أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جيهان خليفة - الإله يروى سيرته 3















المزيد.....

الإله يروى سيرته 3


جيهان خليفة
كاتبة صحفية

(Gehan Khalifa)


الحوار المتمدن-العدد: 6550 - 2020 / 4 / 29 - 02:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لقد سبق أن رأينا أن الرب لم يكن عارفا قبل إقترف الجريمة الأولى للإنسانية وصراخ الدماء من الأرض برغبته فى عدم إعطاء الإنسان هذه القدرة على تقرير من سيموت كما أنه لم يكن عارفا قبل ملاحظتة تكاثر الإنسان برغبته فى تقييد سيطرة الإنسان على الحياه وعلى الرغم من أن السبب المعلن للطوفان هو فساد الإنسان فإن المقطع القصير الذى يسبق الطوفان مباشرة ويشكل نوعا من الإستهلال للقصة بشير إلى أن التكاثر غير المنضبط يلعب دورا أيضا .
وفى الإصحاح الثانى عشر والإصحاحات التى تليه من التكوين نجد أن الإله سواء بوصفه الرب أوبوصفه الله فى صراع محتدم مع الإنسان بشأن التحكم بالخصوبة البشرية والسيطرة عليها
لقد لاحظ النقد التاريخى منذ فترة طويلة ذلك التشابة بين قصة الطوفان فى الكتاب المقدس والأسطورة البابلية المقابلة لها سواء فى البنية العامة أو فى عدد من التفاصيل البارزة ففى أسطورة الطوفان البابلية كما فى قصة الطوفان هناك ثمة عشرة أجيال بين خلق العالم ودمارة والغضب الإلهى هو الذى يستدعى الطوفان والبطل يطلى مركبه بالقار والإله يتنسم رائحة المحرقات وهكذا وبرغم هذا التطابق إلا أنه يوجد إختلافيين الأول أن أسطورة الكتاب المقدس توفر للإله ذريعة أخلاقية لعقاب الإنسان لذلك فعله ليس مجانى بلا مبرر بل لأن الإنسان يستحقه , أما الثانى هو أن الأسطورة البابلية تطلق مردوخ ضد وحش العماءالمائى تعامة أى أن واحد من الآلهة هو الذى يثير الطوفان فى حين أن إلها آخر يوقفه بعد معركة ملحمية أما فى سفر التكوين فلا وجود لإلهين على الرغم من التعارض بين الرب والله بل هو إله واحد يدعى الرب حينا والله حينا أخر وذلك فى قصتى الكتاب المقدس عن الطوفان اللتين جمعتا فى قصة واحدة .
قصة الطوفان تروى مرتين فى الرواية الألوهيمية واليهوية ورغم ذلك فالروايتين متشابهتين بل ومتطابقتين من حيث البنية فى كليهما يقرر الإله محو الإنسان والحيوان من على وجه الأرض بواسطة طوفان عظيم وفى كليهما ينجو نوح وأسرتة بعد أن يحذره الإله ويأمره بصنع فلكه فى الروايتين تفتح صفحة جديدة بين الإله والإنسان إختلاف الروايتين فى التفاصيل فقط كم حيوان أخذ نوح , المهم هنا فى الروايتين هو الإختلاف الملفت فى مزاج الله أو الرب , فالرب يتصرف إنطلاقا من مشاعره الخاصة وندمه , أما الله فإنطلاقا من أن العالم قد أضحى بحاجة إلى دمار يطهره ، وهكذا نجد فى التكوين أن الرب يشعر بمرارة وأن الدمار ينشأ من هذه المرارة (( أمحو الإنسان الذى خلقت عن وجه الأرض الإنسان مع البهائم والدبات وطير السماء لأنى ندمت على خلقى لهم )) ومع أن هناك إستثناء لنوح الا أن الأرض لا تدمر من أجل نوح أى ليس للقيام ببداية جديدة للخلق يكون فيها نوح بمثابة آدم جديد التدمير هنا غاية وليس وسيلة .
بعد إنحسار المياه وعودة نوح وصحبه إلى اليابسة يقدم نوح محرقات للرب وهذه أول مرة يذكر فيها الحرق فى الكتاب المقدس (( فتنسم الرب رائحة الرضى وقال الرب فى نفسه لا أعيد لعن الأرض بسبب الإنسان لما أن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته لا أعود أهلك كل حى كما صنعت )) .
