|
موسم هرولة الإسلاميين لاسترضاء الأمريكيين 2
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 1583 - 2006 / 6 / 16 - 11:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أكيد أن موقف النظام المغربي من هرولة الإسلاميين وتوددهم إلى الأمريكيين يختلف باختلاف الجهة المعنية . ففيما يتعلق بحزب العدالة والتنمية ، لا شك أن النظام لا تساوره مخاوف من التقارب مع الأمريكيين ، على اعتبار أن الفضل في ترويض هذا الحزب وإدماجه في الحياة السياسية العلنية يعود إلى رشد النظام وحكمته . من هنا فالتقارب بين حزب العدالة والتنمية والأمريكيين لا يتم على خلفية إسقاط النظام ، بل الاندراج في مؤسساته ، طبعا مع الاحتياطات اللازمة حتى لا يرتد الحزب أو تهيمن عليه العناصر المتطرفة الحاملة لثقافة الكراهية وفقه التكفير . إذ لا يخفى أن تيار التشدد لازال فاعلا داخل الحزب كما أن عقيدة الولاء والبراء تمثل دعامة الإيديولوجية التي يعتنقها الحزب الذي لا زال منظروه ، سواء على المستوى السياسي أو الفقهي ، لم يرقوا بعد إلى الاقتناع بضرورة إجراء مراجعات فكرية وعقائدية للمبادئ والمرتكزات التي أسسوا عليها توجههم . وبسبب ذلك سيبقى ـ الحزب ـ سجين المواقف المتطرفة المناهضة للفن والسياحة ولحقوق المرأة . وقد يكون النظام المغربي يرى في هذا التقارب بين حزب العدالة والتنمية والأمريكيين استكمالا للترويض الذي بدأه المغرب حتى يتخلى الحزب تدريجيا عن أفكاره المتطرفة ومواقفه المتشددة ، أما ازدواجية المواقف أو ما يمكن تسميته بالنفاق السياسي فستظل مبدأ ثابتا يحكم مواقف الحزب . ذلك أن الحزب الذي ندد بزيارة وزير الدفاع الأمريكي للمغرب ، هو نفسه من يتودد لحكومته . أما بالنسبة لجماعة العدل والإحسان فإن من حق النظام التوجس لأن من أهداف " المحميين" عادة التمرد على الدولة والنظام . فالعدل والإحسان تجاهر بعدائها للنظام وسعيها إلى إسقاطه . من هنا فإن الجماعة ترغب في امتلاك عناصر القوة للضغط على النظام المغربي وإرباكه بهدف تعجيل لحظة انهياره . إذ نجدها تعلن جهارا أن النظام صار كالتينة "اللاوية" وشيكة السقوط ، وأن النظام الملكي لا يصلح للمغرب بل النظام الجمهوري هو الأصلح ، وأن سنة 2006 ستحمل نهاية الحكم الملكي الخ . كل هذا لن يطمئن النظام ، بل يمكن اعتبار الطريقة التي يدار بها ملف محاكمة ندية ياسين مؤشرا صريحا يقوي فرضية التدخل الأمريكي لفائدة هذه الأخيرة . وهذا مستوى من الحماية لن يتوقف عند هذا الحد . الأمر الذي سيشجع هذه الجماعة على الإقدام على خطوات تعطي الانطباع بأنها لا تخضع لسيادة القانون ، أو أن النظام السياسي صار من الضعف والعجز ما يعجل ببدء مرحلة الزحف على السلطة . وهذا ما تدل عليه أنشطة العدليين العلانية كما لو أنهم حزب سياسي مرخص له ، أو استعراضهم للقوة واستعمالهم للعنف في رحاب الجامعات كما لو أنهم القوة الوحيدة التي لا قوة فوقها . وإذا كان الوضع السياسي في المغرب والهامش الديمقراطي المتوفر لا يجعلان لهرولة الإسلاميين بعدا استراتيجيا ، فإن التهاون أو التردد في فرض احترام القانون وبسط سيادته ، سيضعف هيبة الدولة ويخلق حالة من "السيبة" تجعل خرق القانون هو القاعدة . وحينما تريد الدولة تصحيح الأوضاع ستظهر كما لو أنها هي من يخرق القانون ويصادر الحريات . إن المغرب لا يعرف الأزمة السياسية التي تعرفها الدول العربية . فالمشاركة السياسية للإسلاميين متاحة ومضمونة طالما أعلنوا التزامهم بثوابت الأمة . فإذا كان الإخوان المسلمون في مصر يستنصرون بأمريكا لدخول البرلمان ، فإن حزب العدالة والتنمية لا يواجه نفس الوضع ، بل هو يرنو إلى الحكومة وليس فقط إلى البرلمان . لهذا لا مجال للتحرج من محاصرة " السيبة" وقطع