أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزهة أبو غوش - هارب من الكورونا














المزيد.....

هارب من الكورونا


نزهة أبو غوش
روائيّ وكاتبة، وناقدة


الحوار المتمدن-العدد: 6555 - 2020 / 5 / 5 - 11:10
المحور: الادب والفن
    


5/5/20
أصوات الصّافرات كادت أن تثقب أذنيّ، مكبّرات الصّوت لم تتوقّف عن المناداة: أيّها المواطنون، الحذر...الحذر! هناك مريض يحمل فيروس الكورونا يتجوّل في المدينة. أرجو ممّن يشاهده أن يبلّغ عنه في الحال. أيّها المواطنون، عليكم الإلتزام في بيوتكم.
المريض شابّ، أبيض البشرة، شعره أجعد، يحمل حقيبة كحليّة اللون، ويلبس حذاء رياضيّا( أديداس) لون أبيض.
شعرت بأنّ قلبي يتحرّك في حلبة مصارعة، إِما قاتل، أو مقتول، لكن... يا الهي أين أذهب، سيقبضون عليّ ويزجّونني بالحجر الصّحيّ ..لا... لا سيسلّمونني في المشفى لقسم الطوارئ، ومؤكّد سأنتقل بعد أيّام معدودة إِلى رحمته تعالى. باختصار سيلحقني الموت.
رحت أركض دون وعي، قفزت الدّرجات بجنون، قطعت طرقات، وجبت شوارع خالية، وما زالت الأصوات تلاحقني، الأضواء لا تتوقّف، يبدو أنّها متواطئة مع الأصوات هي الأُخرى. ألا يوجد مكان في هذا البلد؛ كي أختبئ فيه؟ الحوانيت مغلقة، المتنزّهات، العمارات. ماذا أفعل؟ أشعر بأنّ دمي قد تجمّد في عروقي، لكن لماذا أنا؟ لماذا أنا بالذّات يصيبني هذا الفيروس اللعين.
الصّوت يتردّد في الأجواء" بشرة بيضاء، حذاء أبيض، حقيبة كحليّة ".
ليس أمامي إلا أن أخلع حذائي وأرميه بعيدا. مشيت حافي القدمين، حقيبتي الّتي تحمل كلّ خصوصيّاتي لا أقدر أن أرميها ..لا.. لا، لكنّ كلّ العالم سيتعرّف عليّ. اللّهمّ ارشدني إِلى الصّواب. سأرميها وأتوكّل على الله. فضّلت أن أرمي الحقيبة على أن أموت مثل الفطيس، لا كفن ولا وداع ولا تلاوة قرآن، ولا معّزّون؛ بل ربّما يحرقون جثّتي خوفا من العدوى، أو يدفنوني تحت سابع أرض؛ بصراحة أُفضّل الثانية، التّراب أحنّ علينا. خلقنا من التّراب وإليه سنعود. نعم سنعود! لكنّي لا أُريد أن أعود. بالذّات في هذا الوقت.
ما زالت الأصوات والأضواء تلاحقني، دست الشّوارع والطرقات دون حذاء ودون حقيبة، لكن ماذا أفعل بشعري الأجعد؟ حتما سيتعرّفون عليّ، شعري أجعد ..يا الله هذا ما أورثني إِيّاه والدي، لو كان شعري مثل شعر أُمّي!
قالوا "بشرة بيضاء" ...نعم لون بشرتي أبيض. ألا من فحمة أصبغ بها وجهي؟ فحمة يا ناس.. فحمة يا بشر. ألا يوجد فحمة بهذا البلد؟ سأختبئ هناك في المدرسة بوابتها مفتوحة، الحمد للله رب العالمين. ركضت إِلى غرفة الصّف. من ؟ المعلّمة نيروز؟ ابتسمت وقالت لي " آه تعال اجلس في مقعدك يا أحمد، واكتب الإملاء"
أمسكت القلم مرتجفا، أخذت المعلّمة تملي عليّ الكلمات:
اكتب هنا: " إِنّ الانسان خلق هلوعا، اذا مسّه الشّر جزوعا"
اكمل: الانسان لوّث البيئة ودمّرها على مدار آلاف الأعوام. – لا تنس الشّدّة-
