أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (حساء الوطواط) ح18















المزيد.....

رواية (حساء الوطواط) ح18


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6550 - 2020 / 4 / 30 - 10:32
المحور: الادب والفن
    


ليلة ولا كل الليالي مليئة بالحزن والبكاء قضتها الخالة أميرة لوحدها بين أربع جدران صماء ومن عزاء وما من جواب يشفي غليلها المتقد كوقد جمر لاهب، مرة تشتكي للجدران عن كل الحماقات التي يرتكبها الإنسان... ومرة تنحب مع كل قطعة أثاث في الشقة وهي تعيد في كل مرة ما سمعته عليها لعل هناك رد.... لم يسعفها كل محاولاتها أن تهدأ وتتمالك نفسها، ما ان تهدأ قليلا إلا وتنفجر في نوبة بكاء جديدة جاهدت أن لا تخرجها ساعة ما كانت مع ام محمد وابو حسن، حتى أنها شعرت أن جسدها كله يبكي وليست عيناها فقط، كتلة من الأحزان أنفجرت على مشاهد رأتها وقصص سمعتها وصور علقت في كل أركان الساحة على الأعمدة، على الجدران.... حتى وكأن كل شيء هناك له قصه ومعه قصة تحكي بالدم والألم كل ما جرى هنا، من يتحمل كل هذا الظلم ولا ينفجر أم محمد التي مثلها المئات بل الألاف من الأمهات أو أبو حسن الذي مع كل كلمة كانت تسمع تقطع أنياط قلبه.
أيقظتها أصوات غريبة في الشقة المجاورة ورمقت الساعة المعلقة على الجدران... كانت الساعة مشلولة لا تتحرك عقاربها، نهضت من الكرسي الذي نامت عليه دون أن تشعر وجسمها أشبه بحديد الخردة الذي لا ينفع لشيء، ما من عادتها النوم على المقاعد حتى لو كانت في غاية الإرهاق والتعب فلها طقوسها الخاصة بالنوم، ما كان في ليلة الأمس شيء لا يستحمل بل ولا يطاق أخرجت كل الحزن الكامن في قلبها بل وكل خلية من خلايا جسمها كان حزينا ويتألم ففقدت طاقتها وقد تكون غابت عن الوعي، أستجمعت كل قواها ونهضت لتغسل وجهها وتنظر في المرأة عيونها محمرة ووجها يعلوه شحوب غير طبيعي، تذكرت أنها لم تتناول شيئا من الأكل منذ ضحى الأمس.
الساعة الآن تقارب التاسعة صباحا وهو توقيت لم تعتاد عليه سابقا بالنهوض، أسرعت إلى الطباخ لتعد لها أفطارا سريعا من كاس حليب وصمونة واحدة فيما هي كذلك غيرت ملابسها التي كانت عليها من الأمس، دقائق سريعة وأنتهى كل شيء وتهيأت أصلا للخروج، رن الهاتف لأول مرة منذ الأمس كان صلاح على الجانب الأخر يحدثها بضرورة أن يلتقي بها فورا... الموعد عند الخيمة الأسعافية بعد نصف ساعة وهو الوقت اللازم للوصول لها، فلا من سيارة أو وسيلة للنقل سوى أستخدام الأقدام الرشيقة، تحديدا وعلى الموعد بقليل كانت أم محمد تنتظر أميرة على موعد مسبق.
ألتقى الثلاثة هناك وتعرفت السيدة الثكلى بصلاح لأول مرة وكذلك تعرف صلاح عليها، فيما أستأذنت أميرة بعد ذلك من صديقتها الجديدة لدقائق وستلحق بها، الأمر المستعجل أن صلاح أستشار محاميا وأحد المسؤولين في أحدى الدوائر الرقابية بناء على فكرة السيد المحامي، وتم الأتفاق على خطوات ملموسة على أن يبقى الأمر حاليا مؤجلا لحين توظيب وتنظيم ملفات متفرقة لعدة جهات منها الضريبة والنزاهة والبك المركزي ومسجل الشركات لمتابعة أكثر من وسيلة قانونية قد تطيح بعصابة الثلاثة.