يقول مايلز : الرب الذى لم يسبق له أبدا أن قال على الإنسان أنه حسن حتى حين قال هذا عن الخلق يقول الآن فى هذه اللحظة (( إن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته )) أى ان الإنسان ولد شرير لاسبيل لإصلاحه فأية نتيجة إذن كانت ستنتج لولا تلك الرائحة التى تنسم فيها الرضى .
يرى مايلز : أن تقدمات نوح كانت مجرد مغريات للرب كى لايعود الى مثل هذا الغضب , أما الله بخلاف ذلك فلا يطلب أيه تقدمات من نوح بل إنه على العكس يعطى نوح إشارة هى قوس قزح كبداية عهد جديد كما أنه يبارك نوح وبنيه ويحثهم بحرارة لا نجدها فى الخلق الأول ((أن انموا واكثروا وتوالدوا فى الأرض ))
الله قد أشار قبل الطوفان إلى أن جور الإنسان هو الذى إقتضى دمار العالم وها هو بعد الطوفان يعبر عن الرأى ذاته بصيغة أمر لا هوادة فيه وبجملة لعلها الأدق والأشد أناقة فى الكتاب المقدس (( إن يكن سافك دم الإنسان إنسانا فدمه يسفك )) لماذا هذا التحذير لعل الجواب يكون فى باقى النص ((لأنه بصورة الله صنع الإنسان )) فالله يرى مخلوقه صورة له بخلاف الرب ولكن من غير الواضح لماذا يقتضى ذلك تحذير للعنف بين البشر ، أينبغى على البشر أن يجل أحدهم الآخر كما يجل الله ,لأن إمتهان صورة الله قد يكون إمتهان لله ذاته ؟
لكن حتى هذه اللحظة فالله أو الرب لم يطلب الإجلال بعد فما بالك بالعبادة , بل إن بعض قراء الكتاب المقدس المبتدئيين تسحرهم هذه الطريقة العادية والشخصية التى يتكلم بها الإله مع الإنسان خاصة حين يتخذ إسم الرب يبدو كأنه لا يطالب بأى إجلال .
هنا يقول مايلز : الجدية تقتضى أن نطرح تساؤل ما إذا كان الإله قد أدرك بعد أنه جدير بالإجلال فإن لم يكن ثمة ما يدل على إدراكه هذا وليس هناك ما يدل فعلا .
هذا التحذير من سفك الدماء يأتى بعد الطوفان أى بعد أن يكون الله قد سفك دماء كثيرة من دم الإنسان فكما كان الأمر الذى أصدره الرب بعد أن خلق العالم بتقييد قدرة الإنسان التناسلية فإن الأمر الصادر بعد الطوفان هو تقييد لقدرة الإنسان التدميرية وهكذا فالتدمير محرم لأن الله مدمر فضلا عن كونه خالقا وإنخراط الإنسان فى التدمير أو الخلق سوف يجعل منه منافسا للرب .
لقد ثبت ان الخالق قادرا على أن يكون مدمرا بصرف النظر عن الإسم الذى يتخذه من إسميه الأساسيين سواء الله أو الرب وكلا من قصتى الطوفان الإسرائيليتين القديمتين فهى نوع من الإنتحال التوحيدى لقصة أصلية متعددة الآلهة هى كما أشرنا قصة الخلق البابلية مشيرا الى وجود نوع من التنقيح والتعديل على هذه القصة .
يرى مايلز : أنه حتى الآن لا يشتمل سواء الله أو الرب ولا إجتماع الله والرب معا على كل ما تنطوى عليه الشخصية الإلهية الجامعة إلا أن كلا منهما شخصية شبه بشرية .
لابد أن نتوقف هنا لحظة فبعد أن رأينا خلقا تبعته خطيئة ثم عنف وكارثة ثم خلق جديد وعهد أبدى ضد الجور والعنف ولكن القصة لا تنتهى عند هذا الحد وإن كانت تصلح كختام للكتاب المقدس كما يرى مايلز إلا أنها لا تنتهى فرغم ظهور قوس قزح لنوح الذى يمثل علامة عهد جديد إلا أن الرب لا يستطيع أن يكف عن كونه موضوع خوف وإعجاب ومع أنه أقسم على ألا يدمر العالم مرة أخرى إلا أنه سيهدد بالحنث بهذا القسم فسوف يبقى بمثابة حضور مهدد على الدوام حتى قبل أن يبدأ التهديد الفعلى فنحن نعلم مدى قدرته ولا نستطيع نسيان ذلك .
