أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - جزيرة الصويرة.. ذاكرة مكان..















المزيد.....

جزيرة الصويرة.. ذاكرة مكان..


عبد السلام انويكًة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 6553 - 2020 / 5 / 3 - 22:00
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


حظيت الرحلات الحجية المغربية باهتمام وعناية لباحثين مؤرخين، من خلال ابرازهم لِما جاء فيها من معطيات تاريخية واجتماعية وثقافية.. وغيرها، بالمقابل لم تتم احاطة وضع الحجاج بما هو شاف من تحليل ودراسة في أعمال هؤلاء لرصد وابراز ما كانوا عليه من مشاق وأخطار طبعت تنقلاتهم، لعل منها ما كانوا يتعرضون له من أوبئة، كثيراً ما كانت تؤرقهم في طريقهم ونزولهم وحجرهم الصحي. والحديث عن مسألة الوباء وحج مغاربة زمان بقدر ما هو انفتاح على تيمة تاريخية ومادة وثائقية جديدة، بقدر ما هو استحضار لجوانب بنيوية في تاريخ المغرب تجمع بين هوامش من المجال وزمن منسي مغيب وغير رسمي..، ومن هنا ما يمكن أن يسهم في توسيع وعاء تاريخ بلادنا الاجتماعي وتحقيق فهم أهم وأعمق لِما حصل في الماضي.
ويسجل أن مغرب القرن التاسع عشر كان بفترات قلة مؤونة وجفاف ومجاعة.. وغيرها، وهو ما كان يسهل معه انشار أوبئة أتت على عدد كبير من الضحايا. في اطار الوقاية منها كان الأجانب على مستوى بعض المدن بدور في تغيير نظامها وتدابيرها المعتمدة بالمغرب، كما كانت لضغوط قنصليات أجنبية أثر في دفع المخزن لتبني اجراءات صحية وقائية. فمع انتشار وباء الكوليرا مثلاً خلال ستينات هذا القرن، تم منع نزول حجاج قادمين من الديار المقدسة بسبب ضغوط الدبلوماسيين الأجانب بطنجة، ليجبروا على قضاء حجر صحي بجزيرة الصويرة طيلة العقود اللاحقة، علماً أن كثيراً من هؤلاء كانوا يهلكون بها من شدة الحرمان وليس الوباء.
وقد شكلت سفن نقل الحجاج بسبب ما كانت عليه من تكدس وتعطش أصحابها للأرباح، بيئة مناسبة لتفشي الوباء في صفوفهم مما دفع مختلف السلطات لإلزامهم بإجراءات صحية صارمة. وكان الحجاج المغاربة لهذا العهد ملزمين بعد أداء فريضتهم بقضاء حجر صحي أول في منطقة "طور" بسيناء، ثم حجر ثان في جزيرة الصويرة بالمغرب بعد عودتهم. وكانت القوانين الصحية الجاري بها العمل آنذاك تنص على التزام سفن حجاج مشكوك في حالتها الصحية، بالتوجه الى جزيرة الصويرة من أجل حجر صحي بها لمدة أسبوعين، ولعلها متاعب أخرى كانت تنضاف لِما كان يتعرض له الحجاج في تنقلاتهم عبر البحر وعلى متن سفن كانت بشروط غير مناسبة.
وبقدر ما كانت جزيرة الصويرة مناسبة طبيعياً لهذا الدور بقدر ما كانت بعيدة عن طنجة، باعتبارها نقطة أساسية لتفريق الحجاج باتجاه مدنهم ومناطقهم. ناهيك عما كان يتعرض له هؤلاء عند إنزالهم من السفن في ظروف بحرية طبيعية صعبة، بحيث لم يكن من السهل وصولهم الى الجزيرة فكثيراً ما كانوا يتعرضون لأدى صخور قال عنه أحد الأجانب : "إن أقسى القلوب لترق لرؤية هؤلاء الأشقياء والدم ينزف من سيقانهم العارية، يتسلقون الصخور كقطيع مضطهد."
بل خلال فترات رديئة مناخياً كان يتعذر الاتصال بهذه الجزيرة، وهو ما كان يعرض حياة من هم بها من حجاج للجوع، علماً أنها لم تكن قادرة على استقبال أكثر من ألف حاج نظراً لعدم استواء سطحها. وغالباً ما لم يكن يتم الالتزام بهذا العدد الذي كان يصل أحياناً الى أربعة آلاف حاج مقيم بها، ومن هنا ما كان بها من وباء وقلة تغذية وقد حصل أن انتشر بها وباء كوليرا في بداية تسعينات القرن التاسع عشر. وممن كان مكلفاً بدراسة تنظيم محاجر خاصة بحجاج عائدين بطنجة، هناك "لوسيان رونو" بتكليف من قِبل وزارة الخارجية الفرنسية، وقد استغل هذه الفترة لجمع معطيات كثيرة حول وضع الحجر الصحي بالمغرب مكنته من تأثيث تقارير ودراسات عدة له في هذا الشأن.
وكانت جزيرة الصويرة قد تحولت الى محجر صحي بموافقة السلطان محمد بن عبد الرحمن بموجب ظهير والأمر كان يخص فقط حجاج موبوئين لا غير، وهو ما ظل العمل سارياً به الى غاية فترة حكم السلطان الحسن الأول. بل تقرر من قِبل المجلس الصحي بطنجة في عهد خلفه اغلاق ميناءها وباقي موانئ البلاد نهائياً، في وجه سفن الحجاج العائدة وعدم الترخيص لها بإنزال ركابها سوى في جزيرة الصويرة. ما استنكره السلطان عبد العزيز من خلال رسالة وجهها لنائبه محمد الطريس بطنجة، الا أن المجلس الصحي تشبت بقراره لدرجة دفعت مولاي عبد العزيز للتهديد بمنع الحج نهائياً لهذا السبب.
وكان قرار سلطان المغرب هذا وراء جملة أخذ ورد بين المخزن والمجلس الصحي، انتهى بقبول منع الحجاج المغاربة من أداء الفريضة وهو ما أورد حوله مولاي عبد العزيز قائلاً:" فإن لم يسلموا ما تضمنه كتابنا الصادر لك صريحاً في تقييد النزول بالجزيرة وتعيين الطبيب بالسنة الوخيمة، فلا سبيل في لانتهاك حرمات الدين بتعمد الاقدام على اسلام المسلمين ليفعل بهم في ديارهم ما لا وجه لإباحته. ويتعين حينئد ارتكاب أحد أمرين إما المنع من الركوب الى الحج أصالة بعد بنائه على أساس شرعي..وإما أن يرجع للوجه الذي وقع الاتفاق عليه أولاً، بأن تكون تكتب لوكيل مصر ليعلمك عند ايابهم.. بحال الحجاج بحيث اذا كان فيهم مرض وخم تعلم به أنت خدامنا أمناء الصويرة ليهيئوا تنظيف المحل، وتعيين الطبيب واحداً أو إثنين والماء والقوت ومن يقابلهم بالجزيرة حتى يخرجوا منها."
ويتبين من الرسالة أن سلطان المغرب كان عازماً على منع الحج خلال هذه الفترة من نهاية القرن التاسع عشر في حالة تمادي مجلس طنجة الصحي في تحديه، غير أن هذا الأخير علم بظهور الطاعون في الهند ودعاه لمنع الحج، وهو ما استجاب له مولاي عبد العزيز بعد موافقة علماء مراكش حيث تم أمر عمال المدن والمراسي بمنع الناس من التوجه للمشرق عام 1897. مع أهمية الاشارة في هذا السياق الى أن أولى محاولات إحداث محاجر صحية بالمغرب، تعود الى نهاية القرن الثامن عشر عندما وقع الاختيار على عدة أبراج قرب تطوان وطنجة وسبتة، قبل الاتفاق على الصويرة أواسط القرن التاسع عشر لاتخاذها مركزاً دائماً لحجر صحي خاص بالحجاج بموجب ظهير شريف.
يذكر أن جزيرة الصويرة تبعد بحوالي كيلومتر واحد عن مرفأ مدينة الرياح التاريخي، مساحتها حوالي ستة وعشرين هكتاراً محاطة بجزر صغيرة تجعل من الموقع بسبع جزر وإرث تاريخي قديم، مع معالم أثرية جعلتها حاضرة عبر فترات تاريخ المغرب فضلاً عما يطبعها ويميزها من خصوصية ايكولوجية. وقد ورد حول غنى الجزيرة التاريخي حديث عن اكتشاف عملة فضية وأخرى برونزية أواسط القرن الماضي تعود للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر قبل الميلاد، مع بقايا مزهريات بكتابة “موغادورية" تعود لثلاثة آلاف سنة تقريباً قبل الميلاد تجعلها من أقدم أرشيف تاريخ المغرب. ويتأكد من خلال ما حصل بها من اكتشافات وبحث أركيولوجي أنها تحتوي بصمات عدة حضارات قديمة.
مع أهمية الاشارة الى أن الجزيرة تضم سجنا قديما يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر زمن السلطان مولاي عبد العزيز كذا مسجداً تعلوه مئذنة تظهر من شاطئ الصويرة، كما ورد أنها كانت محمية بمدافع قد تكون وضعت خلال فترة السلطان سيدي محمد بن عبد الله، أزيلت من قِبل الفرنسيين عام 1844 لمَّا أجبر المغرب على اخضاع حجاجه العائدين من مكة لحجر صحي بها، بحيث لمَّا كان يتم الاعلان عن وجود حالة وباء أو وفاة بينهم كانوا ملزمين للنزول بها لمدة أسبوعين.