الأخبار الجيدة تلقي بضلالها على نفسية أميرة فأستردت نشاطها الروحي وبدأت العمل بترتيب الأدوية والإسعافات الأولية وباشرت بتعقيم الخيمة مداخلها ومخارجها وتهيأت تماما لكل طارئ، لم يحضر اليوم الدكتور عباس طبيب الخيمة ولكن كان مسعفان طبيان هم أصلا طلبة كلية طب المستنصرية، يدرسان عبر جهاز اللابتوب ويتحاوران في كل شيء وكأنهما في قاعة الدرس، هدوء الساحة لا ينبئ عن هدوء الواقع الفعلي في العراق عموما وبغداد خصوصا، فمال زال المتظاهرون يواصلون تسجيل المواقف عبر شعاراتهم وعبر مواقع التواصل، أما السلطة وأحزابها فهم في حيص بيص لا هم نجحوا في تقديم حكومة تدير البلد ولا هم ناجحون في إدارة أزمة الوباء، الأصعب على الناس هو توقف الأعمال بشكل كلي مع وجود الملايين من العراقيين يواجهون مصير مجهول معيشيا وصحيا والأخبار تفيد بأن النفط عماد الاقتصاد العراقي يترنح بأسعاره ليزيد من نقمة الشعب على الحكومة ومؤسساتها، وتعري هشاشة النظام وإفلاسه أمام التحديات.
عند أنتصاف النهار كانت الخالة أميرة قد أنتقلت لخيمة صائدي الدخانيات للأعداد لوجبة الغداء المعتادة، لاحظت أم محمد أن أميرة بشكلها الخارجي وملامحها لم تكن كما هي بالأمس، إنها متعبة ومرهقة وهناك تورم في جفنيها، لا جواب على سؤال أم محمد عن ذلك ولزمت الصمت بأنتظار أن يجتمع الجميع وتتفرغ للحديث بين سيدتين على انفراد، أيضا من الأمس تفكر أم الشهيد من ذا الذي يدفه أميرة لتواجد هنا وترك كل شيء ورائها، هل تشعر بحزن الفقد والم الفرق أم أن هناك امرا ما تخفيه هذه السيدة عنها، الأسئلة كثيرة وخاصة أنها تلتقي عادة بنساء مثل حالها من تسأل عن ولد أو أخ أو زوج، أو عمن يأت ليستعيد ذكريات احباب رحلوا وتركوا ألامهم هنا أمانة في رقبة اصدقائهم ورفاقهم، وهناك يأت للتشجيع والدعم وأظهار التضامن لأنهم عراقيون يتحسسون الظلم ويستنكرونه كل منه على طريقته الخاصة، وهناك ايضا زوار أغراب ميتون يمشون على جثث الموتى هؤلاء هم جند إبليس.
تفرق الشباب من الخيمة والعم أبو حسن لم يأت اليوم والجو ليس كعادته في كل سنة فما زالت هناك نسائم باردة والشمس خافته حولت الجلسة بين السيدتين إلى جلسة خاصة أباحت أميرة بجزء مهم من أسرار حياتها لأم محمد، بدأ من زواجها من سلام وأنتهاء بأكتشاف حقيقية جبار البدين، ليس هناك أسرار يمكن أن تختفي للأبد خاصة وأنهما تتشاركان بألم الظلم وألم الفقدان غدرا، كلاهما تبكي روحها وهي تستمع لصاحبتها، الحزن مثلما هو نتيجة فراق يجمع أحيانا القلوب المتألمة، يا له من حزن طويل، حزن لم يعفي أحدا من أستضافته جبرا.....
أدركهما المساء وصار عليهما أن يغادرا الخيمة... لا شيء يمكن أن يبقيهما فالهدوء سيد الموقف غير ما تتناقل الناس من أخبار الوباء، الكل يحرص على أن لا يكون الضحية القادمة، لبست كل منهما الكمامة والكفوف محمية وفوق الكمامة جعلت أم محمد من غطاء الرأس حاجزا ثانيا عن أي أحتمال بتسلل الفيروس لها، مرا معا على خيمة الإسعاف وتفقدت أميرة ما يحتاجون زملائها، أحدهم أخبرها أن غدا صباحا ستصل وجبة من المعقمات والمطهرات وربما سيكون د عباس موجود لتنظيم حملة تعفير واسعة، أخبرته أنها ستكون حاضرة مبكرا وسيكون كل شيء جاهز، غادرتا معا على أن تلتقيان غدا في الطريق طلبت أم محمد من أميرة أن تذهب معها لبيتها، ربما تخفيفا عن وحدتها، فهي أيضا تشعر بحاجة إلى شخص تتكلم معه ويشاركها ... وافقت بعد تردد وذهبا بأتجاه ساحة الطيران عسى أن يجدا وسيله للوصول إلى بغداد الجديدة.