الطريق على الذين يسعون لشرعنتها . نخلص إلى القول ، إذن ، أن التقارب بين الأمريكيين وعموم الإسلاميين يدخل ضمن استراتيجية أمريكية تتوخى نسج العلاقات مع الإسلاميين باعتبارهم ، وفقا لاستطلاعات الرأي التي قامت بها المعاهد الأمريكية ، القوة المحركة للشارع العربي والمتوفرة على حظوظ أكثر للوصول إلى الحكم . وضمانا للمصالح الأمريكية ، تسعى الحكومة الأمريكية إلى هذا التقارب . فالأمريكيون لا يريدون تغييرا حقيقيا على مستوى الأنظمة السياسية ، لكن يحرصون على أن يتم التغيير بما يحافظ على مصالحهم . وأي تغيير خرج عن هذا الإطار سيكون موضوع مواجهة وحصار . لهذا فالقوى السياسية التي تستجيب للشروط الأمريكية ولا تتعارض أهدافها مع المصالح الأمريكية ستجد الدعم السياسي المطلوب . من هنا فإن البراجماتية الفجة التي تحكم مواقف الإسلاميين لن تجعلهم على خلاف دائم أو عداء مقيت للأمريكيين . وآية ذلك أن العداء للإسرائيليين الذي أجج به الخميني مشاعر المسلمين لم يكن عداء حقيقيا ، إذ سرعان ما كشفت فضيحة " إيران كيت" طبيعة التعاملات بين نظام الخميني وحكومة إسرائيل . ولازالت تلك التعاملات قائمة إلى اليوم ، ليس فقط مع الإسرائيليين ، بل وأساسا مع أمريكا التي لا يكف حكام إيران عن توصيفها بـ" الشيطان الأكبر" . وكذلك هو حال الإسلاميين في المغرب . فمهما رفعوا من شعارات العداء والقطيعة مع الأمريكيين فإنهم لن يكفوا عن التودد إليهم . لأن حب السلطة يجيز المكر والخداع والتحالف مع كل شياطين الإنس والجن .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موسم هرولة الإسلاميين لاسترضاء الأمريكيين - 1
-
مواجهة الإرهاب مسئولية الجميع
-
بعد ثلاث سنوات أين المغرب من خطر الإرهاب ؟
-
هل يمكن تعميم المنهج السعودي في مواجهة الإرهاب الإسلاموي ؟
-
الشيخ ياسين يجعل من الخرافة فُلك النبي نوح
-
هل يفلح الحوار المتوسطي في تفعيل الحوار المغاربي ؟
-
هؤلاء هم أعداؤك يا وطني
-
رسالة إلى الدكتور شاكر النابلسي
-
القرارات السياسية تتغذى على الأعراف وتوظفها لتهميش المرأة وإ
...
-
الفقه شرعنة للعرف وتشريع للتمييز ضد المرأة
-
عولمة الإرهاب وعولمة الحرب عليه 2
-
لما تصير المرأة ضحية العُرف والفقه والسياسة(1)
-
أصبح ممكنا الحديث عن عولمة الارهاب وعولمة محاربته 1
-
الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب
...
-
شيوخ التطرف هم ملهمو الرسام الدنمركي وشياطينه
-
أمة لا تجتهد إلا في قهر النساء وتبخيسهن 2
-
التحالف مع العدل والإحسان لا يكون إلا على أساس معاداة النظام
...
-
أمة لا تجتهد إلا في قهر النساء وتبخيسهن -1
-
مغالط من يماثل بين غاندي الهند وياسين المغرب
-
الثورات لا تكون دائما بلون الدم ورائحة البارود
المزيد.....
-
سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو
...
-
الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على
...
-
-المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع
...
-
فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش
...
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية
...
-
رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
-
ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
-
استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا
...
-
-إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال
...
-
لولو فاطرة في رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج
...
المزيد.....
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
-
فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب.
/ يوسف هشام محمد
المزيد.....
|