أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معاذ جمايعي - دعاء في جنح الليل














المزيد.....

دعاء في جنح الليل


معاذ جمايعي

الحوار المتمدن-العدد: 6550 - 2020 / 4 / 30 - 10:33
المحور: الادب والفن
    


بدأت الأحداث تسير بنسق سريع، عندما علم الناس أن الخروج من المنزل صار مستحيلا، وأن البقاء تحت سقف البيت أكثر ضمانا لسلامة الجميع.
قال الرجل: أخرج إلى المتجر ربع ساعة يوميا وأعود سريعا.
قالت المرأة: أعقّم البيت أولا لسلامتنا، ثمّ أطهو الطعام.
قال الولد: سألعب في غرفتي وأنعم بدفء فراشي دون أن يطلب مني أحد مراجعة دروسي.
هكذا تفاعل أهل مدينتي مع حالة الفيروس وانتشاره السريع. فيروس لم يضرب كل السكان، لكنه جثا على صدورهم وأثر على الجانب النفسي لكل مواطن، وقام بتغيير سلوكياتهم وعاداتهم اليومية. صار إلقاء التحية يتم على بعد أمتار، واقتناء لوازم البيت من غذاء ومواد تنظيف وغيرها يتم باحتراز وأخذ الحيطة والحذر اللازمين. كل ليلة نرقب نشرة الأخبار ونتساءل: هل ارتفع عدد المصابين؟ كم صار عدد الوفيات؟ مر الأسبوع الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الشهر... وحتى بعد الشهر لم يتغير الوضع، بل ضل على حاله.
يملك أهل مدينتي إيمان العجائز، فقد دأبوا على الفطرة، الطيبة والبساطة. فهم أهل الجبل، وليس مثل غيره من الجبال، إذ يحمل معه أسرارا لا يعرفها الكثير، ضلّت خفية، يستحيل فك رموزها بكل سهولة، ولو تطلب الأمر دراسات أنثروبولوجية عدة.
عودت قسوة الطبيعة ومناخها أهلي على قبول التغيرات الاجتماعية المتعاقبة كما هي. بل عوّدتهم قسوة الأنظمة البائدة وكل أشكال الحرمان والإقصاء والتهميش المتعمدة، على الاستسلام وقبول جميع الأوضاع كماهي. فلا فرق عند أهلي بين استبداد تعاضديات الستينيات، ولا حراك السبعينيات النقابي المجهض، ولا احتجاجات الثمانينيات من أجل الخبز، ولا تصفيات التسعينيات اللاإنسانية، ولا حتى مستهل الألفية الثانية الحاملة لشعار:" بالأمن والأمان لن يحي سوى البنفسجي فقط." كلها عقود متعاقبة حفرت الكثير من الألم في ذاكرة وفي جسد أهلي. كم عشتم من قسوة الدهر يا أحبتي؟
كل شيء مرّ بثقل، بغبن، بقسوة، بفقر، بجوع، بتشرد، بعراء، وأهلي صامدون على هيئة شجر الزان المعمر لأربعة قرون. هم حقا يستحقون لقب الشجعان المرابطين، فحبهم للجبل أسس لعلاقة اندماج فيما بينهم، وزادهم إيمانا وحبا للحياة. وعندما تسأل أحد العابرين ماذا ستفعل من أجل كسب لقمة العيش والأمر قد صار صعبا في زماننا؟ يجيبك بكل ثقة وبلغة مستمدة من ثقافة الأجداد:" يدبّرها من لا ينام الليل."
هكذا كان جواب الشرفاء في مدينتي. ولكني في نفس الوقت كثير التساؤل حول الكيفية التي سيرفع بها عنا البلاء. خاصة وأن أهلي ضعفاء، وغير قادرين على تدبير قوتهم وتحدي مفاجآت الحياة وقسوة الطبيعة. رفعت يدي إلى السماء، وتوجهت إلى إله عادل وكلي ثقة ألا يردني صفر اليدين، ثم بدأت أدعوه دعاء القانط الذي يرجو رحمة ربه بكل ثقة:" إلهي، يا من رحمتنا، لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. إن كان هذا ابتلاءك فخففه عنا، وإن كان هذا عقابك فاعفوا عنا، فنحن عبادك الضعفاء. ألمّ بنا الضرّ ولا نملك إلاّ الدعاء، وأهل مدينتي ضعاف الحال، لا يقدرون على تحدّي الوباء، فارحمنا يا رحمان، وأحطنا بعفوك وجودك وكرمك..." رحت أكرر الدعاء إلى أن أحسست بصوت في داخلي يقول: هل تخاف على أهل تشابكت ساقهم مع جذور أشجار الغابة؟ إن امتدادهم في هذه الأرض يصل إلى أبعد مما تتصوره. من أجل ذلك تأتيهم رحمة السماء، رحمة للعصافير، للأشجار، للأودية، للسهول والمرتفعات... كيف لأهل خمير أن يندثروا وعلاقتهم بهذه الأرض تعود إلى ما قبل الكاهنة والزحف الهلالي. كن شجاعا مثل أجدادك، أقدامهم ملتوية مع جذور الأشجار، وأيديهم تعانق قمم الجبال. سيمر الوباء ويطوى في صفحة التاريخ مثل غيره من الأحداث، ولن يبقى سوى اسم خمير شامخا وشاهدا على الوقائع.
جذور أجدادنا وانتماءهم لهذه الربوع أعمق من أن يفزعنا ويهددنا نحن أحفاد " الفلاقة " مجرد وباء عابر. سنتجاوز الأمر بإيماننا... بحبنا لأرضنا... ويبقى اسم خمير شامخا أبد الدّهر...
دمتم ودام عزكم يا أهلي الكرام.



#معاذ_جمايعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يستقيم حالنا؟ فيروس كورونا والحالة التونسية
- هل نحن أصدقاء حقا؟ واقع الصداقة في العالم الافتراضي
- رسالة إلى أمي


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معاذ جمايعي - دعاء في جنح الليل