قد تكون هذه المرة الأولى التي تشعر فيها أميرة بدف البيت والأسرة فهي من سنين نسيت معنى أن تكون وسط ناس يحبونك للأشيء سوى أنك إنسان مثلهم، فهي منذ أن غادر سلام للمستشفى ثم وصول خبر وفاته لم تجلس هكذا وسط عائلة حقيقية، الشعور بالألفة والمحبة يملئان قلب لم يتعود من الأخرين إلا المصلحة و حب الذات مهما كان المقابل، وبالرغم من بساطة البيت وقدمه إلا أنها شعرت بأنها تسكن قصرا منيفا، ما كسر بمعنوياتها وقلل من سعة الفرحة صور محمد المعلقة في الجدران والسواد المحيط بها، برغم الحزن كانت للصورة هيبة حقيقية توحي أن الموت من أجل الوطن ليس كالموت الأخر وإن كانا كل موت هو خسارة... محمد بصورته يتكلم عن دروس في الوطنية ... هكذا قرأت الصورة بإمعان.
أسدل الليل وحشته على المكان وشاشة التلفاز ما زالت تنقل صور الكوارث وأخبار الوباء الذي يحصد الألاف في كل مكان، أرقام مرعبة تجتاح بخياليتها أمان العالم وتحيل كل الصخب والضجيج الذي تعودت عليه الأرض إلى سكون يشبه الموت في جوانب كثيرة، بالرغم من أن أم محمد لم تنهي دراستها إلا في حدود الصف الثاني متوسط لكنها كانت تحب متابعة الأخبار وتناقش بجدية كل ما يدور، تكتب أيضا في دفترها الخاص بعض الذكريات وتجمع الكثير من الكتابات، لقد كان الراحل زوجها شاعرا لم تمنحه ظروف الحياة فرصة لأن يكون صوتا شعريا، محمد أيضا كان يكتب الشعر ومولع بالقراءة فما زالت مجموعة من كتبه مرصوفة في رفوف صغيرة تعتني بها الأم لأنها كل ما تركه محمد لها، صور وذكريات وجهاز لاب توب وعلم عراقي طرزه بدمه... كان عراقيا يا أميرة عراقيا فوق العادة...
تقريبا مضت السهرة بعد أن تفرق من في البيت في حديث متبادل عن تاريخ كل منهما، تبادلتا الحديث المر بينهما، تبددت كل الحدود الشخصية وكأنهما على معرفة قديمة تربطهما، من عادات النساء وخاصة العراقيات يفتحن أبواب قلوبهن سريعا لمن يتحسسن فيه الألفة، هكذا تتحول الصدفة لموعد قدر يأت بلا مواعيد، قبل أيام قد لا تعرف أحداهما الأخرى وقد لا يمكنهما أن يجتمعا لولا الصدفة التي قادت أميرة لخيمة الإسعاف، هذه الدنيا صغيرة جدا أصغر مما تبدو في الواقع، الجميل أحيانا ما لا نتوقعه والأجمل منه أن تفتح القلوب سريعا أبوابها للزائرين، أميرة التي خرجت من تجربة موت وقرار الأنتقام تحولت سريعا إلى ما يشبه شباب التظاهرات، يريدون وطن ولكن وطن عادل بلا ظلم ولا قتل ولا فوضى.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دروس قرآنية من وحي رمضان.
- رواية (حساء الوطواط) ح17
- رواية (حساء الوطواط) ح16
- رواية (حساء الوطواط) ح15
- رواية (حساء الوطواط) ح14
- رواية (حساء الوطواط) ح13
- هل تنجح الفلسفة في تنوير العقل الديني التاريخي ج1
- الحب والموت بين وجودنا الأول ووجودنا الراهن
- الترتيل بين الفهم والمفهوم.
- رسالتي المتمردة إلى حضرة الكل
- العبد والعبودية في الفهم الديني... القرآن الكريم أنموذجا.
- العنف ضد المرأة في مجتمعات الفضيلة
- رواية (حساء الوطواط) ح12
- تخاريف عراقية في زمن الكورونا
- رواية (حساء الوطواط) ح11
- رواية (حساء الوطواط) ح10
- رواية (حساء الوطواط) ح9
- هل ساهم الإعلام الفوضوي في نشر وباء الكورونا؟
- رواية (حساء الوطواط) ح8
- رواية (حساء الوطواط) ح7


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (حساء الوطواط) ح18