أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد العزيز المسلط - صناعة الاقتصاد 2















المزيد.....

صناعة الاقتصاد 2


عبد العزيز المسلط
سياسي وباحث اكاديمي

(Abdulaziz Meslat)


الحوار المتمدن-العدد: 6546 - 2020 / 4 / 25 - 21:50
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


ربما يعنينا نحن في مجتمعاتنا ال"طوطمية" أن نكون على دراية أكبر بالأحداث اليومية التي تؤثر بشكل مباشر في حياة الفرد داخل مجتمعه.
حيث ان لهذه الأحداث مؤشرات تفرض نفسها وفقاً لقواعد السلوك اليومي للفرد، عبر انغماسه الشديد بتفاصيل الحياة اليومية التي تؤسس لاحقاً لوعيه الجمعي.
لا اقصد بالأحداث اليومية المشاكل المحيطية للجوار، او للنقاشات التي تدور رحاها في المقاهي، او احاديث الشوارع.
لكني اقصده البيانات العامة للمجتمع السكاني في حيثياته الحياتية على المستويين الاقتصادي والثقافي.
وتلك هي ناحية ذات أهمية دلالية عميقة تطل برأسها في المجتمعات الحركية -الحيوية- التي تحاول أن تسابق رياح الوقت للوصول لأهدافها.
بعض المتثاقفين يعزون هذا الرأي او لنقول وجهة النظر هذه الى -ترف ثقافي- لا يؤدي بالنتيجة الى صقل أو إنتاج بعض البيانات الإحصائية -بالعمل- خدمة لتطوير المحصلة الوجودية للسلوك الاجتماعي الوظيفي.
وهذا رأي لا أكترث بسياقه البنيوي لأنه بالنتيجة لا يخدم مسار التطور الاجتماعي ولا يحاكي اَي نوع من التقدم الإنساني -البنائي- في الشكل العام لتطور المجتمعات الانسانية.
لنأخذ التجربة اليابانية مثالاً جيداً في معرض هذه المقالة، ولا اريد ان أضيف عليها شيئاً.
المجتمع الياباني الحديث هو مجتمع تراكمي من حيث الثقافة، اَي أنه نتاج فكري لعدة ثقافات تقاطرت عليه وشكلت عبر صيرورته التاريخية وتلاقح ثقافاته المتنوعة حالة اجتماعية انتجت فعل إنساني قائم بالثقافة الكينونية.
المجتمع الياباني هو حالة تعريفية قريبة لما أشار إليه الفيلسوف هيربرت سبينسر في تعريفه لظاهرة نمو وتطور المجتمعات الانسانية المعاصرة: "أنه تحدّر وراثي سلالي معدل ثقافياًعلى نحو ما".
وقد اتفق شخصياً او اختلف مع هذا الرأي لكن بالضرورة هذا التعريف أعطى للظاهرة شكلها التعريفي العام.
إن مفهوم التطور الإجتماعي هو غيره بالمطلق مفهوم التطور البشري -البيولوجي- من حيث الدور الوظيفي للفرد الإنساني نفسه.
فالتطور البشري -البيولوجي- يمر بمراحل معقدة من التطور الحيوي. من النمط البسيط الى النمط الأكثر تعقيداً، بينما تمر المجتمعات الانسانية بمراحل أكثر مرونة من التطور البشري -البيولوجي- من الشكل الأعقد إلى الشكل الأسهل.
وهذا يعني من وجهة نظر العلوم الاجتماعية والإنسانية ظاهرة الانتقال الحضاري، وتماثل نمو الكائن الحي -الفرد- ومجتمعه الإنساني بخط موازٍ واحد سواء من الناحية البنائية أو الناحية الوظيفية التلازمية.
الفيلسوف توماس هوبز عبّر عن هذه الظاهرة بفكرة الاختصاص الوظيفي المتنامي "الذي يحدث في كل مرحلة وكل مكان في المجتمعات التي تملك إرادة التطور تصاحبها عملية التغير التدريجي بفعل الحرية الفردية التي تتيح للفرد اختيار النسق الأنسب والأمثل لتطور ذاته والتي تنعكس بالشكل المباشر على تطور مجتمعه".
إذاً الاختصاص بالإضافة الى الحرية قيم جوهرية للتطور الحضاري على المستويين الفردي والاجتماعي.
هذان المؤشران ينطويان على عملية تغيير تدريجي يحدث في عمر المرحلة يحدث فيها تغيراً في الأنماط السلوكية، وبالتالي يحدث تغييراً في قواعد التطور الوظيفي من حيث الأدوار!!!
نعم النتيجة الحتمية "الأدوار والأنماط والسلوك الفردي".
مثلث فكري وظيفي يفضي إلى خلق النظم الاجتماعية الأكثر تطوراً في حياة المجتمعات الإنسانية.
وبالعودة إلى النموذج الياباني في التطور. بالفعل فإن أهم ركائز تطور هذا المجتمع بالسرعة القياسية بعد نكبات الصراعات وويلات الحروب ومشاكل الاقتصاد هو أنه انطلق سلوكياً على مستوى الفرد، ثم انجز الاستحقاق الوظيفي من خلال النمط الحضاري المتبع في برامجه الاجتماعية الموسومة.
الفرد الياباني أنجز نهضة اجتماعية متقدمة جداً، لا شك أنها استندت الى ارث كبير من التجارب الثقافية التاريخية، ومساعدات المستعمر الأمريكي. لكنه استقل بشكل وظيفي في خلق قاعدة حديثة لمجتمعه قامت على أهم الركائز الإنسانية العميقة:
1- التطور الأخلاقي: الذي قال عنه المفكر لورنس كالبرج (مفتاح النهضة الإنسانية)، وقد عرّفها بالقانون الخلقي في محددات السلوك الأخلاقي. وعارض بذلك نظرية النشوء والارتقاء بصورتها الإنشائية.
