أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طه - في الأنا والآخر، سياسة الغالب والمغلوب















المزيد.....

في الأنا والآخر، سياسة الغالب والمغلوب


علي طه
كاتب

(Ali Taha)


الحوار المتمدن-العدد: 6556 - 2020 / 5 / 6 - 02:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يفرض الغالب أخلاقه على المغلوب، رغم المعاداة بينهما، وتصبح العلاقة استقطابية بين الطرفين، فقدر المغالطات التي يفعلها الغالب وشطحات طريقة نظره واساليب عمله، ينجرُّ إليها المغلوب بنفس الكيفية ما عدا كونها ذات مضمون معاكس لا أكثر، ذلك لأن الغالب تغلغل الى روح المغلوب، احتل كيانه بالكامل، فأصبح لا يرى من العالم سوى لونين، الأبيض "هو" والأسود "عدوّه"، هنا العلاقة الاستقطابية ذات الطرفين توزِّع العالم إلى فسطاطين اثنين، ومعسكرين متطرِّفين، يقسِّم كلَّ شيءٍ الى اثنين، حتى الصفر بخلاف علم الرياضيات يكون قابلاً للقسمة على اثنين وفق علم سياسات الهوية.. قد تُفسَّر النكتة بأنها تعاطف مع الطرف الاخر، وقد تعتبر الحريات الأدبية ذات دافع مؤامراتي لغسل دماغ ال "نحن"، وقد وقد .. الخ.

لا يُغلَب المغلوبُ هكذا، الا إذا كان مستعداً لذلك في دخيلته، نتيجة خوائه وغياب فاعليته، فالمغلوب ليس لديه سوى أن يتحلّى بروح الغالب وخلقيته، يمشي خلفه مشية النعاج، في الخير والشرِّ، في الموافقة والمخالفة، خذوا، مثلاً، من يعتبر الغرب نموذجاً للتقدُّم، ومن يعتبر السلف الصالح نموذجاً بديلاً عن الأوّل، كلاهما مغلوبان أمام الاستعمار السياسي الذي تغلغل لروح الثفافة العربية والأنا الحضارية، فأصبحنا ننظر لأنفسنا وفق مقاييسهم ومعاييرهم وبضغطٍ منهم وتمركزاً حول نفس إشكالياتهم..

وخذوا، مثلاً آخر، العلاقة السلطوية بين حزب البعث الحاكم والأحزاب الإسلامية الحاكمة، إنها علاقةً تنافسٍ سلطويٍ، وليس تنافس رؤىً تتغيّأ بناء دولةٍ حقّةٍ، ذهب الأوّل فجاء الثاني، الذي هو الوجه الآخر للأوّل. كلاهما بنفس الوظائف والدوافع والنتائج، ولا اختلاف بينهما سوى الوجهة، الأوّل استبداد فردٍ قومي والثاني استبداد توافقٍ إسلاموي، أما الاخلاق التي يصدِّرونها كإيديولوجيا دولةٍ عبر الوسائل الحكومية، فهي أخلاق نخر المجتمع سلطوياً ومحاولة إفراغه من اجتماعيته وفاعليته السياسية كمجتمع المواطنين المؤثّرين والمشاركين في صنع القرار السياسي وتقييم أدائه.. بمعنى ان مجتمع المواطنين هو مجتمع المتساوين في حقوق المشاركة بصنع القرار وكسر حلقة الاستبداد المستأثرة بالقرار عبر سلطتها على المجتمع، فالمواطن فردٌ حرٌّ لا يخدعه سياسي بشعارات لا تمتُّ لحقوقه الطبيعية والمدنية والإنسانية، فلا يرى ضرورةً لاحتراب المكوِّنات ولا ضرورةً لتعميم الإيديولوجيا فوق قيم المواطنة وحقوقها!

أخلاق المحاصصة هي أخلاق الجماعات المنعزلة عن بعضها تحت تسمية المكونات، وأحيانا المتحاربة ضد بعضها تحت تسمية الطوائف، هي روح تعزِّز الانقسامية وتشتّت القوى، وهو ما يغذّي أحزاب السلطة بأسباب الوجود والإيغال بعيداً في مباغيهم، ذلك لأن وحدة المجتمع تعني انسجامه، وتعني بالتالي وقوفه ضد السلطة التي لا تفكِّر الا بسلطويتها المرتكنة على الانقسام..

ليس السياسة مجرَّد سلطة، هي رؤية تتعدّل بمقدار مضاربتها مع الرؤى المنافسة، حتى تصل مستوى الفاعلية التطبيقية، أي أن السياسة فن الإصغاء قدرما هي فن الممكن، خلق النموذج مثلما هي منطق المصلحة، المصلحة/المنفعة العامّة لا الخاصّة، وهنا مكمن العلّة وروح السياسة، إذ الصراعات الفئوية وسياسات الهوية هي مصالح أضيق من كونها عامّة تشمل الكلَّ المجتمعي داخل نطاق الدولة، بل هي مصلحة خاصّة بفئة، إن لم نقل أنها خاصّة، في المآل الأخير، بنفرٍ من السلطويين المخادعين، يخدعون جمهورهم بالإيديولوجيا، فللجمهور الشعارات، ولهم المكاسب، فأيُّ مكوِّن اجتماعي استفاد حقوقه الأوّلية والثانوية والثالثية من برامج ما وعده بها سلطويوه؟.

