسرائيلي من دبي: أثبتت أحداث الأسابيع الماضية ...
- -بعضها مخيف للغاية-.. مسؤول أمريكي: أي تطور جديد بين إسرائيل ...
- السفارة الروسية في باريس: لم نتلق دعوة لحضور الاحتفال بذكرى ...
- أردوغان يحمل نتنياهو المسؤولية عن تصعيد التوتر في الشرق الأو ...
- سلطنة عمان.. مشاهد تحبس الأنفاس لإنقاذ عالقين وسط السيول وار ...
- -سي إن إن-: الولايات المتحدة قد تختلف مع إسرائيل إذا قررت ال ...
- مجلة -نيوزويك- تكشف عن مصير المحتمل لـ-عاصمة أوكرانيا الثاني ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عبد المجيد - الله يخرب بيتك يا ريس