أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد موسى عويسات - الدجاجة تطير-قصة للفتيان















المزيد.....

الدجاجة تطير-قصة للفتيان


محمد موسى عويسات

الحوار المتمدن-العدد: 6546 - 2020 / 4 / 25 - 12:49
المحور: الادب والفن
    


محمد موسى العويسات
نهض من نومته بعد صلاة العصر، إنّه صائم يشعر بالجوع، لم يتسحّر جيدا، اتّجه فورا إلى المطبخ ليتحسّس أخبار الأكل والمشروب والفواكه وغير ذلك... يتفقّد قارورات الماء البارد، يتفقد الخزائن... يشمّ بعض الأوعية، يكشف أخرى... يأسره الجوع بعض الوقت، ثمّ سرعان ما ينجلي جوعه، ويذهل عنه ويتناساه، ينظر في ساعة الحائط، لم يبق إلا ثلاث ساعات، ينقضي اليوم ويذهب العطش والجوع، وأكون قد فزت بصيام يوم، فأكون قد صمت عشرين، إنّه إنجاز عظيم، سيكون للعيد معنى كبير، ما أجمل الشّعور لحظات انتهاء اليوم بقول المؤذّن الله أكبر معلنا دخول المغرب وانتهاء اليوم ...
ــ هذه خمسون، خذها واجلب لنا دجاجتين من محلّ الدّجاج، محلّ أبي عليّ، الذي في منتهى الشارع، احرص أن تكونا من ذبح اليوم.
قالت الأمّ لابنها عديّ.
ــ أمّي، إذن إفطارنا اليوم دجاج، ولكن ما الطّبخة التي تعدّينها من الدّجاج؟
ــ طبخة تحبّها، الدّجاج المحشيّ بالأرزّ واللّحمة واللّوز وغيرها، ستعجبك بإذن الله.
ــ دجاجتان؟ إنّي أشتمّ رائحتمها الآن، إنّي أتخيلهما على مائدة الإفطار، مُحمّرَتينِ متعرّقتين، يتسايل منهما السّمن، يجلّلهما السّمّاق، وقد بسط لهما خبز الشّراك، وحفّت بهما أوراق الخسّ، وشرائح من الفليفلة والبندورة والخيار، تسابِقُ إليهما العيونُ الأيدي...
ـ ما بك يا عديّ، منذ عشرين يوما من الصّيام لم أعهد منك هذا التّشهّي، والتّوصيف والخيال؟ ألا تعلم أنّ كثرة التّفكير في الطّعام والشّراب تفقدك الإرادة على مواصلة الصّوم؟ اذهب الآن ولا تضيّع الوقت.
عندما اقترب عديّ من مسلخ الدّجاج سمع صوت أبي عليّ، يقول لأحدهم: ديونكم بلغت السّماء، الآن وفي رمضان بخاصّة: الدّين ممنوع... ولمّا سحب عديّ أحد مصراعي الباب داخلا وجد نفسه وجها لوجه مع صديقه وجاره زيد يخرج، بدا زيد ساهم الوجه ترتسم عليه علائم الانكسار والحزن، وتدور في عينيه دمعة يحاول كبتها، صافحه بحرارة، سأله ماذا تفعل؟ لماذا خرجت بدون أن تشتري؟
ـ لم آت لكي أشتري، بل جئت لأبحث عن دجاجتنا التي طارت، منذ الأمس، ولم أدر أين اتّجهت، ظننت أنّها تبحث عن سربها، فقلت ربّما تكون هنا.
ــ ماذا تقول؟ دجاجتكم طارت، أجادّ أنت فيما تقول؟
ــ نعم، جادّ. ولست هازلا.
ــ إذن اشتر دجاجة بدلا منها.
ــ لا، لم ترض أمّي ذلك.
نظر عديّ في عيني صديقه، وقرأ فيهما شيئا آخر، غير الذي يدّعيه، إنّه يكذب، تذكّر ما سمعه من صاحب المحلّ، وتيقّن أنّ صديقه كان المقصود بالكلام. اعترت عديّا مشاعرُ من الحزن والإشفاق.
