أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب وهيبي - حلم ..














المزيد.....

حلم ..


محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)


الحوار المتمدن-العدد: 6547 - 2020 / 4 / 26 - 18:48
المحور: الادب والفن
    


حُلم
يكون احيانا عاملا في مقهى، وفي أخرى عامل بناء مياوم و مرّات في الأسواق دلّالا مُعاونا عِند تُجّار الملابس المستعملة أو الغلال الموسمية والخضر ، هكذا هي حاله منذ إثني عشرة سنة ، بعد ثلاث سنوات من تخرجه أستاذا للفلسفة ، عندما استوفى كل إجراءات المساعدة الركيكة التي تُقَدّمُها الدولة لخريجي الجامعة ومنها "السي ، في بي " ( عقد الأعداد للحياة المهنية ) .
هو في النصف الأول من عقده الرابع ، أكبر الأبناء لعائلة ذات دخل محدود ، كاغلب عوائل تونس ، والده المرحوم تزوّج ربة منزل بسيطة على حلم بسيط فكان هو و اختين واخ ، فأما الاخ وهو الثالث ترتيبا فقد انتهى كل إتّصال لهم به منذ عشر سنوات إثر إمتطائه لأمواج الأمل نحو الشمال بعد سنوات عِدّة من البؤس والضياع وإحتراف الوان عِدّة من الانحراف ، حتى الدولة كفّت عن إحتسابه ضمن الأحياء على ما يبدو ، وأما امهم فقد اقعدتها الاحزان و أوجاع الدنيا فغادرتها وهي لا تزال حية ، بعدما نسيت أن الإنسان يحلُم ...
كان هزيل البُنية ، متوسط الذكاء ، قليل العلاقات لا شيئ يُميّزُه البتّة غير طيبة قلب أسطورية ، حتى تكاد تحسِبُه درويشا ، الكل يُحِبُّهُ على هذا ، كل من عمل معهم دون إستثناء ، يصرف أكثر القليل الذي يُحصّلُه على أمّه وأخواته ، لم يستقِرّ في عمل ، صدّق أنّه لا زال يحلم و أن شهادته سَتُحَقِّق أمل والده يوما ..
كان يدّخِرُ القليل مما يجمعه لقاء أعماله المتنوعة و يقتطع معها بضع أسابيع من رحلة الشقاء ليسعى في الارض بحثا عن عمل لائق . يحمل أوراقه ويتجوّلُ بين الشركات والمصانع علّه يُصيب بقايا من عُمُرٍ يتسرّب من بين أصابعه مثل حبّات رمل نقية لشاطئ مهجور ، احبّ والده جِدٍّا وصَدّقه وجاراه في طيبته فهو الذي إقتطع من لحمه حتى يجدِلَ له شهادته الجامعية ، التي رقص بها على جبينه يوم أهداه إياها ...
وقف أمام باب شركة مُحترمة مُختصّة في الاحصاء والدراسات المجتمعية ، نفح الحارس عشر دنانير كاملة وإقتسم معه علبة سجائر . كان الحارس ستيني رَبّ اسرة ، مأزوم رغم إستقراره المهني فأكبر بناته الاربع لم تتجاوز الأحد عشر ربيعا ، فقد تزوّج مُضطرٍّا مُتأخّرٍا ، بسبب الفاقة قاتلة الأحلام المُبكِّرة .
شكر والده في سِرّهِ على حكمته في قبض احلامه على بساطتها باكرا .
بعد أن تبادلا أطراف الحديث ودَسّ الورقة النقدية ،عربون المودة ، في جيبه، قال له :
- تهدأ الحركة قليلا سأدخلك على أحد المدراء الشّبَّان هو من سِنّكَ وخدوم عموما قد يُنجِدُكَ في أي عمل ، هم يوظّفون الآن .
- يكثر خيرك بابا .
- الله يجيب الخير لأهل الخير .
كانت تلك عِبْرَةُ والده المُحبَّبة التي سَطّرت حياته الى جانب جملته المعتادة : "الزوّالي ياكلها مسارقة" ، وقد طبّقهما بحذافيرهما طيلة حياته الجامعية وما بعدها بوصفها احدى الطقوس العائلية التي تُقارب قُدُسيتها وصيته الاخيرة في أن يرعى امه واخوته قبل لقمته الخاصة ، لم يعقد أي صداقات تُذكر في الجامعة لم ينخرط في أي مجموعة نقابية أو سياسية أو حتى نادي أو مجموعات مجون ولهو ، مرّ بالجامعة وكأنه نسمة صيف عابرة دون ذكريات، ولا قِصّةُ حُبٍّ واحدة سوى تلك التي عاشها في خياله مع زميلة إكتشف صدفة بعد عشر سنوات أنها صارت نجمة سينمائية معروفة ، حتى أنه مع طول مُدَّة تجواله بين الأسواق و حضائر البناء نسي عنوان شهادته وما درس ..
ادخله الحارس قصد المكتب في آخر رواق الطابق الثاني مثلما وجّهه عون الاستقبال في الطابق الأرضي ، طرق الباب وانتظر .
- تفضّل ادخل
دخل شبه فاقد للامل كعادته فهي المرة الألف التي يُعيد فيها نفس الدور في نفس المشهد ، يؤديه فرحا كأنه واجب حتى لا تموت أحلامه دفعة واحدة
- مرحبا تفضّل خويا
- يزيد فضلك ، انا خريج جامعة وسمعت اللي انتم طالبين موظفين جيت انقدم في الملف .
رفع المدير راسه ، قليلا فالصوت ليس غريبا جدا " المفروض ترسل الطلب بالبريد الالكتروني و..." فجأة تغيّرَ صوته واكتسته البهجة
- مش انت فلان !!
باستغراب وصدمة
- نعم انا هو .
كانا زميلي دراسة وربما صديقه الوحيد أيام الجامعة ، رغم تخلّفه في الدراسة يرتقي من قسم إلى آخر على سنتين في الحد الأدنى ، جريئ العلاقات ومنفلتا ، الا انه ها هنا اليوم ، تحادثا عن كل شيئ ، تألّما لحاله ، ووعده أنه من الغد سيباشر معهم مُوَظّفٌ مُتَدَرِّبٌ لِسِتّة أشهر فقط تُختم بالانتداب النهائي مع الترسيم بدرجة شهادته في قسم دراسة سلوك المستهلك براتب شهري محترم جدا ، فقد كان قد أخبره أن صاحب الشركة عمه وحماه
ودّعه بحرارة وخرج يقفز زجلا مثل عصفور دوري يفرد جناحيه لأول مرة مُحَلّقا خارج عُشّه ، صدقت اخيرا يا أبي ، رحمك الله ، و عقد العزم بينه وبين نفسه أن اول أجرة كاملة ستكون صافية للكرسي المدولب من أجل امه ، أما الثانية والثالثة فسيكمل بهما جهاز الأخت التي طالت خطبتها ويُسهِّل عليها ومعها أمر زواجها ، عساه يُكفّرُ عن ذنبه في تسهيل هِجرة اخوه السرية التي قتلت والده كمدا ...
تذكّر أثناء كل هذا الحارس المسكين ، بوّابة الخير ، كان يجب أن يعطيه عشرين دينارا أخرى عند خروجه ، سيعطيه غدا ضعفها ، إنشغل بقصة الحارس وهو يعبر الطريق ، انتزعه من افكاره فجاة صدى صوت فرامل سيارة مسرعة تخلّله ازيز مزعج لانزلاق عجلاتها على الاسفلت ، رفع راسه فلم يتبين السيارة أو ربما فعل ، صوت صدمة مكتومة و صرخة الم صامتة كما كانت دوما وإلى الأبد تبعثرت معها بقية أحلام شاب اربعيني لم تكن يوما له .



