أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (حساء الوطواط) ح16















المزيد.....

رواية (حساء الوطواط) ح16


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6547 - 2020 / 4 / 26 - 11:27
المحور: الادب والفن
    


لأول مرة تدخل أميرة ساحة التحرير برفقة صلاح بعد أن وضعت حقيبتها ونظفت الشقة الصغيرة التي هيأها صديقها، لم تكن شقة بمعنى الكلمة فهي غرفة واحدة بمساحة أربعة متر في ثلاثة أمتار، وبجنبها قرب الباب حمام صغير وقبل الممر هناك مكان لثلاجة وطباخ صغير، المكان نظيف ولكنه يحتاج إلى ترتيب، فهو مبعثر ككل سكن العزاب من الرجال، أعادت ما يمكن ترتيبه على عجل ونزل صلاح ليجلب ضروريات للمعيشة سكر وشاي وأجبان وخبز وما تحتاجه للطبخ، كان الدخول إلى الساحة قد سبقه أتصال هاتفي مع أحد أصدقائه في أحدى خيمات الإسعاف، طبيب يجري تدريبا سريعا لبعض المتطوعين حول التعفير والتعقيم وحماية المتظاهرين من الوباء، سعادة لا توصف حينما وضعت قدمها في هذه الخيمة... إنها الخطوة التالية للعودة للحياة مجددا.
جلست والمجموعة التي كانت تتدرب والطبيب عباس الذي يشرف على هذه الخيمة منذ أشهر بعد الأنتهاء من التدريب، وفي حديث متواصل عن صور الموت والحياة التي شهدتها الساحة والخيمة، هناك صور معلقة داخل الخيمة لشهداء مسعفين كانوا جزأ من كادرها رحلوا وبقيت ذكرياتهم تعطر المكان ودمائهم تضخ العزم في قلوب الشباب هنا في هذه الساحة وفي كل الساحات، شاركت أميرة أول مرة في حديث السياسة ولغة التحدي وطلبت من المشرف الدكتور عباس أن تبقى في الخيمة كمساعدة، فهي تجيد الطبخ والتنظيف والترتيب وليس لديها ما يشغلها، كما طلبت أن تتعلم مثل البقية كل ما يستلزم لحالات الطوارئ، رحب الدكتور عباس بنظره لا تخلو من أمتنان لصديقه صلاح الذي بادله نظرة الثقة والأمتنان.
إحساس غريب ينتاب صلاح من هذا اتحول اللا مسبوق في حياة صديقته وأرملة صديقه السابق، هل يعني أن الإنسان حين يفتح عينيه على الظلم ويشاهد صورة الظالم في عينه ووجها لوجه قادرة تلك اللحظة أن تشعل نار الثورة في عقل الإنسان؟ قد تكون أميرة متمردة على واقعها في وعيها العميق، لكن ما يقمع هذا التمرد الخوف من مواجهة الموت أو ربما الخشية من الاصطدام به، الحقيقة أن ما فعلته وإن كان متأخرا ولكنه جاء أيضا في وقت أنا بحاجة للتغيير وبحاجة للثورة فلست سعيدا بالواقع وإن كان يظن البعض أني كذلك، كل ما أشعر به هو رحلة تيه روتيني نجمع الأموال ثم نخسرها في لحظة لنعاود من جديد في هذه الدوامة، هذه ليست حياة أخترتها أنا ولكنها صادفتني رغما عني... كان من الممكن أن أكون كما خططت في شبابي معلما وربما مربيا لعقول الصغار، ضعت وضاعت أحلامي في متاهات السلطة والسياسة وبين أيدي أولاد الحفاة... دولة يقودها هؤلاء لا يمكن أن تنتج إلا مزيدا من الحفاة ولكن عرايا أيضا.