ـ انتظرني نرجع سويّة لتحدّثني كيف طارت الدّجاجة؟ قال عديّ.
ــ الدّجاجة طائر وله أجنحة، ودجاجتنا لم تعش في قفص، وكانت تمارس حياتها بحرّيّة، تأكل من الحقول، وتعرف الخوف على الحياة، لأنّها تعرف عالم الثّعالب ومكرها، وربّما خافت فطارت.
ـ ولكنّني رأيت هذا الدّجاج في المسلخ مستسلما، يوضع في السّلة على الميزان، فلا يزيد على بعض النّقيق وحركة أجنحة متعبة، ولا تشعر بنزقه إلا بعد أن تجري على عنقه السّكين، هل دجاجتكم من جنس آخر؟
ــ يبدو لي ذلك، إنّه الفرق بين العيش أسيرا في قفص، والعيش طليقا بين الحقل والقنّ.
ـ وماذا ستكون وجبة إفطاركم إذا لم تجدوا الدّجاجة؟
ـ ستكون مرق الدّجاج، فقد ادّخرت أمّي مكعّبات لشوربة الدّجاج.
ويفترقان وفي نفس عديّ شيء من الأسى، يحدّث نفسه بصوت خافت، نحن نأكل الدّجاج وهم يشربون مرقه، أو ما هو بطعم مرق الدّجاج، ستختلف المائدتان، وصيامنا واحد.
ــ أمّي، ها هما تانِ الدّجاجتان، وهذا الباقي من الخمسين. وأردف قائلا: أتسمحين لي بسؤال؟
ــ اسأل ما بدا لك. فمنذ متى تستأذن للسّؤال يا ولدي؟
ــ هل تطير الدّجاجة يا أمّي؟
ــ الدّجاجة؟ الدّجاجة، يا ولدي، طائر، ألا ترى أنّ لها أجنحة وذيلا وجسم الطّيور الأخرى؟ ولكنّه لا يرتفع كثيرا، ولا يستمر في الطّيران، فنفسه قصير، ولا يحلّق بعيدا.
ـ لماذا تختلف عن باقي الطّيور يا أمّي؟
ـ هذه حكمة الله وخلقه، وربّما تكون بهذا مسخّرة للإنسان، يأكل منها البيض واللّحم وله فيها منافع أخرى، دون أن يتكلّف عناء الصّيد، لهذا سمّيت دواجن ...
ـ ولكنّ السّؤال الأبعد الذي يحيّرني يا أمّي، هل تطير الدجاجة بعد أن تطبخ؟
ضحكت الأمّ بصوت عال، وهي منشغلة بتنظيف الدّجاجتين، ودون أن تلتفت إليه:
ـ يبدو أنّك أخذت تهذي، أو أنّك قرأت قصّة خياليّة من قصص السّحرة والمجانين. ولولا أنّني أعرفك جيدا لقلت أنّك ما زلت تغرق في خيال طفوليّ. كيف يطير الكائن بعد أن يفقد الحياة؟
ــ يبدو أنّني أتخيّل، الدّجاجة بعد أن تشوى، دون أن تقطّع، وتوضع على المائدة تطير فجأة، وتهرب بحشوتها لصغارها من الكتاكيت.
ـ اسمع يا عديّ، أرجو أن تصمت، وأن تبحث عن عمل يشغلك عن هذا الخيال الجامح العقيم، أو أن تكتب قصّة في هذا الشّأن فلربّما تكون جميلة.
ضحك عديّ وخرج من المطبخ، وهو يردّد: أكتب قصّة، أم أصنع قصّة؟ ذهب ليشاهد بعض البرامج التّلفزيونيّة، ويشاكس أخويه، ولكنّ عينه كانت على المطبخ، وكان يحرّك أنفه الصّغير، كلّما مرّ بباب المطبخ، مستنشقا رائحة الشّوي، التي أخذت تتنامى وتنبعث شيئا فشيئا لتصل إلى غرفة الطّعام وغرفة الضّيوف. وقبيل موعد الإفطار كانت الدّجاجتان قد نضجتا وملفوفتين بالقصدير، تنتظران أصنافا من المُقبّلات... وبينما كانت أمّ عديّ منشغلة في إعداد المائدة والشّراب..تسلّل عديّ بلطف وحمل إحدى الدّجاجتين وخرج دون أن يشعر به أحد... غاب خمس دقائق، ثمّ عاد على عجل، دخل دون أن يشعر به أحد، وجلس بهدوء منشغلا بتقليب محطّات التّلفزيون دون تركيز. ولكنّه في قرارة نفسه كان منشغلا بالكيفيّة التي ستكون عليها ردّة فعل والديه، وكان منهمكا في إعداد الجواب.
