أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - وديع بتي حنا - بكاء جدَي وبكاء الملايين















المزيد.....

بكاء جدَي وبكاء الملايين


وديع بتي حنا

الحوار المتمدن-العدد: 1582 - 2006 / 6 / 15 - 08:11
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


لا اجد حاجة لاختراع القصص وفبركة الوقائع فقد تركتنا الادارة الامريكية نؤمن حتى النخاع ان حبل الكذب قصير حتى ولو كانت تُمسك به اقوى واعتى ماكنة اعلامية في العالم. كان جدَي ( رحمه الله ورحم موتاك ايها القارئ الكريم ) فلاحا بسيطا, لم اعرفه يُتقن غير الفلاحة والزراعة مهنة, والفلاح في شمال العراق ليس كحال الفلاح في وسطه وجنوبه , هناك في الشمال تعتمد الزراعة بشكل رئيسي على كرم السماء بالغيث , ليس امام الفلاح هناك إلا تهيئة البذار والسماد ليقوم صاحب الالة الزراعية برشها وتبقى مهمة الفلاح طوال شهور زيارتها لالقاء النظرة بين حين واخر ولذلك يمكن ان يقال ان المزارع في الشمال هو ( فلاح مْدَلل ) يعمل اياما معدودة. وهكذا كان جدَي واحدا من هؤلاء مواضبا على الذهاب الى الكنيسة في الصباح والمساء طلبا لرحمة السماء في مطر وفير يروي ارضه. اتذكر جيدا وكان ذلك في بدايات السبعينات عندما دخل الكهرباء والتلفزيون الى قريتنا حيث كان جدَي ينتظر نشرة الاخبار بفارغ الصبر ليس لكي يعرف هل اجتمعت الحكومة ام لا, ولا حتى اخبار فلسطين او فيتنام وانما كانت كل هذه الاخبار بالنسبة اليه ( تَرِكْ ) ومسموح لنا الحديث اثناء قرائتها , ولكن ما أن يصل المذيع الى فقرة الحالة الجوية يكون انذاك لصوت الابرة وقع مسموع ويكون الذي قد اشتهى ( الرزالة ) هو ذلك الذي يسبب التشويش. كان جدَي لايتوانى عن توبيخ المذيع عندما يسرد تفاصيلا عن مقدار وكمية الامطار الساقطة في الاقضية والنواحي حيث كان ينزعج كثيرا عندما كان يعتقد ان المذيع قد ظلم ناحيتنا في عدد السنتيمترات خشية من عدم الاعتراف بنعمة الله ( واما بنعمة ربك فحدِثْ). كان ياتي عيد مباركة السيدة العذراء للسنابل وعيد السعانين فتنتهي الصلاة في الكنيسة ويتناول فطوره بسرعة لينطلق بنا مشيا على الاقدام الى حقوله حاملا اليها اغصان الزيتون لتتبرك بها ويكون محصولها مباركا.

في احد ايام اواخر شهر ايار من عام 1972, كما اتذكر, حيث ينتظر الفلاح الحصول على نتائجه حاله حال الطالب في مدرسته بعد طول انتظار. كانت الحاصدات قد بدأت في الدوران والعمل بينما كانت العربات تنقل الناتج الى البيوت وكان المارة والجيران يتسابقون الى تهنئة اصحاب البيت الذي تقف العربة لتُفرغ بعض او كل حمولتها فيه. في ذلك اليوم من شهر ايار وقبل المساء شاهد وسمع الناس ان حريقا بفعل غير متعمد قد شبَ في احد الحقول في احد اطراف القرية ثم عرفنا انه احد حقول جدي الذي ما ان سمع عنه وكان مع اصدقائه في السوق حتى هبَ مسرعا وكان في بداية الثمانينات من عمره فوصل في زمن قياسي وحاول ان يخمده بكل ما اتيح له حتى عرَض نفسه للخطر وهو يفعل ذلك , فانتشلوه انتشالا واعادوه بالاكراه الى البيت بعد ان كان الحقل قد احترق وانتهى كل شئ. اجتمع الاقارب والجيران والاصدقاء للمواساة وكان الجميع ينظر اليه و هو جالس غير مبال بجروحه ثم انفجر باكيا فكان مشهدا رهيبا غريبا بالنسبة لي , لطفل عمره عشرسنين ان يرى شيخا هرما يبكي امام الجميع لذلك فقد بقيت وستبقى اثاره محفورة في ذاكرتي, وعندما عاتبته احدى النسوة من الحضور اللائي في عمره او تصغره قليلا داعية اياه ان يكف عن البكاء حيث من المخجل ان يبكي رجل كبير , اجابها انها أرضي , اتعرفين ماذا تعني انها أرضي. يقينا ان الفلاح قد وضع اسماء لحقوله وهو لاشك يضيفها في السر اوفي العلن الى قائمة ابنائه الذين قدموا من صلبه.