أستأذن الصديقان من الموجودين في الخيمة على أن تكون السيدة أميرة في صباح الغد في الخيمة، أرتدت كمامتها وسجلت بعض الملاحظات التي قد تساعدها في ترتيب حياتها الجديدة، صلاح صديقي كم تظن سيبقى صديقك في السفر؟ وهل من الممكن أن يأت بلا موعد؟ أطمئني ليس في المدى المنظور فلا سفر الآن ولا يمكن أن يأت مشيا على الأقدام، أن لا تعرفين صديقي ولا أريد الأستعجال بأخبارك بشيء غير متأكد منه الآن ولكن كل ما أقوله لك أن علي أكثر حرصا مني عليك... خذي هذا المبلغ الذي أحمله لتتصرفي به على أن أكمل كل ما تحتاجين له لاحقا... ما زال هناك من يبيع بعض الفواكه والخضروات، لم نتناول اليوم إلا وجبة خفيفة عليك أن تعتني بصحتك ولا تنسي ورائنا الكثير من العمل والتخطيط لمرحلة ما بعد ميمي، ... ضحكت من أعماقها وقالت ... كانت مسكينة وطيبة أكثر مما ينبغي... أشعر أحيانا أني أتعاطف معها لسذاجتها.
غادر صلاح عند منتصف الطريق بين السكن الجديد وساحة التحرير فالوقت أوشك على المغيب وهناك طريق طويل وقد تكون فيه الإجراءات الأمنية أصعب وأشد مما هي في الصباح، تذكرت أميرة أنها تركت هاتفها منذ أن خرجت على الوضع الصامت ولا بد أن أحدا ما أتصل، أخرجته من حقيبتها اليدوية، يا للهول ما هذه الرسائل والاتصالات بهذا الكم، إنها من رفاق ميمي السابقين، البدين المضحك والحاج الذي لم يحج، سأقرأها عندما أصل والأهم أن أكمل ترتيب سكني فغدا قد لا أجد وقتا كافيا لذلك، شراء المنظفات والمطهرات أهم عندي من تلك الرسائل السخيفة.
الآن وبعد أن أكملت ترتيب غرفتها وتنظيم الشقة وأعادة الحياة لها تشعر بأنها أمتلكت كل أسباب السعادة، فاليوم حصدت جوائز كثيرة أولها حريتها وثانيا أنها أكتشف ذلك العالم الذي طالما تمنت أن تنتمي له... عالم ساحة التحرير، والأهم أنها ستكون هناك دوما، وأخيرا ستنام دون أن تخشى عربدة أو تهور ذلك الثور المتخنزر أو نزوة ذلك الطفيلي القاتل، ومع كل هذا بيدها أسرارا لو فتحت فمها قد تطيح بالكثير ممن كانوا حولها عندما كانت ضحية غباءها وخوفها،... أن يكون بجنبك وورائك وأمامك شخص صادق وكريم مثل صلاح بإمكانك أن تقاوم حتى أعتى الأعاصير، ما يحيرني في هذا الرجل ما هذا الطبع الذي يحمله فهو على الأهبة دوما لأبداء المساعدة لكل شخص؟، هل يحمل جينات فطرية في تكوينه أن أنه نشأ على هذا المبدأ؟، يا حسرتي عليه فهو بحاجة دوما للمساعدة بالرغم من أنه تجاوز منتصف العقد الثالث من عمره، لكنه ما زال أعزبا يبحث عن فرصة قد لا تكون أو ربما ستعترض طريقه في لحظة ما.... من يدري.
في الطريق لم يفكر صلاح بما قد يلاقيه من مطبات أمنية أو سيطرات لم يتوقعها من الشرطة أو الأجهزة الأمنية بقدر ما كان يفكر في كيفية القصاص من شلة السراق والقتلة، من أخلاقه أنه لا ينتقم من أحد لأسباب خاصة، فهو يؤمن بالتسامح مع الكل ومتصالح مع نفسه والأخرين، لكن ما سمعه من أميرة وما عرفه من أخلاقيات الكنغ جورج أو جبار البدين، وما أطلع عليه من وثائق وصور وذكريات المرحوم سلام تحاصر تفكيره، ليس أنتقاما يا رجل هذا أمر أخلاقي أولا أن نقف بوجه الباطل والظلم... ليس من حق أحد ولا من مسئولية أحد أن ينصب نفسه قاضيا وجلادا في الوقت نفسه، لا يمكن مواجهة الباطل بالباطل والموت بالموت والسرقة بالسرقة، لا بد أن نحترم القانون حتى لو كان مجحفا أحيانا... ما أدري كيف تسير الأمور؟ ولكن لن أكون أنا البديل عن ظلم هؤلاء بظلم جديد.