ولم يبق لموعد الإفطار إلا دقائق معدودة، تصرخ أمّه من المطبخ: هلمّوا إليّ، أين الدّجاجة الثّانية؟ هرع الأب والأبناء ومنهم عديّ، وكانوا في ذهول، إلا عديّا، الذي كان خائفا.
ـ الدّجاجة! ما بها يا أمّ عديّ. سأل الأب باستهجان.
ـ الدّجاجة مفقودة، كيف؟ أين ذهبت؟ من تناولها؟
ـ ربّما تكونين متوهّمة أنّك طبخت الاثنتين.
ـ ما بك يا أبا عدّي، أتظنّني مجنونة؟
أخذ الجميع يبحثون في المطبخ، في الفرن، في الخزائن، في سلّة المهملات. لا أثر للدّجاجة. أخذ بعضهم ينظرون في وجوه بعض، أخذت الأنظار تتوجّه إلى عديّ، الذي أصمت وتغيّر لون وجهه.
ــ عديّ، أين الدّجاجة؟ صاحت الأمّ.
ــ الدّجاجة، الدّجاجة ، أجاب متلعثما مرتبكا.
ــ نعم الدّجاجة. أين الدّجاجة؟
ــ الدّجاجة، ربّما طارت يا أمّي، كما يطير الدّجاج.
ـ ربّما يطير عقلي قبل أن أقبل هذا الجواب الغبيّ.
ـ عديّ، ما الأمر؟ ماذا تقول؟ أنحن في موقف هزل وتندّر؟ بربّك كفى.
ـ نعم، طارت يا أبي، كما طارت دجاجة جارنا زيد.
ــ طارت! ضجوّا جميعا.
ـ نعم، طارت وهي الآن على مائدة أسرة زيد، الذي طرد من محلّ بيع الدّجاج.
في ذهول، تبدّده الابتسامات ومشاعر الارتياح التي بدت على وجوه الجميع، أخذ بعضهم ينظر في وجوه بعض... حضن الأب ابنه، وبين ذراعيه ضمّه ليدفن رأسه في صدره ويربّت على ظهره... وأخذت الأمّ على عجل تعدّ المائدة، وتكاد تطير فرحا بابنها...
ـ ما أشهى هذه الوجبة! ما أبركها! قال الأب، ملتفتا إلى أمّ عديّ، خمسة أنفار لم نأت على دجاجة واحدة.
شعر عديّ بالفخر والاطمئنان والنّشوة... وكان حديث العائلة: الدّجاجة التي طارت حطّت في أختها.
القدس 25 /4/2020



#محمد_موسى_عويسات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وقفة مع رواية -كنان يتعرف على مدينته-
- ثلاثون شمعة وثلاثون زهرة لندوة اليوم السابع..
- نظرة في ديوان على ضفاف الأيام
- وجهة نظر في رواية وجه آخر
- نظرة في كتاب رحلة القمر
- الخاصرة الرخوة رواية اجتماعية محورها المرأة
- قراءة في كتاب -مِن بين الصّخور مرحلة عشتها-.
- نظرة في رواية الحائط
- نظرة في ديوان (ما يشبه الرّثاء)....
- نظرة في رواية -تايه- لصافي صافي
- رواية كرنفال المدينة وهموم القدس
- نظرة في رواية جداريات عنقاء
- أشواك البراري والسّيرة الواقعيّة لكاتب
- عذارى في وجه العاصفة


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد موسى عويسات - الدجاجة تطير-قصة للفتيان