تذكرت بكاء جدي بعد كتابتي لمقالي الاخير ( ابناء الاحتلال – هل اقتربت ساعة حزم الامتعة ) والذي نشرته العديد من المواقع الالكترونية حيث وصل بريدي العديد من الرسائل الالكترونية في ابداء الرأي حوله وكانت احدى الرسائل من اخ عزيز من العراق , ارى من الواجب عدم التصريح باسمه , تركته هموم الوطن لايرى في مباريات كأس العالم او في مهرجانات الاوسكار تلك اللذة التي يعيشها اقرانه في الكثير من دول العالم ا, حيث يقول وبالنص ( ماشدني للكتابة لك ليس موضوعك رغم انه موضوع يعبر بصدق عن واقع وعن دراية كاملة وانا شاكر لك ولكن تلك الجملة جعلتني ابكي بحرقة - انه لعجيب حقا ان تستطيع الادارة الامريكية تجنيد رجال يمتد تاريخ بلدهم الى ألاف السنين وينحدرون من عوائل فاضلة في الحسب والنسب واصحاب شهادات مرموقة وكان بعضهم شخصيا او كان ابائهم واجدادهم ذو ادوارسياسية معروفة , في الوقت الذي عصر النظام السابق الكويت ذات التاريخ المتواضع عصرا فلم يفلح في الحصول منها إلاعلى ضابط مغمور غير معروف اسمه علاء, ليتسلم منصب رئيس الوزراء!- والله لقد بكيت لان في وطني مثل هؤلاء وانا مشفق عليهم قبل كل شئ , نسوا هؤلاء ان العراق ليس ملك طابو لهم او لصدام حسين , لاادري كيف وجدت امريكا هذا الكم الهائل من المتعاونين معها , هل العيب بنا ام بهم !) .

قبل اكثر من ثلاثين عاما شاهدت جدي يبكي حقلا صغيرا , وطنا مصغرا ( شخصيا) يحترق, ترى كم من الملايين مثل هذا العاشق العراقي تبكي اليوم وطنا بكامله ,عراق الماضي والحاضر والمستقبل وهو يحترق بفعل عبث العابثين وجهل اهل السياسة وطمع الطامعين وخيانة الجيل الجديد من نسل يهوذا وغدر الجيران وذوي القربى وصفقات السماسرة. ربما اصطف البعض تأييدا لتلك المراة البسيطة الطيبة التي دعت جدي الى التوقف عن البكاء ظنا منهم انه كان ببكي خسارة مادية بعينها وهم لايعرفون أن بكاء العاشق لمن يحب هو بكاء نصفه لنصفه الاخر, ومع هذا وإن كان ذلك في بعض جوانبه صحيحا يبقى السؤال مَنْ الذي يلوم هذه الملايين رجالا ونساء كبارا وصغارا وهي تبكي بحرقة وطنا أشعل نيرون عود الثقاب في قلبه وباعه التجار الجدد برخص التراب وسرقه اللصوص في جنح الليل. هل ستخرج احدى النسوة من جديد لتُذكِر كل هذه الملايين انه من المخجل ان تبكي, أم انها ستصطف هي الاخرى لاإراديا مع هذا الطابور. انها ذروة الكبرياء ان نبكي وطنا بالطريقة التي نجعله يزهو. ليست هذه دعوة للوقوف في صفوف طويلة وانتظار إشارة الانطلاق في البكاء واختبار الغدد الدمعية بل هي دعوة لمراجعة الذات ومحاسبة النفس لمن هو بحاجة لذلك حيث في ذلك امتزاج لنزيف القلوب مع دموع العيون, عسى ان يؤدي هذا الى ولادة انسان جديد.
سلام عليك وعلى رافديك عراق القيم



#وديع_بتي_حنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابناء الاحتلال - هل اقتربت ساعة حزم الامتعة؟
- موقع عنكاوة وجهاز التقييس والسيطرة النوعية
- انجازات الجعفري – الطالباني رئيسا والمالكي مشلولا
- عندما يصبح القتل لعبة وبزنس إقرأ على الدنيا السلام
- الاشوريون والكلدان والسريان
- الرئيس الايراني وسياسة اعلان( الاخبار السارة ) بالتقسيط
- الدكتور الجعفري والصفحة الثانية من - الحواسم
- نداء لتشكيل محكمة العدل المسيحية في العراق
- صدام / الجعفري / ليلى فريفالدس وعقدة المفاتيح
- قادة الكتل السياسية وعيد الام
- يا لبؤس ما بَنيْتُم – يا لهَوْل ما حَطَمْتُم
- الحركة الاشورية والبريسترويكا
- مسيحيَون حتى النخاع ونحترم الاخرين حتى النخاع
- بين عطلة السويدي وبرنامج صاية وصرماية
- هل إشترت ايران احدى قنابل كوريا الشمالية ؟
- ليلى المسيحية في العراق مريضة
- ايران – هل أصبحت القنبلة النووية خبز النظام
- الانتخابات العراقية – عرس وإستفتاء وفضيحة
- انشقاق خدام - لحظة تسامي أم طرح فضلات
- حُبلى


المزيد.....




- حاول اختطافه من والدته فجاءه الرد سريعًا من والد الطفل.. كام ...
- تصرف إنساني لرئيس الإمارات مع سيدة تونسية يثير تفاعلا (فيديو ...
- مياه الفلتر المنزلي ومياه الصنبور، أيهما أفضل؟
- عدد من أهالي القطاع يصطفون للحصول على الخبز من مخبز أعيد افت ...
- انتخابات الهند.. قلق العلمانيين والمسلمين من -دولة ثيوقراطية ...
- طبيبة أسنان يمنية زارعة بسمة على شفاه أطفال مهمشين
- صورة جديدة لـ-الأمير النائم- تثير تفاعلا
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 50 مسيرة أوكرانية فوق 8 مقاطعات
- مسؤول أمني عراقي: الهجوم على قاعدة كالسو تم بقصف صاروخي وليس ...
- واشنطن تتوصل إلى اتفاق مع نيامي لسحب قواتها من النيجر


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - وديع بتي حنا - بكاء جدَي وبكاء الملايين