كل الرسائل التي على بريد أميرة من الكنغ ومن الحجي لكنها تدور مرة بين التوسل والتهديد، أكثر رسائل التهديد مبطنة بادعاء الخوف عليها في وسط هذا العالم وهي لا تعرف كيف ستتدبر أمرها، وحدها رسائل الحجي تهديدها صريح.. ربما لأنه شعر بالهزيمة ولحقه عار شخصي عندما علم أنها لم تكن مريضة أو مصابة بالوباء، المغرور بقوة لا يفهم أنه قد يجد من هو أقوى منه بل وأذكى منه ليهزمه، كل عباراته أنهتها بكلمة واحدة أرسلتها له جوابا عن كل الرسائل (الرجل الذي يبيع رغبته سريعا لا يمكن أن يكون مشتريا حقيقيا... كفى بطولات زائفة... أنت لست جديرا بالثقة أو الأمان)... كانت تتمنى أن ترى ردة فعله على هذه الرسالة... كما أنها لم ترد أبدا على رسائل جبار المتين لأنه لا يستحق حتى حرفا واحدا.
كل ما جرى في كف وما سيكون غدا في كف أخر.. كانت ميمي تتمنى أن تعد لهما حساءا فاخرا من لحم الوطواط... كانت تتمنى أن تتحول إلى قاتلة مع سبق الإصرار... لكن قاتلة بريئة... قاتلة دفاعا عن ما ضاع من سنين عمرها فهي لم تعرف حياة الناس العادية دوما بين أربعة حيطان من الحجر وأربع حيطان من الخوف والخيبة، لم تعرف الخير الطبيعي كما لم تعرف إنسانية الإنسان بصورتها التي تتمنى أن تعيشها... ماتت المسكينة دون أن يتحقق حلمها أن ترى هؤلاء كشعب ووهان الصيني وهم يترنحون من لذة الحساء وسخط الوطواط على أكليه... لكنها متأكدة سيكون لهم شكلا أخر من الحساء الأخير على يد من هو جدير بطبخها بأعلى درجات الأتقان.
أستلقت على فراشها وما تزال تحاول أن تنسى ذلك التاريخ المضني، شبح الأموات يلاحقها ليقول لها ليس الآن وقت النوم، طارق الخوف يغل يدها من أن تفعل ما تريد، حائرة بين الأشباح المشاكسة والأحلام المستكينة بأنتظار يوم جديد... ربما غدا أو بعد غد... ترددت في مسامع وعيها البطان صرخات الشباب في ساحة التحرير وتلك المشاهد المؤلمة لمن لقوا حتفهم فيها أو غيبوا عمدا عنها، أه يا رب.... كم أنت حليم لا تركب مثل البشر مركبك الجبار إلا على مهل... هل تعرف يا ربي أن شبابا مثل هؤلاء يموتون لأجل أن تعيش ذئاب بشرية بكل حرية... أعرف أني أتجاوز حدودي معك ولكن أعرف أنك تحب من يناجيك بوحدته بكل صراحة... أعرف أنك تريد أن تصلح هذا الكون العصي عن الإصلاح، لأنك خلقت مع آدم ذلك المسخ الذي خلف عقبا أكثر من البشر عددا وأقوى منهم حيلة، حتى صار الأمر أن لا نفرق بين هؤلاء وهؤلاء... أغفر لي يا ربي كل خطاياي وكل ذنوبي فأنا ولدت قبل ساعات ... لا تحاسبني عن ذنوبها هي ولا عن خطاياها هي... أعرف يا ربي إني لم أخادعك ولن أخدعك ولكن أكشف لك كل أوراقي التي قد تكون قرأتها مرارا قبلي، وقبل أن أكتب بها شيء.... سلا ما ربي.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية (حساء الوطواط) ح15
- رواية (حساء الوطواط) ح14
- رواية (حساء الوطواط) ح13
- هل تنجح الفلسفة في تنوير العقل الديني التاريخي ج1
- الحب والموت بين وجودنا الأول ووجودنا الراهن
- الترتيل بين الفهم والمفهوم.
- رسالتي المتمردة إلى حضرة الكل
- العبد والعبودية في الفهم الديني... القرآن الكريم أنموذجا.
- العنف ضد المرأة في مجتمعات الفضيلة
- رواية (حساء الوطواط) ح12
- تخاريف عراقية في زمن الكورونا
- رواية (حساء الوطواط) ح11
- رواية (حساء الوطواط) ح10
- رواية (حساء الوطواط) ح9
- هل ساهم الإعلام الفوضوي في نشر وباء الكورونا؟
- رواية (حساء الوطواط) ح8
- رواية (حساء الوطواط) ح7
- رواية (حساء الوطواط) ح6
- رواية (حساء الوطواط) ح5
- رواية (حساء الوطواط) ح4


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (حساء الوطواط) ح16