الله هو الشخصية الرئيسية فى الكتاب المقدس وما نقصده بكلمة الله هنا ليس ألوهيم على وجه الحصر بل الشخصية الرئيسية فى التتخ بكل التعقيد الذى ظهرت عليه فى نهاية سفر التكوين هى شخصية لا تدخل المشهد الإنسانى بل تخلقه ثم تدخله إنها تخلق الشخصية المقابلة وهذه السمة هى الأولى والأشد وضوحا بين سمات الله , لذلك فإذا كانت أسبقية الله تحتم أن تكون الشخصية البشرية المقابلة معتمدة عليه إعتمادا فريدا فإن من الصحيح أيضا أن الله معتمد بصورة فريدة على هذه الشخصية المقابلة هذا الأمر يعقد محاولتنا فى قراءة الكتاب المقدس بوصفه قصة الله .
كثيرا مما يفعله البشر فى الكتاب المقدس مستقل إستقلالا طبيعيا بأى مما يفعله الله فالأفعال البشرية الواردة فى الكتاب المقدس لا تعمل جميعها على ربط الإنسان بالله كما ينبغى أن ترتبط الشخصية المقابلة بالشخصية الرئيسية أما العكس ليس صحيح فلا يوجد فعلا إلهيا مدون فى الكتاب المقدس إلا ويكون مرتبط بالبشر وبذلك لا نجد فعل إلهى صرف , فالله لا يفعل شيئا إن لم يكن الإنسان موضوع فعله وهذه النتيجة هى بدرجة ما نتيجة حتمية للتوحيد .
إذا كنا قد سمعنا فى المشهدين الأولين من سفر التكوين الخلق والطوفان ما يشبه المناجاه الإلهية إلا أن كلامه سيوجه منذ الآن إلى الإنسان وسيكون فى معظم الحالات توجيها للإنسان .
يرى مايلز أن حبكة الكتاب المقدس كما هى عليه حبكة صعبة مربكة ويرتبط كل من هذا الإرباك وهذه الصعوبة بصعوبة الله وإرباكه بوصفه الشخصية الرئيسية فى هذه الحبكة إن الله هو علامة الإستفهام هو شخصية مستقبلية أو مقبلة فعلى الرغم من أننا أفلحنا فى أن نقول عنه الكثير فى سفر التكوين وإستطعنا أن نكون صورة عنه فهو بلا ماض بلا تاريخ بلا أصل يمكن لنا أن ندخله شيئا فشيئا فى قصته كما يجرى فى الأدب عادة فيفسر لنا سلوكه ويثير لدينا نحن القراء نوعا من التطهير .
وما من شخصية بشرية يمكن أن تكون بلا ماض إلى هذا الحد وتبقى بشرية ومع ذلك من الممكن القول أن كتاب الكتاب المقدس بإعطائهم هذه الشخصية غير البشرية كلمات تتكلم بها بلغة البشر وأفعالا تقوم بها فى التفاعل مع البشر قد خلقوا إمكانية أدبية لها .
وللحديث بقية مع سفر الخروج السفر الثانى للكتاب المقدس الذى سيعود فيه الرب بقوة وعنف وبصورة مفاجئة ليضع حد لغيابه النسبى فى الإصحاحات الأخير من سفر التكوين كما سيدخل الصراع بين الله والإنسان على القدرة التكاثرية طورا جديدا وحاسما .



#جيهان_خليفة (هاشتاغ)       Gehan__Khalifa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإله يروى سيرته 2
- الإله يروى سيرة
- مشهد من الحياة اليومية فى ظل الموت اليومى
- الإله (( النفس )) كما تراه أبكار السقاف فى الدين فى مصر القد ...
- أونو مسار التنمية فى اليابان غير صالح للدول النامية
- من الحب فى زمن الكوليرا إلى الإختباء فى زمن الكورونا
- الفتوحات الاسلامية سيوف من شهب كما رآها المغلوبون
- متلازمة السياسى والدينى فى شرقنا الاوسط المعاصر


المزيد.....




- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جيهان خليفة - الإله يروى سيرته 3