يقول منطق المصلحة العامة الذي هو منطق الدولة، بأن أيَّ ضعفٍ في جزءٍ ما من المجتمع يؤثّر على جميع الأجزاء الأخرى، فالدولةُ بنيةٌ متماسكةٌ لو أردناها أن تكون حقّة، وبالتالي، السيادة ينبغي أن تسود الجميع، ولا تكون كذلك دون قناعة الكلِّ بها، وهذه الأخيرة لا تحصل دون تطمينات وتجنّب تغذية المكوِّنات بالانقسام والاحتراب، والدفع باتجاه الوحدة والإجماع الوطني تجاه الدولة ذات الرؤى السياسية لا النهب السلطوي والشعارات المخدِّرة والإيديولوجيا الموتورة..

ذهب حزب البعث وبقي أثره، لأن من يحكم اليوم تربّى عمراً مديداً تحت سلطته، وهذا يؤدي لدوراننا في نفس دائرة المرحلة السابقة، في الواقع أو الأذهان، وعندما مرتهناً لا شعورياً بإيديولوجيا الغالب، فإنك تشهد على كونك لازلت مغلوباً وكونك تحلم بكرسي الغالب لا أكثر، لا مثلما تعلف الرعاع بشعاراتك المهلهلة بالطوبى والرؤى، وتشهد، ثالثا، على أنك خاوٍ فارغ أودى ذلك بك الى الاستنجاد بنموذج الغالب عند التحدّي، تماماً، مثل التحدّي الذي حدا بسياسيي الثورة الإيرانية نحو الأخذ بمعطيات الكثير من المفاهيم والآليات الغربية رغم أن الثورة كانت بمفاهيم إسلامية وغايات دينية صرفة!..
مثلما للغالب مصلحةٌ في تمييز عدوّه باستمرار كي يغذّيه بأسباب الغلبة، كذلك للمغلوب مصلحةٌ في تشخيصه وتطبيل الآذان به، طالما هو مرجعية النظر والإدراك والعمل، وهو مسوِّغ الوجود ونصف الكيان ودافع الانطلاق، هنا يصبح العمل السياسي عملاً استقطابياً بين معسكرين، معسكر ال "نحن" ومعسكر ال "هم"، أو العراق الجديد والنظام السابق.. وتتمفصل هذه الثنائية القاطعة على مجمل قطاعات المجتمع، ولنا أن نتخيّل منذ ١٧ سنة وللآن لم تتخلّص الأحزاب الحاكمة من تاثير حزب البعث، تراهم لا زالوا يعدّونه عدواً مستطيراً يحيك المؤامرات بهم، ويحذرِّون الشعب من مخاطره، عبر وسائل الإعلام الحكومية والحزبية، دون الانتباه إلى أن البعث هو آخر نموذج للمشروع القومي، ولا يمكن له العودة طالما انتهى زمن المشروع أساساً علاوةً على نموذجه الذي أجهز على نفسه بنفسه أساساً.

ذهب العلّامة ابن خلدون قبل قرونٍ في رؤيته الحضارية بما يخصّ علم العمران، إلى أن الغالب يؤثِّر في المغلوب، فيصبح الثاني على صورته، مثلما يصبح ابن آدم على صورة الله (التشبيه مني).. ويبدو أن ذلك هو قدر الحضارات، أثّرت الحضارة العربية في الأوروبية، وبرز نجم الأخيرة عند أفول الأولى، وهذا ربما يستدعي نظرية سمير أمين ومدرسة "التبعية" بكونها ذات جانبٍ تفسيريٍ لا بأس به، إذ ترى هذه المدرسة أن تراجع مجتمعاتٍ يكون بفعل تقدّم أخرى وهيمنتها عليها، فهي لا تسمح لها بذلك، قصداً أو غفلاً، وأضيفُ عليها، أنها -أي المهيمنة- إن أرادت لها التقدّم فبشروطها هي، مرّة عن طريق التبشير الصليبي وثانية عن طريق التنوير الاستعماري وثالثة عن طريق برامج التنمية، لكن كلَّ تلك محكومة بالفشل، ذلك لأنها لا تراعي شروط المجتمعات نفسها خارج أطر المجتمعات الاوروبية والغربية، فالغالب يريدنا على صورته في التقدّم بنحوٍ أدّى إلى أن نصبح على صورته في التخلّف!.



#علي_طه (هاشتاغ)       Ali_Taha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موقعُ العملِ الثقافيِّ من الدَّولةِ والمجتمعِ
- بناء الدولة شأن داخلي... الاحتجاجات والدولة والذهنيات المعيق ...
- علاقة الدولة بالمجتمع.. في نفي مغالطات تاريخية
- الحراك الشعبي ضد السلطة.. دواعيه وآلياته


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طه - في الأنا والآخر، سياسة الغالب والمغلوب