أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الكبير الداديسي - -وفاء الحمار-: مقطع من رواية انتقام يناير














المزيد.....

-وفاء الحمار-: مقطع من رواية انتقام يناير


الكبير الداديسي
ناقد وروائي

(Lekbir Eddadissi)


الحوار المتمدن-العدد: 6553 - 2020 / 5 / 3 - 22:02
المحور: الادب والفن
    


، كنت أشعر بأني سأفقدك يوما، لكن ليس بهذه السرعة... بليدة أنا كان خوفي يدفعني لأمنعك من أشياء تحبينها... كم مرة منعتك من ركوب الحمار أنا التي قضيت مدة ليست بالقليلة من طفولتي على ظهر الحمار الأزرق في وقت كان الحمار أساس الوجود: فلا ماء ولا أكل ولا تعمير بل ولا حياة.... دون الحمار: منابع المياه بعيدة، السوق أبعد... كان الحمار معلمي الثاني بعد الأب... وتفوق على كافة المعلمين في إفهامي معنى وقواعد التوازن... فهو من علمني كيفية التحكم في كتلة الجسد وربط الكتـلة بالسرعة، وكيفية الحفاظ على توازن كفتي (الشواري) في كل حمل... لو كان الجزاء والعقاب بحسب العمل لسبق حمارنا الأزرق كثيرا من الناس إلى الجنة، وإذا كان ( العمل عبادة ) لوجب اعتبار الحمار الأزرق راهبا بل كبير العباد والنساك.. تساءلت وأنا على ظهره يوما: هل الحمار يعرف أن لهذا الوجود إلها؟؟ وأن هذا الإله خلق كل هذا الوجود في ستة أيام؟؟ الحمار الأزرق - كما باقي الحمير – لا يبالي بمن حوله وبمن يفكر ويتكلم، لأنه لا يعرف إلا العمل... كان كالبسطاء من الناس مخلصا، صبورا وواثقا من نفسه، كان حكيما يعمل ولا ينتظر مدحا أو إطراء... لم يكن كالمتعلمين والمفكرين الذين تملأ الشكوك عقولهم فيترددون ويندمون، جنس الحمير لا يعرف الندم: أطل الحمار على الجنة وفضل الانسحاب فبقي محيط أفواه الحمير أبيض شاهدا على رفضه دخول الجنة لأنه أبى اقتحام مكان يجهله، ولم يندم يوما على فعله، ولا لامه أحفاده على تراجعه، بينما لم يتردد أحفاد آدم من لوم جدهم على أكله من الشجرة...
لا زلت أتذكر كيف وثق والدي بالحمار ولم يثق بعمي ليرسلنـي معه، يوم رافقته إلى الحقول البعيدة المترامية خلف الجبال، قضى سحابة يومه خلف الحمار الذي لم يتوان لحظة في جر المحراث الخشبي... قبيل الغروب عاد عمي إلى الدوار ولم يطلب مني أبي مرافقته، وانتظر حتى نامت الشمس وجرت على الفضاء غطاءها الأسود، ليضعني على ظهر الحمار وأنا بالكاد أشرف على عامي السادس في مثل سنك عاربة، وقال لي:
- تمسكي بالبردعة جيدا يا فاطمة، الحمار سيوصلك إلى البيت إنه أصيل... الحمير لا تنسى الطريق.
لكز أبي الحمار، ولم يخطر بباله قط أن الحمار سيخلف وعده، ورآه يسير وفق ما يريد ملتزما بالممر الذي رسم بين الحقول حتى ذاب وسط الظلام، وبعد آذان العشاء كان واقفا بالمربط، وأنا نائمة كقربة ماء نصف ممتلئة على ظهره، وفي الصباح أخبرتني أمي كيف أن الحمار ظل واقفا قرب الدكة المجاورة للمربط حتى انتشلتني من على ظهره.... وأكدت لي ما كان يكرره أبي من أن الحمار يعمل دون أن ينتظر مكافأة من أحد، بل ودون أن يرجى ثوابا بعد الحياة الدنيا، والناس لولا العقاب والجزاء المنتظر كفروا.... لذلك كان أبي يجزي الحمار ويفكر فيه باستمرار: يجب إعداد أكله، قبل إطعام الأطفال، والاطمئنان على مبيته قبل سقوط الظلام على البلاد والعباد، في سنوات القحط يفضله علينا فيتجاوز ما يُصرف على الحمار ما يُصرف على العائلة برمتها... تبن وعلف يكلِّفان خمسين درهما في الأسبوع. في وقت كنا نكتفي بالاجتماع حول كؤوس الشاي وقطع الخبز الأسود ليلا، وجبة الغذاء لم تكن تكلف شيئا من المال: كل ما كنا نأكله إنتاج محلي لا يكلف إلا بعض الجهد في مرحلة الغرس والحرث وللحمار النصيب الأوفر فيه..



#الكبير_الداديسي (هاشتاغ)       Lekbir_Eddadissi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متاحف العالم في الرواية العربية بحث غير مسبوق
- التشكيل في الثقافة العربية 2 - تناسل الدلالات بين النقطة وال ...
- التشكيل في الإبداع العربي 1- مسرحية ديبليكاتا
- ليلة الإبداع الفلسطيني بآسفي
- العنف الرقمي والجريمة الإلكترونية في الوسط التعليمي
- نادي القلم المغربي يحتفي بأشوطة المطر
- نور في الظلام شريط سينمائي طويل لخولة بنعمر حول الإعاقة البص ...
- مرفولوجية الخرافة المغربية ( حكاية غلاب نموذجا )
- الملتقى الوطني للحكاية الشعبية
- الأساتذة المبدعون
- افتتاح مهرجان السينما والأدب بآسفي/المغرب
- مهرجان دولي يفتح اسفي على السينما والأدب
- -دموع الرمال- فيلم يكشف ما تعرض له المحتجزون المغاربة في مخي ...
- انتخابات تونس : دروس وعبر
- هل يحق للمغربي التخلي عن جنسيته قانونيا !!
- تحليل نص شعري
- لماذا فشلت وتفشل كل الثورات العربية؟؟
- تكوين وتحسيس الشباب بحقوق النساء
- ضبابية مواجهات الدور الثاني في كان 2019+ فيديو
- احتفاء بكاتبات وكتاب آسفي في ليلة رمضانية حالمة


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الكبير الداديسي - -وفاء الحمار-: مقطع من رواية انتقام يناير