يا عمال العالم وباء الرأسمالية لصيق بكم

عماد العزابي

الحوار المتمدن-العدد: 6550 - 2020 / 4 / 30 - 17:20
المحور: ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي: العمال والكادحين بين وباء -الكورونا- و وباء -الرأسمالية- ودور الحركة العمالية والنقابية
    

في كل سنة يشكل اليوم الأول من شهر ماي عيدا وطنيا على المستوى ألأممي لكافة الطبقة العمالية وهو مناسبة أممية لتضامن وحدة الشغيلة في كفاحها ونضالها ضد الاستغلال الرأسمالي، وهو أيضا يوم للاحتجاج بغية تحقيق الحرية و العيش الكريم، إذ تعود فصول هذا اليوم ألأممي إلى سنة 1886 عندما استشهد العديد من العمال بمدينة شيكاغو الأمريكية وكانت هته التضحية بمثابة شرارة من أجل توفير العيش الكريم للعمال، وأيضا من أجل الإنعتاق من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، أميلين في الوصول إلى مجتمع تسود فيه العدالة و المساواة بين مختلف الأصناف المجتمعية، لكن اليوم بأي شاكلة سيتم تجسيد هذا العيد أو نقل بتعبير أصح ما هي الطريقة التي سيعبر بها عمال العالم عن رفضهم للاستغلال البرجوازي في ظل ما يشهده الكون من قلق وجودي؟ إننا اليوم أمام سياقات مغايرة لما تعودنا أن نراه إذ غير ما مرت عملت دول على قمع مظاهرات العمال في مختلف المدن وذلك عبر تسخير أجهزتها الأمنية لهذا الغرض، أو عبر تسخير البرجوازية لأقلام مأجورة للتهجم على نضالات الطبقة العاملة، التي لا تدخر جهدا عبر سياستها التضامنية في فضح بشاعة الاستغلال الرأسمالي للعامل المأجور، كما جعلت 01 مايو بمثابة يوم عالمي وفاء لبطولات الطبقة العالمة عبر ربوع المعمور، أي هناك تناقض صارخ بين من يملك ومن لا يملك وهو تناقض تاريخي و أزلي إلى أن نصل إلى مجتمع له أسس اشتراكية و لا يتضمن العنصرية بين أفراده" المجتمع المنشود حسب تنبؤات ماركس"، في مقابل هذا تواصل الرأسمالية استعراض عضلاتها في مختلف ربوع الكون رغم وجود جائحة تهدد العالم بأسره إلا أنها تسابق الزمن من جديد من أجل استغلال أكثر ونهب ثروات أكبر من ذي قبل حتى تتجاوز الإرهاصات و الأزمات الاقتصادية التي أحدثها وباء "كوفيد19" سواء عبر عقد تحالفات جديدة قوامها الاستغلال المباشر، أو عبر حث دول على أخد قروض بغية تمرير مخططات جديدة الشكل قديمة الهدف، حتى يتسنى لها تصريف أزمتها على كاهل شعوب أخرى.
في السياق المحلي يعيش العامل من داخل المجتمع المغربي في واقع يوصف بكونه استثنائي نظرا للظرفية التي تمر منها البلاد جعلت معها العامل في مختلف القطاعات عاطلا عن العمل إلا في بعض القطاعات الحيوية التي لا زال الاستغلال للعامل المأجور متواصلا، وخاصة "عمال النظافة"،فرغم الدعم المقدم لهذه الفئة من مساعدات مالية، إلا أنه يبقى غير كافي، ومع هذا الواقع تطل علينا الأمم المتحدة بدراساتها الجديدة التي تمهد في الأساس إلى استغلال أكبر في قادم الأيام عبر خفض ساعات العمل بنسبة 6.7 % على المستوى العالمي.
