أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راوند دلعو - قلب من زجاج !














المزيد.....

قلب من زجاج !


راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)


الحوار المتمدن-العدد: 6548 - 2020 / 4 / 27 - 15:58
المحور: الادب والفن
    


( قلب من زجاج )

قصة بقلم #راوند_دلعو

أحبَّها من النظرة الأولى ، فبايعها على الدم ، و ألقى كل مشاعره بين يديها دفعة واحدة بمنتهى الوفاء و البراءة ... و كان منها أن أظهرت له علامات القبول و مبادلة العهد بالعهد ...

فتعلَّقَ بها ... عَشِقَهَا ... تَنَفَّسَها ... تتيَّمَ بها ... عَبَدَها ... تمرغ في إشراقتها ... غرق في همساتها ... و استسلم لعينيها ... رافعاً الراية البيضاء ملقياً بين يديها كل أسلحته !

و بمرور الأيام ، سوَّلت لها نفسها خداعه و من ثَمَّ خيانته ، فتركته ذبيحاً مدمَّراً غارقاً بدماء مشاعره النزيفة .... يرفع نحو السماء كفاً أحمراً ، و جرحاً عميقاً غائراً ! يخاطب السماء عبثاً ... يصرخ من عميق جراحه في أركان الكون .... أن عودي إلي يا حبيبتي و لا تتركيني ...

لكن لا مجيب ... !

و هكذا ... و بمنتهى الرضا ... استقبل طعنات غدرها بصدر رحب ، يحتضن سكاكينها بمنتهى اللهفة و الحنان ... و هو في كل ذلك يتفانى في إسعادها حتى اللحظة الأخيرة ... فحبه لها حقيقي نقي لا يموت ... !

ثم جاءت لحظة الفراق ... فحزمت أمتعتها و تهيأت للرحيل إلى حبيبها الجديد ... و عند وداعه لها ، نزلت من عينه دمعه بلورية ...

دمعة بلورية واحدة فقط ... !

واحدة فقط !

و بما أنه يقدس حبيبته إلى درجة الجنون ... خبأ دمعته البلورية في البطين الأيمن من قلبه الزجاجي الرقيق ... هناك بين حنايا ضلوعه ، حيث يعتني بها برفق بين الشغاف ... فهي كل ما تبقى له من ذكرى حبيبته التي أدارت ظهرها و تلاشت في أحضان الغياب .... !

أما دمعته التي ذرّفها فبقيت تنبض بنبض القلب الزجاجي في صدره الصغير !

ها هو يحتفل بدمعته اليتيمة و يخاطبها :

" يا دمعتي ، يا دمعتي ...

أنت الأثر الوحيد الذي تبقَّى لي من آثار حبيبتي ...

لك الحياة و الخلود ...

لك إخلاصي و محبتي ...

يا دمعتي ...

يا دمعتي ...

يا كل ما تبقّى من رائحة حبيبتي ...

يا كل ما تبقّى من عطرها الساكن في لهفتي ! ".

و مرت الشهور ، و لم تزل دمعتة تنبض في زجاج القلب ... يُجددها يومياً مع إشراقة كل صباح و إغفاءة كل مساء ... يحافظ على حيويتها و نضارتها ... يسقيها من ماءات حزنه و دِمَاءات نزفه المتجدد ...

يا لها من دمعة مفعمة بالحياة و الاستمرارية !!

ها هي تسرح كل يوم في قلبه الزجاجي ، فتُلقي بألوانها الشاحبة على تفاصيل وجهه ، تحرمه من الابتسام ، و تجهض جنين أي ضحكة قد ترتسم على شفتيه .... ! تتفنن في غرس الحزن و الشقاء في وجنتيه ... مع كثير من القهر و التوجع و المحزونيّة السوداوية ... !!

لكنه و بالرغم من تشاغُبِها الذي يشع الحزن في خطرات قلبه ، يعتني بها ، و يغني لها ، ثم يغطيها كي تشعر بالدفء و الحنان ... يسقيها بالأسى المتجدد ... يحافظ على ديمومتها ... يُكحِّلُها بالألم ... يزينها بالذكريات الحزينة ! فهي الذكرى الوحيدة المتبقية لحبيبته الغائبة.

و كلما حاول أن يتخلص من توهجات أحزانه الصادرة عن الدمعة ، اكتشف أنه لا بد له من تحطيم قلبه الزجاجي ، و من ثم إخراجها و التخلص منها ...

لكنه لم يجرؤ على التخلي عن دمعته ، فهي الذكرى الوحيدة المتبقية من حبيبته ! ... كما أن تحطيم زجاج قلبه سيؤدي حتماً إلى مقتله ... فلن تتحرر دمعتة البلورية إلا بمقتله ...