2- التطور الثقافي: وهو استثمار للإبداعات الثقافية المتراكمة لتجارب الشعوب في مجتمع ما.
فهى تنمي الثقافة المهلهلة او المفككة، وتعمل على إنجاز التفاعل الدائم والمستمر بين الفرد الاجتماعي كإنسان وبين مجتمعه الإنساني المباشر. وعبّر عن هذا الاتجاه الفيلسوف الأمريكي جيمس بالدوين الذي أكد ان التطور الثقافي للمجتمعات يشبه الى حد كبير الثمرة: "النظر الى المجتمعات التي تطورت بقوة شديدة وبروح حضارية راقية تشبه البذرة التي زرعت في تربة جيدة واستفادت من الطبيعة في سخائها. شربت من مياه الأمطار، وتغذت على نسغ التربة وبذلك تفاعلت بشكل طبيعي وجميل مع كل المؤثرات المؤهلة لنموها، لتعطي ثمرة جميلة تستحق أن تعيش وتدوم".
3- التطور المعرفي: هو الجانب الأبرز الذي تقوده النخب عبر مختلف العصور وتضع له القوانين الرئيسية في حالته الكمومية أثراً وتأثيراً.
هذا الجانب هو الذي أشاد به الفيلسوف السويسري جان بياجيه واعتبره انه الرائز الأمثل في تطور المجتمعات الانسانية وفق منهج السيرورة الطبيعية.
اعتبر بياجيه أن نظرية المعرفة هي نظرية وراثية اجتماعية. أي أن المجتمع هو الذي يورّث المعرفة للأفراد والنخب الذي يناط بهم عملية التطور وخلق التغيير. لذلك اعتبر هذا الاتجاه الفلسفي في الفكر الاجتماعي اتجاهاً بنائياً بالدرجة الأولى.
وعلى الرغم من أن مفهوم التطور من أكثر المفاهيم استخدماً معرفياً وشيوعاً اجتماعياً، في المؤلفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي تتناول أوضاع البلدان النامية، إلا أن الكثير من العلماء قد اختلفوا في تحديد مؤشرات هذا المصطلح، فمنهم من نادى بالاتجاه النظري الكمّي، ومنهم من قال بالاتجاه المثالي.
فالاتجاه الأول هو اتجاه مادي كمّي اقتصادي محضّ، يقوم على مقاييس مادية جامدة مثل مستوى الدخل، الإنتاجية، الإنفاق الاستهلاكي، ومعدلات التضخم العام الخ…..
أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه مثالي ينظر نظرة مثالية إلى الوضع الاجتماعي المصاحب لآليات التطور التاريخي. فهو رافض لكل المقاييس المادية التي تشوبها شائبة النقص الأخلاقي. لانها تحمل بذور الانحطاط الأخلاقي والانهيار القيمي المجتمعي في داخلها.
وهذا الاتجاه نادى به الكثير من دعاة رفض التطبيع الحضاري بين الشرق والغرب. لانهم اعتبروا ان كل ما تناولته الحضارة المادية من قيم غير اخلاقية إنما هي نتاج لطغيان المادة وشبح الاستغلال الاقتصادي والثقافي الذي دعمه المستعمر عبر التاريخ. اَي انه عبودية تامة لرأس المال على حساب القيم الأخلاقية للمجتمعات الانسانية.
وبغير جدل أمام هذه الاتجاهات أقول بأن الكثير من الأخطاء والاختلاطات الفكرية تسببت في غياب الحقيقة الكاملة في كل هذه الاتجاهات بسبب الابتعاد عن قيم التفاعل الحضاري البنّاء والمثمر، حتى لو ان احدهما اصاب بعض من الحقيقة وليست كليتها، الا اننا في زمان قضى كثيراً من عمر التجربة والخطأ دونما احراز اَي تقدم بنيوي في جادة التطور الحقيقي والمعرفي لواقعنا المزري.
فلا المؤشرات المادية دليل على التقدم والحداثة، ولا القيم الأخلاقية والمثل العليا للمجتمعات المحافظة تقوى بمبادئها على إنجاز حضارة الألف ميل.
إن أهم ركن تبنى عليه حضارة حقيقية متوازنة وراقية هو الاتجاه الذي يكون فيه العلم والمعرفة أساساً قيمياً، وحاملاً نوعياً لمفاهيم التقدم والتطور والرقي. وتكون فيه الحرية ضامناً حقيقياً للفرد في الإبداع والتفكير والاعتقاد. وتكون فيه العدالة سيدة الموقف التاريخي بمشهديه التشريعي والقضائي.
لم يعترف الفيلسوف أوغست كونت بأن غياب الإيمان هي الوحدة الأخلاقية التي تكرس مزيداً من الحرية لتطوير الذات الانسانية. بل أشار بشكل متفرد ان العقل هبة إيمانية عظيمة يجب تسخيرها لأجل صياغة مراحل التقدم وفق كل نمط تاريخي.
العقل هو القوة العينية التي تواجه قوى غيبية بمواجهة أزمة الجهل والتخلف.
فالتطور هو عملية جريان سريع يحتاج إلى ظواهر سياقية تخدم جريانه وتدفقه في الزمان والمكان.
ولهذا كان للعقل الدور الأمثل ليكون ميزان هذا الجريان، وضابطه النوعي.
فبغير هذا الميزان لا يمكن لقيم التطور الجوهرية أن تتكيف مع معطيات الواقع ووقائعهه الحية والتفاعلية.
ولا يمكن للفرد أن يقدم نظريات جديدة تساعد في تحديث وتطوير الصيغة الكلية لهذه المعطيات.