#محمد_نجيب_وهيبي (هاشتاغ)       Ouhibi_Med_Najib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اضن ان الله يعلم
- سكارى
- نحو إعادة تركيب العلاقات الاجتماعية
- المجتمع المدني التونسي : خصائصه وآفاق تطوره ( محاولة للتفكير ...
- ماكرون -الطائي- سيذبح أفريقيا مرة أخرى إحتفاءا بضيفه الكورون ...
- متى نضع حدا لجشع الانسان -الراسمالي- حتى نُنقِذ الإنسانية جم ...
- الانسان في دولة الكورونا و-القتل الرحيم-
- الكورونا ، الحرية ، الفلسفة ووهم الصين الشيوعية
- الكورونا مقابل الحرية ، او تصدير الخوف -المعلّب- مقابل انسان ...
- استسقاء !! او استخارة !!
- خطاب تولي الرئاسة : رئيسنا السعيد يرفرف دون أجنحة!!!
- رجة الانتخابات الرئاسية التونسية ، الصندوق يضرب كل التنظيمات ...
- قيس سعيد مرة أخرى : جملوكية أو داعشية !!!!
- رئاسية تونس 2019 ، ماهي الشخصية المفترضة في رئيس الجمهورية ا ...
- -الكي- أو طائر الفينيق !! في النقد والنقد الذاتي حتى يرتقي ا ...
- اليونان : يسار ... يمين ، دوريتهما الانتخابية من دورية أزمة ...
- مأساة سيدي بوزيد !! برنامج وطني للإصلاح الزراعي وحده الكفيل ...
- بلد المليون ونصف شهيد على كف عفريت
- ليبيا : سواءا تمكن حفتر من طرابلس او اندحر ! يبدو ا انه تم ا ...
- الشعوب السودانية تدخل تاريخ الثورات الحديث


المزيد.....




- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب وهيبي - حلم ..