وهو يحاول أن يعقّمها الآن بمستحضراته الكيميائيّة، ههههه، لكنّه عبثا يحاول! - ضع علامة تعجّب يا أحمد-
اكتب بخطّ واضح: الإنسان مخلوق ضعيف، بل هشّ أمام عظمة الله – تاء مربوطة يا حبيبي-
اكتب عندك: أمريكا ضعيفة، وليست كما تتوهّمون يا سكّان هذا الكون الخنوعين.
أرجوك، سأكتب كلّ شيء، لكن أمريكا؟ لا أريد. قلت لك لا أُريد.
ركبني العناد، بحثت عن المعلّمة، فلم أجدها أين المعلّمة نيروز؟ لقد اختفت تماما. هل غضبت منّي؛ بسبب ضعف شخصيّتي، وعدم قدرتي على المواجهة؟ ولماذا تغضب، ما علاقة الوباء بالسّياسة أصلا؟....الأصداء تملا الفضاء، " كلّها سياسة في سياسة، يا غشيم" أصوات ديوك أُمّ عامر في الحارة البعيدة: كو كو كوروووووونا!
ارتفعت عاليا فوق السّحاب. سبحت في الفضاء وغصت بين تيّارات الهواء، وتسلّقت الجبال الّتي في السّماء، فوجئت بشخص كنت أعرفه في طفولتي، رجل ذو هيبة ووقار...من؟ جدّي عبد الكريم؟ هو هو لم يتغيّر. نفس عباءته المذهّبة العريضة، ونفس لحيته الكثّة، وشنبه الأبيض الّذي يغطي شفته العليا، يبدو أنّ جدّي مشغول جدا، فقاعات الصّابون تتطاير من حوله، الرّغوة ملأت النّهر الّذي يجري في الجنّة. لم أُشاهد أنهار العسل، كلّ ما يجري رغوة بيضاء، لا تنتهي.
هتف من بعيد: " ابتعد عنّي ألف متر، يا ولد، ألم تسمع بمرض الكورونا؟ "
يا إلهي كيف وصلهم الخبر؟
- جدّي أنا حفيدك الصّغير أحمد، ألا تتذكر الحلوى الّتي كنت تهرّبها لي من خلف ظهر أُمّي؟ لقد كبرت يا جدّي، وأصبحت فردا مهمّا في مجتمعي، لكن...
– لكن ماذا؟
- أنا حامل مرض الكورونا.
– هذا اللي قدرتوا عليه يا ولد، تحملوا مرض الكورونا! جيل فاشل يعيش تحت سلطة زعماء فاشلين، كلّ همهم السّيطرة والهيمنة على البشريّة وثرواتها.
رحت أصرخ وأُنادي: " جدّي أرجوك لا تتركني لوحدي، لا تذهب"
ما زالت الأصوات تلاحقني، يد قويّة تمسك بكتفي، وتهزّني بعنف:
- بابا صار لي ساعة بصحّي فيك، ماما بتحكيلك، هات لنا معك اليوم كوم كمّامات، وكوم قفّازات.



#نزهة_أبو_غوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرحية-محاكمة السيدة كورونا
- خلاف غير نمطي-قصة قصيرة
- نهاية غير متوقّعة-قصة قصيرة
- نورس يبحث عن الأحباب-قصة قصيرة
- كنان يتعرف على مدينته والشخصيات المتشابكة
- على ضفاف الأيام وعاطفة الحب
- رواية الخاصرة الرخوة لجميل السلحوت
- قصة-الأرجوحة-والارتباط بالأرض
- تحليل كتاب -من بين الصخور-
- رواية الحائط وتحقيق الذات
- خلق الشّخصيّات الإيجابيّة في رواية -ليت-
- الصراع في رواية شبابيك زينب
- ميلاء سعاد المحتسب وعاطفة التّحدّي
- رواية السّيق والقلق
- وميض في الرّماد ومعاناة المغتربين
- الصراع في رواية هذا الرجل لا أعرفه
- أشواك البراري وسيرة التحدي
- -طلال بن أديبة- والاعتماد على الذات
- برج الذّاكرة، للكاتبة الفلسطينيّة، حليمة دوّاس ضعيّف.
- رواية الرقص الوثني والخروج عن المألوف


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزهة أبو غوش - هارب من الكورونا