#عبد_السلام_انويكًة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوكًليب .. نعت وباء وذاكرة ..
- تاريخ المغرب .. تاريخ قبائل ..
- ابن هيدور وأوبئة مغرب العصر الوسيط
- ليس هناك تاريخ دون تاريخ محلي
- قراءة في مؤلف تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب للمؤرخ محمد ال ...
- تازة.. رقصة - تْشْكَلَّلْ - البدوية
- حول ورش النتائج في العمل الاداري
- تازة.. صفحات من تاريخ مدينة
- تازة: حول المسافة بين التأليف والتنوير وبين عِلَّة نعت الآخر ...
- تازة والفقيه الزرهوني .. أي تاريخ وبحث وتدقيق وأي نظر وتحقيق ...
- تايناست .. في أفق ربيع احتفائي تراثي يليق بعظمة جبل ومنتجع..
- ثريا الجامع الأعظم بتازة..
- المذكرات وتاريخ المغرب الراهن..
- الخزانات العلمية التاريخية بالمغرب .. تازة نموذجاً
- تازة .. الفقيه الشنقيطي في ذاكرة المدينة الوطنية..
- تازة: المقدم النويكًة والتراث العيساوي بالمدينة..
- فيلم الهايم يملأ سماء تازة درساً وفرجة معاً..
- مجلة جسور للتربية والثقافة والبحث العلمي
- بستيون تازة .. تاريخ رمزي شاهد..
- الأغنية المغربية.. من زمن قممٍ ونغم الى زمن ضجيجٍ منظم.


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - جزيرة الصويرة.. ذاكرة مكان..