أمام هذا الوضع يبقى العامل هو المتضرر الأكبر إذ فقط بتحريك أصبع صغيرة تتقاطر علينا عشرات المقالات و أشرطة الفيديو التي توضح حقيقة الوضع الذي أصبح يعيش فيه العامل اليوم جراء فقدانه للعمل، إذ بات اليوم بمثابة قطعة قش تحرك بين النقابات من جهة و بين الحكومة من جهة ثانية ليظل العامل المتضرر الأكبر من هذه الثنائية بحيث أضحى بدون مئونة أو قوت يومي، مع تزايد المتطلبات إذ كما هو معلوم أن النفقات المنزلية في شهر رمضان تتضاعف، لكن بين هذا وذاك يجد العامل نفسه في مأزق حقيقي وفي استغلال مباشر عبر جميع الأصعدة.
لا يختلف اثنان بأن وباء كورونا له تبعات اقتصادية و اجتماعية على مختلف الدول، إذ تشير الإحصائيات أن أكثر من 300 ألف مغربي معرضين لأن يصبحوا في خانة الفقر جراء فقدانهم للعمل الشيء الذي يندر باختناق أشد من ذي قبل في مختلف القطاعات مما سيجعل سوق الشغل تعيش ركودا غير مسبوق، مما ينبئ بارتفاع كبير في معدلات البطالة، هذا الارتفاع سيوازيه استغلال أكبر من لدن أرباب العمل و أصحاب الرأس مال الاقتصادي، بحيث سيصبح العامل كأكياس بطاطس يباع و تشترى بأثمان بخصه كما عليه الحال اليوم في قطاع التعليم الخصوصي على سبيل الذكر، هذا الوباء أيضا سيجعل من بعض النقابات في مأمن لكونها غير قادرة على مواصلة الدينامية التي يتطور بها المجتمع في حركيته ضد بطش الرأسمالية، كما أنها لا تتوفر على مشاريع و استراتيجيات ناجعة لمواجهة الضغط الممارس من لدن أصحاب الشركات الذين لا يدخرون جهدا في كبح أي انتماء نقابي محتمل لكل عامل، مما يجعل من "الباترونا" في وضع جيد من أجل تعميق التفاوتات الاجتماعية عبر اغناء الغني و تفقير الفقير، وحتى من كان في وضعية هشاشة فهو اليوم معرض لأن يصبح ضمن دائرة الفقر نتيجة الأزمات التي أصبحت ملازمة له وللاستقرار الاجتماعي الذي بات يعيش فيه، بحيث سيتم تلميع صورة أصحاب الرأس المال بكونهم يحملون هموم الشغيلة و لهم غيرة على العمال، كل ذلك بهدف تسهيل عملية الاستغلال و إخفاء الحقائق و جعلها مرنة في مجتمع أصبح يتلقى الضربات و الطعنات من كل صوب و حدب.
كان يشكل الفاتح من أيار للعمال بمثابة بريق أمل من أجل تفريغ ما كبحه من استغلال من طرف رب العمل له إلى هذا اليوم ليصرخ بكل قوة وذلك من أجل التعبير عن الواقع الذي يعيش فيه بالإضافة إلى كونه يوم من أجل تجديد العهد مع شغيلة قاومت وما زالت تقاوم جبروت الرأس مال الذي يهدف فقط إلى الربح ولا شيء أخر، وهنا نستحضر صرخة العمال عندما قالوا " نحن نعرف حق المعرفة أن الأغنياء لا يخاطبوننا بأي خطاب إلا ليستغلونا" ومن هنا ندرك تمام الإدراك أن أي مبادرة تجاه العمال فهي تهدف بالأساس إلى استغلالهم فالرأسمالية لا تؤمن بالقيم الإنسانية و بحق الإنسان أن يعيش حياة كريمة، فهمها الوحيد هو الربح و مراكمة الأموال واستنزاف قوة عمل الشغيلة، وفي السياق الذي نحن فيه اليوم يتطلب منا الوقوف وقفة تأمل في مشهد قاتم استمر للعقود، فإذا كان البعض يعتبر أن مرحلة ما بعد الوباء قادرة على تغيير الوضع الراهن، فمن حق العمال أيضا أن يحلموا بهذا الحلم الوردي الذي قدمت من أجله تضحيات عديدة، لهذا ندعو كافة العمال و الفلاحين إلى الانخراط الجاد و المسؤول عبر التفكير في آلية من أجل تمرير خطاب واضح الرؤى ينبعث من العمال أنفسهم ويعتبر ذلك بمثابة صرخة عمال من أجل تغيير الوضع.

#عماد_العزابي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات