أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد العليمى - قضية بناء الحزب - الإنتقال من الطور الحلقى الى الطور السياسي الحزبى - من الجدالات الداخلية 1978 - 1983















المزيد.....



قضية بناء الحزب - الإنتقال من الطور الحلقى الى الطور السياسي الحزبى - من الجدالات الداخلية 1978 - 1983


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 6545 - 2020 / 4 / 24 - 19:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تمثل هذه المخطوطة التى كتبت بين عامى 1981– 1982 نقدا وجهه خمسة من اعضاء اللجنة المركزية – منهم عضوين فى المكتب السياسي - لسياسات الحزب التنظيمية والجماهيرية بصفة خاصة ، ولم يكن ممكنا لهاتين الاخيرتين ان تنفصلا عن السياسات العامة الكلية الا فى الذهن . عرف مصدروا هذه الوثيقة بالاقلية وقد اصروا حينها على عدم التكتل ( 1978 ) ، او الانشقاق طالبين ان تحسم صراعات اللجنة المركزية بالجدال الفكرى الرفاقى . وازاء تعنت بعض الرفاق وممانعتهم خيض صراع طويل منهك لمدة تقارب ست سنوات كان لابد وان يترك اثره على عمل الحزب بكامله. لقد حاولت هذه الوثيقة ان تشخص ازمة الحزب آنذاك وطرحت السياسي ، والنظرى ، والتنظيمى ، والجماهيرى فى وحدة جدلية واحدة ، وقدمت مااعتبرته حلولا ثورية . وقد سبق هذه كراس مطول معنون : " حول الانحراف البيروقراطى التصفوى العزلوى" , وهناك نسخة من هذا الاخير لدى الباحث الايطالى جينارو جيرفازيو حيث اشار اليه فى كتابه حول الحركة الماركسية فى مصر . مهما يكن من شئ فهذه المخطوطة – لاادرى ان كانت قد طبعت ام لا ! غير ان مااستطيع ان اقطع به انها نشرت بخط اليد – هى من اهم الوثائق وتتجاوز اهميتها حزب العمال الشيوعى المصرى - فما من فائدة فى احياء جدالات ميتة قديمة – ولاتهدف للوم احد او تقريعه من جيلنا ، بل استطيع ان اقول انها تتجاوز زمنها بمضمونها نظرا لركود تطورات النظام الساداتى والمباركى وماتلاهما من نظم ، واعتقد انها وان كانت تحيى ذاكرة الشيوخ فانها يمكن ان تلهم الاجيال الشابة بما فيها من "خبرة سلبية " ، وبسبب هذه الخبرة السلبية ادعوا كل الرفاق لقراءتها ، وتمعنها وسوف انشرها حسب التقسيم الذى وردت به فى خمسة اجزاء . ولعل صديقنا الكاتب الذى عرض بى بوصفى " مغرما بالذات " بنشرى كتابات تاريخية قديمة ان يرى فى هذه المخطوطة على الاقل مايدحض تصوراته .
مقدمة من الرفاق : فتح الله محروس ( المسؤول العمالى ) جمال عبد الفتاح مسؤول منطقة الصعيد ) محمد خالد جويلى ( عضو مركزى ) صلاح العمروسي ( عضو مكتب سياسي ومسؤول فرع الخارج ) سعيد العليمى ( نائب المسؤول السياسي – عضو المكتب السياسي ، ومسؤول الدعاية المركزى ) .
مشروع قرار عن الوضع الراهن وتكتيكات حزبنا – القسم الاول
أولا : يتلخص الوضع الراهن فيما يلى : -
1- لما كانت الأزمة الوطنية كأهم أزمة سياسية تواجه مصير الطبقات الشعبية فى بلادنا ، قد استفحلت نتيجة لسياسة الاستسلام ، واستفحلت معها الازمة الاقتصادية كلما سارت سياسه الانفتاح الاقتصادى فى طريقها مقوضة الاستقلال النسبي الذى كان قد تحقق فى عهد الصمود ، ومشددة من الاستغلال الطبقى ، وناقلة عبء الأزمة على الجماهير الشعبية ،فإن كل ذلك يحمل فى طياته طاقة ثورية كامنة ، ويولد سخطا متنامياً فى صفوف الجماهير الشعبية . ولم تغير الديمقراطية من الطراز الساداتى من الطبيعة الجوهرية الاستبدادية لشكل الحكم ، بل لقد ساهمت التنازلات التى قدمتها السلطة – تحت تأثير ضعفها وأزمتها وحاجتها الى الالتفاف - فى المزيد من كشف هذه الطبيعة الاستبدادية لشكل الحكم، وهى تضعه كل يوم فى تناقض مع تطلعات ومصالح الجماهير الشعبية ، بل وفى تناقض مع أقسام واحزاب تنتمى الى الحلف المالك نفسه .
2- ان هذه الازمة السياسية الاقتصادية المستفحلة على مختلف الاصعدة ، لا مجال لتجاوزها أو حلها عن طريق الاصلاح والترقيعات داخل نطاق علاقات الانتاج البورجوازية ، فليس بمقدور السلطة وحزبها ولا بمقدور أحزاب المعارضة الشرعية أن يقدموا حلاً لها . ان الحل الحقيقى للأزمة لا يمكن الا أن يكون على حساب البورجوازية وسلطتها . على حساب الحلف المالك بأسره ، وحلها الجذري وتجاوزها الحقيقي لن يكون الا بالثورة الاشتراكية وليس بالاصلاح .
3- ان هذه الازمة الشاملة استثارت داخل الحلف المالك واحزابه الشرعية وتياراته الفكرية المختلفة تناقضات تشتد حيناً وتهدأ حيناً آخر ، وولدت فى بعض اللحظات أزمات سياسية فرعية صغيرة ، مثل أزمة مايو 1978 ، وأزمه سبتمبر 1981 التى انتهت بإغتيال رأس الطاقم الحاكم .
4- بينما وسعت التعديلات على البناء السياسي للحكم ، من الثغرات التى يمكن أن تستغلها الحركة الثورية ، فإن السلطة إستغلتها أيضا فى محاولاتها لاحتواء الجماهير ، وعملت فى نفس الوقت على محاصرة كافة القوى السياسية ، بسلسة جديدة من القوانين المقيدة للحريات تطلبتها الأوضاع الجديدة للصراع الطبقى بما فيها تلك التعديلات نفسها التى أجرتها على بناءها السياسي ، وتطلبتها أيضا تلك المادة الملتهبة الكامنة فى السخط الجماهيري ، وعمدت السلطة حينما عجزت أساليبها السياسية الى اللجوء الى الاجهاض البوليسي لكل عناصر المعارضة قبل أن يستفحل خطرها .
5- ان السخط الجماهيري والطاقة الثورية الكامنة فى تناقضات الأزمة المستفحلة ، عملت على حجبها وأضعاف تأثيرها الى حد كبير تلك التحولات العميقة المعاكسة المرتبطة بالحراك الاجتماعي الذى إرتبط بإطلاق قوى التضخم ، والهجرة ، وانتشار الحل الفردى على حساب الحل الطبقى الجماعى ، وانتشار الوعى الزائف المنطوى على نزعة انهزامية والذى لم يتولد فقط نتيجة للتضليل البورجوازى فى سياق الهجوم السياسي للسلطة بعد حرب أكتوبر ، وانما تولد أيضا من الفهم المعكوس لخبرة تجربتها فى مرحلة تاريخية كاملة ، إنفردت فيها البرجوازية بمناهضة الاستعمار وانفردت بثمار الاستقلال النسبي ، كما أن هذا "الوعى " تكرسه تلك المصالح المادية التى ارتبطت بالحراك الاجتماعي سابق الاشارة اليه .
6- ان الانقطاع التاريخي فى الحركة الشيوعية ثم ازمة الحركة الشيوعية الثالثة ، كان من نتيجتة العجز عن اطلاق الطاقة الثورية الكامنة ، وتحويل السخط الخامل للجماهير الى حركة ثورية نشيطة ، أيا كان حظها من الاتساع ، وأعطت بذلك الفرصة لتسريب هذه الطاقة ، وذلك السخط فى مسارب التيارات الدينية الرجعية ، تلك التيارات التى إنتعشت بتأثير الأزمة التى أدت إلى إنقلاب شامل فى السياسة والاقتصاد والقيم المصطدمة بعنف بالمسلمات الاصيلة فى تاريخ شعبنا وحياته . بالطبع ان تيار التطرف الدينى لم يكن من الممكن شله تماما ، طالما أن النظام البورجوازى قد شاخ ووصلت أزمته الى الذورة ، بينما كانت الحركة الثورية – طليعة وجماهير – ماتزال فى مرحلة جنينية ، بسبب الانقطاع التاريخي إبان مرحلة صعود البرجوازية البيروقراطية .
7- إن المستقبل المباشر يحمل تطورات جديدة ، ستنتقل الأزمة فيها إلى مستوى جديد من الاستفحال ، حيث أن المنافذ المسكنة قدمت أقصى ما يمكن أن تقدمه من تخفيف لعبء الأزمة الذى عملت البورجوازية على نقله على عاتق الجماهير الشعبية ، بل ان هناك مؤشرات قوية لأن تأخذ هذه المنافذ منحى معاكسا إضافيا يعمل على المزيد من استفحال الازمة .
ان الأزمة الاقتصادية الشاملة التى يعانى منها الاقتصاد المصرى نابعة من علاقات الانتاج البورجوازية التى لم تستطع أن تتخلص من التبعية الامبريالية إلا بصورة نسبية ، والتى اقامت هيكلاً اقتصاديا ً غير متوازن أفرز ميلاً موضوعياً للعودة من جديد الى تلك التبعية الامبريالية ، فضلاً عن عجزه عن السير قدماً الى مضمار التنمية الصناعية البورجوازية ، وبدلا من ذلك أخذ يعانى ومنذ 1965 من أزمات الانتاج والتسويق والتمويل ، لنشهد العجز المتزايد فى ميزان المدفوعات ولميزانية الدولة والطاقات العاطلة والمخزون السلعى – الخ ... ومن خلال المنهج النقدى الذي ينسجم مع الأفق الفكرى للبورجوازية ويحافظ على مصالحها ، إندفعت البورجوازية فى سياسة الانفتاح الاقتصادى تحت إسم مواجهة العجز فى الموارد من أجل التنمية .
وقد فاقم هذا الحل من الأزمة ، حيث تعاظمت الديون الأجنبية ، والعجز فى ميزان المدفوعات وفى ميزانية الدولة ، واستفحلت مشاكل الطاقات العاطلة ، والمخزون السلعى ، وأطلق العنان لقوى التضخم ، ودخلت الصناعة فى حمى المنافسة مع المصنوعات المستوردة ، وتعاظمت فجوة الإنتاج من الغذاء ، ومن الانتاج السلعى عموماً فى مقابل انتفاخ للقطاعات الخدمية والتجارية ، وقوض كل ذلك من الاستقلال النسبي السابق ، وفتح ابواب الاقتصاد المصرى لاستيراد أزمات العالم الامبريالي . كل ذلك فى سياق سياسة عملت باستمرار وبشكل تدريجي متصاعد على نقل عبء الأزمة على عاتق الجماهير الشعبية فى نفس الوقت الذى ظهر فيه الآلاف من أصحاب الملايين .
ولكن رغم ذلك فقد عملت بعض الظواهر على تخفيف الآثار الموجعة للأزمة . فمن ناحية عملت هجرة العمالة على ايجاد منافذ لعدة ملايين وأبعدت عنهم ويلات الأزمة والتضخم ، ثم أوجدت رواجاً تجارياً ساهم فى تحسين أوضاع بعض فئات البورجوازية الصغيرة التجارية ، فضلا عن أن سحب العمالة أدى الى إرتفاع أجور الحرفيين داخل البلاد ، وهكذا تتسع الكتل الجماهيرية التى وجدت لنفسها مخرجاً من الأزمة . وبالطبع فقد كان لهجرة العمالة آثاراً متناقضة بما أوجدته من نقص فادح فى العماله الفنية الماهرة فى القطاع العام ، اضافة الى ان تحويلات العاملين فى الخارج كانت عنصراً هاماً فى دفع قوى التضخم الى الأمام ، ولكن هذه الآثار لم يكن من شأنها أن تقلل من زخم وفعالية هذا المخرج لملايين السكان ، ومن ناحية ثانية فالموارد الجديدة التى توفرت للدولة من قناة السويس ومن البترول ، سهلت على السلطة – مكرهة – تأجيل قرار الغاء الدعم ، مما وفر لملايين السكان جزءاً من استهلاكها بأسعار رخيصة نسبياً .
لقد كانت هذه الشروط المختلفة لويلات الأزمة بمثابة مخدر مؤقت لكونها خففت آلام المرض ، ولكن تركته يسرى ويستفحل ، فأثارها لا تعدو أن تكون آثاراً جانبية بينما الجسم الاقتصادى الانتاجى مستمر فى التدهور وفى العجز ، كما أن أثارها لا تعدو أيضاً أن تكون آثاراً مؤقته . فحتى تدوم ينبغى الا تتوقف السوق العربية عن إستيعاب المزيد من العمالة التى يعجز الاقتصاد المصرى عن استيعابها بصورة متزايدة ، وليس فقط الاستمرار فى إستيعاب ذلك الجزء الذى إستوعبته حتى الأزمة ، كما ينبغى أن تتوافر موارد إضافية جديدة باستمرار تترك نفس الأثر الفجائى والطارئ الذى تركته الموارد من البترول وقناة السويس ، وذلك حتى يكون بمقدورها مواجهة العجز المتزايد فى ميزانية الدولة والذى إلتهم تلك الموارد الجديدة لتجد نفسها من جديد أمام أسوأ الأوضاع .
وتبدو الصورة أكثر سوءاً حينما نكون أمام توقعات لانخفاض حجم العمالة المهاجرة واستنزاف لاحتياطى البترول فضلاً عن إنخفاض أسعاره وإنخفاض محتمل فى موارد قناة السويس مع ارتفاع متوقع للأسعار العالمية للغذاء .

وبالفعل فقد بدأت بشائر عدوان جديد على الجماهير الشعبية ، حيث خفضت السلطة فى الميزانية الجديدة مبلغ الدعم بمقدار الخمس وهو الذى يحتاج الى زيادته بنفس النسبة تقريباً حتى يمكن الحفاظ على مستوى الاستهلاك القائم ، وحيث ينص قانون القطاع العام الجديد على منح الحرية لتحريك اسعار منتجات القطاع العام للقضاء على مايسمى بالدعم غير المباشر واحلال السعر " الاقتصادى" محل السعر "الاجتماعي " لمنتجات القطاع العام . إن هذه السياسة تستهدف إحلال آليات السوق بشكل كامل وذلك خلال عدد قليل من السنوات يجرى فيها التخلص على دفعات من مبالغ الدعم والوصول بالاسعار المحلية إلى الأسعار العالمية بما فيها أسعار الطاقة ، وهذه السياسة تقدم بوصفها الحل الشافى الناجح لأزمات الاقتصاد المصرى ، والتى ستمثل عدواناً صارخاً على الأحوال المعيشية للجماهير الشعبية وتضعها فى وضع غير قابل للاحتمال .
وكل هذا يتطلب إستعداداً إستثنائياً من حزبنا للوقوف فى مواجهة هذه الهجمة الجديدة والتى ترددت السلطة منذ 18 ، 19 يناير 1977 فى الاقدام عليها ، يساعدها فى ذلك كما تقدم تلك الموارد الجديدة التى توفرت لديها ، هذه الهجمة سوف تعاظم السخط الجماهيري الذى يحمل إمكانيات للنهوض الجماهيري والذى ينبغى إيقاظه من الآن وتوسيع مداه وأبعاده .
8- ان النقد الجارى للساداتية بعد إغتيال السادات ، وان كان يحمل الأوهام فى المباركية ( كما أن لمبارك نفسه مصلحه فى تركه يجرى من أجل بناء صرحه الخاص على اشلاء سلفه فى نفس الوقت الذى يتمسك فيه بسياسته ) الا أنه يضع أمام الجماهير ، أسرار مرحلة الخيانة إبتداء من الادارة السياسية لحرب اكتوبر ، ومروراً بأسرار عمليات الاستسلام ، وانتهاءاً بمختلف أشكال الفساد . وهى مادة غنية يمكن إستخدامها من قبل الثوريين لتوجيه ضربات قوية للتضليل البورجوازى الذى كان قد أخذ شكل الهجوم السياسي بعد حرب اكتوبر ، خاصة أنها تأتى فى فترة وصلت فيها معاناة الجماهير الى الذروة وتحطمت كل الأكاذيب المضللة عن الرخاء المزعوم . انها تقدم لنا مادة غنية لمواجهة الأساطير الاكتوبرية والسلامية وتنزع عن النظام وعن الامبريالية أثوابهم الزاهية التى عملت السلطة على نسجها فى الوهم . لقد إنتقل النظام إلى مواقع دفاعية من جديد ، رغم أنه حاول أن يجعل هذا النقد نوعاً من التطهر ، ونوعاً من التطهير الذى يضحى ببعض الأشخاص لحماية النظام بأسره ، ولكن دائما ماتكون آثاره الرئيسية هى ضرب الصورة الزائفة التى حاول أن ينسجها حول نفسه طوال مرحلة كاملة .
9- وفى نفس الوقت نجد العربدة الاسرائيلية تصل إلى مداها ، مواصلة عدوانها بضرب المفاعل الذرى العراقى ، وضم الجولان ، والعدوان على لبنان الشقيقه ، وحربها المتواصة ضد الثورة الفلسطينية وضد فلسطينيى الضفة الغربية وقطاع غزة . فضلاً عن ان الصورة الزائفة عن عودة سيناء تتبدد كل يوم تحت واقع نزع السلاح ، وسيطرة القوات متعددة الجنسية ، وقوات الانتشار السريع الأمريكية عليها ، وفضلاً عن أزمة طابا ، والقواعد الأمريكية فى مصر التى يتكشف جزء من أسرارها يوماً بعد آخر .
إن هذه الأوضاع تصدم الجماهير الشعبية بالصورة الحقيقية للاستسلام لتحل محل الصورة الزائفة للسلام المزعوم ، ويتوقف على نضال الحزب السياسي والاقتصادى إستغلال كل ذلك فى دفع الجماهير إلى مواقف وطنية متماسكة .
10- إن التطورات الجديدة السابقة على صعيد السياسة والاقتصاد ، كما تحرك إمكانيات نهوض جديد، فانها تحمل أيضاً إمكانيات توسع جديد فى الحركة الدينية الرجعية ( الفاشية ) ، بل قد تستفيد بها المعارضة البورجوازية الليبرالية ، والبورجوازية الصغيرة الاصلاحية التى تحشو الجماهير كل يوم بالأوهام الإصلاحية ، هذا فضلاً عن أن تعاظم خطر الحركة الجماهيرية يمكن أن يدفع السلطة الى توسيع نطاق قمعها ، طالما ظلت الحركة على أرض العفوية ، ومفتقدة للتنظيم الذى يمكنها من الصمود فى مواجهة القمع . إن توجيه الحركة فى مجراها الثورى لن يأتينا بشكل تلقائى ، وإنما يتطلب معاظمة النشاط الثورى بصورة استثنائية .
إن الحركة الدينية على وجه الخصوص ، وهى أشد الاحتمالات خطراً ، رغم ما وجه إليها من ضربات ، سوف تستمر ما استمرت الأزمة ، وسوف تستفحل كلما استفحلت الأزمة ، ولن يضعفها ثم يشلها سوى النشاط الثورى للطليعة الشيوعية ، وقدرتها على تفجير الطاقة الثورية التى تنطوى عليها التناقضات الطبقية المتأزمة ، فالبلاد تمر بوضع دقيق لم تحسم فيه وجهه الصراع لصالح الحركة الثورية بحيث يكون من شأن كل استفحال جديد فى الأزمة أن يصب فى تدعيم وتوسع الحركة الثورية ، ومازال خطر التطرف الدينى قائماً ، اذا لم يضاعف الشيوعيون جهدهم الذاتى ويطورونه الى أبعد حد ، فإن التطرف الدينى بملامحه (الفاشية ) قد يتمكن من السيادة ، وعندها سوف يكون من الصعب ايقاف عجلته .
ثانياً : تكتيكاتنا :-
بناء على ما تقدم فإن الخطوط العريضة لتكتيكات الحزب هى :-
1. شن نضال ثورى من خلال مختلف اشكال العمل العلنى البسيط ، وباستغلال كافة ثغرات الشرعية واستخدامها كمنابر للتحريض الثورى ، ومجالاً لعقد أوسع صلة ممكنة بالجماهير . إن العمل فى هذه الاشكال يخضع تماماً لمضامين النضال الثورى ، ولخدمة أشكال النضال الثورى فهى تمكننا من التحضير للأشكال والمستويات الانتفاضية العالية للنضال .
2. ان الاشكال البسيطة للعمل العلنى ، والاشكال الاضرابية والاحتجاجية هى الأشكال المناسبة الآن للوضع المعطى للحركة العفوية الهادئ نسبياً ، إن التعالى على هذه الاشكال بانتظار المناسبات العاصفة من شأنه أن يشل قدرتنا على التغلغل فى صفوف الطبقة العاملة والطبقات الشعبية عموماً، ويشل قدرتنا على التأثير فى الحركات العاصفة ، حينما تندلع بصورة عفوية ، ويمنعنا بالآحرى من الاسهام فى ايقاظ حركات عاصفة من نوع جديد تكون مخصبة بالوعى الثورى الى هذا الحد أو ذاك ، بصورة يتراجع معها الى الخلف الطابع العفوى المحض للحركة العمالية والشعبية .
3. ان عملنا هذا يستهدف إستنهاض موجه ثورية فى البلاد ، يؤكدها تماماً تحليلنا لطبيعة الأزمة الشاملة فى البلاد ، ولا يستهدف بأى حال التكيف مع وضع الهدوء الراهن .
4. ان الانتقال من العمل العلنى البسيط ومن الاشكال الاضرابية الاقتصادية وكذلك الاشكال الاجتماعية السياسية المحدودة الى أشكال أرقى ، لا يقرره فقط تحليلنا عن عمق الطاقة الثورية الكامنة ، وإنما يقرره أيضاً تأثير تحريضنا الثورى على مزاج الجماهير ، فالتحريض الثورى بين الجماهير هو وحده الذى يمكننا من التنبؤ الدقيق بإمكانيات النهوض الثورى الوشيك فى نفس الوقت الذى يلعب دوره فى تعبئة السخط الجماهيرى من أجل هذا النهوض
5. ان نضالنا فى اللحظة الراهنة ينبغى أن يتركز على الطبقة العاملة ، دون اهمال حركات المثقفيين ، فبقدر ما تدخل الطبقة العاملة الى ساحة النضال الثورى بفضل التقاء الطليعة الثورية بها وقدرتها على إيقاظها ، بقدر ما يتعاظم ثقل رايتنا المستقلة فى المجتمع ، وفى المحل الأول فى صفوف المثقفيين .
6. ينبغى إعطاء وزن هام للنضال الاقتصادى باعتباره أحد أشكال النضال الرئيسي الى جانب النضال السياسي والنضال الايديولوجي .
7. ينبغى ربط النضال الاقتصادى بالنضال السياسي الثورى للطبقة العاملة ، وينبغي إستخدام كافة وسائل التحريض الاقتصادي الى أقصى حد ممكن من أجل التحريض السياسي الثوري ، كما ينبغى بنفس القدر من الأهمية والى أقصى حد ممكن استخدام مواد التحريض السياسي حول هذه القضية الملموسة أو تلك ( والتى توفرها تجسيدات التسوية الاستعمارية بشكل يومى ) من أجل التحريض الثورى السياسي الجذرى والشامل .
8. ان الوضع الراهن للحركة الشيوعية ، والحركات السياسية البورجوازية الصغيرة ، يوفر الشروط لمختلف أشكال ومستويات التنسيق فى العمل الجماهيرى . فمع الفصائل الثورية فى الحركة الشيوعية ( حزب 8 يناير) يمكننا شن نضال مشترك حول برنامج وطنى ديمقراطي ثوري ، فى نفس الوقت الذى نعاظم فيه من نضالنا الرامى الى تحقيق وحدة الحركة الشيوعية مع تلك الفصائل . ويمكننا من ناحية ثانية التنسيق مع الحزب الشيوعي المصرى ، وحزب التجمع والناصري حول هذه القضية أو تلك من قضايا النضال الوطنى والديمقراطي والاقتصادى ، فى نفس الوقت الذى توسع فيه من نضالنا الايديولوجى حول القضايا الأشمل .
9. رغم أن نصل نضالنا يتجه ضد السلطة وحزبها ، ويتجه الى عزل تأثير الاحزاب البورجوازية المعارضة ، بحكم موقفنا المناهض للحلف المالك بأسره الا أن ذلك لا يمنعنا من استغلال التناقضات ، دائما فى صفوف الحلف المالك ، والاهتمام الايجابى بمعاركهم الداخلية من أجل استثارة حركة ثورية مستقلة ، حيث أنه من الخطأ أن نقف موقفاً سلبياً من معارك تفرض القضايا الكبرى نفسها عليها ، حيث يمكننا إستغلالها فى الكشف عن خيانة البورجوازية ، وطابعها الاستبدادى فى الحكم فى نفس الوقت الذى نطرح فيه برنامجنا الجذرى الذى يتجاوز ما تطرحه المعارضة الليبرالية ، ويعزل فى نفس الوقت بديلها الاصلاحى والقاصر . ويمكننا فى بعض اللحظاات الخاصة من عقد مساومات للقيام بأعمال جزئية مشتركة ، واستخدامها من أجل توفير فرص إضافية جديدة لنشر خطنا الثورى ، ومن أجل تجميع أكبر هجوم ممكن على السلطه قد توفره تماماً لحظات الصراع المحتدمة داخل الحلف المالك .
10 - إن نضالنا يسترشد دوماً بالعمل حيث تتواجد الجماهير فى مواقع الانتاج وفى مناطق التجمعات السكانية الشعبية ، فهى التى توفر لنا الأرض الصلبة للنضال المستقل ، أما المبالغة فى ارتياد مقرات الأحزاب فلن يكون له فائدة كبيرة ، بل قد يكون ضاراً حيث أن جمهور مقرات الأحزاب يتكون أساساً ( وليس كلياً بالطبع ) من الانتليجنسيا البورجوازية والبورجوازية الصغيرة ، وأغلبهم له انتماءاته السياسية التى يصعب التأثير فيها من داخلها دون نفوذ جماهيري ، حيث انها محاصرة بضوابط الشرعية ، وتضييقات السلطة وغير قادرة على مخاطبة الجماهير ، ان مركز الثقل التنظيمى فى عملنا يكون بالتحديد فى أشكال العمل العلنى فى مختلف مراكز الانتاج والتجمعات السكانية ، مع ضرورة تنظيم الجهد وتوفيره لعملنا الرئيسي بعيداً عن الاستغراق فى تلك النشاطات السياسية التى تنظمها الأحزاب الشرعية .
إن مجال التأثير الاساسي على جمهور الاحزاب السياسية هو التأثير من الخارج عن طريق تعديل ميزان القوى الثوري والنفوذ المؤثر فى صفوف الجماهير .
11- ينبغى عدم الصدام مع الجماعات الدينية على محور الدين ، وعدم إستفزاز مشاعرهم الدينية ، ولكن ينبغى نقل نضالنا الى مناهضة النقاط البرنامجية الرجعية ، مع الالتقاء مع أية جوانب ايجابية بعد تخليصها من سياقها الرجعى ، وتوجيه الاهتمام الى النضال النظرى فى قضايا الدين ، والتمييز بين جمهور الجماعات الدينية الذين هم رصيد للحركات الجماهيرية الثورية ، وبين القادة والكوادر المذهبيين . وذلك دون الوقوع فى فخاخ انتهازية إخفاء الوجه والتوفيق الطبقى حول اشتراكية الاسلام . ان نهوض الحركة الثورية ونقل الصراع الى التناقضات الاجتماعية المادية هو الذى من شأنه أن يفض ذلك التجمع الدينى المتطرف ، ذلك ان ( قصر ) اى صدام على صعيد الفكر حول قضايا اللاهوت سيدفع بنا الى منزلق مثالى مهما كانت مادية الآراء التى نقدمها ، وذلك دون التقليل من أهمية النضال النظرى ضد التطرف الدينى ، والفكر اليمينى الدينى عموماً .
ويجب الانتباه الى الهجوم على كافة الاجراءات الاستبداداية ، والقمع البوليسى الموجه من السلطة الى هذه الجماعات ، وتوضيح انتهازية السلطة التى لا تتوقف عن استغلال الدين وحتى التطرف الدينى ولكن شرط ( .... كلمات غير واضحة فى النص ) فكما عاينا فى المرحلة الأخيرة بعد افلاسها الفكرى ، وحتى بعد فض تحالفاتها مع الجماعات الدينية المتطرفة ، بصب الماء بشكل مباشر فى طاحونه التطرف الدينى ليتوسع وينتشر ، ثم حينما تجد أن مخاطره بدأ يمسها هى توجه اليه آلتها البوليسية .
ويجب التشهير باشتراك السلطة واثارتها للفتن الطائفية لتفريق وحدة الطبقات الشعبية ولضرب كافة اشكال المعارضة
12- إن حزبنا يقف الى جانب المساواة التامة بين ابناء الشعب المصري والى علمانية الدولة ، ويدين كل أشكال الاضطهاد التى تمارسها السلطة ضد المسيحيين وتدخلها فى شئونهم الدينية ، وسلوكها اليومي ( سطران كاملان غير واضحان ........................................................ ) فى نفس الوقت ضد الميول الرجعية الدينية لدى المسيحيين . اننا لا ندعو الى مجرد التآخى بين المسلمين والمسيحيين ، وانما نناضل من أجل وحدة الكادحين ضد عدوهم الطبقى ، وتخليص الشعب المصرى من الشعوذة بالدين والمتاجرة به .
13- إن مواجهة الأزمة الوطنية الاقتصادية الشاملة ، ولعب دور قيادي فى صفوف الجماهير يقتضى معاظمة الجهد الذاتى للحزب سواء فى النضال النظرى ، أو فى النضال السياسي والاقتصادي ، أو على صعيد النضال من أجل وحده الحركة الشيوعية ، وعلى صعيد العمل لبناء أسس جبهة متحدة ثورية من الطبقات الشعبية بقيادة الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي .
ان وزن العنصر الذاتى يحتل أهمية خاصة فى تلك الظروف التى نشهد فيها هوة بين استفحال التناقضات ، ومقدار الطاقة الثورية الكامنة والسخط الجماهيرى الخامل ، وبين ركود الحركة الجماهيرية وتفسخ القيم وانتشار الحلول الفردية على حساب الحلول الطبقية الجماعية وانتشار العدمية والامبالاة .
************************************************************** القسم الثانى ***************************************************************************************************

تكتيكات النضال
1- إن النضال الثورى ينطوى ويشتمل على أشكال متنوعة ومستويات مختلفة ، سواء فى مجال النضال السياسي أو النضال الاقتصادى . ولم تكن تكتيكات نضالنا قبل سيادة الانحراف مقتصرة فقط على الاشكال الانتفاضية العليا ولاعلى أشكال التنظيم اللاشرعية وحدها ، ولاعلى النضال السياسي وحده ، وانما مارسنا أيضاً أبسط أشكال النضال وقمنا باستغلال مختلف ثغرات الشرعية التى توفرت فى ذلك الوقت ، كما أننا تصدينا لقيادة النضال الاقتصادى وعملنا على تطويره وعلى ربطة بالنضال السياسي .
2- إن النضال الثورى ليس مرادفاً للنضال العاصف ، ولا يقتصر على أشكال التنظيم اللاشرعية ولا النضال السياسي وحده ، ذلك أنه من الواجب العمل القانونى فى أبسط أشكال للنضال واستغلال مختلف ثغرات الشرعية ، وقيادة النضال الاقتصادى . إن الخطأ والانحراف ينجم فقط من التكيف مع هذه الاشكال ، حيث ينبغى تطويرها نحو أشكال أرقى ، ومن الخطأ والانحراف إستبعاد النضال والتحريض والدعاية حول القضايا السياسية الكبرى ، وتخفيضها إلى شعارات أدنى ، حيث ينبغى التمسك بشن الدعاية والتحريض وحول هذه القضايا بأشكال مناسبة لاتمس مضمونها ، ومن الخطأ الوقوف عند إستغلال منافذ الشرعية ، وإنما ينبغى أن يستخدم ذلك الاستغلال من أجل التعبئة لأشكال التنظيم اللاشرعية ، وفى إنهاض موجة ثورية جديدة ، وينبغى استغلال النضال فى أبسط أشكال النضال من أجل التعبئة والانتقال الى أرقاها . والخطأ هو التكيف مع النضال الاقتصادى ، أو حتى تطويره هو فحسب واستبعاد التحريض السياسي ، من أجل التعبئة والتحضير للنضال السياسي بمختلف أشكاله.
بعبارة موجزه إن النضال الثورى ينطوى على مضمون واحد، فقط تتغير الأساليب والأشكال والتكتيكات اليومية التى يشن هذا النضال فى إطارها .
3- والنضال الشرعى وشبه الشرعى أو القانونى وشبه القانونى من الخطأ خلطها ، باستغلال ثغرات الشرعية فى النضال الثورى وهى تسميات غير دقيقة صاحبت محاولة تصحيح تكتيكاتنا اليومية بعد التحولات التى أصابت الحركة الجماهيرية سواء بعد 6 أكتوبر 1973 او بعد يناير 1977 . ذلك أن النضال الشرعي أو القانونى ، هو نضال يتكيف من حيث الشكل مع أشكال التنظيم الشرعية ، ويتقيد من حيث المضمون بسياسة لا تتجاوز الأسس الشرعية للنظام ، وخاصة فى نظام إستبدادى يجرم أبسط الحقوق حتى حق الاضراب من أجل أبسط المطالب الاقتصادية ، ويجرم قانوناً كل مساس بسياسته الاستسلامية والخيانية .....الخ
فالنضال الثورى حينما يستغل ثغرات الشرعية ، ومن ثم ينشط فى أشكال التنظيم الشرعية ( النقابات العمالية والمهنية – الاتحادات الطلابية – البرلمان – وأخيراً نشاطات الاحزاب الشرعية ) لا تكون هذه سوى مجرد أشكال يستخدمها كمنابر للتحريض الثورى السياسي والاقتصادى . كما أن إستغلال ثغرات الشرعية فى مختلف أشكال المنظمات الثقافية والاجتماعية لا تكون سوى " واجهة " ومجال لعقد الصلات بأوسع جمهور ممكن وبشكل يومى من أجل القيام بالدعاية والتحريض بالأشكال المناسبة التى لا تمس مضمون خط الحزب الثورى . ونحن فى هذه الحالة نخرق الشرعية مرتين مرة بمخالفة الغرض الذى انشئت من أجله هذه المنظمات ، ومرة بمخالفة القوانين الإستبدادية التى تجرم مضامين تحريضنا ودعايتنا الثورية ، وتكمن المهارة بالطبع فى التوفيق بين إستغلال هذه الاشكال دون المساس بخط الحزب السياسي ، وبين اطالة أمد وجودنا فى هذه المنظمة أو تلك لأطول فترة ممكنة . وفى الممارسة سوف نجد محاولات لإطالة أمد وجودنا على حساب الخط السياسي ، والعكس سوف نجد محاولات قافزة تؤدى الى اهدار إمكانات وجودنا ، فهى معادلة صعبة لا تحل الا بالممارسة والخبرة والقيادة الحزبية اليقظة والجماعية وبتعميم الخبرات ، اى بوصفها جزءا من فن النضال العلنى .

بعبارة موجزة فإن الثوريين حينما يعملون فى منظمات أو مجالات شرعية فانها لا تعدو وأن تكون منابر للتحريض الثوري ، ومجالاً لعقد أوسع صلة ممكنة بالجماهير ، ومن هنا يتأتى تسميتها بمقولة إستغلال ثغرات (منافذ) الشرعية ، كونها تخضع تماماً لمضامين النضال الثورى ولخدمة أشكال النضال الثورى ولا يخضع لها . أما النضال الشرعى والقانونى فهو يخضع نفسه شكلا ومضمونا ويتكييف مع الشرعية والقانون المفروض من السلطة الاستبدادية .
4- إن النضال الثورى ، كما هو واضح يشمل أساليباً متنوعة تتناسب مع مستويات مختلفة من الحركة ، ومستويات مختلفة من أشكال التنظيم ، ومن ثم فهو طريق الزامى ، ومبدأ حاكما لنضال الثوريين سواء فى ظروف العواصف ، أو ظروف الهدوء ، فى ظروف الثورات ، أو فى ظروف هزيمتها ، فى ظروف المد ، وفى ظروف الجزر ، ولا يمكن أن يكون النضال الشرعي هو الشكل الرئيسي للنضال ، فهذا لا يستقيم الا مع احزاب لا تستهدف تغيير المجتمع ، وإنما تستهدف التعايش معه . ناهيك عن أنه يخضع لمختلف أشكال التضييق والمحاصرة ، حتى حينما يكون قائماً على نفس أسس النظام البرجوازى وخاصة وأننا نعيش فى ظل سلطة إستبدادية .
والنضال الشرعي غير جائز أيضا بوصفه طريقاً للتغيير بالنسبه لحزب ثورى يعمل فى ظل جمهورية بورجوازية ديمقراطية . ففيها يجوز أن يكون النضال البرلمانى شكلاً رئيسياً النضال ، ولكن الحزب الثورى يستخدم هنا النضال البرلمانى ، من أجل تغيير المجتمع البرجوازى وأسسه بالطريق الثورى( أى بالثورة ) وليس عن الطريق البرلمانى، والأخير فقط هو الذى يطلق عليه النضال االشرعى القانونى حيث أن الاستيلاء على السلطة يأتى بالطريق الشرعي القانونى .
5- إن تحليلنا للظروف المتغيره فى هذه اللحظة أو تلك من لحظات الأزمة ، يكون من أجل إستخدام هذا الشكل أو ذاك من أشكال النضال الثورى ، لا من أجل احلال تكتيك للنضال الشرعى وشبة الشرعى بعد حرب أكتوبر محل تكتيكات النضال الثورى التى شهدناها قبل حرب اكتوبر ، ولا من أجل الحديث عن طريق إستثنائى للنضال الثورى فى الحركة الطلابية قبل حرب أكتوبر ، اوطريق آخر للنضال مخالف فى الحركة العمالية قبل وبعد حرب أكتوبر ، فنحن ازاء طريق واحد ثورى فى النضال فى جميع الظروف وفى جميع المجالات العمالية والطلابية ، فقط تختلف أشكاله ومستوياته حسب هذه اللحظة أو تلك .
6- إن المنطق الهجومى الصدامي حينما تحول الى منطق ونزعة منحرفة طابق بين النضال الثورى ، وأشكال بعينها عاصفة وسياسية عالية ، وإستبعد أشكالا أخرى للنضال الثورى . ومن ثم فنحن حينما نصحح الانحراف لا نأتى بجديد لم يكن له وجود فى ظروف ما قبل حرب أكتوبر ، وإنما نعود الى أسس خطنا الثورى التى لا تستبعد أى من أشكال النضال الثورى .
ففى ظروف ما قبل حرب أكتوبر وجدت ظروف الهدوء وظروف العواصف ، ووجدت الأشكال الشرعية التى قمنا باستغلال الثغرات الشرعية فيها ، وفى ظروف ما بعد حرب أكتوبر وجدت ظروف العواصف حتى 1977 دون أن نستطيع الاستفادة منها ، كما ساد الهدوء النسبى فيما بعد 1977 وحتى الآن وينبغى العمل فيها بالأشكال المناسبة لا من أجل التكيف معها ولكن من أجل التحضير لنهوض ثورى جديد . كما أن هذه الظروف التى تلت حرب أكتوبر وما رافقها من استسلام ، ومن تقويض الاستقلال الاقتصادى ، وتشديد الاستغلال البورجوازى ، واستفحال التناقض بين العمل ورأس المال، يعنى أن طاقة ثورية عظيمة كامنة ، سوف تتفجر عن حركات ثورية عاصفة وبقدر ما نعمل فى ظروف الهدوء وبالاشكال المناسبة ، بقدر ما نوقظ هذا التفجير المقبل ، وبقدر ما نكون قادرين على التأثير الثورى فى العواصف المقبلة فلا تظل على أرض العفوية .
7- إننا حينما نهتم بتشخيص الظروف الموضوعية للنضال ، وبتشخيص أوضاع الحركة العفوية ، فذلك لكى نحدد الظروف المعطاه للأوضاع الفعلية للحركة العفوية من جهة ، ولكى نحدد آفاق النضال من جهة ثانية .
إن المعرفة الدقيقة للظروف المعطاه تحدد لنا التكتيك المناسب للتعامل مع المستوى المعطى فى الحركة العفوية ، كذلك فإن المعرفة الدقيقة لآفاق النضال والطاقة الثورية الكامنة فى الشروط الموضوعية القائمة تحدد لنا الطريق الذى ينبغى أن ندفع الحركة والنضال إليه .
أما الانتقال من شكل نضالى الى شكل نضالى آخر اكثر تقدماً ، وكذلك التراجع من شكل نضالى متقدم الى شكل نضالى أقل تقدماً ، لا يحله أبداً التقدير العام لظروف النضال ، وإنما يحله الرصد الدقيق للتبدل فى المزاج الجماهيري والتوتر العفوى ، والتحريض وحده هو الذى يمكننا من تقدير سليم للتحول من هذا الشكل النضالى أو ذاك ، الى شكل آخر أقل أو أكثر تقدماً وهو يمكننا من التنبؤ بأن هناك نهوضا ثورياً وشيكاً أم لا، وهو ما تعجز عنه أدق التحليلات الاقتصادية السياسية ، فهذه فقط تفيد فى تحديد الاطار العام لمرحلة تنطوى على امكانيات النهوض الثورى أم لا ، وبناءاً على تحليل وتشخيص طبيعة الأزمة القائمة فى الشروط الموضوعية وما تحمله من طاقة ثورية .
8- ان المستوى المعطى للحركة العفوية الراهنة ، وهو ماكان من الضرورى تدراكه منذ زمن طويل، يفرض علينا اعتماد الأشكال البسيطة للعمل العلنى والنضال الاضرابى والاشكال الاحتجاجية السياسية البسيطة واستغلال ثغرات الشرعية التى اتسعت بعد التحولات التى اصابت البناء السياسي للنظام .
******************************************************************القسم الثالث **************************************************************************************************
التوجه للطبقة العاملة وبناء الحزب
1- ليست قضية بناء الحزب مسألة تكنيكية لمجموعة من القواعد العامة فى البناء الداخلى، فهذه لا يمكن فصلها عن مهام الحزب النضالية فى صفوف طبقته (الطبقة العاملة ) والطبقات الشعبية الحليفة ، كما لا يمكن فصلها عن التناقضات التى تواجه الحزب فى تصديه لمهامه الكفاحية فى ظروف لا يمكن أن تتصف بالثبات . إن هذه جميعاً تتفاعل بصورة جدلية مستمرة مع حزب لا ينشأ للوهله الأولى كبيراً ، كما لا ينشأ منذ أول لحظة منتشراً فى صفوف طبقته .
وفى علاقة وثيقة مع تقديم الاجوبة الصائبة حول معضلات النضال الشيوعي ، ينبغى الاجابة على أسئلة كبيرة تحدد وجهة بناء الحزب : كيف يوزع الحزب قواه بين طبقته والطبقات الشعبية الأخرى ؟ متى يركز الحزب على طبقته . متى يتوجه الى طبقات السكان الأخرى ؟ ما هى المهة المركزية ( فكرية أو سياسية أو طبقية ) التى ينبغى على الحزب أن يركز عليها فى هذه اللحظة أو تلك حتى يتقدم الحزب الى الأمام ؟
2- وحزبنا كأى حزب شيوعي آخر ، نشأ من الناحية الأساسية فى صفوف المثقفين ، ومن ثم منفصلاً عن طبقته . ومن البديهى أن تكون المهمة الأولى التى ينبغى أن يركز عليها من اللحظة الأولى ، هى مهمة التوجه للطبقة العاملة . ولكن الظروف التى أحاطت بهذه المهة لم تستمر على حالها ، كما أن أوضاع الحزب نفسه لم تستمر كما كانت ، وكذلك الحركة الشيوعية ، ولابد لهذه المتغيرات أن تترك أثرها دون أن ترقى الى جعل مهمة التوجه تتراجع الى ان تكون ذات أهمية ثانوية . فهى مهمة ستظل تتطلب أن يركز الحزب قواه عليها حتى تتحقق .
3- وهذا التحديد الواضح الحاسم لا ينطلق فقط من كوننا حزباً شيوعياً لا يجد هويته المتميزة ودوره المتميز فى الصراع الطبقى بعيدا عن طبقته او بقوى اخرى غير قوى طبقته العامله ، وإنما ينطلق أيضاً من أنه لا يمكن الحديث عن نضال ثورى سياسي واقتصادي يتخذ صفة الثبات والرسوخ لأى طبقة من الطبقات الشعبية دون أن تدخل الطبقة العاملة وحزبها الطليعي على رأسها غمار النضال الثورى .
ان أزمة الحركة الشيوعية الثالثة بأسرها تتجلى فى الواقع التالي : إنها حركة ماتزال تدور من الناحية الاساسية داخل دائرة المثقفين وهى فى نفس الوقت منفصلة عن الطبقة العاملة والطبقات الشعبية اى منفصلة عن القوى الاجتماعية القادرة على تحويل الفكر الشيوعى الى قوة مادية متعاظمة وصاعدة . وينبغى فى هذا الصدد التأكيد على أن الحركة الطلابية هى أحد روافد حركة المثقفين ، ومهما كان لها من امتداد جماهيرى فى الفئة الطلابية ، فإن ذلك لا يغير من طابعها الاساسى هذا .
ان الخروج من الأزمة يكمن فى القضاء على الانفصال المذكور ، الذى يضعف كل من الحركة الشيوعية والطبقة العاملة فى آن واحد .
4- إن هذه النظرة الواضحة كانت هى الموقف الرسمى للحزب كما تم بلورته فى تقرير أغسطس 1972 ، إلى أن جاءت أدبيات الانحراف البيروقراطي فزعمت العكس ، ونعنى هنا نظرية " الحلقة الوسيطة ".
فتقرير أغسطس 1972 طرح مهمة التوجه الطبقة العاملة ، بل لقد حذر من خطر الانحراف التلقائى ، إذا لم يتسنى للحزب انجاز مهمة التوجه ، واستمر فى مواقع النشأة . كما أن عضويات الحزب العمالية وصلت فى 1973 إلى ثلث عضوية الحزب ، حاملة بذلك إمكانات هامة على الطريق الطويل لتحقيق هذه المهمة .
ولم تقتصر أخطاء أدبيات الانحراف البيروقراطي على نظرية "الحلقة الوسيطة "، وانما طلعت علينا بنظرية "الجريدة "، وحرفت مفهوم الحزب عن الانحراف التلقائى ، وفشلت فى تشخيص دقيق لهذا الانحراف فى علاقته الوثيقة بالفشل فى التوجه للطبقة العاملة بعد أن كان حزبنا قد خطى خطوات هامة على طريقه .
وكل هذه المسائل تتطلب منا وقفه خاصة لتحديد موقف واضح منها حتى يتسنى لنا تحديد دقيق لوجهة ومعضلات بناء الحزب التى عندما إنحرفنا عنها دخل حزبنا فى أزمات متتابعة ، لن يتمكن الحزب من الخروج منها دون العودة الى هذه الوجهة فى الظروف الجديدة التى نعيشها الآن .
الحلقة الوسيطة الطلابية : -
أولاً : - تتخلص نظرية الحلقة الوسيطة الطلابية فى :-
1- يقظة الطلاب السياسية ودخولهم غمار النضال السياسي بينما ماتزال الطبقة العاملة تغط فى سبات عميق .
2- التركيز المطلق للطلاب على السياسة .
3- تعميم ذلك بالقول أن القضية الوطنية كقضية سياسية كبرى ، توجد خارج النضالات المباشرة للطبقة العاملة ، فهناك "حركة سياسية ثورية" من خارج صفوف الطبقة العاملة . وبهذا التعميم أمكن التنظير لخصوصية ظروف النضال فى بلادنا وتميزها عن ظروف النضال فى روسيا القيصرية ، وذلك للخروج باستنتاجات مغايرة عما دعا إليه لينين من ضرورة تركيز قوى الحزب على الطبقة العاملة حينما تكون قوى الحزب قليلة .
4- انه حينما توجد قضية سياسية كبرى خارج النضالات المباشرة للطبقة العاملة وبينما تركز عليها الحركة الطلابية بشكل مطلق ، فإنه يكون من الخطأ التركيز فى الحزب على التوجه للطبقة العاملة .
5- إن النضالات الطلابية الوطنية من شأنها أن توقظ الحركة العمالية على النضال السياسي الوطنى ، فالحركة الطلابية تكون بذلك أداة الحزب فى ايقاظ الطبقة العاملة .
ثانياً:- نقد نظرية الحلقة الوسيطة
1- إن الطبقة العاملة لم تكن تغط فى سبات عميق ، وإنما بدأ نهوضاً وانفضاضها عن النظام منذ هزيمة 1967 مثلها مثل باقى الطبقات الشعبية ، وان هذا النهوض كان من شأنه أن يتعاظم فى مداه وفى عمقه لو لم يكن هناك انفصال بين الطليعة الشيوعية وبين الطبقة العاملة .
2- إن الحركة العمالية تتخذ مباشرة ، ماعدا إستثناءات ، شكل النضال الاقتصادى وأن تحويله الى نضال سياسى يرتبط بجهود الشيوعيين ، فالانطلاق من واقع الانفصال بين الحركة الشيوعية وبين الطبقة العاملة ، والخروج بتعميم نظرى حول عجز الطبقة العاملة عن خوض غمار النضال السياسي ، هو تعميم خاطئ ينطلق من مقدمة خاطئة .
3- واذا كنا معنيين بتجاوز الانفصال بين الطليعة الشيوعية وبين الطبقة العاملة ، فانه من الخطأ الاعتماد على مقدمة تقوم على واقع هذا الانفصال ، لنستنتج منها تأييد هذا الإنفصال ، بالقول بتركيز قوى الحزب على الحركة الطلابية وليس على الطبقة العاملة .
4- أما الحركة الطلابية فقد كانت تتميز بأنها تحتضن بشكل طبيعي وتلقائى الطلائع الثورية الشيوعية ، ومن هنا فإن الشكل المتقدم للنضالات الطلابية لا يعود الى طابع عفويتها فحسب ، وإنما يعود أيضاً الى تأثير الطليعة الثورية الشيوعية من قبل ، بل انه بدون هذه الطليعة كان من الممكن أن تتبعثر وتتبدد النضالات العفوية الطلابية . وذلك ناهيك عن أن الحركة الطلابية لم تحتضن فى داخلها ، بشكل عفوى ، الطليعة الشيوعية فقط ، بل لقد احتضنت الهالة الواسعة من حركة المثقفين الثوريين الذين كانوا يمرون بتحولات هامة فى مواقفهم من النظام بعد الهزيمة . فالحركة الطلابية هى من زاوية من الزوايا واحدة من حركات المثقفين التى حينما أحاطت بها ظروف الهزيمة أخذت شكل النضال السياسي العملى وليس النضال الايديولوجى أو الثقافى . فالمقارنة بين الحركة العمالية والحركة الطلابية مع اغفال إنفصال الطليعة هناك واتصالها هنا ، هى مقارنة جافية تماماً . كما أن الخروج منها باستنتاج يؤدى الى تركيز قوى الحزب بشكل قصدى على الطلاب وعدم تركيزها على العمال ، يؤبد هذا الواقع الذى يرتبط بخصائص النشأة العفوية للطليعة الشيوعية ، بدلاً من تجاوزه .
5- إن واقع الانفصال بين الطليعة الشيوعية وبين الطبقة العاملة لا يؤدى فقط الى اضعاف كل منهما معاً ، وإنما يؤدى أيضاً الى إضعاف ذلك النضال الطلابى نفسه وقد كنا نتحدث عن الحركة الطلابية بوصفها شرارة ** ، ومن الطبيعي أن تنطفئ إذا لم يكن هناك ذلك النهوض السياسي للطبقة العاملة ، ذلك أن الحركة الطلابية لابد أن تواجه ذلك التناقض بين قواها الهامشية فى المجتمع ، وبين الشعارات التى التفت حولها ، وذلك من شأنه أن يدفعها نحو التراجع والانطفاء، وذلك حتى دون تأثير حرب اكتوبر ، تلك الحرب التى عملت على اجهاض الحركة الطلابية بصورة أسرع .
فالنضال السياسي للطبقة العاملة ، بسبب من وزنها الموضوعى فى المجتمع ، ودورها فى تقسيم العمل الاجتماعى ، هو وحده الذى من شأنه أن يجعل من نضالات الفئات والطبقات الشعبية الأخرى أكثر ثباتاً وأكثرعمقاً .
6- إن تسييس الطبقة العاملة لا يمكن أن يتحقق نتيجه لتأثيرات فئة أو طبقة شعبية اخرى ، ولا شك أن نضالات مختلف الطبقات تتبادل التأثير ، ولكن دون أن ترقي للحلول محل الطليعة الحزبية المنظمة . وبدون عمل هذه الطليعة فلن يتجاوز تأثير فئة أو طبقة اجتماعية على فئة أو طبقة أخرى ، أكثر من المساهمة فى توسيع وتشجيع نضالاتها العفوية ، من الناحية الاساسية ، وهى نضالات فى حالة الطبقة العاملة لا تتجاوز النضال الاقتصادى .
إن تسييس الطبقة العاملة هو نتاج عمل منظم تقوم به الطبقة العاملة نفسها بقيادة طليعتها الشيوعية الثورية ، ولايمكن أن يكون نتاج تأثير اشعاعات النضالات الطلابية ، تلك التى لم تكن هى نفسها الا نتيجة للتفاعل المنظم بين الطليعة الشيوعية المنظمة وبين عفوية الطبقة العاملة . وذلك فضلاً عن أن المراهنة على إستمرار الحركة الطلابية محافظة على نهوضها ، كانت مراهنة خاطئة نظرياً وعملياً ، أى لم يكن من شأن الحركة الطلابية أن تستمر لتمارس هذا الدور التسييسى للطبقة العاملة .
7- ولكن هل يعنى القول بضرورة التركيز على التوجه للطبقة العاملة ، إهمال الحركة الطلابية وهجرها ؟! إن قولا كهذا هو قول خاطئ ، بل لعل الانحياز الى الأهمية الثورية ل ( ... ) الحركة الطلابية هو الورقة الأخيرة التى تجعل من نظرية الحلقة الوسيطة نمارس نفوذها .
إن القول بضرورة تركيزقوى الحزب على التوجه للطبقة العاملة ، لايمكن أن يكون فعل إرادة يكفيها مجرد قرار ادارى ، وإنما هى عملية كفاحية كاملة . فالنشأة العفوية للحزب فى صفوف المثقفين ، يعنى أن مركز الثقل فى نشاط الحزب ، كمعطى موضوعى ، وليس كتوجه قصدى ، سوف يكون فى مجالات المثقفين ، أى أنه سوف يكون منفصلا بالضرورة عن الطبقة العاملة ، كمعطى موضوعى اجبارى ، وليس كإختيار مقصود بذاته ، والقضية تكون نقل مركز الثقل بشكل قصدى ومنظم ، الى الطبقة العاملة ، دون قطع الصلة بمجال المثقفين ، لأن الحزب فى الطور الحالى للنشأة لا يكون قوة جامعة وانما قوة تتكون وتنمو من مجالات المثقفين الثوريين ، لهذا فإن قطع الصلة بمجالات المثقفين ، يعنى قطع الصلة بتلك القوى التى ينبغى تعبئتها ثم توجيهها الى الطبقة العاملة . ولو تصورنا أن حزبنا كان قوة قليلة تجاوزت مخاض النشأة (كأن يكون قد تكون نتيجة لانشقاق فى الحركة الشيوعية الثانية ) فإن هذه القوة القليلة للحزب كان بإمكانها أن تمركز قواها على الطبقة العاملة وفى نفس الوقت سوف يكون لها وجودها فى مجالات المثقفين ومنها الحركة الطلابية وتمكنها من قيادتها . فالحزب كلما تعاظم نفوذه فى صفوف الطبقة العاملة لابد أن يتعاظم بالضرورة فى صفوف المثقفين كنتيجة مباشرة لتعاظم نفوذه فى صفوف المجتمع بأسره ، ذلك أن حركات المثقفين هى مرآه تنعكس فيها كافة الميول الفكرية والسياسية فى المجتمع . فالوجود فى مجالات المثقفين ، لا يمكن أن يكون فى كل الأحوال وجوداً على حساب الوجود فى المجال العمالى .
8- لقد كان حزبنا حلقة بسبيلها إلى التكون والتحول الى حزب ، لابد أن تأخذ مداها فى مجالات المثقفين ، ليتمكن أكثر فأكثر من معاظمة تواجده ( الذى يبدأ من لحظة النشأة الأولى ) فى صفوف الطبقة العاملة ، حتى يتمكن فى النهاية من نقل مركز ثقله من مجالات المثقفين الى الطبقة العاملة ، وكان من الممكن أن تتخذ نشأة الحزب فى مجالات المثقفين شكل الحركة الثقافية ، الا أن الظروف السياسية العامة بعد الهزيمة جعلت هذه النشأة محاطة بحركة جماهيرية عفوية فى واحد من أهم مجالات المثقفين (اى المجال الطلابى ) مما جعل هذه النشأة تتخذ شكل الحركة السياسية الجماهيرية .
حينما نقول أن وجود الحزب فى الحركة الطلابية كان وجود عفوياً أى كان معطى موضوعى وأنه لم يكن وجوداً قصدياً جاء على حساب الوجود فى المجال العمالى ، فإن ذلك لا يعنى أن قيادتنا للحركة الطلابية هى عمل عفوي ، وانما هو عمل قصدى تماماً . ذلك أنه حينما تكون هناك فرصة امام الحزب لينقل نشاطة الدعائى الى مجال النشاط الجماهيري السياسي الكفاحى ، فإن الحزب لا يمكن أن يفوت هذه الفرصة على الاطلاق ، سواء كان ذلك فى المجال الطلابي أم فى المجال العمالى . فذلك واجب كفاحى ليس فقط لأهميتة السياسية ، وإنما أيضاً لكى يخلق ويربى نفسه خلقاً وتربية كفاحية .
فلا ينبغى الخلط بين الحديث عن توجه قصدى للحركة الطلابية بما يعنيه ذلك من تفويت فرص التوجه الى الطبقة العاملة ، وهذا ما لم يحدث ، وبين الحديث عن التوجه القصدى للانتقال من الكفاح الدعائى الى الكفاح السياسي الجماهيري .
خلاصة القول أن مجالات المثقفين لا يمكن أن تخلو من وجود تنظيمى للحزب الشيوعي ، سواء كان ذلك فى مرحله مخاض النشأة الأولى أو كان قد تجاوز هذه المرحلة . ففى الحالة الأولى يكون وجود الحزب مركزاً فى مجالات المثقفين بسبب طبيعية النشأة العفوية ، فى الحال الثانية فإن وجود الحزب يتعاظم فى مجالات المثقفين ، برغم (بل بسبب) انتقال ثقله التنظيمى الى الطبقة العاملة .
6- ان المخاطر النظرية والعملية لنظرية الحلقة الوسيطة ليست فى أنها تنادى بالتصدى القيادي للحركة الطلابية ، وإنما فى المبالغة فى دور هذه الحركة ، والحط من إمكانيات الطبقة العاملة على خوض غمار النضال الثورى السياسي والاقتصادي ، واستعظام الصعاب أمام إمكانيات تحويل النضال الاقتصادى العمالى الى نضال سياسي .
ومخاطرها ليس فى أنها مسئولة عن وجود نفوذ تنظيمي وسياسي قيادي للحزب فى الحركة الطلابية ، وإنما فى أنها مسئولة عن تدهور وجود الحزب التنظيمى والسياسي سواء كان فى الحركة الطلابية ام فى الحركة العمالية حينما أرادت التنظير للاستمرار فى مواقع النشأة التلقائية وعدم العمل المنظم على نقل مركز الثقل التنظيمي الى الطبقة العاملة .
وأخيراً فمخاطر نظرية الحلقة الوسيطة هو الترويج لإحلال الحركة الطلابية محل الحزب فى تسييس وايقاظ الطبقة العاملة ، مما يؤدى الى اهدار امكانيات النضال العمالى وامكانيات تطور الحزب فى آن واحد .
الانحراف التلقائى
1- لابد من التأكيد أولاً على أن المدلول العلمى عن الانحراف التلقائى ( الذى حذر من خطره تقرير اغسطس 1972 ، ثم أصبح بعد ذلك انحرافاً فعلياً ) هو بالتحديد الاستمرار فى مواقع النشأة التلقائية ، اى العجز عن القيام بالمهام التنظيمية والفكرية والسياسية التى تمكننا من التوجه للطبقة العاملة . وليس معنى ذلك أن تقرير أغسطس 1971 وقف موقفاً سلبياً من قضية تجاوز الحرفية ، بل لقد وضع هذا التقرير الأسس التى ينبغى لنا إتباعها للارتقاء بالعمل الحزبى ، من اجل ترقية انجاز الحزب لمهمة التوجه للطبقة العاملة .
على أننا ينبغى أن نلاحظ ما يلى :-
- لم ينزلق تقرير اغسطس ، كما فعلنا نحن فى أدبيات الانحراف البيروقراطي ، الى وضع تعارض بين تجاوز الحرفية وبين انتشار الحزب فى المواقع ، والمواقع العمالية بالتحديد ، وإنما وجه اهتمام الحزب الى العمل المباشر فى المواقع العمالية ، ونظر الى الصحافة بوصفها قائداً ومنظماً للعمل التحريضى والدعائى فى النضال العملى (السياسي والاقتصادى) عموماً وفى المواقع العمالية خصوصاً ، ومن المعروف أن جريدة "الشرارة " التى صدر عنها ثلاثة أعداد 1973 كانت مكرسة بشكل خاص للنضال العمالى ، كما كانت ترشد نضالاً فعلياً للحزب فى المواقع العمالية .
- ان تقرير اغسطس وهو يضع الخطة لتجاوز الحرفية ، يؤكد على قانون الاعداد الصغيرة ، الذى يعنى أن هناك حدوداً موضوعية على قدرتنا على تجاوز الحرفية لا يمكن أن نجد حلها فى التركيز الاحادى على الترتيب الداخلى ( تحت اسم مركزه جهود الحزب حول اصدار الجريدة ) كما لا يمكن أن تجد حلها فى التركيز الاحادى على الصلات فهى تجد حلها فى بناء الحزب من جميع الجوانب ، الذى يمكنه من التوسع الذى يقضى أكثر فأكثر على التأثير الشارط لقانون الاعداد الصغيرة .
- لقد كان المسلك العملى للحزب حتى 1973 يشهد على التقدم فى تطبيق تقرير أغسطس، ففى حين كان تواجدنا العمالى محدوداً جداً فى البديات الأولى لعملنا الحزبى ، إذ بنا نشهد فى 1973 حوالى ثلث عضوية الحزب عضوية عمالية .
ومعنى ذلك أن الاتجاه نحو تجاوزً أوضاع النشأة قد بدأ يحقق نتائج ملموسة ، رغم أن مركز الثقل فى نشاط الحزب كان ما يزال خارج الطبقة العاملة ، ورغم محدودية ما تحقق فى حزب مايزال محدوداً جداً من الناحية العددية بالقياس إلى ضخامة مهمة التوجه .
وبالطبع فكما كان هناك توسع محتمل فى المجال الطلابى ، فقد كان هناك أيضاً توسع محتمل فى المجال العمالى ، بل لقد كانت العضوية فى المجال الطلابى قد بدأت تغادره ( بالتخرج ) ، ومن ثم كانت رصيداً محتملاً للتوسع فى المجال العمالى ، ومعنى ذلك أن المستقبل كان يحمل إمكانات عظيمة للتوجه للطبقة العاملة .
3- ولكن فى 1973 شهدنا ضربة ****توجه لنا فى أهم تمركز عمالى لحزبنا مع القسم البارز من قيادة الحزب ، فى نفس الوقت الذى بدأ فيه التوسع فى المجال الطلابى . وبدأ الاختلال فى هيكل عضوية الحزب لغير صالح الطبقة العاملة .
فالضربة لم تفقدنا فقط ما لدينا من عضويات عمالية ، وإنما أفقدتنا أيضاً أهم مجال للتوسع المحتمل فى العضوية ، وفى إمكانيات تطوير نضال عمالى ، كان من نشأنه أن يفتح لنا الباب الى مواقع جديدة .
وفضلاً عن ذلك فقد أدت الضربة الى خسارة فكرية الى جانب الخسارة التنظيمية ، حيث خسرنا أهم ( مشروع ) دراسة لتطوير خط الحزب ، ومعها أهم بلورة لبرنامجنا المطلبى العمالى فى المجال النقابى وقوانين العمل الخ ... كل ذلك كان بسبب "الاستجابة اليسارية للضربة "، حيث قطعت الصلة تماماً بالموقع المضروب وتقاعسنا عن خلق صلات جديده فى الحركة العمالية ، ولم نركز بما يكفى على تطوير العلاقة ببعض الحلقات العمالية ، ولم نعمل على توجيه أعداد متزايدة من عضوياتنا بالمجال الطلابى الى الطبقة العاملة ، خاصة تلك التى بدأت فى التخرج ، كما لم نهتم بما يكفى بقضية وحده الحركة الشيوعية .
4- والنتيجة كانت نمواً عفوياً فى صفوف الطلاب ، وتراجعاً خطيراً عن ذلك الاشتباك المحدود بالطبقة العاملة ، ولكن ذى الأهمية الكبيرة المحتملة . وهذا النمو العفوى فى المجال الطلابى أسهم الى حد كبير فى تحويل خطر الانحراف التلقائى الى انحراف بالفعل فى الفترة ما بين 1973- 1975 .
ولاشك أن النمو فى المجال الطللابى ، هو أمر جيد ومفيد ، فهو فى النهاية يمثل توسعاً فى عضويات شيوعية كرصيد للتوجه الى الطبقة العاملة . فالنمو فى المجال الطلابى ، أو أى مجال آخر لا يصبح نمواً عفوياً ، الا بقدر ما يؤدى الى الاستغراق فى هذه المجالات ، الا أنه يكف عن ذلك حينما نعمل بصورة منتظمة ومنهجية لتحويل هذا الرصيد فى نمو طاقة الحزب العددية الى الطبقة العاملة ، ولم يكن ذلك مستحيلاً بل لقد كان ممكناً تماماً ، بل ان طبيعة المجال الطلابى نفسة تطلب ذلك تماماً ، حيث أنه مجال مؤقت بالنسبة للفرد ( رغم أنه دائم بالطبع بالنسبة للحزب) ومن ثم يعمل على تكوين رصيد من طاقة الحزب العددية ، إذا لم توظف فى مجال نضالى آخر ، فانها ستتعطل وتكون ايذاناً بالازمة .
وهذا بالضبط هو ما حصل ، حينما لم ترتبط مغادرة الاعداد المتزايدة من أعضاء الحزب للمجال الطلابى ، بشق طريقهم الى المجال العمالى (مجال نضالى آخر) ، فقد كانت النتيجة تراكما فى العضوية لا نجد لها مهمة نضالية تقوم بها مما مهد لعمليات السحب الى الداخل فى سياق موجات الهروب المتتابعة ( من اجهزة الامن ) والتى اتخذت شكلاً عفوياً قبل 1975 ، ثم اتخذت طابعا منظما بعدها ، ولم تعمل أدبيات الانحراف البيروقراطى سوى التنظير له ( أى للسحب الى الداخل) لتكرس العزلة ، ليس فقط عن الطبقة العاملة ، ولكن عن النضال الجماهيري عموماً .
إن هذا التناقض بين النمو النسبى فى العضوية وبين عدم توسيع مجالات النضال ، بل وتضييقها ، خاصة بعد أن أخذت الحركة الطلابية فى التدهور ، نقول ان هذا التناقض أخذ يتخذ لنفسه مظاهر فى حياة الحزب الداخلية ، تجلت فى الفوضى والتخبط وغياب القيادة الجماعية وإستفحال مشاكل أساليب العمل الحرفى التى لم تعد تتناسب مع تطور الحزب ، وضرورات تصديه لمهام جديدة .
الانحراف البيروقراطي :- 1- لقد رصد تقرير 9 /5 / 1975 المظاهر سالفة الذكر ، ولكنه بدلاً من أن يرجعها إلى التوجه الى الطبقة العاملة ، أرجعها إلى إفتقاد الأساليب التنظيمية المؤدية الى تجاوز الحرفية وتطوير تقسيم العمل وفصل هذا التطور المطلوب فى أساليب التنظيم عن ألح مهمة تواجه الحزب وهى مهمة التوجه الى الطبقة العاملة .
بل لقد جرى هذا الفصل فى أدبيات الانحراف البيروقراطي ، بصورة صريحة . ففى الرد على الرفيق بشير على سبيل المثال قيل " ان الأوضاع التفصيلة للأزمة هى التى تكشف عن طبيعة وقوع هذه الأزمة " ( أزمة الانحراف التلقائى ) . ثم بعد وصف ظواهر الحياة الداخلية للحزب المعروفة لدينا جرى استخلاص النتيجة التالية " مثل هذه الظواهرلا يمكن أن يكون مصدرها ..هو غياب مهمة مثل مهمة التوجه للطبقة العاملة ". *****
فنحن ازاء منهج وصفى عاجز عن تجاوز المظاهر الخارجية لأزمة الحزب ، وحينما تغيب مهمة التوجه من عمل الحزب ، فلابد أن تغيب فى مظاهر أزمته ، ولكن دون أن تكف عن أن تكون السبب والمصدر الأخير لهذه الأزمة كما سبق أن أوضحنا .
2- لقد كان أى حديث صائب عن تطوير تقسيم العمل فى الحزب ، يستلزم التأكيد على تلك المهمة الأولى فى تقسيم العمل : مهمة التوجة للطبقة العاملة ، لتتفرع منها عشرات المهام الفرعية الفكرية والتنظيمية والجماهيرية الخ ... وحول هذه المهمة نطور تقسيم العمل ، ونغزو ذلك المجال النضالى ، الذى كان بمقدوره أن يحافظ على آليه توسع الحزب ، ومن ثم تحقيق الشروط المادية البشرية التى تمكن من تطويرمتتال ومتصاعد فى تجاوز الحرفية وتقسيم العمل .
وبدلاً من ذلك قيل عن تقرير 9/5/1975 أنه " لم يكن سوى عرض للأسس اللينينية فى حقل التنظيم والتى كان الافتقاراليها أساساً للأزمة " وهذا بالتحديد مكمن خطئه وأحاديته ، لأنه عندما جرد اللينينية فى التنظيم الى مجرد أساليب فى التنظيم الداخلى ، فقد حاد عن اللينينية بالذات ، لأن اللينينية فى التنظيم هى تنظيم المبادرة الواعية لقيادة المبادرة العفوية ، وهى خلق الأساليب والوسائل التى تمكن من دمج الحزب بطبقته فى المحل الأول ، أى هى تنظيم العلاقة بين الحزب ومهامه الكفاحية ، وعلى أرض هذه العلاقة وتلك المهام تقوم الأسس اللينينية فى التنظيم بدورها وتجد مجال تحققها فى الواقع الحى . وقد كان العمل الذى ينبغى تقسيمه وتطويره وترقيته ، هو العمل الهادف الى توجيه الحزب الى الطبقة العاملة ، ولكن هذا العمل أختزل الى الترتيب الداخلى مع عزلة متزايدة عن الكفاح الجماهيرى عموماً ، وليس عن الطبقة العاملة وحدها ، وإختزل الى مهام شكلية لكل خلية ، فنحن لم نكن أمام نظرية فى تقسيم العمل ، وانماازاء نظرية أحادية فى تقسيم العمل تركز على العمل الداخلى وتهمل العمل الجماهيري ، وتحصر نفسها فى العمل فى كل لجنة وتتجاهل تقسيم العمل بين اللجان والمستويات ، وتضخم من الأعمال الادارية التنظيمية وتهمل الاعمال الكفاحية .
أن تشخص جذور الانحراف التلقائى ، فى العجز عن تجاوز (وليس هجره) مواقع النشأة إلى مجال النضال العمالى . وأن تشخص الظروف الجديدة (فى 1978) التى تحيط بهذه المهمة : حيث بدأت تشتعل الحركة العفوية للطبقة العاملة ، وحيث بدأت تنحدر الحركة الطلابية ، وحيث بدأت السلطة تدخل فى غمار التسوية الاستسلامية ، وهى تضع على رأسها هذه المرة أكاليل النصر – حتى لوكان زائفاً ، الا أنه مكنها من الهجوم السياسي ، وحيث بدأت السلطة "عبورها الديمقراطى" مطوحه بصيغة تحالفها السلطوى الزائف والذى ترافق مع إنفضاض آخر أهم بقايا ذوبان القوى البرجوازية الصغيرة فى مؤسسات السلطة السياسية ، ونعنى به القوى التى كونت حزب التجمع والتيار الناصرى . وحيث بدأت مرحلة جديدة من نفوذ التضليل البرجوازى والفكر الانهزامى وعقلانية وواقعية التسوية التى ستأتى برخائها المرتقب . وحيث بدأ يتسع نطاق الحركة الدينية ذات الملامح (الفاشية) وحيث بدأت البرجوازية الليبرالية تظهر على السطح ، وحيث بدأت سياسة الإنفتاح الاقتصادى تدفع بموجات الغلاء . لقد كان لكل ذلك تأثيرة على قضية التوجه سواء بالسلب أم بالايجاب ، وكان لابد من تكتيكات سياسية قائمة على تقدير ملموس ، لنقوم بدورنا فى التأثير على عملية الاستقطاب السياسي التى بدأت فى المجتمع تأخذ مستوى جديداً من جهة ، والتأثير فى عفوية الطبقة العاملة المستيقظة فى ذلك الوقت، والتى كان لابد أن يكون التقدير انها لابد أن تضعف وتتخثر حتما طالما هى بعيدة عن الطليعة التى بدورها كان لابد أن تضعف وتتخثر وقد كان ، وفى هذه الظروف السياسية – الجماهيرية العامة ، كانت الحركة الشيوعية ينعكس فيها جدل الصراع الطبقى بتأثيرات كانت من الناحية الاساسية فى اتجاه "اليسار " وكان حزبنا أيضاً قد حقق لنفسه نفوذاً وطاقة عددية صغيرة ولكن قادرة هذه المرة على أن تلعب دوراً فيه حرية نسبية فى اختيار مجالات النضال وتوسيعها .
4- لقد تركنا كل هذا واستغرقنا فى الأساليب الفنية لتجاوز الحرفية ، وتوجيه بؤرة الاهتمام الحزبي الى الترتيب الداخلى . ومن هذا المنظار أخذنا ننظر الى مهمة التوجه الى الطبقة العاملة التى لم تغب عن الأذهان حقاً ، ولكنها غابت عن تشخيص أزمة الانحراف التلقائى ، ومن ثم غياب تشخيص الظروف الجديدة التى .........................................................................................
( سطر تقريبا غير واضح ) هبطنا بها الى مجرد أساليب فنية طالما جرى عليها هذا الفصل ، كفيلة بتحقيق الشروط التنظيمية للتوجه الى الطبقة العاملة ، وكان لابد أن نفشل فى التوجه طلما فشلنا فى ربطها بالمعضلات الفعلية المحددة التى تحيط بها : سواء فيما يتعلق بالشروط السياسية العامة فى المجتمع والتى جد فيها الجديد بصورة أخذت شكل الانعطافة ، أو بأوضاع حزبنا الجديدة ، ومعها الحركة الشيوعية ، والفصائل السياسية البرجوازية الصغيرة التى بدأت تنفصل عن البرجوازية وتشق طريقها نحو التنظيم الحزبى ، العلنى ( الشرعى ) او السرى وكان لابد أن ينعزل حزبنا بدلاً من أن يندمج بالطبقة العاملة ، وكان لابد أن يأخذ السحب الى الداخل شكل التقوقع على الذات ، والتضخم البيروقراطي الإدارى الذى يخلق لنفسه مهام داخلية مصطنعة وشكلية طالما هى بعيدة عن أن تكون استجابة لمهام فى الواقع ، حيث الطبقة العاملة - حيث الجماهير ، وحيث حركة الاستقطاب السياسي التى كانت جارية فى المجتمع وكان لابد من ان يتخلف تحليلنا السياسي ، وكان لابد أن ينشغل نضالنا النظرى بالقضايا الاقل أهمية والأبعد غوراً فى التاريخ ( الآسيوى – الجزء التاريخى فى المسألة الزراعية والذى لم نحله حتى مع ذلك على نحو صحيح ، حينما فرضت النزعة الفردية فى الدراسة النظرية ) وابتعدنا فى ذات الوقت عن القضايا النظرية الألح والتى تخدم نضالنا العملى وتمكننا من تحقيق مهمة التوجه للطبقة العاملة ، ومن مركزة الحركة الشيوعية حقاً حول فكر نظرى قائد وممارسة عملية قائدة وملهمة وموجهة ، وليس مجرد إصدار جريدة لاعضاء حزبنا القابع فى عزلته فحرمت من أن تمارس دوراً قيادياً وممركزاً سواء لنضالات حزبنا أو لنضالات الحركة الشيوعية .
نظرية الجريدة : -
1 - لاشك أن الجريدة هى اهم وسيلة للاتصال الجماهيري لحزب سرى ، واهم وسيلة قيادية مركزية لتوحيد إرادة الحزب التنظيمية وتوجيه دعايته وتحريضه ، فهى داعية ومحرض ومنظم جماعى . ومن هنا فلابد أن يوليها الحزب أهميتها الخاصة .
2 - ولكن معضلة الجريدة لا يمكن ان تكون واحدة فى كل زمان ومكان . بمعنى أن الحديث بشكل دائم على ان مهمة اصدار الجريدة هى الحلقة المركزية التى ينبغى التركيز علىيها حينما تكون غائبة نقلا عن التجربة الروسية هو خطأ بالغ .
فالجريدة عندنا لم تكن غائبة لنفس الاسباب التى كانت سائدة فى التجربة الروسية فاولاً ان الجريدة الغائبة فى روسيا كانت الجريدة المركزية ، بينما كان لكل حلقة جريدتها الخاصة ، فلم يكن أحد ينازع فى أهمية الجريدة ، ولكن النزاع كان حول تركز الجهود حول جريدة واحدة مركزية . أما أسباب الخلاف حول هذه الجريدة المركزية فقد كان يتمثل فى سيادة النزعة الحلقية والنزعة الاقتصادية فى نفس الوقت الذى ...............................................................................................
لتشمل الخط التنظيمى والخط الجماهيرى وحول فكرة مركزية الجريدة تفجر الصراع ضد الحلقية ، وحول الطابع السياسي للجريدة تفجر الصراع حول حول النزعة الاقتصادية ، ففقد كانت اذن بؤرة يتمركز حولها الصراع ..... فى نفس الوقت تضمن للحزب وحدته العملية لتحل محل وحدته الشكلية فى حلقات متناثرة .
والنتيجة العملية هى خلق جيش موحد محل الفصائل المتناثرة ، وشن نضال سياسي واقتصادى ثوريين على الصعيد القومى محل النضال ذى النزعة الاقتصادية المحلية .
3 - أما عندنا فلم نكن ازاء حزب منقسم الى حلقات ، ولا كان يسودنا نزعة اقتصادية ، ولا كنا بصدد عملية توحيد فصائل شيوعية أخرى مشابهة لتلك التى جرت فى روسيا فالاتفاق على الجريدة لم يكن تواجهه معضلة فكرية ولا يعوقه تشرذم الحزب الى حلقات ، والنتائج العملية لها لا تكون بالتالى بنفس الخطورة والأهمية التى كانت فى التجربة الروسية ، فكان يكفى أن تصدر اللجنة المركزية قراراً وتوفرلها الشروط المادية ، حتى تظهر الى الوجود دون أى مشاكل . أما المشكلة الحقيقية فقد كانت غزو مجال النضال العمالى ، وحينها سوف تلعب الجريدة دورها ، ليس فقط فى تمكين الحزب من القيام بمهمة التوجه بأرقى شكل ، ولكن أيضاً فى لعب دور قيادي فى الحركة الشيوعية ، مدعوماً بنضال حقيقى فى الواقع يعطى للفكرة نفوذها ، فالفكرة وحدها مهما كانت ساطعة المنطق لا يمكن فى الصراع الطبقى أن تكسب نفوذاً .
بطريقة أخرى نقول لقد كانت المعضلة هى اجتياز الأسوار التى تفصلنا عن الطبقة العاملة حتى يجد حزبنا مجالاً للنضال ، حتى تجد الجريدة التى كان من السهل إصدارها أن تلعب دورها كمنظمة وداعية ومحرض جماعى . فالجريدة ضرورية من كل بد ولكن المعضلة هى كيف نوفر لها وللحزب شرط العمل ومجاله ، وعلى ذلك فالحلقة المركزية ، لم تكن فى اصدار الجريدة وانما فى حل تلك المعضلة التى بدونها يتعطل عمل الجريدة وعمل الحزب ، ونعنى بها معضلة التوجه للطبقة العاملة ، والتى كان من شأنها أن تخرج النضال الثورى من مأزقة ، حيث هو محصوراً فى دائرة المثقفين ، وحيث تعطى للأفكار الثورية القوة المادية الحقيقية التى تحفظها وتنميها بشكل راسخ ، وحيث تدخل الى ساحة الصراع الطبقة العاملة كطرف جديد لابد أن يترك أثره على كل أطراف اللعبة السياسية ، فالمعضلة التنظيمية هنا تتطابق مع المعضلة السياسية ، ومن شأن حل هذه المعضلة فتح الطريق لحل المعضلات الأخرى : وحدة الحركة الشيوعية ، لعب دور قيادى فى التمهيد لخلق جبهة ثورية الخ ... وحولها وبها سوف يثور النضال النظرى ليخدمها بانارة الطريق لها ، ولتخدمه بخلق النفوذ المادى له .
4 - ولكن ما هى الأهمية العملية لجدالنا هذا طالما أننا متفقون على اصدار الجريدة وعلى أهميتها كداعية ومحرض ومنظم جماعى .
ان الأهمية العملية تكمن فى ذلك النوع من المبالغة المشوهة فى دور الجريدة ، فى أدبيات الانحراف البيروقراطي ، تلك المبالغة التى لم تكن فى صالح الجريدة على الاطلاق . وإنما كانت فى صالح عمليات السحب الى الداخل ولأعلى ، باسم الحديث عن ضرورة توفر الحزب على اصدار وتوزيع الجريدة ، والنتيجة كانت عزلة وإنكفاء على الذات ، وهرم مقلوب ، جرى علاجه ب "خطة لجان الأقسام " التى أمعنت فى السير فى نفس الاتجاه الخاطئ . أما الجريدة ، فلم يتوفر عليها الحزب الذى إنسحب بإسمها الى الداخل ولأعلى ، وإنما توفر على الاعمال الادارية التى أخترعت إختراعاً .، ودور نظرية الجريدة فى هذا الوضع المشوة هو إضفاء طابع خرافى وسحرى عليها ، فهى "ستحطم حدود طاقتنا العددية" ووضع تعارض بينها وبين انتشار الحزب فى المواقع ، حيث جرى الحديث أن الحزب بقواه العددية الصغيرة سوف يكون من الخطأ نشره فى المواقع العمالية ، لأن نتيجة التوجه بهذه الصورة ، التى سميت حرفية ، سوف تكون محدودة جداً ، كما وضعت إستحالة بين الجمع بين إصدار الجريدة وإنتشاره فى المواقع حيث أن قواه ماتزال قليلة غير قادرة على النهوض بالمهمتين ( لاحظ الاحادية فى تقسيم العمل ) ، أما لو أن الحزب سحب نفسه الى الداخل ولأعلى ، وكرس نفسه لإصدار الجريدة ، فإنه بذلك سوف يخاطب الألاف ، بدلاً من العشرات الذين لم يكن بمقدرونا تجاوزهم لو أننا توجهنا بطريقة إنتشار الحزب فى المواقع ( الحرفيه حسب الزعم ) وهكذا جرى حل قضية التوجه للطبقة العاملة بذلك التوجه الصحفى أو العاطفى باشعاع الجريدة وبالطبع خارج النضال ، طالما ان الطليعة خارج مواقع النضال .
5 - وببساطة فاصدار الجريدة ، يعنى الانتقال الى النضال العملى ، والنضال العملى يستحيل بدوره دون وجود فى المواقع ، ودون توسيع صلاتنا بالطبقة العاملة ، فإذا كان النضال العملى أى الدعاية والتحريض وقيادة المعارك يتطلب الجريدة حتى يرتقى ، فإن الجريدة تتطلب النضال العملى وأوسع انتشار ممكن فى المواقع حتى يكون لها وظيفة وعدا ذلك يصبح دور الجريدة مجرد دور تنويرى لا تكون له من نتيجة سوى فصل المثقفين عن العمال وعن غير العمال ، وتحويل الحزب الى مجرد دار نشر سرية .
أما الحزب نفسه فكان لابد أن تختزل وظائف لجانه من كونها هيئة أركان قيادة الصراع الطبقى اى تشرف على حل المشاكل الملموسة للدعاية والتحريض والتنظيم فى نطاقها الى مجرد مجموعات منعزلة لاعمل لها سوى العمل الادارى ورسم شبكات توزيع الجريدة .
أما الجريدة نفسها فقد كان من المستحيل أن يتوفر عليها كل أعضاء الحزب ، الذين طوليو بذلك بدلاً من الاهتمام بالقضايا الجزئية فى هذا الموقع أوذاك ، وبالفعل فقد إنفرد أفراد قلائل بتحريرها من الناحية العملية . وذلك ناهيك عن أن مضمونها نفسه كان لابد أن يكون فقيراً طالما أن مادتها تكتب فى غير صلة بمشاكل النضال العملى .
وهذه التشويهات حول دور الجريدة تعود الى خطأ منهجى شديد ، يخلط بين الأهمية الحاسمة للفكر والنظرية فى العملية الثورية وبين أهمية الفكر فى النشاط العملى ، فالعملية النضالية هى فى التحليل الأخير رفع وعى الطبقة العاملة وحلفائها ، ولكن العملية النضالية فى نشاط الثوريين تنقسم الى نضال عملى سياسي واقتصادى ونضال نظرى يخدمه وينير الطريق اليه ، ثم ان النضال النظرى شئ، والعمل الصحفى شئ آخر ، فالنضال النظرى يستغرق جزءا من النشاط العملى لكل اعضاء الحزب ، اما تحرير الجريدة فهو يحتل جزءا يسيرا من تقسيم العمل لا يحتاج الا الى جزء محدود من صحفيين متفرغين لأعضاء الحزب قابلين للاتساع كلما توسع مجال النضال وتوسعت طاقة الحزب العددية . بينما يكون باقى أعضاء الحزب منخرطين فى مختلف اوجه النشاط العملى ، ومن بينهم يكون هناك مراسلين للجريدة لا كصحفيين متفرغين ، وإنما كممارسين عمليين يزودون الجريدة بمشاكل النضال العملى التى يواجهونها فى عملهم وبالمادة التحريضية التى تنفجر بشكل يومى فى المواقع .
الخلاصة
لقد عجزالحزب بإنحرافة البيروقراطى ، عن احداث تطوير حقيقى فى تقسيم العمل واستبدله بتقسيم عمل شكلى يدور حول الترتيب الداخلى ، وعجز عن تجاوز الحرفية حيث إنعزلنا عن ميادين النضال فى المواقع ، واستبدلناه بنضال الغرف السرية ، وعجزنا عن التوجه للطبقة العاملة ، ولولا حيوية هذا الحزب الذى تكون فى معمعان النضال لانعزلنا تماماً عن كل نضالنا ، وعجزنا عن تطوير الصحافة بسبب نظرية الصحافة نفسها وليس رغماً عنها .
فلم يكن من الممكن ان نتجاوز الحرفية وتطور الصحافة لتكون صحافة مركزية لحركة النضال وليست مجرد صحيفة لشيعة منعزلة ، الا اذا تصدى الحزب لمهام النضال وقيادة حركة فى المواقع ، مهما كانت محدوديتها ، والا اذا تصدى لقيادة الطبقة العاملة ولعب دوراً توحيدياً ثورياً فى الحركة الشيوعية ، فهذه الاشياء جميعاً هى التى كانت ستوفر النضال والقوى التى ستمركز لها الصحافة دعايتها وتحريضها وهى التى كانت ستوفر للحزب المادة البشرية لتوسعه من الطبقة العاملة على وجه التحديد ، وذلك حتى يتوفر للحزب أن يتقدم بتقسيم العمل وتجاوز الحرفية بشكل حقيقى وليس بشكل زائف ، كما كان ( حاصلاً ) .
------------------------------------------------------------------------------------------------
* تقرير تنظيمى قدمته اللجنة المركزية فى صيف 1972لكونفرانس موسع ضم مرشحى اللجنة المركزية آنذاك مع اعضاء اللجنة المركزية ، وتضمن سياسات تجاوز الطور الحرفى التلقائى الى الطور الحزبى ، وتناول دور الجريدة المركزية ، والتوجه للطبقة العاملة ، وادخال الاحتراف الثورى ، وتطوير الكادر وتوسيع المستويات الحزبية ، ومدارس الكادر ، وانشاء جهازى طباعة والاتصال ، وتطويرالمالية .
** ترد الاشارة هنا الى بيان للحزب بعنوان "هذه الشرارة " صدر فى اعقاب الحركة الطلابية فى الجامعات المصرية – يناير – 1972فى مسعى لتشخيصها وتحديد طبيعتها وحدودها وافقها .
*** صدرت الجريدة ( الشرارة العمالية ) باعداد محدودة ومنسوخة بخط اليد عن لجنة منطقة الاسكندرية التابعة للحزب عام 1973– بوصفها جريدة محلية وتناولت القضايا السياسية العامة ، وكذلك القضايا النقابية والعمالية .
****ضربة بوليسية وجهت لمنطقة الاسكندرية وكوادرها استندت الى الاتهامات التقليدية التى توجه عادة للشيوعيين وقيدت القضية تحت رقم 501 لسنة 1973 امن دولة عليا / رمل الاسكندرية . وكان المتهمون الاوائل فيها حسب ورود اسمائهم فى قرار الاتهام : سعيد العليمى ، خليل كلفت ، ابراهيم فتحى ، حسين شاهين ، فتح الله محروس ، جمال عبد الفتاح .
***** حلقة دعائية ام حزب شيوعى ؟ كراس كتبه الرفيق عبد الله بشير فى يوليو من عام 1976 – ناقدا سياسات الحزب التى تضمنها التقرير التنظيمى الصادر عن اللجنة المركزية فى 9 / 5 / 1975 وقد انشق بعض الرفاق تنظيميا على اساسه متبنين افكاره ، وقدعادوا بعد ان طرح النص المنشور هنا . وقد رد على الكراس آنذاك الرفيقة الراحلة صفاء اسماعيل على ، وفهد اسماعيل شكرى . وقد نشر الحزب الكراس ( حوالى 66 صفحة ) والرد عليه فى (حوالى 100 صفحة ) . وجرى تداوله بين الاعضاء داخليا .
*****التوجه للطبقة العاملة والنضال السياسي والاقتصادي
إن التوجه للطبقة العاملة لا يمكن أن يكون عبر مجرد عقد الصلة بالنضال الاقتصادي الجارى ، وإنما يكون بتطوير النضال السياسي والنضال الاقتصادى الثوريين . ومن المفهوم أن القول ، بأن التوجه للطبقة العاملة هو العمل المباشر فى صفوف الطبقة العاملة فهذا القول يصدق فقط حينما نواجه تلك النزعة المنحرفة التى نقلت مهام الحزب فى التوجه المباشر ، إلى ما يسمى ب "الحلقة الوسيطة " الطلابية ، ولكن ينبغى بعد ذلك التأكيد على أن هذا التوجه يستهدف أول ما يستهدف تطوير النضال الاقتصادى وتحويله الى نضال سياسي ثورى . فالتوجه الحزبى المنظم يختلف تماماً عن التوجه العفوى لثوريين مايزالون بعيدين عن امتلاك خط سياسي ثورى .
وفى زمن الانحراف البيروقراطي لم تكف عن ترديد صيغة التوجه من أجل قيادة النضال الاقتصادي وتطوير النضال السياسي للطبقة العاملة .
ولكن هذه الصيغة لم تحل دون نشوء الانحراف اليساري البيروقراطي سواء فى الخط الجماهيري أم فى الخط التنظيمي . بصورة شهدنا فيها نزعة راديكالية سياسية مجردة ، وشهدنا فيها نظرية الجريدة ، وهذه النزعة وتلك النظرية ترابطتا معاً لأفشال شعار التوجه الذى رفع الانحراف البيروقراطي ابتداء من 1975 ، 1978 .
فالنزعة السياسية الراديكالية المجردة كان وجهها الآخر احتقار النضال الاقتصادى – رغم الاعتراف النظرى به – وفصلهما عن بعضهما البعض وفى احسن الاحوال فى تجاور مما أضعف كلاهما معاً .
فهذه النزعة وقفت ضد أى استخدام للتحريض الاقتصادى كأحد الوسائل للتحريض السياسي الثورى – تحت دعوى أن ذلك يؤدى إلى إضفاء الطابع السياسي على النضال الاقتصادى فى حين أن ذلك يصدق فقط على إستخدام التحريض الاقتصادى من أجل التحريض السياسي الليبرالي .
وأدى ذلك إلى إفقارالنضال السياسي والاقتصادى فى آن واحد.
فالنضال السياسي والتحريض السياسي أصبح بذلك مجرداً عن المصالح الطبقية ، ومن ثم لم يعد يقف على أرض صلبة ، كما أن التحريض الاقتصادى . والنضال الاقتصادى ، أصبح محصوراً فى مظاهر شدة الاستغلال البورجوازى دون التعمق فى الاستغلال البورجوازى نفسه ( الدعاية الاشتراكية ) وأصبح بعيداً عن التعمق فى الابعاد الاقتصادية والسياسية التى تنطوى عليها سياسة الاستسلام والانفتاح الاقتصادى التى شددت من الاستغلال وأدت الى تدهور الأحوال المعيشية للطبقات الشعبية ، كما أصبح بعيداً عن التعمق فى الابعاد السياسية التى ينطوى عليها الاستبداد البورجوازي الاستثنائى مطلق اليد فى رفع الاسعار واطلاق قوى التضخم والنتيجة هى إضعاف النضال الاقتصادى حيث لا يمكن الحصول على مكسب اقتصادى ثابت دون حريات ديمقراطية منتزعة تمكن الجماهير من حمايته ، ودون إنتزاع حق الاضراب والتظاهر التى تمكن من انتزاع هذه المكاسب وهكذا . فالنضال السياسي والنضال الاقتصادي هما وجهان لعملة واحدة كما يقول لينين ولايمكن أن يفصل بينهما دون أن يضعف أى منها ، ودون الانزلاق فى الانحراف يميناً أو يساراً .
وفى الخط التنظيمى ، فرغم الاعتراف النظرى بأهمية الصلات ، الا أن نظرية الجريدة والتى دعت الى مركزة تقسيم العمل حول الجريدة ، وزعمت أن حزبنا الصغير يجعل من الضرورى أن يكون ذلك على حساب جوانب العمل الأخرى فى مقال "لجان الأقسام العمالية" دعوة صريحة الى عدم الاهتمام بالصلات تحت إسم مقاومة النزعة المحلية ، لصالح الاهتمام الشامل بتطوير الكفاح الحزبى من خلال الكتابة فى الصحافة التى ستعمل على قيادة وتطوير القيادة الشاملة للصراع الطبقى ، وتمكننا من التوجه للطبقة العاملة باسرها وليس هذه الصلة أو تلك فى هذا الموقع المحلى أو ذاك ، أى فى النهاية تذويب الوجود الملموس للطبقة ومجالات الكفاح فى متحد مثالى كلى شامل . أما الجريدة نفسها فقد كان مصيرها هو تكليف رفيق واحد أو أثنين بتحريرها ، فلم يكن الحديث عن مركزة تقسيم العمل حول الجريدة سوى داعم نظرى يدفع ويكرس عمليات السحب الى الداخل والجذب لأعلى والتضخيم البيروقراطي العاجز عن قيادة النضال ومقطوع الصلة به تماما ، بتحول الحزب الى مجرد دار نشر سرية ، تتركز مهام لجانه الحزبية المختلفة حول توزيع الجريدة وإنشاء شبكات الإتصال الخاصة بها .
أما دور الجريدة المفترض وفق تلك النظرية ، فهوالتهيئة الفكرية والسياسية للطبقة العاملة . ( دون الحاجة الى تواجد فيها ) وذلك لأن الجريدة ستمكن حزبنا الصغير من تحطيم حدود طاقته العددية ، لتصنع التراكم السحرى غير المرئى الذى سينشق فجأة فى عواصف جماهيرية التى من السهل قيادتها وقت إندلاعها ...الخ
وكل هذا يوضح كيف تم التخلى عن التوجه للطبقة العاملة ، ليحل محله ذلك التوجه الصحفى أو العاطفى ، أو غير المرئى . حيث أصبح توزيع الحزب على المواقع نوعاً من الحرفية ، أما الجريدة فى حد ذاتها ستوفر توجها وفق مقاييس الانتاج الكبير الى الطبقة العاملة .
ودفعت نظرية الجريدة النزعة الراديكالية السياسية المجردة الى حدودها القصوى ، فطالما أننا لم نعد نناضل فى المواقع أى فى صفوف الطبقة العاملة ، فإنه لم تكن هناك حاجة لتكييف أشكال التحريض ( وليس مضمونه) إلى أوضاع هذا الموقع أوذاك ، أو أوضاع المزاج الجماهيري ككل ، وأصبح من السهل فصل القضايا الكبرى عن المصالح الطبقية والأحوال المعيشية الخ .
ثم ان تسييس الطبقة العاملة أصبح بذلك مهمة محض تنويرية للجريدة ، ومفصولة عن كل نضال فعلى (اضافة الى التسييس عن طريق الحلقة الوسيطة الطلابية ) ليشهد النزعة الانتظارية ليس فقط للعواصف الطلابية ، ولكن للعواصف السياسية العمالية ، سواء تحت تأثير التراكم السحرى للجريدة أو تحت تأثير الحلقة الوسيطة الطلابية . بالطبع لما كان من غير الممكن أن يكون لهذا التأثير من نتيجة ، فكان من المنطقى وصم الطبقة العاملة بعار التخلف والاقتصادية ، ذلك أننا قمنا حسبما يزعم بتوفير الشروط التنظيمية لذلك (بالجريدة) أما هى (أى الطبقة العاملة ) فلم تستجب .
لقد كنا إذن ازاء شعار مرفوع للتوجه للطبقة العاملة سواء فى تقرير 9 / 5 / 1975 أو ما بعد من كتابات ، وكنا ازاء محاولات التوجه عن طريق التوجه الصحفى الذى أعلى من شأنه تحت اسم التوجه السياسي أو تحت اسم تحطيم حدود طاقتنا العددية .
ومن ثم فإنه من الخطأ مهاجمة مقولات مثل ان توجهنا للطبقة العاملة لا ينبغى أن يقتصر على مجرد الارتباط بالنضال الاقتصادى الجارى ، كما أنه من الخطأ مهاجمة القول بضرورة قيام الحزب بتحويل النضال الاقتصادى الى نضال سياسي .
فهذه المقولات هى مقولات صحيحة تماماً ، ولكن النزعة السياسية الراديكالية المجردة وأسلوب التوجه الصحفى واحتقار النضال الاقتصادى وفصله عن النضال السياسي ، هى التى حالت جميعاً دون تحقيق الشعار ودون تحقيق أى خطوة فى تحويل النضال الاقتصادى الى نضال سياسي .
ويجب التأكيد على أن يساريتنا لم تكن أبداً ناشئة عن الاصرار على مهمة تحويل النضال الاقتصادى الى نضال سياسي ، ولامن التأكيد على ضرورة النضال حول القضايا الكبرى . ذلك أن هذه الأمور هى المبادئ الأساسية الموجهة لنضال فى اى حزب شيوعي ثورى ، ولكن اليسارية هى فى عدم تكييف أساليب التحريض ( وليس مضمونه) وفق ظروف الزمان والمكان ، وفى فصل النضال السياسي عن المصالح الطبقية ( تجريدة عنها) وعن النضال الاقتصادى . ويلاحظ أن النضال الاقتصادى دون نضال سياسي حول القضايا الكبرى من شأنه أن يوقعنا فى براثن الانحراف الاقتصادى ، ويطمس فى نفس الوقت الجوهر الطبقى للنضال الاقتصادي ، ويخضعه للسياسية البرجوازية . بالضبط ان فصل النضال السياسي عن النضال الاقتصادى يطمس الطابع الطبقى له لتصبح القضية الوطنية العامة على سبيل المثال لا صله لها بالمصالح المختلفة للطبقات صاحبة المصلحة فيها الخ .. ومن ثم لا يكون هناك مجال للدعاية الاشتراكية ، ولا ربط نضال الطبقة العاملة الوطنى وبين نضالها من أجل الاشتراكية . أى نشهد نزعة وطنية عامة تحل محل خط الطبقة العاملة المتميزفى القضية الوطنية والذى يميزها عن مختلف الخطوط الراديكالية البورجوازية الصغيرة .
ولا ينبغى إستعظام الصعوبات أمام تحويل النضال الاقتصادي الى نضال سياسي والنظر إليه على انه مهمة صعبة بعيدة المنال ، تحت تأثير مقولة تخلف الطبقة العاملة سواء فى مستوى نضالها الراهن ، أو فى مستواها الثقافى عموماً بحكم دورها فى تقسيم العمل الاجتماعى . أو تحت تأثير فكرة إنتهاء الازمة السياسية الخصوصية التى كانت قائمة قبل حرب اكتوبر ، فالتخلف فى مستوى نضال الطبقة العاملة الراهن وثيق الصلة بانفصال الطليعة الشيوعية عنها ، وإستمرارية هذا الانفصال الذى نحاول نحن تجاوزه ، والذى لا يمكن وضعه كمعطى للتأكيد على صعوبة تجاوز هذا التخلف والا يكون مصادرة على المطلوب .
كما أن تخلف المستوى الثقافى للطبقة العاملة لا يمكن المبالغة فيه كعائق فى أهليتها للوعى السياسي ، ذلك أن طريق الطبقة العاملة صوب الوعى ليس طريقا فلسفيا كحال المثقف الفرد ، فهى تحصل عليه من خلال الصراع الطبقى ، وبتأثير أعمق الدوافع ، فهى التربة الطبيعية لانتشار الافكار الاشتراكية والثورية كما هو معروف لدينا من الاصول الماركسية أما الشروط الموضوعية ، فمن الضرورى التأكيد على أنها فى تفاقم مضطرد ، كما أن الأزمة السياسية الخاصة التى كانت قائمة قبل حرب اكتوبر عندما قامت البورجوازية بحلها بالحزب ، دخلت بعدها فى أزمة سياسية آخرى ، أكثر عمقاً وإن أقل احتداماً ممثله فى ذلك الاستسلام المذل ، وبالطبع لا يمكن أن نقلل من تأثير الشروط المعاكسة التى تحدثنا عنها فى مكان آخر ، ولكن هذه الشروط لم تشل بشكل مطلق تفاعلات التناقضات المستفحلة للأزمة ، وذلك فضلاً من أن هذه الشروط المعاكسة نفسها آخذه بالتقلص بل تنطوى على مشاكل اضافية .

بعبارة موجزة هناك فرق بين الحديث عن التخلف فى مستوى نضال الطبقة بالقياس الى طاقتها فى تحقيق الأهداف الكبرى للنضال ، وهذا صحيح وبين خطأ الحديث عن تخلف الطبقة العاملة لتقليل أهليتها للوعى الثورى ، بل على العكس ، فرغم عوائق مستواها الثقافى ، هى الطبقة المؤهلة للوعى الثورى ، أكثر من غيرها من الطبقات الشعبية ، بحكم شروطها الموضوعية وبحكم دورها فى تقسيم العمل الاجتماعى ، فالطبقة العاملة هى المناضل السياسي الطليعى ، سواء من أجل الديمقراطية أو من أجل القضية الوطنية ، ناهيك عن النضال من أجل الاشتراكية .
ومن الخطأ أن نتصور أن النضال الاقتصادى للطبقة العاملة سيتطور أولاً لينفتح بعدها المجال الى النضال السياسي ، ذلك أن نضالها الاقتصادى من المستحيل أن يتطور ، خاصة فى ظل سلطة استبدادية ، دون أن يرافقه تطور فى نضالها ووعيها السياسي ، هذا فضلا عن أن تطورة بعيداً عن النضال السياسي يؤدى الى خلق تيار إقتصادى نقابى بورجوازي فى الطبقة العاملة .
إن النضال الاقتصادى والنضال السياسي وجهين لعملة واحدة ، وأحدهما يدفع الآخر للأمام ، كما أن هناك أشكالاً من النضال الاقتصادى الثورى لا تقل تطوراً عن النضال السياسي الثورى . وهما شكلين من النضال يستمران حتى الثورة لنشهد الإضرابات الاقتصادية العامة والاضرابات السياسية العامة على سبيل المثال . واستمرارية النضال الاقتصادى لا تعود الى وجود قطاعات متخلفة فى الطبقة العاملة ، وإنما لأنه أحد الجوانب الاساسية فى التناقض بين العمل ورأس المال ، ولاتنتهى ضرورته بالنسبة للعامل المتقدم ، فهو ضرورى للعامل المتقدم والمتوسط والمتخلف فهو يقاوم الاستغلال نفسه . وهذا يختلف عن القول وهو صحيح بأن النضال الاقتصادى أكثر قدرة على جذب العمال المتأخرين إلى النضال ليدخلوا عن طريقه ساحة النضال السياسي .
ومن الخطأ أن نتصور أن تطور النضال السياسي سيأخذ فقط شكل تيار سياسي ضيق فى البداية ثم يتسع أكثر فأكثر بعد ذلك لتبنى خطة فى التوجه تقوم على حصر النضال السياسي بين حلقات العاطفين ، بينما يكون النضال الاقتصادى هوالشكل الرئيسى للالتقاء بأوسع قطاعات الطبقة العاملة . بعبارة أخرى إنشاء حلقات حول الجريدة ( السياسية بالضرورة ) من العمال المتقدمين ، بينما نتوجه بكراسات التشهير الاقتصادى للقطاعات الأوسع من العمال . ومن الواضح أن خطأ هذه الفكرة والخطة العملية للتوجه التى نستنتج منها ، يعود الى إستعظام الصعوبات أمام دخول الطبقة العاملة غمار النضال السياسي .
فالتيار السياسي المعنى من جهة لا يمكن تصور توسعه المستمر ونحن نجعل من النضال الاقتصادى الميدان الرئيسي للالتقاء بأوسع قطاعات الطبقة العاملة ونحصر توجهنا اليها بكراسات التشهير ومن جهة ثانية فإن هذا التيار السياسي لا معنى لوجوده الا مع قيامة بالتشهير السياسي فى صفوف تلك القطاعات الأوسع .
حقا ومن الصحيح الحديث عن أن التيار السياسي فى الطريقة العاملة لا يمكن أن يشمل كل الطبقة ولا بد أن يكون ضيفاً أو محدوداً فى البداية . ولا يمكن خلط هذا التيار مع كافة العمال المشتركين فى النضال السياسي خاصة فى لحظات النهوض ثم لحظات العواصف . حيث تشترك قطاعات واسعة من العمال فى مثل هذا النضال ، فالاشتراك فى مثل هذه النضالات يرتبط بتحويل فى المزاج الجماهيري وليس فقط بتحويلات حاسمة فى مستوى الوعى الثورى بأبعاده الأيديولوجية .

إن النضال السياسي يأخذ شكل القفزات والهبات ، ليشمل قطاعات من العمال لا تعتاد العمل السياسي اليومي أو حتى بدرجة نسبة من التواتر ، لتنفض غالبيتها بعد إنتهاء النهوض ، بينما تنضم أقسام منها تقل أو تكثر فى ذلك التيار السياسي الذى يتعاطى السياسة بشكل متواتر نسبياً . إن هذا الجمهور الذى ينشط فى لحظات الصعود ثم يركن الى الخمول فى لحظات الهدوء ، يعتبر من الجمهور السياسي بالطبع حينما يشترك فى النضال السياسي ، ولكنه ليس كذلك فى لحظات خموله ، فمفهوم الجمهور السياسي العمالى ليس او التيار السياسي العمالى ، لاينبغى ان يكون مفهوما جامداً ، فهو يتغير مع تغير القطاعات التى تدخل غمار النضال السياسي ، وهو ليس فقط ذلك الجمهور الذى يستمر فى النضال السياسي بشكل متواتر الى هذا الحد أو ذاك .
ولعل التسليم بوجود تيار سياسي عمالى يعنى أن النضال السياسي المباشر ليس بعيداً عن متناول الطبقة العاملة ، ناهيك عن أن النضالات السياسية لا تقتصر على نشاط ذلك التيار السياسي وحده كما أسلفنا القول .
ومن الخطأ أن يكون التعبير عن الوجه الثورى للحزب مقصوراً على ربط التشهير الاقتصادى بالقضايا الكبرى ، فطالما أن الذهن يتسع لهذا الربط فانه لابد أن يتسع أيضاً لوسائل التشهير السياسي المباشر.
ومن الخطأ أيضاً الحديث عن مضامين فى التحريض تأتى على حساب المضمون السياسي لخط الحزب ، ومن الخطأ اعتبار أن ما هو منته بالنسبة للحزب منته بالنسبة للجماهير – وأن الانطلاق فى التشهير من مستوى وعى وخبره جماهير العمال أنها أشياء تخص المضمون .
فالقضية هى رفع العمال الى ذلك الذى هو منته بالنسبة للحزب ، كما أن الحزب لا يمكن الا أن ينطلق فى دعايته وتحريضه من خطه السياسي ذلك الخط الذى هو تطبيق الحقائق العامة للماركسية على الواقع الخاص لبلادنا ، باستقلال تام عن مستوى وعى أو مزاج أو خبرة الحركة العفوية ، فى هذه اللحظة أو تلك .
إن الحزب ينطلق من خطه السياسي فى دعايته وتحريضه ، ولكن عليه أن يتكيف فى الاسلوب وليس فى المضمون مع وعى ومزاج وخبره العمال ، هذه الأشياء جميعاً التى يسهم الحزب فى خلقها وتحويلها وتطويرها ، وهو أن لم ينطلق من خطه السياسي فلن يكون بمقدوره ذلك أبداً .
وحينما يحدث أن يتجمع سخط العمال حول بعض القضايا السياسية الجزئية ، فمعنى ذلك أن الوسائل السياسية المباشرة للتحريض لم تكف عن التأثير فى أوسع الجماهير العمالية وإن وسائل التحريض الاقتصادية ليست وحدها التى تستنفر جماهير العمال .
ولكن من الخطأ الاعتماد على جزئية هذه القضايا للتدليل على عدم مقدرة العمال فى النضال حول القضايا السياسية الكبرى . كأن يقال أن العمال فى هذه الحالة يكونون مستعدين للنضال حول بعض القضايا الجزئية للحريات الديمقراطية دون أن يرتبط بإدراكهم واستعدادهم للنضال حول القضايا الكبرى للحريات الديمقراطية ، وقد يرفضون التطبيع دون ان يرتبط بإدراكهم اواستعدادهم للنضال عند كل أسس التسوية ، وقد يرفضون بيع القطاع العام دون ان يكونون مدركين أو مستعدين للنضال ضد سياسية الانفتاح بأسرها .
فالعجز أو والادراك يرتبط بأى سياسة تلك التى تمد نفوذها فى صفوف الطبقة العاملة ، هل هى سياسة المعارضة الليبرالية أم هى السياسة الثورية الجذرية ، أما أن القضايا الجزئية هى التى تستنفر العمال لكونها كذلك ، بل لكون التجسيدات الملموسة للتسوية الاستعمارية أو سياسية الانفتاح أو الاستبداد السياسي ، لا يمكن أن تظهر أو تصدم الجماهير بشكل كلى شامل ، اللهم الا فى الفكر أما فى الواقع الملموس فانها تظهر أمام الجمهور فى هذه الصورة الجزئية أو تلك لتكون مادة غنية للتحريض حول الاطار الأشمل .
ومن هنا فمن الخطأ القول أن مهمة الحزب فى مثل تلك الحالات هى التركيز على هذه القضايا الجزئية وبناء حركة جماهيرية حولها ، فالتشهير يكون دوماً بالقضايا الملموسة التى لا يمكن الا أن تكون جزئية ، ولكن من أجل إنشاء موقف جذرى فى القضايا الأشمل ، وحول الأخيرة نحاول أن نبنى الحركة حولها .


************************************************************ القسم الرابع ***********************************************************************************************
التوجه للطبقة العاملة والنضال السياسي والاقتصادي
إن التوجه للطبقة العاملة لا يمكن أن يكون عبر مجرد عقد الصلة بالنضال الاقتصادي الجارى ، وإنما يكون بتطوير النضال السياسي والنضال الاقتصادى الثوريين . ومن المفهوم أن القول ، بأن التوجه للطبقة العاملة هو العمل المباشر فى صفوف الطبقة العاملة فهذا القول يصدق فقط حينما نواجه تلك النزعة المنحرفة التى نقلت مهام الحزب فى التوجه المباشر ، إلى ما يسمى ب "الحلقة الوسيطة " الطلابية ، ولكن ينبغى بعد ذلك التأكيد على أن هذا التوجه يستهدف أول ما يستهدف تطوير النضال الاقتصادى وتحويله الى نضال سياسي ثورى . فالتوجه الحزبى المنظم يختلف تماماً عن التوجه العفوى لثوريين مايزالون بعيدين عن امتلاك خط سياسي ثورى .
وفى زمن الانحراف البيروقراطي لم تكف عن ترديد صيغة التوجه من أجل قيادة النضال الاقتصادي وتطوير النضال السياسي للطبقة العاملة .
ولكن هذه الصيغة لم تحل دون نشوء الانحراف اليساري البيروقراطي سواء فى الخط الجماهيري أم فى الخط التنظيمي . بصورة شهدنا فيها نزعة راديكالية سياسية مجردة ، وشهدنا فيها نظرية الجريدة ، وهذه النزعة وتلك النظرية ترابطتا معاً لأفشال شعار التوجه الذى رفع الانحراف البيروقراطي ابتداء من 1975 ، 1978 .
فالنزعة السياسية الراديكالية المجردة كان وجهها الآخر احتقار النضال الاقتصادى – رغم الاعتراف النظرى به – وفصلهما عن بعضهما البعض وفى احسن الاحوال فى تجاور مما أضعف كلاهما معاً .
فهذه النزعة وقفت ضد أى استخدام للتحريض الاقتصادى كأحد الوسائل للتحريض السياسي الثورى – تحت دعوى أن ذلك يؤدى إلى إضفاء الطابع السياسي على النضال الاقتصادى فى حين أن ذلك يصدق فقط على إستخدام التحريض الاقتصادى من أجل التحريض السياسي الليبرالي .
وأدى ذلك إلى إفقارالنضال السياسي والاقتصادى فى آن واحد.
فالنضال السياسي والتحريض السياسي أصبح بذلك مجرداً عن المصالح الطبقية ، ومن ثم لم يعد يقف على أرض صلبة ، كما أن التحريض الاقتصادى . والنضال الاقتصادى ، أصبح محصوراً فى مظاهر شدة الاستغلال البورجوازى دون التعمق فى الاستغلال البورجوازى نفسه ( الدعاية الاشتراكية ) وأصبح بعيداً عن التعمق فى الابعاد الاقتصادية والسياسية التى تنطوى عليها سياسة الاستسلام والانفتاح الاقتصادى التى شددت من الاستغلال وأدت الى تدهور الأحوال المعيشية للطبقات الشعبية ، كما أصبح بعيداً عن التعمق فى الابعاد السياسية التى ينطوى عليها الاستبداد البورجوازي الاستثنائى مطلق اليد فى رفع الاسعار واطلاق قوى التضخم والنتيجة هى إضعاف النضال الاقتصادى حيث لا يمكن الحصول على مكسب اقتصادى ثابت دون حريات ديمقراطية منتزعة تمكن الجماهير من حمايته ، ودون إنتزاع حق الاضراب والتظاهر التى تمكن من انتزاع هذه المكاسب وهكذا . فالنضال السياسي والنضال الاقتصادي هما وجهان لعملة واحدة كما يقول لينين ولايمكن أن يفصل بينهما دون أن يضعف أى منها ، ودون الانزلاق فى الانحراف يميناً أو يساراً .
وفى الخط التنظيمى ، فرغم الاعتراف النظرى بأهمية الصلات ، الا أن نظرية الجريدة والتى دعت الى مركزة تقسيم العمل حول الجريدة ، وزعمت أن حزبنا الصغير يجعل من الضرورى أن يكون ذلك على حساب جوانب العمل الأخرى فى مقال "لجان الأقسام العمالية" دعوة صريحة الى عدم الاهتمام بالصلات تحت إسم مقاومة النزعة المحلية ، لصالح الاهتمام الشامل بتطوير الكفاح الحزبى من خلال الكتابة فى الصحافة التى ستعمل على قيادة وتطوير القيادة الشاملة للصراع الطبقى ، وتمكننا من التوجه للطبقة العاملة باسرها وليس هذه الصلة أو تلك فى هذا الموقع المحلى أو ذاك ، أى فى النهاية تذويب الوجود الملموس للطبقة ومجالات الكفاح فى متحد مثالى كلى شامل . أما الجريدة نفسها فقد كان مصيرها هو تكليف رفيق واحد أو أثنين بتحريرها ، فلم يكن الحديث عن مركزة تقسيم العمل حول الجريدة سوى داعم نظرى يدفع ويكرس عمليات السحب الى الداخل والجذب لأعلى والتضخيم البيروقراطي العاجز عن قيادة النضال ومقطوع الصلة به تماما ، بتحول الحزب الى مجرد دار نشر سرية ، تتركز مهام لجانه الحزبية المختلفة حول توزيع الجريدة وإنشاء شبكات الإتصال الخاصة بها .
أما دور الجريدة المفترض وفق تلك النظرية ، فهوالتهيئة الفكرية والسياسية للطبقة العاملة . ( دون الحاجة الى تواجد فيها ) وذلك لأن الجريدة ستمكن حزبنا الصغير من تحطيم حدود طاقته العددية ، لتصنع التراكم السحرى غير المرئى الذى سينشق فجأة فى عواصف جماهيرية التى من السهل قيادتها وقت إندلاعها ...الخ
وكل هذا يوضح كيف تم التخلى عن التوجه للطبقة العاملة ، ليحل محله ذلك التوجه الصحفى أو العاطفى ، أو غير المرئى . حيث أصبح توزيع الحزب على المواقع نوعاً من الحرفية ، أما الجريدة فى حد ذاتها ستوفر توجها وفق مقاييس الانتاج الكبير الى الطبقة العاملة .
ودفعت نظرية الجريدة النزعة الراديكالية السياسية المجردة الى حدودها القصوى ، فطالما أننا لم نعد نناضل فى المواقع أى فى صفوف الطبقة العاملة ، فإنه لم تكن هناك حاجة لتكييف أشكال التحريض ( وليس مضمونه) إلى أوضاع هذا الموقع أوذاك ، أو أوضاع المزاج الجماهيري ككل ، وأصبح من السهل فصل القضايا الكبرى عن المصالح الطبقية والأحوال المعيشية الخ .
ثم ان تسييس الطبقة العاملة أصبح بذلك مهمة محض تنويرية للجريدة ، ومفصولة عن كل نضال فعلى (اضافة الى التسييس عن طريق الحلقة الوسيطة الطلابية ) ليشهد النزعة الانتظارية ليس فقط للعواصف الطلابية ، ولكن للعواصف السياسية العمالية ، سواء تحت تأثير التراكم السحرى للجريدة أو تحت تأثير الحلقة الوسيطة الطلابية . بالطبع لما كان من غير الممكن أن يكون لهذا التأثير من نتيجة ، فكان من المنطقى وصم الطبقة العاملة بعار التخلف والاقتصادية ، ذلك أننا قمنا حسبما يزعم بتوفير الشروط التنظيمية لذلك (بالجريدة) أما هى (أى الطبقة العاملة ) فلم تستجب .
لقد كنا إذن ازاء شعار مرفوع للتوجه للطبقة العاملة سواء فى تقرير 9 / 5 / 1975 أو ما بعد من كتابات ، وكنا ازاء محاولات التوجه عن طريق التوجه الصحفى الذى أعلى من شأنه تحت اسم التوجه السياسي أو تحت اسم تحطيم حدود طاقتنا العددية .
ومن ثم فإنه من الخطأ مهاجمة مقولات مثل ان توجهنا للطبقة العاملة لا ينبغى أن يقتصر على مجرد الارتباط بالنضال الاقتصادى الجارى ، كما أنه من الخطأ مهاجمة القول بضرورة قيام الحزب بتحويل النضال الاقتصادى الى نضال سياسي .
فهذه المقولات هى مقولات صحيحة تماماً ، ولكن النزعة السياسية الراديكالية المجردة وأسلوب التوجه الصحفى واحتقار النضال الاقتصادى وفصله عن النضال السياسي ، هى التى حالت جميعاً دون تحقيق الشعار ودون تحقيق أى خطوة فى تحويل النضال الاقتصادى الى نضال سياسي .
ويجب التأكيد على أن يساريتنا لم تكن أبداً ناشئة عن الاصرار على مهمة تحويل النضال الاقتصادى الى نضال سياسي ، ولامن التأكيد على ضرورة النضال حول القضايا الكبرى . ذلك أن هذه الأمور هى المبادئ الأساسية الموجهة لنضال فى اى حزب شيوعي ثورى ، ولكن اليسارية هى فى عدم تكييف أساليب التحريض ( وليس مضمونه) وفق ظروف الزمان والمكان ، وفى فصل النضال السياسي عن المصالح الطبقية ( تجريدة عنها) وعن النضال الاقتصادى . ويلاحظ أن النضال الاقتصادى دون نضال سياسي حول القضايا الكبرى من شأنه أن يوقعنا فى براثن الانحراف الاقتصادى ، ويطمس فى نفس الوقت الجوهر الطبقى للنضال الاقتصادي ، ويخضعه للسياسية البرجوازية . بالضبط ان فصل النضال السياسي عن النضال الاقتصادى يطمس الطابع الطبقى له لتصبح القضية الوطنية العامة على سبيل المثال لا صله لها بالمصالح المختلفة للطبقات صاحبة المصلحة فيها الخ .. ومن ثم لا يكون هناك مجال للدعاية الاشتراكية ، ولا ربط نضال الطبقة العاملة الوطنى وبين نضالها من أجل الاشتراكية . أى نشهد نزعة وطنية عامة تحل محل خط الطبقة العاملة المتميزفى القضية الوطنية والذى يميزها عن مختلف الخطوط الراديكالية البورجوازية الصغيرة .
ولا ينبغى إستعظام الصعوبات أمام تحويل النضال الاقتصادي الى نضال سياسي والنظر إليه على انه مهمة صعبة بعيدة المنال ، تحت تأثير مقولة تخلف الطبقة العاملة سواء فى مستوى نضالها الراهن ، أو فى مستواها الثقافى عموماً بحكم دورها فى تقسيم العمل الاجتماعى . أو تحت تأثير فكرة إنتهاء الازمة السياسية الخصوصية التى كانت قائمة قبل حرب اكتوبر ، فالتخلف فى مستوى نضال الطبقة العاملة الراهن وثيق الصلة بانفصال الطليعة الشيوعية عنها ، وإستمرارية هذا الانفصال الذى نحاول نحن تجاوزه ، والذى لا يمكن وضعه كمعطى للتأكيد على صعوبة تجاوز هذا التخلف والا يكون مصادرة على المطلوب .
كما أن تخلف المستوى الثقافى للطبقة العاملة لا يمكن المبالغة فيه كعائق فى أهليتها للوعى السياسي ، ذلك أن طريق الطبقة العاملة صوب الوعى ليس طريقا فلسفيا كحال المثقف الفرد ، فهى تحصل عليه من خلال الصراع الطبقى ، وبتأثير أعمق الدوافع ، فهى التربة الطبيعية لانتشار الافكار الاشتراكية والثورية كما هو معروف لدينا من الاصول الماركسية أما الشروط الموضوعية ، فمن الضرورى التأكيد على أنها فى تفاقم مضطرد ، كما أن الأزمة السياسية الخاصة التى كانت قائمة قبل حرب اكتوبر عندما قامت البورجوازية بحلها بالحزب ، دخلت بعدها فى أزمة سياسية آخرى ، أكثر عمقاً وإن أقل احتداماً ممثله فى ذلك الاستسلام المذل ، وبالطبع لا يمكن أن نقلل من تأثير الشروط المعاكسة التى تحدثنا عنها فى مكان آخر ، ولكن هذه الشروط لم تشل بشكل مطلق تفاعلات التناقضات المستفحلة للأزمة ، وذلك فضلاً من أن هذه الشروط المعاكسة نفسها آخذه بالتقلص بل تنطوى على مشاكل اضافية .

بعبارة موجزة هناك فرق بين الحديث عن التخلف فى مستوى نضال الطبقة بالقياس الى طاقتها فى تحقيق الأهداف الكبرى للنضال ، وهذا صحيح وبين خطأ الحديث عن تخلف الطبقة العاملة لتقليل أهليتها للوعى الثورى ، بل على العكس ، فرغم عوائق مستواها الثقافى ، هى الطبقة المؤهلة للوعى الثورى ، أكثر من غيرها من الطبقات الشعبية ، بحكم شروطها الموضوعية وبحكم دورها فى تقسيم العمل الاجتماعى ، فالطبقة العاملة هى المناضل السياسي الطليعى ، سواء من أجل الديمقراطية أو من أجل القضية الوطنية ، ناهيك عن النضال من أجل الاشتراكية .
ومن الخطأ أن نتصور أن النضال الاقتصادى للطبقة العاملة سيتطور أولاً لينفتح بعدها المجال الى النضال السياسي ، ذلك أن نضالها الاقتصادى من المستحيل أن يتطور ، خاصة فى ظل سلطة استبدادية ، دون أن يرافقه تطور فى نضالها ووعيها السياسي ، هذا فضلا عن أن تطورة بعيداً عن النضال السياسي يؤدى الى خلق تيار إقتصادى نقابى بورجوازي فى الطبقة العاملة .
إن النضال الاقتصادى والنضال السياسي وجهين لعملة واحدة ، وأحدهما يدفع الآخر للأمام ، كما أن هناك أشكالاً من النضال الاقتصادى الثورى لا تقل تطوراً عن النضال السياسي الثورى . وهما شكلين من النضال يستمران حتى الثورة لنشهد الإضرابات الاقتصادية العامة والاضرابات السياسية العامة على سبيل المثال . واستمرارية النضال الاقتصادى لا تعود الى وجود قطاعات متخلفة فى الطبقة العاملة ، وإنما لأنه أحد الجوانب الاساسية فى التناقض بين العمل ورأس المال ، ولاتنتهى ضرورته بالنسبة للعامل المتقدم ، فهو ضرورى للعامل المتقدم والمتوسط والمتخلف فهو يقاوم الاستغلال نفسه . وهذا يختلف عن القول وهو صحيح بأن النضال الاقتصادى أكثر قدرة على جذب العمال المتأخرين إلى النضال ليدخلوا عن طريقه ساحة النضال السياسي .
ومن الخطأ أن نتصور أن تطور النضال السياسي سيأخذ فقط شكل تيار سياسي ضيق فى البداية ثم يتسع أكثر فأكثر بعد ذلك لتبنى خطة فى التوجه تقوم على حصر النضال السياسي بين حلقات العاطفين ، بينما يكون النضال الاقتصادى هوالشكل الرئيسى للالتقاء بأوسع قطاعات الطبقة العاملة . بعبارة أخرى إنشاء حلقات حول الجريدة ( السياسية بالضرورة ) من العمال المتقدمين ، بينما نتوجه بكراسات التشهير الاقتصادى للقطاعات الأوسع من العمال . ومن الواضح أن خطأ هذه الفكرة والخطة العملية للتوجه التى نستنتج منها ، يعود الى إستعظام الصعوبات أمام دخول الطبقة العاملة غمار النضال السياسي .
فالتيار السياسي المعنى من جهة لا يمكن تصور توسعه المستمر ونحن نجعل من النضال الاقتصادى الميدان الرئيسي للالتقاء بأوسع قطاعات الطبقة العاملة ونحصر توجهنا اليها بكراسات التشهير ومن جهة ثانية فإن هذا التيار السياسي لا معنى لوجوده الا مع قيامة بالتشهير السياسي فى صفوف تلك القطاعات الأوسع .
حقا ومن الصحيح الحديث عن أن التيار السياسي فى الطريقة العاملة لا يمكن أن يشمل كل الطبقة ولا بد أن يكون ضيفاً أو محدوداً فى البداية . ولا يمكن خلط هذا التيار مع كافة العمال المشتركين فى النضال السياسي خاصة فى لحظات النهوض ثم لحظات العواصف . حيث تشترك قطاعات واسعة من العمال فى مثل هذا النضال ، فالاشتراك فى مثل هذه النضالات يرتبط بتحويل فى المزاج الجماهيري وليس فقط بتحويلات حاسمة فى مستوى الوعى الثورى بأبعاده الأيديولوجية .

إن النضال السياسي يأخذ شكل القفزات والهبات ، ليشمل قطاعات من العمال لا تعتاد العمل السياسي اليومي أو حتى بدرجة نسبة من التواتر ، لتنفض غالبيتها بعد إنتهاء النهوض ، بينما تنضم أقسام منها تقل أو تكثر فى ذلك التيار السياسي الذى يتعاطى السياسة بشكل متواتر نسبياً . إن هذا الجمهور الذى ينشط فى لحظات الصعود ثم يركن الى الخمول فى لحظات الهدوء ، يعتبر من الجمهور السياسي بالطبع حينما يشترك فى النضال السياسي ، ولكنه ليس كذلك فى لحظات خموله ، فمفهوم الجمهور السياسي العمالى ليس او التيار السياسي العمالى ، لاينبغى ان يكون مفهوما جامداً ، فهو يتغير مع تغير القطاعات التى تدخل غمار النضال السياسي ، وهو ليس فقط ذلك الجمهور الذى يستمر فى النضال السياسي بشكل متواتر الى هذا الحد أو ذاك .
ولعل التسليم بوجود تيار سياسي عمالى يعنى أن النضال السياسي المباشر ليس بعيداً عن متناول الطبقة العاملة ، ناهيك عن أن النضالات السياسية لا تقتصر على نشاط ذلك التيار السياسي وحده كما أسلفنا القول .
ومن الخطأ أن يكون التعبير عن الوجه الثورى للحزب مقصوراً على ربط التشهير الاقتصادى بالقضايا الكبرى ، فطالما أن الذهن يتسع لهذا الربط فانه لابد أن يتسع أيضاً لوسائل التشهير السياسي المباشر.
ومن الخطأ أيضاً الحديث عن مضامين فى التحريض تأتى على حساب المضمون السياسي لخط الحزب ، ومن الخطأ اعتبار أن ما هو منته بالنسبة للحزب منته بالنسبة للجماهير – وأن الانطلاق فى التشهير من مستوى وعى وخبره جماهير العمال أنها أشياء تخص المضمون .
فالقضية هى رفع العمال الى ذلك الذى هو منته بالنسبة للحزب ، كما أن الحزب لا يمكن الا أن ينطلق فى دعايته وتحريضه من خطه السياسي ذلك الخط الذى هو تطبيق الحقائق العامة للماركسية على الواقع الخاص لبلادنا ، باستقلال تام عن مستوى وعى أو مزاج أو خبرة الحركة العفوية ، فى هذه اللحظة أو تلك .
إن الحزب ينطلق من خطه السياسي فى دعايته وتحريضه ، ولكن عليه أن يتكيف فى الاسلوب وليس فى المضمون مع وعى ومزاج وخبره العمال ، هذه الأشياء جميعاً التى يسهم الحزب فى خلقها وتحويلها وتطويرها ، وهو أن لم ينطلق من خطه السياسي فلن يكون بمقدوره ذلك أبداً .
وحينما يحدث أن يتجمع سخط العمال حول بعض القضايا السياسية الجزئية ، فمعنى ذلك أن الوسائل السياسية المباشرة للتحريض لم تكف عن التأثير فى أوسع الجماهير العمالية وإن وسائل التحريض الاقتصادية ليست وحدها التى تستنفر جماهير العمال .
ولكن من الخطأ الاعتماد على جزئية هذه القضايا للتدليل على عدم مقدرة العمال فى النضال حول القضايا السياسية الكبرى . كأن يقال أن العمال فى هذه الحالة يكونون مستعدين للنضال حول بعض القضايا الجزئية للحريات الديمقراطية دون أن يرتبط بإدراكهم واستعدادهم للنضال حول القضايا الكبرى للحريات الديمقراطية ، وقد يرفضون التطبيع دون ان يرتبط بإدراكهم اواستعدادهم للنضال عند كل أسس التسوية ، وقد يرفضون بيع القطاع العام دون ان يكونون مدركين أو مستعدين للنضال ضد سياسية الانفتاح بأسرها .
فالعجز أو والادراك يرتبط بأى سياسة تلك التى تمد نفوذها فى صفوف الطبقة العاملة ، هل هى سياسة المعارضة الليبرالية أم هى السياسة الثورية الجذرية ، أما أن القضايا الجزئية هى التى تستنفر العمال لكونها كذلك ، بل لكون التجسيدات الملموسة للتسوية الاستعمارية أو سياسية الانفتاح أو الاستبداد السياسي ، لا يمكن أن تظهر أو تصدم الجماهير بشكل كلى شامل ، اللهم الا فى الفكر أما فى الواقع الملموس فانها تظهر أمام الجمهور فى هذه الصورة الجزئية أو تلك لتكون مادة غنية للتحريض حول الاطار الأشمل .
ومن هنا فمن الخطأ القول أن مهمة الحزب فى مثل تلك الحالات هى التركيز على هذه القضايا الجزئية وبناء حركة جماهيرية حولها ، فالتشهير يكون دوماً بالقضايا الملموسة التى لا يمكن الا أن تكون جزئية ، ولكن من أجل إنشاء موقف جذرى فى القضايا الأشمل ، وحول الأخيرة نحاول أن نبنى الحركة حولها .

*******الأزمة وانعكاساتها فى المزاج الجماهيرى
1. بهزيمة 1967 نشأت أهم أزمة سياسية فى المجتمع ، ونعنى بها الأزمة الوطنية ، ودفعت مجمل جوانب أزمة النظام البورجوازي الى التفاقم ، فالأزمة الاقتصادية التى بدأت فى 1965 إنتقلت الى مستوى جديد سواء بالاعباء الاقتصادية الجديدة التى ترتبت على الهزيمة ، أم بمستقبل تبعية الاقتصاد البرجوازى للامبريالية ، وأزمة الحريات الديمقراطية بعد أن كانت كامنه فى عصر الصعود ، وبسبب إنجرار الجماهير خلف النظام بفعل إنجازاته التقدمية ، إنتقلت بعد الهزيمة وبفعل انفضاض الجماهير عن النظام إلى دائرة الصراع المباشرعلى الصعيد الجماهيرى الواسع .
2. وهذا التأزم الشامل يتجاوز عمومية المأزق التاريخى لتطور البرجوازايات فى "العالم الثالث" ومنها البرجوازية المصرية ، فهى من جهة ناشئة من وصول تناقضات هذا التطور الى مستوى الأزمة ، التى نفذت من أضعف حلقات سلسلة علاقات النظام البورجوازى ، وهى علاقاته بالعالم الامبريالي ، وهى من جهة ثانية نتيجه اشتداد العوامل الموضوعية للصراع مع الامبريالية عن اى مكان آخر فى العالم ، ننتيجه لوجود اسرائيل كبؤره عدوانية امبريالية لها أهميتها الاستراتيجية فى السياسة الامبريالية .
فاذا كان المأزق التاريخى للبرجوازية المصرية يعنى العجز عن بناء إقتصاد متوازن سرعان ما أفرز أزمات الانتاج والتسويق والتمويل ، مشكلاُ بذلك أساساً مادياً لميل البرجوازية الموضوعى الى العودة لتلك التبعية الامبريالية من جديد بعد أن كانت قد استقلت نسبياً ، الا أن هذه العودة فى حالتنا الخاصة لم تتحقق بفعل عقوبه القوانين الاقتصادية وحدها ، وإنما تحققت بالعنف الاستعمارى والصراع المسلح ، والذى نقل الأزمة الى المستوى السياسي ومكن الامبريالية من فرص اقسى الشروط وأشدها إذلالاً .
3. فنحن إذن ازاء أزمة شاملة أو أزمة عامة ، بمعنى أنها أزمة تشمل مختلف جوانب النظام البورجوازى وعلى مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والفكرية الخ . وذلك تمييزاً لها عن هذه الأزمة الحديثة أو تلك فى السياسة والاقتصاد التى تخص هذا الجانب أو ذاك من جوانب النظام ، وقد شهدنا منها على سبيل المثال : الصراع مع المشير( عبد الحكيم عامر ) ومجموعته فى أعقاب الهزيمة ، وانقلاب 15 مايو ( الذى قام به السادات على مااسمى مراكز القوى آنذاك ) ، والصراع الذى يدور فى السنوات الأخيره بين السلطة والمعارضة الشرعية والتى فجرت أزمات مثل أزمة مايو 1978 ، وأزمة سبتمبر 1981 والتى انتهت باغتيال السادات . وهذه الأزمات الصغيرة ما هى الا أزمات فرعية أفرزتها أوضاع الأزمة الشاملة .
ومما هو جدير بالذكر أن مفهوم الأزمة العامة المستخدم هنا بمعنى الأزمة الشاملة ، يستخدم أيضاً فى الادب الماركسى كاصطلاح للدلالة على أزمة النظام الرأسمالي العالمى ككل ، والتى ترادف الحديث عن "مرحلة انهيار الرأسمالية العالمية وانتصار الاشتراكية ، والتى بدأت مع ثورة اكتوبر ، وذلك بصرف النظر عن الوضع المحدد لهذا البلد أو ذاك فى لحظة بعينها .
4. واذا كانت الأزمة الوطنية تمثل تكثيفاً سياسياً لتناقضات النظام البورجوازى الطبقية ، واذا كانت قد عملت على دفع مجمل التناقضات الأخرى للاحتدام ، فان هذه الأزمة أصبحت واحدة من أهم ميادين الصراع الطبقى .
فالوطن بالنسبة للطبقة العاملة ، ليس مجرد وطن الاجداد، وإنما هو أيضاً وفى المحل الأول الوسط المادى لوجودها ووجود جميع الطبقات الشعبية ، صاحبة المصلحة المادية فى حريته وإستقلاله إستقلالاً جذرياً . فمن ناحية لا مجال لبناء الاشتراكية سوى فى وطن حر ومستقل استقلالاً جذرياً سياسياً واقتصادياً ، ومن ناحية أخرى فإن التبعية الامبريالية تعنى تشديداً للاستغلال البورجوازى الواقع على الطبقة العاملة والطبقات الشعبية . فالنضال ضد الامبريالية يندمج بالنضال ضد البرجوازية باعتبارهما حلفا يشترك فى مصالح واحدة ، حيث أن سيطره البورجوازية على السلطة وهيمنة علاقاتها فى الريف والمدينة ، نقل محور الصراع الوطنى من أفق النضال البورجوازى ضد الاقطاع ، الى أفق النضال الاشتراكي ضد البرجوازية .
وبالمناسبة ان الفهم الصحيح للمقولة السابقة لا يعنى التركيز على الجوانب العامة المجردة فى القضية الوطنية ولا يعنى تجريدها عن المصالح الطبقية لمختلف الطبقات وعن انعكاساتها على الأحوال المعيشية للجماهير الشعبية ، كما أنزلقنا فيما نسميه بالراديكالية السياسية المجردة ، وإنما يعنى بالتحديد ربط الوطن بالدعاية الاشتراكية ، والربط بين الأوضاع العامة السياسية للقضية الوطنية ، وبين الأوضاع المعيشية للجماهير الشعبية ، والربط بين العلاقات الامبريالية والعلاقات الاستغلالية البورجوازية . وعدا ذلك يكون انزلاقاً نحو نزعة وطنية بورجوازية صغيرة على حساب تعميق الصراع الطبقى وفق خط الطبقة العاملة فى حل القضية الوطنية وفى سياق الصراع من أجل الاشتراكية .
5. إن هذه الأزمة الشاملة ، وفى القلب منها الأزمة الوطنية لم تنته بالاستسلام ، وانما تفاقمت . فإذا كان الاستسلام هو تحقيق للميل الموضوعى للبورجوازية للعودة من جديد الى تلك التبعية الامبريالية ، فإن ذلك لا يعنى أن الأزمة قد انتهت ، الامن جانبها السياسى العام المتعلق بالقضية الوطنية ولا من جوانبها الآخرى ، ولكن يعنى أن البرجوازية فى مرحلتها الأخيرة الرجعية هذه قد وضعت مصيرها نهائياً فى صف واحد مع الامبريالية ، وعمقت الهوة بينها بين جميع الطبقات الشعبية .
كما أنه اذا كانت حرب أكتوبر قد انهت أزمة اللاسلم واللاحرب ، فإنها لم تنه الأزمة الوطنية الأصلية ولم تنه نتائج الهزيمة ، وإنما حققت أهداف هذه الهزيمة بتوقيع صكوك الاستسلام التى نقلت الهزيمة من المجال العسكرى الى المجال السياسي الاقتصادى والثقافى الخ ... أى أنه من الخطأ الحديث عن إنتهاء الأزمة لتفسير جملة التطورات اللاحقة وغيرها من جملة التطورات كحرب اكتوبر ، حيث أن ذلك لا يتفق مع جوهر الأمر، والذى سنتناوله بشكل ملموس فيما بعد . وعموماً فإن انعكاس الأزمة فى مراحلها المختلفة على الحركة العفوية ، تعنى الانتقال من الموضوعى الى الذاتى فالحركة العفوية هى شكل من أشكال الحركة "الواعية" للناس ، من حيث أن العفوية تحمل جنين الوعى ، ومن حيث أن الطليعة الثورية تؤثر فى العفوية وهذه بدورها لا تفتقد الاهلية لتمثل الوعى الثورى للطليعة ، ليصبح أكثر فأكثر عنصراً فى الوعى الجارى لأوسع الجماهير . ومن هنا فإن الشروط الذاتية المتعلقة بالطليعة والمتعلقة بالسلطة ، والقوى الأخرى فى المجتمع ، تسهم فى التأثير وفى تعديل النتيجة التى تحدثها الشروط الموضوعية ، كذلك فإن الخبرات المتمايزة لمختلف الطبقات والفئات الشعبية ومستوى وعيها وتنظيمها الذين حصلتها تاريخياً لها أثرها الهام . ولهذه الأسباب جميعا لا يمكن أخذ هبوط الحركة ... ( ثلاثة او اربعة سطور هنا غير مقروءة فى المخطوطة ) .......
الحركة الجماهيرية كدليل على غياب الأزمة فى الواقع الموضوعى ، هذه الأزمة التى ينبغى دراستها بالتحليل الماركسى للشروط الموضوعية الماثلة فى الواقع وليس من انعكاسها فى الحركة الجماهيرية حيث أن هذا الانعكاس تعدله عوامل أخرى ذاتية ، فضلاً عن أن منهجنا الماركسى يبتعد بنا عن اعتبار التزامن بين ظاهرتين (هبوط الحركة الجماهيرية والاستسلام) برهان كاف على وجود علاقة سببية بينهما. وبالطبع فالمنهج الماركسي يقتضى منا أيضاً حينما نكون بصدد التأكيد على الرئيسى فى ظاهرة الا نغفل جوانب أخرى ثانوية أو عارضة التى تحدث تأثيرات معاكسة . وعلى هذه الأسس سندرس الخط البيانى لتطور الحركة الجماهيرية منذ الهزيمة وحتى الآن .
6. فقد عملت الهزيمة على اطلاق الحركة الشعبية من عقالها ، وأنتهى عهد مايسمى " بمصادرة الصراع الطبقى " ووفق تقدير أساسى لحزبنا منذ 1969 ، فإن هذه الوجهة الجديدة فى الصراع الطبقى سوف تستمر وتنمو ( وهو تقدير عام من الناحية الاساسية مهما تكن التعرجات التى كان من المستحيل التنبؤ بها مسبقاً، حيث أن الحياة دائماً أغنى من كل نظرية) . فالهزيمة أظهرت بشكل عنيف وفجائى نتائج الاستبداد البورجوازى على مصير الوطن ، وأوضحت حدود وطنية البرجوازية البيروقراطية ، وكشفت طرفاً من صراعات المجموعات والشلل ومراكز القوى فى قمة السلطة ، وكان كل ذلك وغيره يتناقض تناقضاً تاماً مع زيف تجليات النظام التظاهرية ومع ادعاءاته عن نفسه فى صفوف الجماهير .
ولكن هذه الحركة الشعبية ، بسبب الانقطاع الطويل فى الحركة العفوية والتصفية الذاتية للحركة الشيوعية الثانية ، لم يكن من شأنها أن تتخلص دفعة واحدة من تراث الماضى ، لتتصدى كطرف حاكم فى الصراع بالتصدى لحل المعضلات الأصلية للثورة الاشتراكية ، وكذلك المعضلات الجديدة التى نشأت من الهزيمة والتى وضعت القضية الوطنية فى أزمة مستحكمه ظلت تتفاقم حتى منتهاها حيث الاستسلام .
7. فالنتيجة المترتبة على ضعف الحركة الشعبية والحركة الشيوعية ، هى استمرار البورجوازية فى الامساك بزمام حل القضية الوطنية ،ولكن كانت البرجوازية عاجزة عن رد الهجمة الامبريالية وغير مهيأه فى نفس الوقت لاستسلام مباشر ، لهذا تميزت الأزمة بالاستمرارية والاستطالة ، وأعطى البرجوازية فسحة من الوقت ، وامكانيات مادية ، وتحالفات دولية لتجريب مخارجها وخوضها الحروب لتظهر بمظهر الآخذ بزمام المبادأة فى سياق حملة واسعة من المناورات والتضليل وتهيئة ذهنية الجماهير ببطء للحل الاستسلامي الذى روج له فى البداية باعتباره وسيله دبلوماسية لا أكثر لاجبار اسرائيل على الانسحاب .
والأزمة الوطنية على هذا النحو مرت بمراحل مختلفة تحققت فيها بأشكال خصوصية ، وثيقة الصلة بنوع المخارج التى كانت تقدمها البرجوازية ، حيث كانت تنجح بصورة مؤقتة فى تنفيس السخط الجماهيري وفى إستعادتها لجزء من هيبتها ، ولكن لما كانت غير قادرة على تجاوز عجزها وغير قادرة على إيقاف خط التدهور فى مجمل جوانب أزمتها ، لهذا فإن الازمة التى ماتزال قائمة كانت تعمل على تجميع عوامل الأزمة من جديد فى صورة جديدة .
8. فحرب الاستنزاف ، كانت أولى مخارج البرجوازية ، عملت من بين ما عملت على امتصاص صدمة الهزيمة التى أدت الى ذلك الانقلاب الحاسم فى المزاج الجماهيري ازاء السلطة ، ولكن هذه الحرب نفسها وما حملته معها من وعود عن أعوام الصمود والردع ، ثم الحسم ، عملت هى نفسها على تجميع عوامل السخط فى ظل مرحلة اللاسلم واللاحرب ، ذلك أن عجز البرجوازية لم يكن متسقاً مع كل تلك الوعود والتى كانت تراهن على الحل السلمي سواء عن طريق الضغوط الدبلوماسية أو عن طريق الضغوط العسكرية التى لا ترقى أبداً الى حرب التحرير .
9. ثم جاءت حرب أكتوبر التى استهدف النظام منها ايجاد مخرج استراتيجى من الأزمة بأسرها وليس فقط من أزمة اللاسلم واللاحرب ، حيث كانت تستهدف منها تحريك التسوية السلمية على نار الحرب الساخنة ، وحيث كانت تسعى الى تحسين شروط الاستسلام ، بل لقد كانت تظن أن إسترجاع الارض ، مهما كانت الشروط سوف يخلصها من الأزمة ، حيث أن منهجها يقودها الى اختزال المشكلة بأسرها فى احتلال الأرض .
ويمكننا هنا أن نميز بين فترتين الأولى بدأت فى اعقاب الحرب وحتى إنتفاضة 18 – 19 يناير ، والثانية فى اعقاب هذه الانتفاضة وحتى الآن .
فترة ما بعد أكتوبر وحتى 18 – 19 يناير :
10. لقد شهدنا فى اعقاب الحرب وجهين متناقضين فى المزاج الجماهيري ، فمن جهة أخذت الحركة السياسية ( وهى التى كانت لاتزال محصورة فى الحركة الطلابية ) فى الهبوط ، ومن جهة ثانية شهدنا صعود الحركة العمالية التى كانت بسبب إنفصالها التاريخى عن الطليعة الثورية واستمرارية هذا الانفصال لاتزال على أرض العفوية ويطغى عليها الطابع الاقتصادى .
فقد كان من بين أهداف حرب اكتوبر ، اجهاض الحركة الطلابية ، وبالفعل فقد نجحت السلطة فى تحقيق هدفها الى حد كبير، ساعدها فى ذلك أزمة الحركة الشيوعية ، بل لقد كان انحصار النضال السياسي الوطنى فى اطار هذه الفئة وحدها سبباً اضافياً، وان كان سبباً سلبياً ، فوزن هذه الفئة الموضوعى هو وزن هامشى بينما تحمل شعارات وبرنامج تعجز عن تحقيقة أو حتى التقدم خطوة هامه نحوه ، ومن هنا فهذا التناقض كان من شأنه أن يدفعها نحو الاحباط والتحلل والتخثر ، بعد أن جربت أعلى توتر دون نتيجة ملموسة أو مكسب هام . ولعله مما له دلاله كبيرة أن يطرح شعار التوجه للطبقة العاملة بالحاح على نطاق واسع بين الجمهور السياسي الطلابى كإحساس عفوى بهذا المأزق .
أما تأثير حرب أكتوبر نفسها ، فقد كان حاسما على الحركة الطلابية وعلى مزاج الجماهير الشعبية بأسرها . وهى تعيش هذه التناقضات ، فرغم أن حرب اكتوبر قد أطلقت آمالا ومزاجا مناقضا للمزاج الإنهزامي ، الا أنها أعادت للسلطة هيبتها المفقودة الى حد كبير ، ومع هذه الهيبة تمكنت السلطة من الترويج لخطها وأسلوبها فى الحل . بعبارات أخرى لقد استعادت السلطة زمام المبادرة السياسية التى أخذت طابع الهجوم السياسي الكاسح ، وشكلت حرب اكتوبر غطاءاً يخفى جوهر الاستسلام والطبيعة الحقيقية له ، وكانت النتيجة تسييد "وعى زائف " فى صفوف الجماهير والذى انطوى على عنصر إنهزامي كان آخذاً فى التبلور فى أعقاب الهزيمة ، ثم إتسع نطاقه بشده مع خطوات الاستسلام المقرونه بذلك الهجوم السياسي الكاسح للسلطة والذى إستمد قوته كما سبق القول من عودة هيبتها السياسية نتيجة لحرب اكتوبر . ويلاحظ أن هذا الوعى الزائف لم يكن نتيجة للتضليل البورجوازي وحده ، وإنما كان أيضاً نتيجة للفهم العفوى المعكوس لتجربة النضال الوطنى فى عهد الناصرية ، حيث لم تحقق الجماهير الشعبية مكاسب حقيقية منها وانفردت البرجوازيه البيروقراطية بثمار الاستقلال النسبي ، كما أن الاسلوب الفوقى فى الصراع والذى أحل الأجهزة البيروقراطية محل الجماهير التى غيبت من ميدان الصراع ، وأحيطت بمختلف أشكال الكبت والاستبداد البوليسى ، كل هذا جعل الجماهير قابلة إلى إرجاع أسباب معاناتها الاقتصادية ، لا إلى الطبيعة الرأسمالية للنظام ، ولكن إلى تكاليف وأعباء النضال الوطنى ، وإلى القضية الفلسطينية ومغامرات الوحدة العربية ، وحرب اليمن الخ ....وفضلا عن ذلك ، فحينما تنتهى هذه التجربة الفوقية السلطوية فى الصراع مع الامبريالية الى الهزيمة المنكرة ، فان الجماهير المغيبة ثم الجماهير السلبية ، تكون قابلة لتسلل النزعة الانهزامية داخلها ، فالهزيمة أفقدتها الثقة فى النظام ، فى نفس الوقت الذى لم تك تملك فيه بعد الثقة فى نفسها . وحينما يكون ذلك مقروناً بذلك التضليل الواسع للسلطة والتيئيس المنهجى ووعود الرخاء ، خاصة بعد أن بردت المشاعر التى ولدتها صدمة الهزيمة ،فإن هذا التفكير غير العقلانى "الواقعى" الزائف يجد له مجالاً للانتشار والسيادة . ثم فى مرحلة تالية وبعد أن أثمرت سياسة الانفتاح الاقتصادى – ثمارها المعاكسة التى سنتحدث عنها فيما بعد – فإن هذا الوعى الزائف يجد له تكريساً مادياً فى سياق عملية كاسحة لتحطيم القيم وسيادة سيكولوجية الحل الفردى .
11. على أى حال فهذا " الوعى الزائف " وذلك الهجوم الكاسح الذى شمل المجتمع بأسره كان له تأثيره الحاسم على دخول الحركة الطلابية فى منحنى هابط ، وقد كانت هذه الحركة تشكل فصيلاً هاماً فى النضال الوطنى ، ولا شك أن اجهاضها مثل خسارة شديدة على الآفاق المحتملة لهذا النضال ، ولكن لا ينبغى المبالغة فى وزن هذا العنصر من المسألة الى الحد الذى يجعل من حرب اكتوبر حداً فاصلاً بين عهدين من عهود الحركة الجماهيرية عموماً : عهد من الصعود وقبلها لعموم الحركة الجماهيرية ، عهد من الهبوط وبعدها لعموم الحركة الجماهيرية أيضاً . فمعنى ذلك تعميم أوضاع حركة فئة واحدة من فئات الجماهير الشعبية على أوضاع جميع الطبقات الشعبية . ذلك أن الحركة العمالية العفوية الاقتصادية تصاعدت بعد حرب اكتوبر عنها قبلها . كما أن هذا التقرير ( المقصود التقرير التنظيمى الصادر فى 9 /5 / 1975 ) نفسه يقلل من امكانيات تطوير النضال الاقتصادي العمالى وتحويله الى نضال سياسي ، ويغفل بالتالي الآثار السلبية التى نشأت من اهدار استثمار هذه الحركة التى استمرت فى تصاعد مستمر حتى 1977 لتحقيق تقدم أيا كان حجمة فى هذا المضمار . ثم ان هذا التعميم يغفل المستوى الجنينى للحركة الجماهيرية ككل، الذى يؤدى بالضرورة الى تباين مستوى التوتر العفوى بين مختلف الطبقات ، بل وحتى الطبقة الواحدة ، بصورة تكون فيها أمام حركات عفوية منعزلة ولسنا أمام حركة جماهيرية واحدة مترابطة ومندمجة . ونفس المستوى الجنينى للحركة ، يعكس أيضاً المستوى الجنينى للطليعة الشيوعية ( ثم بعد ذلك عجزها عن تجاوز طور الطفولة ) بما يعنية ذلك من محدودية صلاتها بالطبقات الشعبية ، لنشهد حركة طلابية ارتفعت الى مستوى النضال السياسي ، سواء بسبب مستواها المعطى بوصفها حركة مثقفين أو بسبب الوجود العفوى للطليعة الشيوعية بين صفوفها لتعمل على ايقاظها ، وعلى رفع مستوى وعيها وشعاراتها ، بينما تركت الحركة العمالية للتضليل البورجوازى ، ولم تلتق بها الطليعة الشيوعية ، لتظل على أرض العفوية ومجزأة وضعيفة التنظيم ، لتأخذ شكل الهبات العنيفة وليس شكل الحركة المنظمة القادرة على إنتزاع المكاسب . فرغم أن الظروف التى حركت مختلف الطبقات الشعبية ، هى ظروف واحدة ، الا ان المستوى الجنينى للحركة ومختلف الشروط الأخرى ، أدت الى تباين أوضاع المزاج الجماهيرى ، واختلاف مستوى التوتر العفوى ومستوى ما حققته من وعى وتنظيم .
12. ويهمنا هنا أن نشير الى أن فكرة "الحلقات الوسيطة " تقف خلف جملة من المبالغات فى دور الحركة الطلابية ، حيث أنها طابقت بين التأثير الايجابى للحركة الطلابية فى الحركة العمالية ( انطلاقا من تبادل التأثير بين مختلف الطبقات ) وبين مهمة ايقاظ الطبقة العاملة وتسييسها وتطوير نضالها الاقتصادى ، وتحويله الى نضال سياسي ، ذلك أن كل ذلك يتوقف على عمل منهجى ومنظم يرتقى بالوعى وبالتنظيم فى سياق نضال يقوم به العمال أنفسهم ، فهو تطوير لوعى نضالى وليس تطويراً لوعى مفصول عن النضال ، وبالتالى لا يمكن أن نحقق خطوة واحدة الى الأمام دون ذلك العمل المنظم الواعى للطليعة الشيوعية ، ويمكن القول فقط بأنه حينما يتوفر الحزب الشيوعى على انجاز هذه المهمة ، فانه من الممكن أن نستفيد بحركة سياسية متقدمة ( كتلك التى أنبثقت فى صفوف الطلاب ) فى تسهيل مهمة الحزب الشيوعي . ان فكرة الحلقة الوسيطة من هذه الناحية تحل التأثيرات العفوية الاشعاعية لطبقة فى طبقة أخرى ، كما تحل التحول العفوى للنضالات الاقتصادية العمالية الى نضالات سياسية ، محل العمل الواعى المنظم للطليعة الشيوعية .
13. واذا كان هذا هو مصير الحركة الطلابية فى أعقاب حرب اكتوبر فإننا نجد على العكس نهوضا كبيرا للحركة العمالية الاقتصادية . ولم يكن هذا النهوض ببعيد موضوعياً عن سياسة الاستسلام التى بدأت تدخل طورها الحاسم فى أعقاب الحرب ، حيث شهدنا سياسية الانفتاح الاقتصادي التى أريد بها تهيئة البيت لالحاق الاقتصاد المصرى بالتبعية للامبريالية ، تحدث تدهوراً حاداً ومفاجئاً فى الأحوال المعيشية ، فى وقت لم يعد هناك مجال للابتزاز باسم اقتصاد الحرب ، وذلك دون أن تكون عوامل الازدهار المؤقتة قد أتت ثمارها بعد .
14. وهذا الازدواج فى سمات الحركة الجماهيرية ، أى هبوط الحركة السياسية الطلابية ، وصعود الحركة العمالية الاقتصادية ، لا يعود الى إنفصال بين الأزمة الوطنية والأزمة الاقتصادية ، التى كما سبق القول ، تدهورت بشكل أساسى نتيجة لسياسة الاستسلام على الصعيد الاقتصادى ، بنفس القدر الذى كانت تدفع هى نفسها الى هذا الاستسلام مشكلة الأساس المادى للميل الموضوعى للبرجوازية نحو العودة الى تلك التبعية الامبريالية . وهذا الارتباط الموضوعى بين الأزمتين ، لا يمكن أن يعكس نفسه فى الحركة الجماهيرية الا مع تطورها فى الوعى التنظيم ، ومع تغلغل الطليعة الشيوعية فى صفوف الطبقة العاملة . وهو تطور لم يكن فى مرحلته الجنينية فحسب ، بل لقد أخذ يتراجع الى الخلف بسبب أزمات الحركة الشيوعية الثالثة بأسرها وليس حزبنا فقط .
وبالطبع لا يمكن فهم هذا الازدواج بصفة مطلقة وقدرية وارجاعه الى تبدل فى الطابع الموضوعى للأزمة لامجال للتدخل فيه وتعديله . فإذا كان تراجع النضال السياسي على تلك الصورة قد نشأ من استعادة السلطة هيبتها وانتقالها الى وضع الهجوم السياسي ، فإن نجاح هذا الهجوم السياسي ، مرتبط بذلك الضعف فى الشرط الذاتى للحركة الثورية جماهيراً وطليعة ، وهو ضعف كما سبق القول لا يتعلق فقط بجنينية الحركة وتراثها فى الانقطاع فقط وإنما إلى أزماتها أيضاً . فضلا عن انه أيضاً مرتبط بإنحصار الحركة السياسية فى المجال الطلابى ، والى انفصال الشيوعية عن الطبقة العاملة . إن كون جانباً من الشروط التى أدت الى ذلك الوضع المزدوج فى سمات الحركة الجماهيرية ، يعود إلى الشروط الذاتية ( سواء كانت متعلقة بالجماهير أو بالطليعة ، وسواء كانت متعلقة بميراث تاريخى أو بأزمات جديدة وأخطاء جديدة) فإنه يعنى أنه كان من الممكن تعديل النتيجة التى شهدناها بعد حرب أكتوبر بعض التعديل ، حيث كان يمكن الحفاظ على تيار وطنى فى الحركة الطلابية ، وكان يمكن تطوير النضال الاقتصادي العمالي وتحويله بعض التحويل الى نضال سياسي ، ومن ثم خلق نواة حركة عمالية ثورية ، سوف تكون قادرة على التطور والنمو مهما تكن الصعوبات . إنه بدون أن يصل النقد الموجه للانحراف التلقائى ثم الانحراف البيروقراطي ، بأنه كان ممكناً للحزب أن يلعب دوراً فى تعديل النتيجة التى حدثت فإن هذا النقد سوف يكون نقداً زائفاً ولن يكون له من نتيجة سوى تبرير انحرافاتنا والتكيف مع تلك النتائج ، سواء أردنا أو لم نرد .
مرحلة ما بعد 18 – 19 يناير:-
15. وفيها دخلت الحركة الجماهيرية بأسرها فى حالة من الركود ، فهل ذلك يعود إلى انتهاء الأزمة ؟ ولما كان الهبوط فى هذه الفترة هو فى الحركة السياسية والحركة الاقتصادية فهل يعنى ذلك زوال الأزمة الاقتصادية والأزمة السياسية معاً، لنكون فى مرحلة من الازدهار الناشئ عن الاستسلام ؟ ولندع جانباً محاولة تفسير الأزمة من خلال انعكاسها فى مزاج الجماهير ، ولنحاول أولاً دراستها بصورة مباشرة ، ذلك أن هذا الانعكاس كما سبق القول يكون تعبيراً عن تفاعل بين الشروط الذاتية والموضوعية ، والأخيرة لا تقتصر فقط على تلك العناصر الرئيسية وحدها وانما تشمل عناصر موضوعية أخرى ثانوية ومؤقتة تحيط دائماً بالرئيسى فى أية ظاهرة وتؤثر عليها سلباً أم ايجاباً .
إن السياسة كما يقول لينين هى العلاقة بين الطبقات والأمم ، فالاستسلام يعنى وضع المقدرات السياسية والاقتصادية لطبقات الشعب المصرى فى يد الامبريالية ، ويعنى تحول البرجوازية القومية الى سند محلى وشريك أصغر للامبريالية ، ويعنى شدة وازدواج فى الاستغلال البورجوازى ، ويعنى تخريب الاقتصاد البورجوازى ، وتوجيهه لخدمة الحلف البرجوازى الامبريالي الجديد . ان جوهر الاستسلام سياسياً ، لا يمكن أن تحجبه عودة الأرض المنزوعة السلاح والموضوعة تحت تصرف قوات الانتشار السريع الأمريكية ، تلك التى لم تفتح لها أبواب سيناء فحسب ، وإنما فتحت لها أبواب مصر بأسرها . واذا ما حجب هذا الجوهر فى وعى الجماهير المضلله ، فإن هذا لا ينفى موضوعية هذا الجوهر ، وموضوعيته تعنى أنه لابد أن يفرض نفسه على وعى الجماهير الشعبية ، من خلال اصطدامها بواقع الاستسلام وليس بصورته الزائفة ، فى سياق من الدعاية الثورية المنظمة .
وعلى صعيد الاقتصاد فقد كانت نتيجة سياسة الانفتاح الاقتصادى ، على سبيل المثال لا الحصر : معدلات متزايدة من التضخم ، وتضاعف الديون الاجنبية للغرب الامبريالي أكثر من خمسه أضعاف قياساً الى الوضع السابق على الانفتاح ، العجز المتزايد فى ميزان المدفوعات وفى الميزان التجارى وانخفاض مريع فى نسبة تغطية الصادرات للواردات اعجز الميزانية العامة للدولة ، التدهور المستمر فى قيمة الجنية المصرى ، الطاقة العاطلة ، المخزون السلعى ، جمود الانتاج الصناعى والزراعى وإنتفاخ القطاعات الخدمية ، العجز عن سد متطلبات الاستهلاك الضرورى والاعتماد المتزايد فى سد فجوة الغذاء على المعونة الامبريالية ، وقد انعكس كل ذلك فى تدهور الاحوال المعيشية للجماهير الشعبية فى كل شئ تقريباً من المرافق العامة الى السكن والغذاء والملبس والمواصلات الخ . وكل هذه العناصر المكونه للأزمة ، ليست سوى أعراض للأسباب الأعمق القائمة فى علاقات الانتاج الرأسمالية ، والتى فرضت بنية اقتصادية مشوهة تشد الاقتصاد بإتجاه الامبريالية لتعمل هذه الأخيرة على المزيد من تشويهه وتعميق أزمته .
16. ولكن إلى جانب ذلك شهدنا عددا من الظواهر الموضوعية المعاكسة التى عملت على حجب تأثير تلك التناقضات المشتدة آنفة الذكر . فمن ناحية شهدنا هجرة العمالة الى سوق العمل العربى ، الذى إزدهر لأسباب لا تتعلق باستسلام النظام ، واستوعبت هذه الهجرة فائض العمالة المصرية ، ورغم أن هذه الظاهرة قد ساهمت فى زيادة معدلات التضخم وفى حرمان الصناعة المصرية من العمالة الماهرة ، وفى إرتفاع أجور الحرفيين ، الا أن أثرها الهام والمؤثر عاظم من دخول نسبة عظيمة من العمالة ( تصل الى 2.5 مليون فى بعض التقديرات ) ومن ثم تمكينها من تجنب ويلات الأزمة . ولكن نتيجتها الأهم هى تسييد الحل الفردى على حساب الحل الجماعى الطبقى . ومن ناحية ثانية . فقد أدى التضخم الى إزدهار العديد من فئات البورجوازية الصغيرة ، وأدى هذا وذاك إلى حدوث حراك إجتماعى عمل على نقل العديد من الفئات الطبقية الى درجة أعلى فى السلم الاجتماعى ، بل ان ظاهرة الثراء المفاجئ (وهى بالتأكيد محدودة بالقياس الى مجمل ظاهرة الحراك الاجتماعي ) أصبحت من السمات المميزة ، وكل هذا يترك أثره على القيم والسلوك السياسي والمزاج النفسى للجماهير . ومن ناحية ثالثة فقد ساهمت الدخول الجديدة للدولة من البترول وقناة السويس إلى تمكين الدولة من تأجيل قرار الغاء الدعم بعدما واجهت المقاومة الشعبية فى 18 ،19 يناير 1977 وساهم ذلك فى تخفيف حدة الأزمة على القطاع الأكثر فقراً من الجماهير الشعبية . ثم ان تحويلات العاملين فى الخارج ساهمت فى مواجهة جزء عظيم من العجز فى ميزان المدفوعات .
وهذه الظروف المعاكسة لا تتناقض مع العرض المقدم فى البند السالف والذى يوضح اشتداد الأزمة الاقتصادية ذلك أن مظاهر الازدهار لم تظهر فى الهيكل الرئيسي للاقتصاد ، وإنما ظهرت اما فى أقسام هامشية (البترول وقناة السويس ) واما من خارج الاقتصاد بل وعلى حسابه فالهجرة تعمق أزمة الاقتصاد إستنزافها للعمالة الماهرة والكوادر الفنية الماهرة . فالظروف المعاكسة ليست نتاج سياسة الانفتاح الاقتصادى بما هى كذلك .
ولكن هذه الظروف المعاكسة ، هى ظروف مؤقتة ، فإستيعاب السوق العربى للعمالة لن يحتفظ بمعدلات زيادته السابقة ، بل هناك دلائل على حركة عكسية ، وحتى دون هذه الحركة العكسية فإن المعنى الوحيد لإنخفاض معدلات النمو ( وليس إنخفاضا فى العدد المطلق ) فى حجم العمالة المهاجرة ، هو زيادة حجم البطالة ، فضلاً عن أن معدلات التضخم تخفض من الميزات النسبية لفروق الأجور ، أما الدخول الإستثنائية للدولة من البترول وقناة السويس ، فهى آخذه فى الإنخفاض ، بصورة ينخفض فيها اسهامها فى سد عجز ميزانية الدولة ، مما يدفع السلطة أكثر فأكثر الى الغاء الدعم . ...... ............ ( سطر ونصف باهتان فى المخطوطة ) .
17. إن هذا الوضع المزدوج : الأزمة من جهة والشروط الموضوعية المعاكسة من جهة أخرى ، نلحظها فى إزدواج المزاج الجماهيري ، فنجد سخطاً متعاظماً ولكنه ظل سخطاً سلبياً ، كما أن قدراً عظيماً من طاقة السخط جرى تسريبها – بسبب ضعف الحركة الشيوعية – فى مسارب الحركة الدينية الرجعية ، تلك التى قدمت للناس تفسيراً بسيطاً للأوضاع المقلوبة مفاده جاهلية المجتمع والسلطة ، أو تكفير المجتمع والسلطة . ثم أن الاستسلام المذل فرص نفسه على الحياة السياسية ، حيث وجدنا العديد من القوى البورجوازية الصغيرة من الناصرية والقومية وحزب التجمع والحزب الشيوعي المصرى ينتقلون الى صفوف المعارضة ، بل لقد إنتقلت العدوى الى المعارضة البورجوازية الليبرالية نفسها وعدد من رجال مجلس قيادة الثورة الذين كانوا حتى البارحة يطالبون السادات باللجوء الى أمريكا التى تمسك فى يديها مفتاح الحل .
ولكن من جهة أخرى نجد الشروط المعاكسة وقد شكلت تكريساً مادياً – مؤقتا بالطبع – للوعى الزائف ، ولنفسية الحل الفردى وتردى القيم ، وحجبت تفجير الطاقات الثورية الكامنة التى تنطوى عليها تناقضات الأزمة . ولكن لا يجب التقليل مع كل ذلك من أن هناك طاقة للسخط يمكن للحركة الشيوعية الثورية تفجيرها شرط استخدامها وسائل ثورية مناسبة ، لا تتعالى على أبسط أشكالها ، فإلى جانب السخط السلبى المتنامي ، لم يخلو الأمر من حركات اضرابية بسيطة تقوم بها الطبقة العاملة ، كما أن حركات الاحتجاج السياسي البسيطة تجد تجاوباً بسيطاً ، وهذا يعنى أن الخروج من الأزمة والارتفاع بكفاءة النضال الشيوعي وتخليصه من إنحرافاته بقادر على تطوير هذه الأشكال فى سياق عمل يستهدف استنهاض موجة ثورية جديدة فى البلاد .
18. إن هذه الفترة قد قاربت على نهايتها ، فمن ناحية نجد الشروط المعاكسة آخذه فى الاضمحلال ، كما أن الجماهير أخذت تصطدم بواقع الاستسلام وخرافة الرخاء ونشهد اليوم تغيرات فى المزاج الجماهيري الى الدرجة التى أصبح فيما عهد الناصرية بمثابة الفردوس المفقود ، فضلاً عن أن اغتيال السادات وفتح ملفات عهده حطمت الكثير من الأساطير المضللة التى روجها النظام عن نفسه وعن استسلامه . ومن ناحية ثالثة فإن الحركة الشيوعية بدأت تتلمس طريقها نحو الخروج من مآزقها ، فهى الشرط الحاسم فى امكانية استثمار كل هذه الشروط لصالح الحركة الثورية .
حول مفهوم الوضع الثورى :-
19. إن هذا المفهوم واحد من المفاهيم الماركسية التى توضح مدى عمق الأزمة التى يتعرض لها النظام البورجوازي فمن الناحية الموضوعية والذاتية ، والتشخيص الدقيق لمدى مطابقة وضع البلاد مع الوضع الثورى من شأنه أن يرشد الطليعة الشيوعية فى نضالها ويعطيها قدرة على التنبؤ بمستقبل النشاط الثورى للجماهير . ويتضمن الوضع الثورى شروطاً موضوعية وأخرى ذاتية ، فهو يتضمن ليس فقط أزمات فى القاعدة نتيجة لتعرض الجماهير الى اضطهاد واستغلال تتجاوز أوضاع الاستغلال العادية ، وإنما يتضمن أيضاً أزمات فى القمة ، بحيث لا تستطيع الجماهير أن تعيش كما كانت فى السابق ، كما لا تستطيع القمة أن تحكم كما كانت تحكم فى السابق ، وإلى جانب هذين الشرطين ونتيجة لهما يتفجر سخط جماهيري يتحول إلى نشاط ثورى جماهيري تاريخي ، تشترك فيه الطبقات الثورية ، والأحزاب الثورية ومختلف أشكال القوى السياسية المعبرة عن هذه الطبقات . والتقاء هذه الشروط جميعاً يكون مقدمة للثورة ، فالوضع الثورى ليس الثورة ، ولكن نضج الوضع الثورى يجعل الانفجار الثورى وشيكاً .
20. إن المبالغة فى الوضع الثورى يؤدى ولا شك الى تكتيكات يسارية يجهض التفجير الثورى ، كما أن التهوين من الوضع الثورى يفوت فرصاً عظيمة للتقدم بإتجاه الثورة ، وحل المسألة لا يجرى أبداً على صعيد المفهوم ، ذلك أن مختلف عناصر الوضع الثورى لا تعرف نمواً أو نضجا متساوياً ، كما أن الشروط الذاتية للطبقة وللطليعة هى أحد مكونات الوضع الثورى ، ومن هنا فإن أندماج الحزب فى صفوف الجماهير وعمله النضالى هو الذى يمكننا من التحديد الدقيق لنضج الوضع الثورى ومعرفة المزاج الجماهيري ومدى استعداد الطبقة والطليعة للانتقال الى الأعمال الثورية .
21. واذا كان من الممكن أن يسبق نضج الشروط الموضوعية نضج الشروط الذاتية ، الا أنه من الخطأ الحديث عن توفر الوضع الثورى الناضج فى بلادنا اعتماداً على الشروط الموضوعية وحدها أما الحديث عن الوضع الثورى ، مع التحفظ بأن المقصود فقط هو الناحية الموضوعية من الوضع الثورى ، فهو يفتح الباب للخلط ، فضلاً عن أنه لا يفيدنا الآن فى فهم خصوصية الأزمة القائمة فى بلادنا ، من حيث وجود شروط موضوعية معاكسة ، ومن حيث انتشار ذلك الوعى الزائف ، ونفسية الحل الفردى ، ونزعات اللامبالاة الخ .... ومن حيث نفوذ التطرف الدينى . كما أنه اذا كانت الشروط الموضوعية تعمل على انضاج الشرط الذاتى فإن الشرط الذاتى يفاقم من الشروط الموضوعية ، بل ويقطع الطريق على محاولات الالتفاف والاحتواء من قبل البورجوازية ، لندخل فى آليه من التفاقم الذى يعاظم الحصار على الطبقة الحاكمة . ومما لاشك فيه أن الوضع الراهن ، رغم الأزمة الموضوعية المتفاقمة ، يتيح للبورجوازية هامشا واسعا للتضليل والالتفاف والترويض والاحتواء . كما أن التطرف الدينى ما يزال قادراً على نشر نفوذه وتسريب طاقة السخط فى جداوله الرجعية (الفاشية) . ولكل هذا فالحديث عن الوضع الثورى من الناحية الموضوعية ، لا يفيدنا فى وضع يدنا على مجموعة الظواهر السابقة ، والتى يشكل فهمها ضرورة لا غنى عنها لترشيد عملنا الثورى فى صفوف الجماهير .
22. وليس معنى ذلك أننا نغفل ما تنطوى عليه هذه الأزمة وما تحمله من امكانات ثورية مستقبلية ، فهى أزمة تحمل طاقة ثورية كامنة ، كما أن البورجوازية لن تجد لها حلاً إصلاحياً ، فالثورة الاشتراكية هى وحدها التى يمكنها أن تقدم لها الحل، أى أن الآفاق هى آفاق ثورية ولا شك .
حول فكرة استقرار الرجعية :-
23. تستند هذه الفكرة على أن التحول الرجعى للبرجوازية وسلطتها لم تواكبه مقاومة شعبية مباشرة . وبدلاً من ذلك فهناك ظواهر تمنع نهوضها مثل المزاج الانهزامى وإنتشار الحل الفردى ، بصورة يستنتج منها أن التحول الرجعى المذكور يتخذ وضعاً مستقراً وأن مقاومتها ليست فى الأفق المنظور . وهذه الفكرة خاطئه للأسباب التالية:
- عدم التعمق فى التناقضات الطبقية التى ينطوى عليها ذلك التحول الرجعى للبرجوازية القومية فهو ليس تحولاً رجعياً يرتبط بتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام ، كما هو الحال مثلاً فى النظام الايرانى بعد الانقلاب على مصدق وحتى اندلاع الثورة الايرانية . حيث نهض هذا النظام بمهام التحول البورجوازى فى المجتمع ، فى إطار التبعية والتحالف مع الامبريالية والعداء الشرس للحريات الديمقراطية ، إن هذا التحول البورجوازى ، رغم اطاره الرجعى هذا ربط بالنظام واطاره فئات طبقية وطبقات بأسرها ممن استفادت به خاصة أن النظام الايرانى كانت تتوفر له موارد هائلة من البترول وعملت على تكريس وتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام . وكل هذا مكن نظاماً رجعياً من الاستقرار لمرحلة تاريخية محددة ، قبل أن تستفحل تناقضات التحول البورجوازى نفسه ، لتنفجر الثورة .
أما التحول الرجعى فى بلادنا على العكس من ذلك عمل ويعمل على تضييق القاعدة الاجتماعية للنظام بتشديد استغلال الطبقات الشعبية من جهة ، وبانفضاض لا ينى عن الاتساع للجماهير الشعبية عن النظام من جهة ثانية ، وذلك رغم الظواهر المعاكسة والمتمثلة فى الهجرة والتضخم وما صحبهما من حراك اجتماعي ، وفى بعض الموارد الاستثنائية للدولة .... ( سطران باهتان فى المخطوطة ) .........................................................................( البترول وقناة السويس ) والتى مكنت السلطة من تأجيل اجراءات الغاء الدعم وتحريك أسعار منتجات القطاع العام الخ . وذلك فضلا عن أن هذه الظواهر نفسها هى ظواهر مؤقته ولايمكن الزعم انها سوف تستغرق مرحلة تاريخية ، وتدل المؤشرات الفعلية على بدء تقلصها.
-ان انتشار الحل الفردى ، والمزاج الانهزامي كعنصر فى الواعى الزائف ، المنتشر فى صفوف الجماهير ، هى ظواهر فعلية ، عاظمت منها وشجعتها تلك الظواهر المعاكسة المذكورة . وهى ظواهر لا ينبغى التقليل من شأنها ، بل ينبغى التعمق فى تشخيصها ودراسة ما ينشأ عنها من تغييرات ، لكن الوقوف عندها وحدها يؤدى الى رؤية وحيدة الجانب ، لا ترى فى نفس الوقت الانفضاض الحادث فعلا فى صفوف الجماهير الشعبية عن النظام ، والسخط الواسع الموجود فعلا ، والذى لم تستطع الحركة الشيوعية ( بسبب أزمتها وانحرافاتها خاصة فى حزبنا) أن تعمل على تحويله الى حركة ثورية ، ففتحت الفرصة أمام التيار الدينى ( الفاشى ) لاستيعاب قسماً عظيما من طاقة السخط تلك فى الاطار الرجعى الفاشى .
ان المبالغة فى شأن ضعف المقاومة ترجع الى محاكمة الأمر من خلال نموذج واحد للمقاومة ينطلق من استفزاز منتظر لخطوات الاستسلام فى حركة سياسية مباشرة ، وتغفل امكانيت تحويل النضال الاقتصادى الى نضال سياسي . هذا النضال الاقتصادى الذى ينشأ بالضرورة من استفحال التناقضات الطبقية التى تنجم عن الاستغلال البورجوازى بما هو كذلك ثم تشديد هذا الاستغلال بسبب التبعية الاقتصادية فى عصر الاستسلام .

***********الأزمة وانعكاساتها فى المزاج الجماهيرى
1. بهزيمة 1967 نشأت أهم أزمة سياسية فى المجتمع ، ونعنى بها الأزمة الوطنية ، ودفعت مجمل جوانب أزمة النظام البورجوازي الى التفاقم ، فالأزمة الاقتصادية التى بدأت فى 1965 إنتقلت الى مستوى جديد سواء بالاعباء الاقتصادية الجديدة التى ترتبت على الهزيمة ، أم بمستقبل تبعية الاقتصاد البرجوازى للامبريالية ، وأزمة الحريات الديمقراطية بعد أن كانت كامنه فى عصر الصعود ، وبسبب إنجرار الجماهير خلف النظام بفعل إنجازاته التقدمية ، إنتقلت بعد الهزيمة وبفعل انفضاض الجماهير عن النظام إلى دائرة الصراع المباشرعلى الصعيد الجماهيرى الواسع .
2. وهذا التأزم الشامل يتجاوز عمومية المأزق التاريخى لتطور البرجوازايات فى "العالم الثالث" ومنها البرجوازية المصرية ، فهى من جهة ناشئة من وصول تناقضات هذا التطور الى مستوى الأزمة ، التى نفذت من أضعف حلقات سلسلة علاقات النظام البورجوازى ، وهى علاقاته بالعالم الامبريالي ، وهى من جهة ثانية نتيجه اشتداد العوامل الموضوعية للصراع مع الامبريالية عن اى مكان آخر فى العالم ، ننتيجه لوجود اسرائيل كبؤره عدوانية امبريالية لها أهميتها الاستراتيجية فى السياسة الامبريالية .
فاذا كان المأزق التاريخى للبرجوازية المصرية يعنى العجز عن بناء إقتصاد متوازن سرعان ما أفرز أزمات الانتاج والتسويق والتمويل ، مشكلاُ بذلك أساساً مادياً لميل البرجوازية الموضوعى الى العودة لتلك التبعية الامبريالية من جديد بعد أن كانت قد استقلت نسبياً ، الا أن هذه العودة فى حالتنا الخاصة لم تتحقق بفعل عقوبه القوانين الاقتصادية وحدها ، وإنما تحققت بالعنف الاستعمارى والصراع المسلح ، والذى نقل الأزمة الى المستوى السياسي ومكن الامبريالية من فرص اقسى الشروط وأشدها إذلالاً .
3. فنحن إذن ازاء أزمة شاملة أو أزمة عامة ، بمعنى أنها أزمة تشمل مختلف جوانب النظام البورجوازى وعلى مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والفكرية الخ . وذلك تمييزاً لها عن هذه الأزمة الحديثة أو تلك فى السياسة والاقتصاد التى تخص هذا الجانب أو ذاك من جوانب النظام ، وقد شهدنا منها على سبيل المثال : الصراع مع المشير( عبد الحكيم عامر ) ومجموعته فى أعقاب الهزيمة ، وانقلاب 15 مايو ( الذى قام به السادات على مااسمى مراكز القوى آنذاك ) ، والصراع الذى يدور فى السنوات الأخيره بين السلطة والمعارضة الشرعية والتى فجرت أزمات مثل أزمة مايو 1978 ، وأزمة سبتمبر 1981 والتى انتهت باغتيال السادات . وهذه الأزمات الصغيرة ما هى الا أزمات فرعية أفرزتها أوضاع الأزمة الشاملة .
ومما هو جدير بالذكر أن مفهوم الأزمة العامة المستخدم هنا بمعنى الأزمة الشاملة ، يستخدم أيضاً فى الادب الماركسى كاصطلاح للدلالة على أزمة النظام الرأسمالي العالمى ككل ، والتى ترادف الحديث عن "مرحلة انهيار الرأسمالية العالمية وانتصار الاشتراكية ، والتى بدأت مع ثورة اكتوبر ، وذلك بصرف النظر عن الوضع المحدد لهذا البلد أو ذاك فى لحظة بعينها .
4. واذا كانت الأزمة الوطنية تمثل تكثيفاً سياسياً لتناقضات النظام البورجوازى الطبقية ، واذا كانت قد عملت على دفع مجمل التناقضات الأخرى للاحتدام ، فان هذه الأزمة أصبحت واحدة من أهم ميادين الصراع الطبقى .
فالوطن بالنسبة للطبقة العاملة ، ليس مجرد وطن الاجداد، وإنما هو أيضاً وفى المحل الأول الوسط المادى لوجودها ووجود جميع الطبقات الشعبية ، صاحبة المصلحة المادية فى حريته وإستقلاله إستقلالاً جذرياً . فمن ناحية لا مجال لبناء الاشتراكية سوى فى وطن حر ومستقل استقلالاً جذرياً سياسياً واقتصادياً ، ومن ناحية أخرى فإن التبعية الامبريالية تعنى تشديداً للاستغلال البورجوازى الواقع على الطبقة العاملة والطبقات الشعبية . فالنضال ضد الامبريالية يندمج بالنضال ضد البرجوازية باعتبارهما حلفا يشترك فى مصالح واحدة ، حيث أن سيطره البورجوازية على السلطة وهيمنة علاقاتها فى الريف والمدينة ، نقل محور الصراع الوطنى من أفق النضال البورجوازى ضد الاقطاع ، الى أفق النضال الاشتراكي ضد البرجوازية .
وبالمناسبة ان الفهم الصحيح للمقولة السابقة لا يعنى التركيز على الجوانب العامة المجردة فى القضية الوطنية ولا يعنى تجريدها عن المصالح الطبقية لمختلف الطبقات وعن انعكاساتها على الأحوال المعيشية للجماهير الشعبية ، كما أنزلقنا فيما نسميه بالراديكالية السياسية المجردة ، وإنما يعنى بالتحديد ربط الوطن بالدعاية الاشتراكية ، والربط بين الأوضاع العامة السياسية للقضية الوطنية ، وبين الأوضاع المعيشية للجماهير الشعبية ، والربط بين العلاقات الامبريالية والعلاقات الاستغلالية البورجوازية . وعدا ذلك يكون انزلاقاً نحو نزعة وطنية بورجوازية صغيرة على حساب تعميق الصراع الطبقى وفق خط الطبقة العاملة فى حل القضية الوطنية وفى سياق الصراع من أجل الاشتراكية .
5. إن هذه الأزمة الشاملة ، وفى القلب منها الأزمة الوطنية لم تنته بالاستسلام ، وانما تفاقمت . فإذا كان الاستسلام هو تحقيق للميل الموضوعى للبورجوازية للعودة من جديد الى تلك التبعية الامبريالية ، فإن ذلك لا يعنى أن الأزمة قد انتهت ، الامن جانبها السياسى العام المتعلق بالقضية الوطنية ولا من جوانبها الآخرى ، ولكن يعنى أن البرجوازية فى مرحلتها الأخيرة الرجعية هذه قد وضعت مصيرها نهائياً فى صف واحد مع الامبريالية ، وعمقت الهوة بينها بين جميع الطبقات الشعبية .
كما أنه اذا كانت حرب أكتوبر قد انهت أزمة اللاسلم واللاحرب ، فإنها لم تنه الأزمة الوطنية الأصلية ولم تنه نتائج الهزيمة ، وإنما حققت أهداف هذه الهزيمة بتوقيع صكوك الاستسلام التى نقلت الهزيمة من المجال العسكرى الى المجال السياسي الاقتصادى والثقافى الخ ... أى أنه من الخطأ الحديث عن إنتهاء الأزمة لتفسير جملة التطورات اللاحقة وغيرها من جملة التطورات كحرب اكتوبر ، حيث أن ذلك لا يتفق مع جوهر الأمر، والذى سنتناوله بشكل ملموس فيما بعد . وعموماً فإن انعكاس الأزمة فى مراحلها المختلفة على الحركة العفوية ، تعنى الانتقال من الموضوعى الى الذاتى فالحركة العفوية هى شكل من أشكال الحركة "الواعية" للناس ، من حيث أن العفوية تحمل جنين الوعى ، ومن حيث أن الطليعة الثورية تؤثر فى العفوية وهذه بدورها لا تفتقد الاهلية لتمثل الوعى الثورى للطليعة ، ليصبح أكثر فأكثر عنصراً فى الوعى الجارى لأوسع الجماهير . ومن هنا فإن الشروط الذاتية المتعلقة بالطليعة والمتعلقة بالسلطة ، والقوى الأخرى فى المجتمع ، تسهم فى التأثير وفى تعديل النتيجة التى تحدثها الشروط الموضوعية ، كذلك فإن الخبرات المتمايزة لمختلف الطبقات والفئات الشعبية ومستوى وعيها وتنظيمها الذين حصلتها تاريخياً لها أثرها الهام . ولهذه الأسباب جميعا لا يمكن أخذ هبوط الحركة ... ( ثلاثة او اربعة سطور هنا غير مقروءة فى المخطوطة ) .......
الحركة الجماهيرية كدليل على غياب الأزمة فى الواقع الموضوعى ، هذه الأزمة التى ينبغى دراستها بالتحليل الماركسى للشروط الموضوعية الماثلة فى الواقع وليس من انعكاسها فى الحركة الجماهيرية حيث أن هذا الانعكاس تعدله عوامل أخرى ذاتية ، فضلاً عن أن منهجنا الماركسى يبتعد بنا عن اعتبار التزامن بين ظاهرتين (هبوط الحركة الجماهيرية والاستسلام) برهان كاف على وجود علاقة سببية بينهما. وبالطبع فالمنهج الماركسي يقتضى منا أيضاً حينما نكون بصدد التأكيد على الرئيسى فى ظاهرة الا نغفل جوانب أخرى ثانوية أو عارضة التى تحدث تأثيرات معاكسة . وعلى هذه الأسس سندرس الخط البيانى لتطور الحركة الجماهيرية منذ الهزيمة وحتى الآن .
6. فقد عملت الهزيمة على اطلاق الحركة الشعبية من عقالها ، وأنتهى عهد مايسمى " بمصادرة الصراع الطبقى " ووفق تقدير أساسى لحزبنا منذ 1969 ، فإن هذه الوجهة الجديدة فى الصراع الطبقى سوف تستمر وتنمو ( وهو تقدير عام من الناحية الاساسية مهما تكن التعرجات التى كان من المستحيل التنبؤ بها مسبقاً، حيث أن الحياة دائماً أغنى من كل نظرية) . فالهزيمة أظهرت بشكل عنيف وفجائى نتائج الاستبداد البورجوازى على مصير الوطن ، وأوضحت حدود وطنية البرجوازية البيروقراطية ، وكشفت طرفاً من صراعات المجموعات والشلل ومراكز القوى فى قمة السلطة ، وكان كل ذلك وغيره يتناقض تناقضاً تاماً مع زيف تجليات النظام التظاهرية ومع ادعاءاته عن نفسه فى صفوف الجماهير .
ولكن هذه الحركة الشعبية ، بسبب الانقطاع الطويل فى الحركة العفوية والتصفية الذاتية للحركة الشيوعية الثانية ، لم يكن من شأنها أن تتخلص دفعة واحدة من تراث الماضى ، لتتصدى كطرف حاكم فى الصراع بالتصدى لحل المعضلات الأصلية للثورة الاشتراكية ، وكذلك المعضلات الجديدة التى نشأت من الهزيمة والتى وضعت القضية الوطنية فى أزمة مستحكمه ظلت تتفاقم حتى منتهاها حيث الاستسلام .
7. فالنتيجة المترتبة على ضعف الحركة الشعبية والحركة الشيوعية ، هى استمرار البورجوازية فى الامساك بزمام حل القضية الوطنية ،ولكن كانت البرجوازية عاجزة عن رد الهجمة الامبريالية وغير مهيأه فى نفس الوقت لاستسلام مباشر ، لهذا تميزت الأزمة بالاستمرارية والاستطالة ، وأعطى البرجوازية فسحة من الوقت ، وامكانيات مادية ، وتحالفات دولية لتجريب مخارجها وخوضها الحروب لتظهر بمظهر الآخذ بزمام المبادأة فى سياق حملة واسعة من المناورات والتضليل وتهيئة ذهنية الجماهير ببطء للحل الاستسلامي الذى روج له فى البداية باعتباره وسيله دبلوماسية لا أكثر لاجبار اسرائيل على الانسحاب .
والأزمة الوطنية على هذا النحو مرت بمراحل مختلفة تحققت فيها بأشكال خصوصية ، وثيقة الصلة بنوع المخارج التى كانت تقدمها البرجوازية ، حيث كانت تنجح بصورة مؤقتة فى تنفيس السخط الجماهيري وفى إستعادتها لجزء من هيبتها ، ولكن لما كانت غير قادرة على تجاوز عجزها وغير قادرة على إيقاف خط التدهور فى مجمل جوانب أزمتها ، لهذا فإن الازمة التى ماتزال قائمة كانت تعمل على تجميع عوامل الأزمة من جديد فى صورة جديدة .
8. فحرب الاستنزاف ، كانت أولى مخارج البرجوازية ، عملت من بين ما عملت على امتصاص صدمة الهزيمة التى أدت الى ذلك الانقلاب الحاسم فى المزاج الجماهيري ازاء السلطة ، ولكن هذه الحرب نفسها وما حملته معها من وعود عن أعوام الصمود والردع ، ثم الحسم ، عملت هى نفسها على تجميع عوامل السخط فى ظل مرحلة اللاسلم واللاحرب ، ذلك أن عجز البرجوازية لم يكن متسقاً مع كل تلك الوعود والتى كانت تراهن على الحل السلمي سواء عن طريق الضغوط الدبلوماسية أو عن طريق الضغوط العسكرية التى لا ترقى أبداً الى حرب التحرير .
9. ثم جاءت حرب أكتوبر التى استهدف النظام منها ايجاد مخرج استراتيجى من الأزمة بأسرها وليس فقط من أزمة اللاسلم واللاحرب ، حيث كانت تستهدف منها تحريك التسوية السلمية على نار الحرب الساخنة ، وحيث كانت تسعى الى تحسين شروط الاستسلام ، بل لقد كانت تظن أن إسترجاع الارض ، مهما كانت الشروط سوف يخلصها من الأزمة ، حيث أن منهجها يقودها الى اختزال المشكلة بأسرها فى احتلال الأرض .
ويمكننا هنا أن نميز بين فترتين الأولى بدأت فى اعقاب الحرب وحتى إنتفاضة 18 – 19 يناير ، والثانية فى اعقاب هذه الانتفاضة وحتى الآن .
فترة ما بعد أكتوبر وحتى 18 – 19 يناير :
10. لقد شهدنا فى اعقاب الحرب وجهين متناقضين فى المزاج الجماهيري ، فمن جهة أخذت الحركة السياسية ( وهى التى كانت لاتزال محصورة فى الحركة الطلابية ) فى الهبوط ، ومن جهة ثانية شهدنا صعود الحركة العمالية التى كانت بسبب إنفصالها التاريخى عن الطليعة الثورية واستمرارية هذا الانفصال لاتزال على أرض العفوية ويطغى عليها الطابع الاقتصادى .
فقد كان من بين أهداف حرب اكتوبر ، اجهاض الحركة الطلابية ، وبالفعل فقد نجحت السلطة فى تحقيق هدفها الى حد كبير، ساعدها فى ذلك أزمة الحركة الشيوعية ، بل لقد كان انحصار النضال السياسي الوطنى فى اطار هذه الفئة وحدها سبباً اضافياً، وان كان سبباً سلبياً ، فوزن هذه الفئة الموضوعى هو وزن هامشى بينما تحمل شعارات وبرنامج تعجز عن تحقيقة أو حتى التقدم خطوة هامه نحوه ، ومن هنا فهذا التناقض كان من شأنه أن يدفعها نحو الاحباط والتحلل والتخثر ، بعد أن جربت أعلى توتر دون نتيجة ملموسة أو مكسب هام . ولعله مما له دلاله كبيرة أن يطرح شعار التوجه للطبقة العاملة بالحاح على نطاق واسع بين الجمهور السياسي الطلابى كإحساس عفوى بهذا المأزق .
أما تأثير حرب أكتوبر نفسها ، فقد كان حاسما على الحركة الطلابية وعلى مزاج الجماهير الشعبية بأسرها . وهى تعيش هذه التناقضات ، فرغم أن حرب اكتوبر قد أطلقت آمالا ومزاجا مناقضا للمزاج الإنهزامي ، الا أنها أعادت للسلطة هيبتها المفقودة الى حد كبير ، ومع هذه الهيبة تمكنت السلطة من الترويج لخطها وأسلوبها فى الحل . بعبارات أخرى لقد استعادت السلطة زمام المبادرة السياسية التى أخذت طابع الهجوم السياسي الكاسح ، وشكلت حرب اكتوبر غطاءاً يخفى جوهر الاستسلام والطبيعة الحقيقية له ، وكانت النتيجة تسييد "وعى زائف " فى صفوف الجماهير والذى انطوى على عنصر إنهزامي كان آخذاً فى التبلور فى أعقاب الهزيمة ، ثم إتسع نطاقه بشده مع خطوات الاستسلام المقرونه بذلك الهجوم السياسي الكاسح للسلطة والذى إستمد قوته كما سبق القول من عودة هيبتها السياسية نتيجة لحرب اكتوبر . ويلاحظ أن هذا الوعى الزائف لم يكن نتيجة للتضليل البورجوازي وحده ، وإنما كان أيضاً نتيجة للفهم العفوى المعكوس لتجربة النضال الوطنى فى عهد الناصرية ، حيث لم تحقق الجماهير الشعبية مكاسب حقيقية منها وانفردت البرجوازيه البيروقراطية بثمار الاستقلال النسبي ، كما أن الاسلوب الفوقى فى الصراع والذى أحل الأجهزة البيروقراطية محل الجماهير التى غيبت من ميدان الصراع ، وأحيطت بمختلف أشكال الكبت والاستبداد البوليسى ، كل هذا جعل الجماهير قابلة إلى إرجاع أسباب معاناتها الاقتصادية ، لا إلى الطبيعة الرأسمالية للنظام ، ولكن إلى تكاليف وأعباء النضال الوطنى ، وإلى القضية الفلسطينية ومغامرات الوحدة العربية ، وحرب اليمن الخ ....وفضلا عن ذلك ، فحينما تنتهى هذه التجربة الفوقية السلطوية فى الصراع مع الامبريالية الى الهزيمة المنكرة ، فان الجماهير المغيبة ثم الجماهير السلبية ، تكون قابلة لتسلل النزعة الانهزامية داخلها ، فالهزيمة أفقدتها الثقة فى النظام ، فى نفس الوقت الذى لم تك تملك فيه بعد الثقة فى نفسها . وحينما يكون ذلك مقروناً بذلك التضليل الواسع للسلطة والتيئيس المنهجى ووعود الرخاء ، خاصة بعد أن بردت المشاعر التى ولدتها صدمة الهزيمة ،فإن هذا التفكير غير العقلانى "الواقعى" الزائف يجد له مجالاً للانتشار والسيادة . ثم فى مرحلة تالية وبعد أن أثمرت سياسة الانفتاح الاقتصادى – ثمارها المعاكسة التى سنتحدث عنها فيما بعد – فإن هذا الوعى الزائف يجد له تكريساً مادياً فى سياق عملية كاسحة لتحطيم القيم وسيادة سيكولوجية الحل الفردى .
11. على أى حال فهذا " الوعى الزائف " وذلك الهجوم الكاسح الذى شمل المجتمع بأسره كان له تأثيره الحاسم على دخول الحركة الطلابية فى منحنى هابط ، وقد كانت هذه الحركة تشكل فصيلاً هاماً فى النضال الوطنى ، ولا شك أن اجهاضها مثل خسارة شديدة على الآفاق المحتملة لهذا النضال ، ولكن لا ينبغى المبالغة فى وزن هذا العنصر من المسألة الى الحد الذى يجعل من حرب اكتوبر حداً فاصلاً بين عهدين من عهود الحركة الجماهيرية عموماً : عهد من الصعود وقبلها لعموم الحركة الجماهيرية ، عهد من الهبوط وبعدها لعموم الحركة الجماهيرية أيضاً . فمعنى ذلك تعميم أوضاع حركة فئة واحدة من فئات الجماهير الشعبية على أوضاع جميع الطبقات الشعبية . ذلك أن الحركة العمالية العفوية الاقتصادية تصاعدت بعد حرب اكتوبر عنها قبلها . كما أن هذا التقرير ( المقصود التقرير التنظيمى الصادر فى 9 /5 / 1975 ) نفسه يقلل من امكانيات تطوير النضال الاقتصادي العمالى وتحويله الى نضال سياسي ، ويغفل بالتالي الآثار السلبية التى نشأت من اهدار استثمار هذه الحركة التى استمرت فى تصاعد مستمر حتى 1977 لتحقيق تقدم أيا كان حجمة فى هذا المضمار . ثم ان هذا التعميم يغفل المستوى الجنينى للحركة الجماهيرية ككل، الذى يؤدى بالضرورة الى تباين مستوى التوتر العفوى بين مختلف الطبقات ، بل وحتى الطبقة الواحدة ، بصورة تكون فيها أمام حركات عفوية منعزلة ولسنا أمام حركة جماهيرية واحدة مترابطة ومندمجة . ونفس المستوى الجنينى للحركة ، يعكس أيضاً المستوى الجنينى للطليعة الشيوعية ( ثم بعد ذلك عجزها عن تجاوز طور الطفولة ) بما يعنية ذلك من محدودية صلاتها بالطبقات الشعبية ، لنشهد حركة طلابية ارتفعت الى مستوى النضال السياسي ، سواء بسبب مستواها المعطى بوصفها حركة مثقفين أو بسبب الوجود العفوى للطليعة الشيوعية بين صفوفها لتعمل على ايقاظها ، وعلى رفع مستوى وعيها وشعاراتها ، بينما تركت الحركة العمالية للتضليل البورجوازى ، ولم تلتق بها الطليعة الشيوعية ، لتظل على أرض العفوية ومجزأة وضعيفة التنظيم ، لتأخذ شكل الهبات العنيفة وليس شكل الحركة المنظمة القادرة على إنتزاع المكاسب . فرغم أن الظروف التى حركت مختلف الطبقات الشعبية ، هى ظروف واحدة ، الا ان المستوى الجنينى للحركة ومختلف الشروط الأخرى ، أدت الى تباين أوضاع المزاج الجماهيرى ، واختلاف مستوى التوتر العفوى ومستوى ما حققته من وعى وتنظيم .
12. ويهمنا هنا أن نشير الى أن فكرة "الحلقات الوسيطة " تقف خلف جملة من المبالغات فى دور الحركة الطلابية ، حيث أنها طابقت بين التأثير الايجابى للحركة الطلابية فى الحركة العمالية ( انطلاقا من تبادل التأثير بين مختلف الطبقات ) وبين مهمة ايقاظ الطبقة العاملة وتسييسها وتطوير نضالها الاقتصادى ، وتحويله الى نضال سياسي ، ذلك أن كل ذلك يتوقف على عمل منهجى ومنظم يرتقى بالوعى وبالتنظيم فى سياق نضال يقوم به العمال أنفسهم ، فهو تطوير لوعى نضالى وليس تطويراً لوعى مفصول عن النضال ، وبالتالى لا يمكن أن نحقق خطوة واحدة الى الأمام دون ذلك العمل المنظم الواعى للطليعة الشيوعية ، ويمكن القول فقط بأنه حينما يتوفر الحزب الشيوعى على انجاز هذه المهمة ، فانه من الممكن أن نستفيد بحركة سياسية متقدمة ( كتلك التى أنبثقت فى صفوف الطلاب ) فى تسهيل مهمة الحزب الشيوعي . ان فكرة الحلقة الوسيطة من هذه الناحية تحل التأثيرات العفوية الاشعاعية لطبقة فى طبقة أخرى ، كما تحل التحول العفوى للنضالات الاقتصادية العمالية الى نضالات سياسية ، محل العمل الواعى المنظم للطليعة الشيوعية .
13. واذا كان هذا هو مصير الحركة الطلابية فى أعقاب حرب اكتوبر فإننا نجد على العكس نهوضا كبيرا للحركة العمالية الاقتصادية . ولم يكن هذا النهوض ببعيد موضوعياً عن سياسة الاستسلام التى بدأت تدخل طورها الحاسم فى أعقاب الحرب ، حيث شهدنا سياسية الانفتاح الاقتصادي التى أريد بها تهيئة البيت لالحاق الاقتصاد المصرى بالتبعية للامبريالية ، تحدث تدهوراً حاداً ومفاجئاً فى الأحوال المعيشية ، فى وقت لم يعد هناك مجال للابتزاز باسم اقتصاد الحرب ، وذلك دون أن تكون عوامل الازدهار المؤقتة قد أتت ثمارها بعد .
14. وهذا الازدواج فى سمات الحركة الجماهيرية ، أى هبوط الحركة السياسية الطلابية ، وصعود الحركة العمالية الاقتصادية ، لا يعود الى إنفصال بين الأزمة الوطنية والأزمة الاقتصادية ، التى كما سبق القول ، تدهورت بشكل أساسى نتيجة لسياسة الاستسلام على الصعيد الاقتصادى ، بنفس القدر الذى كانت تدفع هى نفسها الى هذا الاستسلام مشكلة الأساس المادى للميل الموضوعى للبرجوازية نحو العودة الى تلك التبعية الامبريالية . وهذا الارتباط الموضوعى بين الأزمتين ، لا يمكن أن يعكس نفسه فى الحركة الجماهيرية الا مع تطورها فى الوعى التنظيم ، ومع تغلغل الطليعة الشيوعية فى صفوف الطبقة العاملة . وهو تطور لم يكن فى مرحلته الجنينية فحسب ، بل لقد أخذ يتراجع الى الخلف بسبب أزمات الحركة الشيوعية الثالثة بأسرها وليس حزبنا فقط .
وبالطبع لا يمكن فهم هذا الازدواج بصفة مطلقة وقدرية وارجاعه الى تبدل فى الطابع الموضوعى للأزمة لامجال للتدخل فيه وتعديله . فإذا كان تراجع النضال السياسي على تلك الصورة قد نشأ من استعادة السلطة هيبتها وانتقالها الى وضع الهجوم السياسي ، فإن نجاح هذا الهجوم السياسي ، مرتبط بذلك الضعف فى الشرط الذاتى للحركة الثورية جماهيراً وطليعة ، وهو ضعف كما سبق القول لا يتعلق فقط بجنينية الحركة وتراثها فى الانقطاع فقط وإنما إلى أزماتها أيضاً . فضلا عن انه أيضاً مرتبط بإنحصار الحركة السياسية فى المجال الطلابى ، والى انفصال الشيوعية عن الطبقة العاملة . إن كون جانباً من الشروط التى أدت الى ذلك الوضع المزدوج فى سمات الحركة الجماهيرية ، يعود إلى الشروط الذاتية ( سواء كانت متعلقة بالجماهير أو بالطليعة ، وسواء كانت متعلقة بميراث تاريخى أو بأزمات جديدة وأخطاء جديدة) فإنه يعنى أنه كان من الممكن تعديل النتيجة التى شهدناها بعد حرب أكتوبر بعض التعديل ، حيث كان يمكن الحفاظ على تيار وطنى فى الحركة الطلابية ، وكان يمكن تطوير النضال الاقتصادي العمالي وتحويله بعض التحويل الى نضال سياسي ، ومن ثم خلق نواة حركة عمالية ثورية ، سوف تكون قادرة على التطور والنمو مهما تكن الصعوبات . إنه بدون أن يصل النقد الموجه للانحراف التلقائى ثم الانحراف البيروقراطي ، بأنه كان ممكناً للحزب أن يلعب دوراً فى تعديل النتيجة التى حدثت فإن هذا النقد سوف يكون نقداً زائفاً ولن يكون له من نتيجة سوى تبرير انحرافاتنا والتكيف مع تلك النتائج ، سواء أردنا أو لم نرد .
مرحلة ما بعد 18 – 19 يناير:-
15. وفيها دخلت الحركة الجماهيرية بأسرها فى حالة من الركود ، فهل ذلك يعود إلى انتهاء الأزمة ؟ ولما كان الهبوط فى هذه الفترة هو فى الحركة السياسية والحركة الاقتصادية فهل يعنى ذلك زوال الأزمة الاقتصادية والأزمة السياسية معاً، لنكون فى مرحلة من الازدهار الناشئ عن الاستسلام ؟ ولندع جانباً محاولة تفسير الأزمة من خلال انعكاسها فى مزاج الجماهير ، ولنحاول أولاً دراستها بصورة مباشرة ، ذلك أن هذا الانعكاس كما سبق القول يكون تعبيراً عن تفاعل بين الشروط الذاتية والموضوعية ، والأخيرة لا تقتصر فقط على تلك العناصر الرئيسية وحدها وانما تشمل عناصر موضوعية أخرى ثانوية ومؤقتة تحيط دائماً بالرئيسى فى أية ظاهرة وتؤثر عليها سلباً أم ايجاباً .
إن السياسة كما يقول لينين هى العلاقة بين الطبقات والأمم ، فالاستسلام يعنى وضع المقدرات السياسية والاقتصادية لطبقات الشعب المصرى فى يد الامبريالية ، ويعنى تحول البرجوازية القومية الى سند محلى وشريك أصغر للامبريالية ، ويعنى شدة وازدواج فى الاستغلال البورجوازى ، ويعنى تخريب الاقتصاد البورجوازى ، وتوجيهه لخدمة الحلف البرجوازى الامبريالي الجديد . ان جوهر الاستسلام سياسياً ، لا يمكن أن تحجبه عودة الأرض المنزوعة السلاح والموضوعة تحت تصرف قوات الانتشار السريع الأمريكية ، تلك التى لم تفتح لها أبواب سيناء فحسب ، وإنما فتحت لها أبواب مصر بأسرها . واذا ما حجب هذا الجوهر فى وعى الجماهير المضلله ، فإن هذا لا ينفى موضوعية هذا الجوهر ، وموضوعيته تعنى أنه لابد أن يفرض نفسه على وعى الجماهير الشعبية ، من خلال اصطدامها بواقع الاستسلام وليس بصورته الزائفة ، فى سياق من الدعاية الثورية المنظمة .
وعلى صعيد الاقتصاد فقد كانت نتيجة سياسة الانفتاح الاقتصادى ، على سبيل المثال لا الحصر : معدلات متزايدة من التضخم ، وتضاعف الديون الاجنبية للغرب الامبريالي أكثر من خمسه أضعاف قياساً الى الوضع السابق على الانفتاح ، العجز المتزايد فى ميزان المدفوعات وفى الميزان التجارى وانخفاض مريع فى نسبة تغطية الصادرات للواردات اعجز الميزانية العامة للدولة ، التدهور المستمر فى قيمة الجنية المصرى ، الطاقة العاطلة ، المخزون السلعى ، جمود الانتاج الصناعى والزراعى وإنتفاخ القطاعات الخدمية ، العجز عن سد متطلبات الاستهلاك الضرورى والاعتماد المتزايد فى سد فجوة الغذاء على المعونة الامبريالية ، وقد انعكس كل ذلك فى تدهور الاحوال المعيشية للجماهير الشعبية فى كل شئ تقريباً من المرافق العامة الى السكن والغذاء والملبس والمواصلات الخ . وكل هذه العناصر المكونه للأزمة ، ليست سوى أعراض للأسباب الأعمق القائمة فى علاقات الانتاج الرأسمالية ، والتى فرضت بنية اقتصادية مشوهة تشد الاقتصاد بإتجاه الامبريالية لتعمل هذه الأخيرة على المزيد من تشويهه وتعميق أزمته .
16. ولكن إلى جانب ذلك شهدنا عددا من الظواهر الموضوعية المعاكسة التى عملت على حجب تأثير تلك التناقضات المشتدة آنفة الذكر . فمن ناحية شهدنا هجرة العمالة الى سوق العمل العربى ، الذى إزدهر لأسباب لا تتعلق باستسلام النظام ، واستوعبت هذه الهجرة فائض العمالة المصرية ، ورغم أن هذه الظاهرة قد ساهمت فى زيادة معدلات التضخم وفى حرمان الصناعة المصرية من العمالة الماهرة ، وفى إرتفاع أجور الحرفيين ، الا أن أثرها الهام والمؤثر عاظم من دخول نسبة عظيمة من العمالة ( تصل الى 2.5 مليون فى بعض التقديرات ) ومن ثم تمكينها من تجنب ويلات الأزمة . ولكن نتيجتها الأهم هى تسييد الحل الفردى على حساب الحل الجماعى الطبقى . ومن ناحية ثانية . فقد أدى التضخم الى إزدهار العديد من فئات البورجوازية الصغيرة ، وأدى هذا وذاك إلى حدوث حراك إجتماعى عمل على نقل العديد من الفئات الطبقية الى درجة أعلى فى السلم الاجتماعى ، بل ان ظاهرة الثراء المفاجئ (وهى بالتأكيد محدودة بالقياس الى مجمل ظاهرة الحراك الاجتماعي ) أصبحت من السمات المميزة ، وكل هذا يترك أثره على القيم والسلوك السياسي والمزاج النفسى للجماهير . ومن ناحية ثالثة فقد ساهمت الدخول الجديدة للدولة من البترول وقناة السويس إلى تمكين الدولة من تأجيل قرار الغاء الدعم بعدما واجهت المقاومة الشعبية فى 18 ،19 يناير 1977 وساهم ذلك فى تخفيف حدة الأزمة على القطاع الأكثر فقراً من الجماهير الشعبية . ثم ان تحويلات العاملين فى الخارج ساهمت فى مواجهة جزء عظيم من العجز فى ميزان المدفوعات .
وهذه الظروف المعاكسة لا تتناقض مع العرض المقدم فى البند السالف والذى يوضح اشتداد الأزمة الاقتصادية ذلك أن مظاهر الازدهار لم تظهر فى الهيكل الرئيسي للاقتصاد ، وإنما ظهرت اما فى أقسام هامشية (البترول وقناة السويس ) واما من خارج الاقتصاد بل وعلى حسابه فالهجرة تعمق أزمة الاقتصاد إستنزافها للعمالة الماهرة والكوادر الفنية الماهرة . فالظروف المعاكسة ليست نتاج سياسة الانفتاح الاقتصادى بما هى كذلك .
ولكن هذه الظروف المعاكسة ، هى ظروف مؤقتة ، فإستيعاب السوق العربى للعمالة لن يحتفظ بمعدلات زيادته السابقة ، بل هناك دلائل على حركة عكسية ، وحتى دون هذه الحركة العكسية فإن المعنى الوحيد لإنخفاض معدلات النمو ( وليس إنخفاضا فى العدد المطلق ) فى حجم العمالة المهاجرة ، هو زيادة حجم البطالة ، فضلاً عن أن معدلات التضخم تخفض من الميزات النسبية لفروق الأجور ، أما الدخول الإستثنائية للدولة من البترول وقناة السويس ، فهى آخذه فى الإنخفاض ، بصورة ينخفض فيها اسهامها فى سد عجز ميزانية الدولة ، مما يدفع السلطة أكثر فأكثر الى الغاء الدعم . ...... ............ ( سطر ونصف باهتان فى المخطوطة ) .
17. إن هذا الوضع المزدوج : الأزمة من جهة والشروط الموضوعية المعاكسة من جهة أخرى ، نلحظها فى إزدواج المزاج الجماهيري ، فنجد سخطاً متعاظماً ولكنه ظل سخطاً سلبياً ، كما أن قدراً عظيماً من طاقة السخط جرى تسريبها – بسبب ضعف الحركة الشيوعية – فى مسارب الحركة الدينية الرجعية ، تلك التى قدمت للناس تفسيراً بسيطاً للأوضاع المقلوبة مفاده جاهلية المجتمع والسلطة ، أو تكفير المجتمع والسلطة . ثم أن الاستسلام المذل فرص نفسه على الحياة السياسية ، حيث وجدنا العديد من القوى البورجوازية الصغيرة من الناصرية والقومية وحزب التجمع والحزب الشيوعي المصرى ينتقلون الى صفوف المعارضة ، بل لقد إنتقلت العدوى الى المعارضة البورجوازية الليبرالية نفسها وعدد من رجال مجلس قيادة الثورة الذين كانوا حتى البارحة يطالبون السادات باللجوء الى أمريكا التى تمسك فى يديها مفتاح الحل .
ولكن من جهة أخرى نجد الشروط المعاكسة وقد شكلت تكريساً مادياً – مؤقتا بالطبع – للوعى الزائف ، ولنفسية الحل الفردى وتردى القيم ، وحجبت تفجير الطاقات الثورية الكامنة التى تنطوى عليها تناقضات الأزمة . ولكن لا يجب التقليل مع كل ذلك من أن هناك طاقة للسخط يمكن للحركة الشيوعية الثورية تفجيرها شرط استخدامها وسائل ثورية مناسبة ، لا تتعالى على أبسط أشكالها ، فإلى جانب السخط السلبى المتنامي ، لم يخلو الأمر من حركات اضرابية بسيطة تقوم بها الطبقة العاملة ، كما أن حركات الاحتجاج السياسي البسيطة تجد تجاوباً بسيطاً ، وهذا يعنى أن الخروج من الأزمة والارتفاع بكفاءة النضال الشيوعي وتخليصه من إنحرافاته بقادر على تطوير هذه الأشكال فى سياق عمل يستهدف استنهاض موجة ثورية جديدة فى البلاد .
18. إن هذه الفترة قد قاربت على نهايتها ، فمن ناحية نجد الشروط المعاكسة آخذه فى الاضمحلال ، كما أن الجماهير أخذت تصطدم بواقع الاستسلام وخرافة الرخاء ونشهد اليوم تغيرات فى المزاج الجماهيري الى الدرجة التى أصبح فيما عهد الناصرية بمثابة الفردوس المفقود ، فضلاً عن أن اغتيال السادات وفتح ملفات عهده حطمت الكثير من الأساطير المضللة التى روجها النظام عن نفسه وعن استسلامه . ومن ناحية ثالثة فإن الحركة الشيوعية بدأت تتلمس طريقها نحو الخروج من مآزقها ، فهى الشرط الحاسم فى امكانية استثمار كل هذه الشروط لصالح الحركة الثورية .
حول مفهوم الوضع الثورى :-
19. إن هذا المفهوم واحد من المفاهيم الماركسية التى توضح مدى عمق الأزمة التى يتعرض لها النظام البورجوازي فمن الناحية الموضوعية والذاتية ، والتشخيص الدقيق لمدى مطابقة وضع البلاد مع الوضع الثورى من شأنه أن يرشد الطليعة الشيوعية فى نضالها ويعطيها قدرة على التنبؤ بمستقبل النشاط الثورى للجماهير . ويتضمن الوضع الثورى شروطاً موضوعية وأخرى ذاتية ، فهو يتضمن ليس فقط أزمات فى القاعدة نتيجة لتعرض الجماهير الى اضطهاد واستغلال تتجاوز أوضاع الاستغلال العادية ، وإنما يتضمن أيضاً أزمات فى القمة ، بحيث لا تستطيع الجماهير أن تعيش كما كانت فى السابق ، كما لا تستطيع القمة أن تحكم كما كانت تحكم فى السابق ، وإلى جانب هذين الشرطين ونتيجة لهما يتفجر سخط جماهيري يتحول إلى نشاط ثورى جماهيري تاريخي ، تشترك فيه الطبقات الثورية ، والأحزاب الثورية ومختلف أشكال القوى السياسية المعبرة عن هذه الطبقات . والتقاء هذه الشروط جميعاً يكون مقدمة للثورة ، فالوضع الثورى ليس الثورة ، ولكن نضج الوضع الثورى يجعل الانفجار الثورى وشيكاً .
20. إن المبالغة فى الوضع الثورى يؤدى ولا شك الى تكتيكات يسارية يجهض التفجير الثورى ، كما أن التهوين من الوضع الثورى يفوت فرصاً عظيمة للتقدم بإتجاه الثورة ، وحل المسألة لا يجرى أبداً على صعيد المفهوم ، ذلك أن مختلف عناصر الوضع الثورى لا تعرف نمواً أو نضجا متساوياً ، كما أن الشروط الذاتية للطبقة وللطليعة هى أحد مكونات الوضع الثورى ، ومن هنا فإن أندماج الحزب فى صفوف الجماهير وعمله النضالى هو الذى يمكننا من التحديد الدقيق لنضج الوضع الثورى ومعرفة المزاج الجماهيري ومدى استعداد الطبقة والطليعة للانتقال الى الأعمال الثورية .
21. واذا كان من الممكن أن يسبق نضج الشروط الموضوعية نضج الشروط الذاتية ، الا أنه من الخطأ الحديث عن توفر الوضع الثورى الناضج فى بلادنا اعتماداً على الشروط الموضوعية وحدها أما الحديث عن الوضع الثورى ، مع التحفظ بأن المقصود فقط هو الناحية الموضوعية من الوضع الثورى ، فهو يفتح الباب للخلط ، فضلاً عن أنه لا يفيدنا الآن فى فهم خصوصية الأزمة القائمة فى بلادنا ، من حيث وجود شروط موضوعية معاكسة ، ومن حيث انتشار ذلك الوعى الزائف ، ونفسية الحل الفردى ، ونزعات اللامبالاة الخ .... ومن حيث نفوذ التطرف الدينى . كما أنه اذا كانت الشروط الموضوعية تعمل على انضاج الشرط الذاتى فإن الشرط الذاتى يفاقم من الشروط الموضوعية ، بل ويقطع الطريق على محاولات الالتفاف والاحتواء من قبل البورجوازية ، لندخل فى آليه من التفاقم الذى يعاظم الحصار على الطبقة الحاكمة . ومما لاشك فيه أن الوضع الراهن ، رغم الأزمة الموضوعية المتفاقمة ، يتيح للبورجوازية هامشا واسعا للتضليل والالتفاف والترويض والاحتواء . كما أن التطرف الدينى ما يزال قادراً على نشر نفوذه وتسريب طاقة السخط فى جداوله الرجعية (الفاشية) . ولكل هذا فالحديث عن الوضع الثورى من الناحية الموضوعية ، لا يفيدنا فى وضع يدنا على مجموعة الظواهر السابقة ، والتى يشكل فهمها ضرورة لا غنى عنها لترشيد عملنا الثورى فى صفوف الجماهير .
22. وليس معنى ذلك أننا نغفل ما تنطوى عليه هذه الأزمة وما تحمله من امكانات ثورية مستقبلية ، فهى أزمة تحمل طاقة ثورية كامنة ، كما أن البورجوازية لن تجد لها حلاً إصلاحياً ، فالثورة الاشتراكية هى وحدها التى يمكنها أن تقدم لها الحل، أى أن الآفاق هى آفاق ثورية ولا شك .
حول فكرة استقرار الرجعية :-
23. تستند هذه الفكرة على أن التحول الرجعى للبرجوازية وسلطتها لم تواكبه مقاومة شعبية مباشرة . وبدلاً من ذلك فهناك ظواهر تمنع نهوضها مثل المزاج الانهزامى وإنتشار الحل الفردى ، بصورة يستنتج منها أن التحول الرجعى المذكور يتخذ وضعاً مستقراً وأن مقاومتها ليست فى الأفق المنظور . وهذه الفكرة خاطئه للأسباب التالية:
- عدم التعمق فى التناقضات الطبقية التى ينطوى عليها ذلك التحول الرجعى للبرجوازية القومية فهو ليس تحولاً رجعياً يرتبط بتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام ، كما هو الحال مثلاً فى النظام الايرانى بعد الانقلاب على مصدق وحتى اندلاع الثورة الايرانية . حيث نهض هذا النظام بمهام التحول البورجوازى فى المجتمع ، فى إطار التبعية والتحالف مع الامبريالية والعداء الشرس للحريات الديمقراطية ، إن هذا التحول البورجوازى ، رغم اطاره الرجعى هذا ربط بالنظام واطاره فئات طبقية وطبقات بأسرها ممن استفادت به خاصة أن النظام الايرانى كانت تتوفر له موارد هائلة من البترول وعملت على تكريس وتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام . وكل هذا مكن نظاماً رجعياً من الاستقرار لمرحلة تاريخية محددة ، قبل أن تستفحل تناقضات التحول البورجوازى نفسه ، لتنفجر الثورة .
أما التحول الرجعى فى بلادنا على العكس من ذلك عمل ويعمل على تضييق القاعدة الاجتماعية للنظام بتشديد استغلال الطبقات الشعبية من جهة ، وبانفضاض لا ينى عن الاتساع للجماهير الشعبية عن النظام من جهة ثانية ، وذلك رغم الظواهر المعاكسة والمتمثلة فى الهجرة والتضخم وما صحبهما من حراك اجتماعي ، وفى بعض الموارد الاستثنائية للدولة .... ( سطران باهتان فى المخطوطة ) .........................................................................( البترول وقناة السويس ) والتى مكنت السلطة من تأجيل اجراءات الغاء الدعم وتحريك أسعار منتجات القطاع العام الخ . وذلك فضلا عن أن هذه الظواهر نفسها هى ظواهر مؤقته ولايمكن الزعم انها سوف تستغرق مرحلة تاريخية ، وتدل المؤشرات الفعلية على بدء تقلصها.
-ان انتشار الحل الفردى ، والمزاج الانهزامي كعنصر فى الواعى الزائف ، المنتشر فى صفوف الجماهير ، هى ظواهر فعلية ، عاظمت منها وشجعتها تلك الظواهر المعاكسة المذكورة . وهى ظواهر لا ينبغى التقليل من شأنها ، بل ينبغى التعمق فى تشخيصها ودراسة ما ينشأ عنها من تغييرات ، لكن الوقوف عندها وحدها يؤدى الى رؤية وحيدة الجانب ، لا ترى فى نفس الوقت الانفضاض الحادث فعلا فى صفوف الجماهير الشعبية عن النظام ، والسخط الواسع الموجود فعلا ، والذى لم تستطع الحركة الشيوعية ( بسبب أزمتها وانحرافاتها خاصة فى حزبنا) أن تعمل على تحويله الى حركة ثورية ، ففتحت الفرصة أمام التيار الدينى ( الفاشى ) لاستيعاب قسماً عظيما من طاقة السخط تلك فى الاطار الرجعى الفاشى .
ان المبالغة فى شأن ضعف المقاومة ترجع الى محاكمة الأمر من خلال نموذج واحد للمقاومة ينطلق من استفزاز منتظر لخطوات الاستسلام فى حركة سياسية مباشرة ، وتغفل امكانيت تحويل النضال الاقتصادى الى نضال سياسي . هذا النضال الاقتصادى الذى ينشأ بالضرورة من استفحال التناقضات الطبقية التى تنجم عن الاستغلال البورجوازى بما هو كذلك ثم تشديد هذا الاستغلال بسبب التبعية الاقتصادية فى عصر الاستسلام .
الأزمة وانعكاساتها فى المزاج الجماهيرى
1. بهزيمة 1967 نشأت أهم أزمة سياسية فى المجتمع ، ونعنى بها الأزمة الوطنية ، ودفعت مجمل جوانب أزمة النظام البورجوازي الى التفاقم ، فالأزمة الاقتصادية التى بدأت فى 1965 إنتقلت الى مستوى جديد سواء بالاعباء الاقتصادية الجديدة التى ترتبت على الهزيمة ، أم بمستقبل تبعية الاقتصاد البرجوازى للامبريالية ، وأزمة الحريات الديمقراطية بعد أن كانت كامنه فى عصر الصعود ، وبسبب إنجرار الجماهير خلف النظام بفعل إنجازاته التقدمية ، إنتقلت بعد الهزيمة وبفعل انفضاض الجماهير عن النظام إلى دائرة الصراع المباشرعلى الصعيد الجماهيرى الواسع .
2. وهذا التأزم الشامل يتجاوز عمومية المأزق التاريخى لتطور البرجوازايات فى "العالم الثالث" ومنها البرجوازية المصرية ، فهى من جهة ناشئة من وصول تناقضات هذا التطور الى مستوى الأزمة ، التى نفذت من أضعف حلقات سلسلة علاقات النظام البورجوازى ، وهى علاقاته بالعالم الامبريالي ، وهى من جهة ثانية نتيجه اشتداد العوامل الموضوعية للصراع مع الامبريالية عن اى مكان آخر فى العالم ، ننتيجه لوجود اسرائيل كبؤره عدوانية امبريالية لها أهميتها الاستراتيجية فى السياسة الامبريالية .