فاستسلم الرجل لأحزانه ، و تقبلها على أنها أقداره الأبدية ، إذ لا سبيل لإخراج الدمعة من قلبه الزجاجي إلا بجراحة ستؤدي حتماً إلى موته !!!

و مرّت السنين و السنين ... و لم يسمح لأي إنسانة أن تحل محل حبيبته الخائنة ... إذ لها في قلبه الزجاجي دمعة حية لا تموت ! ... فلا تزال دمعته طازجة في قلبه ... تخفق بخفقانه ... تُغسِّل نفسها بنفسها ... تُطهِّر حزنها بحزنها .... تُجدِّد ذاتها باستمرار !

و هكذا ... بقي صاحبنا وحيداً بلا حبيبة ... يعانق ملوحة دمعته البلورية ، ينام في أحضان أحزانه و انكساراته التي لا تنتهي !

و استمر الوضع على ذلك إلى أن طرق أحدهم باب غرفته و قال له :

" لقد ماتت حبيبتك .... ماتت تلك التي خانتك و أسلمت عنقك بلا مبالاة إلى سكين الحزن ينحرك لسنوات و سنوات ... استيقظ ... لقد ماتت حبيبتك !".

و عندما سمع هذه الكلمات استفاق غليان الحزن في صميم الدمعة البلورية ، تفور متخبطة في جدران قلبه الزجاجي ، ثائرة بشكل هستيري مجنون ... مدرارة حارة ، كأنها نزلت لتوها من موقه ... تخلب حيطان قلبه بأظافر من أسى وهاج !! تريد أن تخرج ... فكمية الأحزان لم تعد تطاق !

#الحق_الحق_أقول_لكم .... لم تعد الدمعة البلورية قادرة على البقاء في قلبه الزجاجي ... إذْ لا بد لها أن تخرج ... لا بد لها أن تتحرر !!

و لكن كيف لها أن تتحرر دون أن ينكسر زجاج القلب ؟ مستحيل !!

و هكذا ... أسرع صاحبنا الوفي إلى قبر حبيبته الخائنة ، فأخرج سكيناً من جيبه و كسر جدار قلبه ، ثم أخرج الدمعة من بين قطع زجاج قلبه المحطم ...

فسقط على قبر حبيبته نازفاً مُكَسَّر الفؤاد حَطِيمهُ ... يلفظ أنفاسه الأخيرة ...

نظر إلى الدمعة التي أخرجها للتو من قلبه ... فإذا بها نضرة حية ساخنة ... تشع حزناً طازجاً لا يَخلَق ... و ألماً متجدداً لا يفنى ... قرَّبها من ثغره بصعوبة و عناء ... قبَّلها ... عانقها ... تمسَّح بها ...تمرغ بها ... ثم حرَّرها ...

فمات بوهج حزنها ... !!

الحق الحق أقول لكم ... لم يكن من سبيل إلى التخلص من هذه الدمعة الصادقة إلا بأن يحطم جدران قلبه الزجاجي ... فينتحران معاً ... هو و دمعة الوعد الصادق تلك ...

و عند الصباح وصل بلاغ إلى مركز الشرطة مفاده :

لقد وُجد المهندس دانيال ( ٦٥ عاماً ) ميتاً على قبر الحاجة ندى التي قتلها زوجها المساعد أكثم ليلة البارحة !!



#راوند_دلعو (هاشتاغ)       Rawand_Dalao#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدمن قلم
- الوردة
- آداب الزيف و التزييف ...
- القصيدة الوثنية
- مفاهيم يجب أن تصحح ! !
- المُنعكس الشرطي الديني _ ظاهرة الاستكلاب الكهنوتي للقطيع
- سطحية معايير تقييم النصوص الأدبية و الفكرية في المدرسة الكلا ...
- عند المساء
- العلم عرّاب معادلة الألم مع الحياة
- مغامرات رجال الكهنوت مع نظرية التطور
- قياس المسجد على الكنيسة
- تساؤلات مشروعة على هامش العم كورونا _ و يم ( كورونا ) لتدويل ...
- الوسطيّة خرافة !
- أسئلة مقمرة
- حروب الأضرحة التي لا تنتهي !!
- أسئلة على مائدة الله و الحقيقة _ معضلة أبيقور و المعضلة الرا ...
- جيل الذهب الذي ندين له على أبد الدهر !
- كوميديا الأغبياء _ محمديات لامنطقية
- قراءة تحليلية مقتضبة لأغنية أم كلثوم الأجمل وفق رأي كاتب الم ...
- إلى النازفين قمحاً


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راوند دلعو - قلب من زجاج !