إذاً ما العمل؟
هي مراجعات نقدية لكل تفاصيل المراحل السابقة التي ولدت بهذا المكان في الزمان الخطأ!
وهي مسؤولية النخب الذين يقبضون على جمرة الانتظار منذ عهود غابرة.
يقول الفيلسوف بروتيغوراس: إن الإنسان هو معيار لكل شيء.
ويقول مهرايجي آبو يوجي: عليك ألا تفكر في الفشل لأن ما تفكر فيه سيتحقق بدون أدنى شك.



#عبد_العزيز_المسلط (هاشتاغ)       Abdulaziz_Meslat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناعة الاقتصاد 3
- العلوم الإنسانية في مقارباتها المعرفية ج4 واخير
- العلوم الإنسانية في مقارباتها المعرفية-ج3
- العلوم الإنسانية في مقارباتها المعرفية -النقدوية التاريخية- ...
- ّ العلوم الإنسانية في مقارباتها المعرفية -النقدوية التاريخية ...
- قراءة معاصرة في كتاب الجمهورية الفاضلة للكاتب ج. اتش.بوكلي
- مقدمة رئيسية في فلسفة التكوين السياسي, ومنهج التحول
- رؤية جديدة في الأدب السياسي المقارن - جزء 4 واخير
- رؤى جديدة في الأدب السياسي المقارن - جزء 3
- رؤية جديدة في الأدب السياسي المقارن- جزء 2
- رؤية جديدة في الأدب السياسي المقارن- جزء 1
- ورقة مقتضبة في نظريات الطفرة العولمية.
- اقتصادنا ينتحر، ثم لا يجد له منقذ!
- مابين الثقافي والعضوي…… رؤية فلسفية، أم عقيدة لاهوتية؟ ج2
- مابين الثقافي والعضوي…… رؤية فلسفية، أم عقيدة لاهوتية؟
- أزمة الطاقة العالمية (الآفاق والتداعيات)


المزيد.....




- واشنطن تتمسك بالعراق من بوابة الاقتصاد
- محافظ البنك المركزي العراقي يتحدث لـ-الحرة- عن إعادة هيكلة ...
- النفط يغلق على ارتفاع بعد تقليل إيران من شأن هجوم إسرائيلي
- وزير المالية القطري يجتمع مع نائب وزير الخزانة الأمريكية
- هل تكسب روسيا الحرب الاقتصادية؟
- سيلوانوف: فكرة مصادرة الأصول الروسية تقوض النظام النقدي والم ...
- يونايتد إيرلاينز تلغي رحلات لتل أبيب حتى 2 مايو لدواع أمنية ...
- أسهم أوروبا تقلص خسائرها مع انحسار التوتر في الشرق الأوسط
- اللجنة التوجيهية لصندوق النقد تقر بخطر الصراعات على الاقتصاد ...
- الأناضول: استثمارات كبيرة بالسعودية بسبب النفط وتسهيلات الإق ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد العزيز المسلط - صناعة الاقتصاد 2