فاذا كان المأزق التاريخى للبرجوازية المصرية يعنى العجز عن بناء إقتصاد متوازن سرعان ما أفرز أزمات الانتاج والتسويق والتمويل ، مشكلاُ بذلك أساساً مادياً لميل البرجوازية الموضوعى الى العودة لتلك التبعية الامبريالية من جديد بعد أن كانت قد استقلت نسبياً ، الا أن هذه العودة فى حالتنا الخاصة لم تتحقق بفعل عقوبه القوانين الاقتصادية وحدها ، وإنما تحققت بالعنف الاستعمارى والصراع المسلح ، والذى نقل الأزمة الى المستوى السياسي ومكن الامبريالية من فرص اقسى الشروط وأشدها إذلالاً .
3. فنحن إذن ازاء أزمة شاملة أو أزمة عامة ، بمعنى أنها أزمة تشمل مختلف جوانب النظام البورجوازى وعلى مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والفكرية الخ . وذلك تمييزاً لها عن هذه الأزمة الحديثة أو تلك فى السياسة والاقتصاد التى تخص هذا الجانب أو ذاك من جوانب النظام ، وقد شهدنا منها على سبيل المثال : الصراع مع المشير( عبد الحكيم عامر ) ومجموعته فى أعقاب الهزيمة ، وانقلاب 15 مايو ( الذى قام به السادات على مااسمى مراكز القوى آنذاك ) ، والصراع الذى يدور فى السنوات الأخيره بين السلطة والمعارضة الشرعية والتى فجرت أزمات مثل أزمة مايو 1978 ، وأزمة سبتمبر 1981 والتى انتهت باغتيال السادات . وهذه الأزمات الصغيرة ما هى الا أزمات فرعية أفرزتها أوضاع الأزمة الشاملة .
ومما هو جدير بالذكر أن مفهوم الأزمة العامة المستخدم هنا بمعنى الأزمة الشاملة ، يستخدم أيضاً فى الادب الماركسى كاصطلاح للدلالة على أزمة النظام الرأسمالي العالمى ككل ، والتى ترادف الحديث عن "مرحلة انهيار الرأسمالية العالمية وانتصار الاشتراكية ، والتى بدأت مع ثورة اكتوبر ، وذلك بصرف النظر عن الوضع المحدد لهذا البلد أو ذاك فى لحظة بعينها .
4. واذا كانت الأزمة الوطنية تمثل تكثيفاً سياسياً لتناقضات النظام البورجوازى الطبقية ، واذا كانت قد عملت على دفع مجمل التناقضات الأخرى للاحتدام ، فان هذه الأزمة أصبحت واحدة من أهم ميادين الصراع الطبقى .
فالوطن بالنسبة للطبقة العاملة ، ليس مجرد وطن الاجداد، وإنما هو أيضاً وفى المحل الأول الوسط المادى لوجودها ووجود جميع الطبقات الشعبية ، صاحبة المصلحة المادية فى حريته وإستقلاله إستقلالاً جذرياً . فمن ناحية لا مجال لبناء الاشتراكية سوى فى وطن حر ومستقل استقلالاً جذرياً سياسياً واقتصادياً ، ومن ناحية أخرى فإن التبعية الامبريالية تعنى تشديداً للاستغلال البورجوازى الواقع على الطبقة العاملة والطبقات الشعبية . فالنضال ضد الامبريالية يندمج بالنضال ضد البرجوازية باعتبارهما حلفا يشترك فى مصالح واحدة ، حيث أن سيطره البورجوازية على السلطة وهيمنة علاقاتها فى الريف والمدينة ، نقل محور الصراع الوطنى من أفق النضال البورجوازى ضد الاقطاع ، الى أفق النضال الاشتراكي ضد البرجوازية .
وبالمناسبة ان الفهم الصحيح للمقولة السابقة لا يعنى التركيز على الجوانب العامة المجردة فى القضية الوطنية ولا يعنى تجريدها عن المصالح الطبقية لمختلف الطبقات وعن انعكاساتها على الأحوال المعيشية للجماهير الشعبية ، كما أنزلقنا فيما نسميه بالراديكالية السياسية المجردة ، وإنما يعنى بالتحديد ربط الوطن بالدعاية الاشتراكية ، والربط بين الأوضاع العامة السياسية للقضية الوطنية ، وبين الأوضاع المعيشية للجماهير الشعبية ، والربط بين العلاقات الامبريالية والعلاقات الاستغلالية البورجوازية . وعدا ذلك يكون انزلاقاً نحو نزعة وطنية بورجوازية صغيرة على حساب تعميق الصراع الطبقى وفق خط الطبقة العاملة فى حل القضية الوطنية وفى سياق الصراع من أجل الاشتراكية .
5. إن هذه الأزمة الشاملة ، وفى القلب منها الأزمة الوطنية لم تنته بالاستسلام ، وانما تفاقمت . فإذا كان الاستسلام هو تحقيق للميل الموضوعى للبورجوازية للعودة من جديد الى تلك التبعية الامبريالية ، فإن ذلك لا يعنى أن الأزمة قد انتهت ، الامن جانبها السياسى العام المتعلق بالقضية الوطنية ولا من جوانبها الآخرى ، ولكن يعنى أن البرجوازية فى مرحلتها الأخيرة الرجعية هذه قد وضعت مصيرها نهائياً فى صف واحد مع الامبريالية ، وعمقت الهوة بينها بين جميع الطبقات الشعبية .
كما أنه اذا كانت حرب أكتوبر قد انهت أزمة اللاسلم واللاحرب ، فإنها لم تنه الأزمة الوطنية الأصلية ولم تنه نتائج الهزيمة ، وإنما حققت أهداف هذه الهزيمة بتوقيع صكوك الاستسلام التى نقلت الهزيمة من المجال العسكرى الى المجال السياسي الاقتصادى والثقافى الخ ... أى أنه من الخطأ الحديث عن إنتهاء الأزمة لتفسير جملة التطورات اللاحقة وغيرها من جملة التطورات كحرب اكتوبر ، حيث أن ذلك لا يتفق مع جوهر الأمر، والذى سنتناوله بشكل ملموس فيما بعد . وعموماً فإن انعكاس الأزمة فى مراحلها المختلفة على الحركة العفوية ، تعنى الانتقال من الموضوعى الى الذاتى فالحركة العفوية هى شكل من أشكال الحركة "الواعية" للناس ، من حيث أن العفوية تحمل جنين الوعى ، ومن حيث أن الطليعة الثورية تؤثر فى العفوية وهذه بدورها لا تفتقد الاهلية لتمثل الوعى الثورى للطليعة ، ليصبح أكثر فأكثر عنصراً فى الوعى الجارى لأوسع الجماهير . ومن هنا فإن الشروط الذاتية المتعلقة بالطليعة والمتعلقة بالسلطة ، والقوى الأخرى فى المجتمع ، تسهم فى التأثير وفى تعديل النتيجة التى تحدثها الشروط الموضوعية ، كذلك فإن الخبرات المتمايزة لمختلف الطبقات والفئات الشعبية ومستوى وعيها وتنظيمها الذين حصلتها تاريخياً لها أثرها الهام . ولهذه الأسباب جميعا لا يمكن أخذ هبوط الحركة ... ( ثلاثة او اربعة سطور هنا غير مقروءة فى المخطوطة ) .......
الحركة الجماهيرية كدليل على غياب الأزمة فى الواقع الموضوعى ، هذه الأزمة التى ينبغى دراستها بالتحليل الماركسى للشروط الموضوعية الماثلة فى الواقع وليس من انعكاسها فى الحركة الجماهيرية حيث أن هذا الانعكاس تعدله عوامل أخرى ذاتية ، فضلاً عن أن منهجنا الماركسى يبتعد بنا عن اعتبار التزامن بين ظاهرتين (هبوط الحركة الجماهيرية والاستسلام) برهان كاف على وجود علاقة سببية بينهما. وبالطبع فالمنهج الماركسي يقتضى منا أيضاً حينما نكون بصدد التأكيد على الرئيسى فى ظاهرة الا نغفل جوانب أخرى ثانوية أو عارضة التى تحدث تأثيرات معاكسة . وعلى هذه الأسس سندرس الخط البيانى لتطور الحركة الجماهيرية منذ الهزيمة وحتى الآن .
6. فقد عملت الهزيمة على اطلاق الحركة الشعبية من عقالها ، وأنتهى عهد مايسمى " بمصادرة الصراع الطبقى " ووفق تقدير أساسى لحزبنا منذ 1969 ، فإن هذه الوجهة الجديدة فى الصراع الطبقى سوف تستمر وتنمو ( وهو تقدير عام من الناحية الاساسية مهما تكن التعرجات التى كان من المستحيل التنبؤ بها مسبقاً، حيث أن الحياة دائماً أغنى من كل نظرية) . فالهزيمة أظهرت بشكل عنيف وفجائى نتائج الاستبداد البورجوازى على مصير الوطن ، وأوضحت حدود وطنية البرجوازية البيروقراطية ، وكشفت طرفاً من صراعات المجموعات والشلل ومراكز القوى فى قمة السلطة ، وكان كل ذلك وغيره يتناقض تناقضاً تاماً مع زيف تجليات النظام التظاهرية ومع ادعاءاته عن نفسه فى صفوف الجماهير .
ولكن هذه الحركة الشعبية ، بسبب الانقطاع الطويل فى الحركة العفوية والتصفية الذاتية للحركة الشيوعية الثانية ، لم يكن من شأنها أن تتخلص دفعة واحدة من تراث الماضى ، لتتصدى كطرف حاكم فى الصراع بالتصدى لحل المعضلات الأصلية للثورة الاشتراكية ، وكذلك المعضلات الجديدة التى نشأت من الهزيمة والتى وضعت القضية الوطنية فى أزمة مستحكمه ظلت تتفاقم حتى منتهاها حيث الاستسلام .
7. فالنتيجة المترتبة على ضعف الحركة الشعبية والحركة الشيوعية ، هى استمرار البورجوازية فى الامساك بزمام حل القضية الوطنية ،ولكن كانت البرجوازية عاجزة عن رد الهجمة الامبريالية وغير مهيأه فى نفس الوقت لاستسلام مباشر ، لهذا تميزت الأزمة بالاستمرارية والاستطالة ، وأعطى البرجوازية فسحة من الوقت ، وامكانيات مادية ، وتحالفات دولية لتجريب مخارجها وخوضها الحروب لتظهر بمظهر الآخذ بزمام المبادأة فى سياق حملة واسعة من المناورات والتضليل وتهيئة ذهنية الجماهير ببطء للحل الاستسلامي الذى روج له فى البداية باعتباره وسيله دبلوماسية لا أكثر لاجبار اسرائيل على الانسحاب .
والأزمة الوطنية على هذا النحو مرت بمراحل مختلفة تحققت فيها بأشكال خصوصية ، وثيقة الصلة بنوع المخارج التى كانت تقدمها البرجوازية ، حيث كانت تنجح بصورة مؤقتة فى تنفيس السخط الجماهيري وفى إستعادتها لجزء من هيبتها ، ولكن لما كانت غير قادرة على تجاوز عجزها وغير قادرة على إيقاف خط التدهور فى مجمل جوانب أزمتها ، لهذا فإن الازمة التى ماتزال قائمة كانت تعمل على تجميع عوامل الأزمة من جديد فى صورة جديدة .
8. فحرب الاستنزاف ، كانت أولى مخارج البرجوازية ، عملت من بين ما عملت على امتصاص صدمة الهزيمة التى أدت الى ذلك الانقلاب الحاسم فى المزاج الجماهيري ازاء السلطة ، ولكن هذه الحرب نفسها وما حملته معها من وعود عن أعوام الصمود والردع ، ثم الحسم ، عملت هى نفسها على تجميع عوامل السخط فى ظل مرحلة اللاسلم واللاحرب ، ذلك أن عجز البرجوازية لم يكن متسقاً مع كل تلك الوعود والتى كانت تراهن على الحل السلمي سواء عن طريق الضغوط الدبلوماسية أو عن طريق الضغوط العسكرية التى لا ترقى أبداً الى حرب التحرير .
9. ثم جاءت حرب أكتوبر التى استهدف النظام منها ايجاد مخرج استراتيجى من الأزمة بأسرها وليس فقط من أزمة اللاسلم واللاحرب ، حيث كانت تستهدف منها تحريك التسوية السلمية على نار الحرب الساخنة ، وحيث كانت تسعى الى تحسين شروط الاستسلام ، بل لقد كانت تظن أن إسترجاع الارض ، مهما كانت الشروط سوف يخلصها من الأزمة ، حيث أن منهجها يقودها الى اختزال المشكلة بأسرها فى احتلال الأرض .
ويمكننا هنا أن نميز بين فترتين الأولى بدأت فى اعقاب الحرب وحتى إنتفاضة 18 – 19 يناير ، والثانية فى اعقاب هذه الانتفاضة وحتى الآن .
فترة ما بعد أكتوبر وحتى 18 – 19 يناير :
10. لقد شهدنا فى اعقاب الحرب وجهين متناقضين فى المزاج الجماهيري ، فمن جهة أخذت الحركة السياسية ( وهى التى كانت لاتزال محصورة فى الحركة الطلابية ) فى الهبوط ، ومن جهة ثانية شهدنا صعود الحركة العمالية التى كانت بسبب إنفصالها التاريخى عن الطليعة الثورية واستمرارية هذا الانفصال لاتزال على أرض العفوية ويطغى عليها الطابع الاقتصادى .
فقد كان من بين أهداف حرب اكتوبر ، اجهاض الحركة الطلابية ، وبالفعل فقد نجحت السلطة فى تحقيق هدفها الى حد كبير، ساعدها فى ذلك أزمة الحركة الشيوعية ، بل لقد كان انحصار النضال السياسي الوطنى فى اطار هذه الفئة وحدها سبباً اضافياً، وان كان سبباً سلبياً ، فوزن هذه الفئة الموضوعى هو وزن هامشى بينما تحمل شعارات وبرنامج تعجز عن تحقيقة أو حتى التقدم خطوة هامه نحوه ، ومن هنا فهذا التناقض كان من شأنه أن يدفعها نحو الاحباط والتحلل والتخثر ، بعد أن جربت أعلى توتر دون نتيجة ملموسة أو مكسب هام . ولعله مما له دلاله كبيرة أن يطرح شعار التوجه للطبقة العاملة بالحاح على نطاق واسع بين الجمهور السياسي الطلابى كإحساس عفوى بهذا المأزق .
أما تأثير حرب أكتوبر نفسها ، فقد كان حاسما على الحركة الطلابية وعلى مزاج الجماهير الشعبية بأسرها . وهى تعيش هذه التناقضات ، فرغم أن حرب اكتوبر قد أطلقت آمالا ومزاجا مناقضا للمزاج الإنهزامي ، الا أنها أعادت للسلطة هيبتها المفقودة الى حد كبير ، ومع هذه الهيبة تمكنت السلطة من الترويج لخطها وأسلوبها فى الحل . بعبارات أخرى لقد استعادت السلطة زمام المبادرة السياسية التى أخذت طابع الهجوم السياسي الكاسح ، وشكلت حرب اكتوبر غطاءاً يخفى جوهر الاستسلام والطبيعة الحقيقية له ، وكانت النتيجة تسييد "وعى زائف " فى صفوف الجماهير والذى انطوى على عنصر إنهزامي كان آخذاً فى التبلور فى أعقاب الهزيمة ، ثم إتسع نطاقه بشده مع خطوات الاستسلام المقرونه بذلك الهجوم السياسي الكاسح للسلطة والذى إستمد قوته كما سبق القول من عودة هيبتها السياسية نتيجة لحرب اكتوبر . ويلاحظ أن هذا الوعى الزائف لم يكن نتيجة للتضليل البورجوازي وحده ، وإنما كان أيضاً نتيجة للفهم العفوى المعكوس لتجربة النضال الوطنى فى عهد الناصرية ، حيث لم تحقق الجماهير الشعبية مكاسب حقيقية منها وانفردت البرجوازيه البيروقراطية بثمار الاستقلال النسبي ، كما أن الاسلوب الفوقى فى الصراع والذى أحل الأجهزة البيروقراطية محل الجماهير التى غيبت من ميدان الصراع ، وأحيطت بمختلف أشكال الكبت والاستبداد البوليسى ، كل هذا جعل الجماهير قابلة إلى إرجاع أسباب معاناتها الاقتصادية ، لا إلى الطبيعة الرأسمالية للنظام ، ولكن إلى تكاليف وأعباء النضال الوطنى ، وإلى القضية الفلسطينية ومغامرات الوحدة العربية ، وحرب اليمن الخ ....وفضلا عن ذلك ، فحينما تنتهى هذه التجربة الفوقية السلطوية فى الصراع مع الامبريالية الى الهزيمة المنكرة ، فان الجماهير المغيبة ثم الجماهير السلبية ، تكون قابلة لتسلل النزعة الانهزامية داخلها ، فالهزيمة أفقدتها الثقة فى النظام ، فى نفس الوقت الذى لم تك تملك فيه بعد الثقة فى نفسها . وحينما يكون ذلك مقروناً بذلك التضليل الواسع للسلطة والتيئيس المنهجى ووعود الرخاء ، خاصة بعد أن بردت المشاعر التى ولدتها صدمة الهزيمة ،فإن هذا التفكير غير العقلانى "الواقعى" الزائف يجد له مجالاً للانتشار والسيادة . ثم فى مرحلة تالية وبعد أن أثمرت سياسة الانفتاح الاقتصادى – ثمارها المعاكسة التى سنتحدث عنها فيما بعد – فإن هذا الوعى الزائف يجد له تكريساً مادياً فى سياق عملية كاسحة لتحطيم القيم وسيادة سيكولوجية الحل الفردى .
11. على أى حال فهذا " الوعى الزائف " وذلك الهجوم الكاسح الذى شمل المجتمع بأسره كان له تأثيره الحاسم على دخول الحركة الطلابية فى منحنى هابط ، وقد كانت هذه الحركة تشكل فصيلاً هاماً فى النضال الوطنى ، ولا شك أن اجهاضها مثل خسارة شديدة على الآفاق المحتملة لهذا النضال ، ولكن لا ينبغى المبالغة فى وزن هذا العنصر من المسألة الى الحد الذى يجعل من حرب اكتوبر حداً فاصلاً بين عهدين من عهود الحركة الجماهيرية عموماً : عهد من الصعود وقبلها لعموم الحركة الجماهيرية ، عهد من الهبوط وبعدها لعموم الحركة الجماهيرية أيضاً . فمعنى ذلك تعميم أوضاع حركة فئة واحدة من فئات الجماهير الشعبية على أوضاع جميع الطبقات الشعبية . ذلك أن الحركة العمالية العفوية الاقتصادية تصاعدت بعد حرب اكتوبر عنها قبلها . كما أن هذا التقرير ( المقصود التقرير التنظيمى الصادر فى 9 /5 / 1975 ) نفسه يقلل من امكانيات تطوير النضال الاقتصادي العمالى وتحويله الى نضال سياسي ، ويغفل بالتالي الآثار السلبية التى نشأت من اهدار استثمار هذه الحركة التى استمرت فى تصاعد مستمر حتى 1977 لتحقيق تقدم أيا كان حجمة فى هذا المضمار . ثم ان هذا التعميم يغفل المستوى الجنينى للحركة الجماهيرية ككل، الذى يؤدى بالضرورة الى تباين مستوى التوتر العفوى بين مختلف الطبقات ، بل وحتى الطبقة الواحدة ، بصورة تكون فيها أمام حركات عفوية منعزلة ولسنا أمام حركة جماهيرية واحدة مترابطة ومندمجة . ونفس المستوى الجنينى للحركة ، يعكس أيضاً المستوى الجنينى للطليعة الشيوعية ( ثم بعد ذلك عجزها عن تجاوز طور الطفولة ) بما يعنية ذلك من محدودية صلاتها بالطبقات الشعبية ، لنشهد حركة طلابية ارتفعت الى مستوى النضال السياسي ، سواء بسبب مستواها المعطى بوصفها حركة مثقفين أو بسبب الوجود العفوى للطليعة الشيوعية بين صفوفها لتعمل على ايقاظها ، وعلى رفع مستوى وعيها وشعاراتها ، بينما تركت الحركة العمالية للتضليل البورجوازى ، ولم تلتق بها الطليعة الشيوعية ، لتظل على أرض العفوية ومجزأة وضعيفة التنظيم ، لتأخذ شكل الهبات العنيفة وليس شكل الحركة المنظمة القادرة على إنتزاع المكاسب . فرغم أن الظروف التى حركت مختلف الطبقات الشعبية ، هى ظروف واحدة ، الا ان المستوى الجنينى للحركة ومختلف الشروط الأخرى ، أدت الى تباين أوضاع المزاج الجماهيرى ، واختلاف مستوى التوتر العفوى ومستوى ما حققته من وعى وتنظيم .
12. ويهمنا هنا أن نشير الى أن فكرة "الحلقات الوسيطة " تقف خلف جملة من المبالغات فى دور الحركة الطلابية ، حيث أنها طابقت بين التأثير الايجابى للحركة الطلابية فى الحركة العمالية ( انطلاقا من تبادل التأثير بين مختلف الطبقات ) وبين مهمة ايقاظ الطبقة العاملة وتسييسها وتطوير نضالها الاقتصادى ، وتحويله الى نضال سياسي ، ذلك أن كل ذلك يتوقف على عمل منهجى ومنظم يرتقى بالوعى وبالتنظيم فى سياق نضال يقوم به العمال أنفسهم ، فهو تطوير لوعى نضالى وليس تطويراً لوعى مفصول عن النضال ، وبالتالى لا يمكن أن نحقق خطوة واحدة الى الأمام دون ذلك العمل المنظم الواعى للطليعة الشيوعية ، ويمكن القول فقط بأنه حينما يتوفر الحزب الشيوعى على انجاز هذه المهمة ، فانه من الممكن أن نستفيد بحركة سياسية متقدمة ( كتلك التى أنبثقت فى صفوف الطلاب ) فى تسهيل مهمة الحزب الشيوعي . ان فكرة الحلقة الوسيطة من هذه الناحية تحل التأثيرات العفوية الاشعاعية لطبقة فى طبقة أخرى ، كما تحل التحول العفوى للنضالات الاقتصادية العمالية الى نضالات سياسية ، محل العمل الواعى المنظم للطليعة الشيوعية .
13. واذا كان هذا هو مصير الحركة الطلابية فى أعقاب حرب اكتوبر فإننا نجد على العكس نهوضا كبيرا للحركة العمالية الاقتصادية . ولم يكن هذا النهوض ببعيد موضوعياً عن سياسة الاستسلام التى بدأت تدخل طورها الحاسم فى أعقاب الحرب ، حيث شهدنا سياسية الانفتاح الاقتصادي التى أريد بها تهيئة البيت لالحاق الاقتصاد المصرى بالتبعية للامبريالية ، تحدث تدهوراً حاداً ومفاجئاً فى الأحوال المعيشية ، فى وقت لم يعد هناك مجال للابتزاز باسم اقتصاد الحرب ، وذلك دون أن تكون عوامل الازدهار المؤقتة قد أتت ثمارها بعد .
14. وهذا الازدواج فى سمات الحركة الجماهيرية ، أى هبوط الحركة السياسية الطلابية ، وصعود الحركة العمالية الاقتصادية ، لا يعود الى إنفصال بين الأزمة الوطنية والأزمة الاقتصادية ، التى كما سبق القول ، تدهورت بشكل أساسى نتيجة لسياسة الاستسلام على الصعيد الاقتصادى ، بنفس القدر الذى كانت تدفع هى نفسها الى هذا الاستسلام مشكلة الأساس المادى للميل الموضوعى للبرجوازية نحو العودة الى تلك التبعية الامبريالية . وهذا الارتباط الموضوعى بين الأزمتين ، لا يمكن أن يعكس نفسه فى الحركة الجماهيرية الا مع تطورها فى الوعى التنظيم ، ومع تغلغل الطليعة الشيوعية فى صفوف الطبقة العاملة . وهو تطور لم يكن فى مرحلته الجنينية فحسب ، بل لقد أخذ يتراجع الى الخلف بسبب أزمات الحركة الشيوعية الثالثة بأسرها وليس حزبنا فقط .
وبالطبع لا يمكن فهم هذا الازدواج بصفة مطلقة وقدرية وارجاعه الى تبدل فى الطابع الموضوعى للأزمة لامجال للتدخل فيه وتعديله . فإذا كان تراجع النضال السياسي على تلك الصورة قد نشأ من استعادة السلطة هيبتها وانتقالها الى وضع الهجوم السياسي ، فإن نجاح هذا الهجوم السياسي ، مرتبط بذلك الضعف فى الشرط الذاتى للحركة الثورية جماهيراً وطليعة ، وهو ضعف كما سبق القول لا يتعلق فقط بجنينية الحركة وتراثها فى الانقطاع فقط وإنما إلى أزماتها أيضاً . فضلا عن انه أيضاً مرتبط بإنحصار الحركة السياسية فى المجال الطلابى ، والى انفصال الشيوعية عن الطبقة العاملة . إن كون جانباً من الشروط التى أدت الى ذلك الوضع المزدوج فى سمات الحركة الجماهيرية ، يعود إلى الشروط الذاتية ( سواء كانت متعلقة بالجماهير أو بالطليعة ، وسواء كانت متعلقة بميراث تاريخى أو بأزمات جديدة وأخطاء جديدة) فإنه يعنى أنه كان من الممكن تعديل النتيجة التى شهدناها بعد حرب أكتوبر بعض التعديل ، حيث كان يمكن الحفاظ على تيار وطنى فى الحركة الطلابية ، وكان يمكن تطوير النضال الاقتصادي العمالي وتحويله بعض التحويل الى نضال سياسي ، ومن ثم خلق نواة حركة عمالية ثورية ، سوف تكون قادرة على التطور والنمو مهما تكن الصعوبات . إنه بدون أن يصل النقد الموجه للانحراف التلقائى ثم الانحراف البيروقراطي ، بأنه كان ممكناً للحزب أن يلعب دوراً فى تعديل النتيجة التى حدثت فإن هذا النقد سوف يكون نقداً زائفاً ولن يكون له من نتيجة سوى تبرير انحرافاتنا والتكيف مع تلك النتائج ، سواء أردنا أو لم نرد .
مرحلة ما بعد 18 – 19 يناير:-
15. وفيها دخلت الحركة الجماهيرية بأسرها فى حالة من الركود ، فهل ذلك يعود إلى انتهاء الأزمة ؟ ولما كان الهبوط فى هذه الفترة هو فى الحركة السياسية والحركة الاقتصادية فهل يعنى ذلك زوال الأزمة الاقتصادية والأزمة السياسية معاً، لنكون فى مرحلة من الازدهار الناشئ عن الاستسلام ؟ ولندع جانباً محاولة تفسير الأزمة من خلال انعكاسها فى مزاج الجماهير ، ولنحاول أولاً دراستها بصورة مباشرة ، ذلك أن هذا الانعكاس كما سبق القول يكون تعبيراً عن تفاعل بين الشروط الذاتية والموضوعية ، والأخيرة لا تقتصر فقط على تلك العناصر الرئيسية وحدها وانما تشمل عناصر موضوعية أخرى ثانوية ومؤقتة تحيط دائماً بالرئيسى فى أية ظاهرة وتؤثر عليها سلباً أم ايجاباً .
إن السياسة كما يقول لينين هى العلاقة بين الطبقات والأمم ، فالاستسلام يعنى وضع المقدرات السياسية والاقتصادية لطبقات الشعب المصرى فى يد الامبريالية ، ويعنى تحول البرجوازية القومية الى سند محلى وشريك أصغر للامبريالية ، ويعنى شدة وازدواج فى الاستغلال البورجوازى ، ويعنى تخريب الاقتصاد البورجوازى ، وتوجيهه لخدمة الحلف البرجوازى الامبريالي الجديد . ان جوهر الاستسلام سياسياً ، لا يمكن أن تحجبه عودة الأرض المنزوعة السلاح والموضوعة تحت تصرف قوات الانتشار السريع الأمريكية ، تلك التى لم تفتح لها أبواب سيناء فحسب ، وإنما فتحت لها أبواب مصر بأسرها . واذا ما حجب هذا الجوهر فى وعى الجماهير المضلله ، فإن هذا لا ينفى موضوعية هذا الجوهر ، وموضوعيته تعنى أنه لابد أن يفرض نفسه على وعى الجماهير الشعبية ، من خلال اصطدامها بواقع الاستسلام وليس بصورته الزائفة ، فى سياق من الدعاية الثورية المنظمة .
وعلى صعيد الاقتصاد فقد كانت نتيجة سياسة الانفتاح الاقتصادى ، على سبيل المثال لا الحصر : معدلات متزايدة من التضخم ، وتضاعف الديون الاجنبية للغرب الامبريالي أكثر من خمسه أضعاف قياساً الى الوضع السابق على الانفتاح ، العجز المتزايد فى ميزان المدفوعات وفى الميزان التجارى وانخفاض مريع فى نسبة تغطية الصادرات للواردات اعجز الميزانية العامة للدولة ، التدهور المستمر فى قيمة الجنية المصرى ، الطاقة العاطلة ، المخزون السلعى ، جمود الانتاج الصناعى والزراعى وإنتفاخ القطاعات الخدمية ، العجز عن سد متطلبات الاستهلاك الضرورى والاعتماد المتزايد فى سد فجوة الغذاء على المعونة الامبريالية ، وقد انعكس كل ذلك فى تدهور الاحوال المعيشية للجماهير الشعبية فى كل شئ تقريباً من المرافق العامة الى السكن والغذاء والملبس والمواصلات الخ . وكل هذه العناصر المكونه للأزمة ، ليست سوى أعراض للأسباب الأعمق القائمة فى علاقات الانتاج الرأسمالية ، والتى فرضت بنية اقتصادية مشوهة تشد الاقتصاد بإتجاه الامبريالية لتعمل هذه الأخيرة على المزيد من تشويهه وتعميق أزمته .
16. ولكن إلى جانب ذلك شهدنا عددا من الظواهر الموضوعية المعاكسة التى عملت على حجب تأثير تلك التناقضات المشتدة آنفة الذكر . فمن ناحية شهدنا هجرة العمالة الى سوق العمل العربى ، الذى إزدهر لأسباب لا تتعلق باستسلام النظام ، واستوعبت هذه الهجرة فائض العمالة المصرية ، ورغم أن هذه الظاهرة قد ساهمت فى زيادة معدلات التضخم وفى حرمان الصناعة المصرية من العمالة الماهرة ، وفى إرتفاع أجور الحرفيين ، الا أن أثرها الهام والمؤثر عاظم من دخول نسبة عظيمة من العمالة ( تصل الى 2.5 مليون فى بعض التقديرات ) ومن ثم تمكينها من تجنب ويلات الأزمة . ولكن نتيجتها الأهم هى تسييد الحل الفردى على حساب الحل الجماعى الطبقى . ومن ناحية ثانية . فقد أدى التضخم الى إزدهار العديد من فئات البورجوازية الصغيرة ، وأدى هذا وذاك إلى حدوث حراك إجتماعى عمل على نقل العديد من الفئات الطبقية الى درجة أعلى فى السلم الاجتماعى ، بل ان ظاهرة الثراء المفاجئ (وهى بالتأكيد محدودة بالقياس الى مجمل ظاهرة الحراك الاجتماعي ) أصبحت من السمات المميزة ، وكل هذا يترك أثره على القيم والسلوك السياسي والمزاج النفسى للجماهير . ومن ناحية ثالثة فقد ساهمت الدخول الجديدة للدولة من البترول وقناة السويس إلى تمكين الدولة من تأجيل قرار الغاء الدعم بعدما واجهت المقاومة الشعبية فى 18 ،19 يناير 1977 وساهم ذلك فى تخفيف حدة الأزمة على القطاع الأكثر فقراً من الجماهير الشعبية . ثم ان تحويلات العاملين فى الخارج ساهمت فى مواجهة جزء عظيم من العجز فى ميزان المدفوعات .
وهذه الظروف المعاكسة لا تتناقض مع العرض المقدم فى البند السالف والذى يوضح اشتداد الأزمة الاقتصادية ذلك أن مظاهر الازدهار لم تظهر فى الهيكل الرئيسي للاقتصاد ، وإنما ظهرت اما فى أقسام هامشية (البترول وقناة السويس ) واما من خارج الاقتصاد بل وعلى حسابه فالهجرة تعمق أزمة الاقتصاد إستنزافها للعمالة الماهرة والكوادر الفنية الماهرة . فالظروف المعاكسة ليست نتاج سياسة الانفتاح الاقتصادى بما هى كذلك .
ولكن هذه الظروف المعاكسة ، هى ظروف مؤقتة ، فإستيعاب السوق العربى للعمالة لن يحتفظ بمعدلات زيادته السابقة ، بل هناك دلائل على حركة عكسية ، وحتى دون هذه الحركة العكسية فإن المعنى الوحيد لإنخفاض معدلات النمو ( وليس إنخفاضا فى العدد المطلق ) فى حجم العمالة المهاجرة ، هو زيادة حجم البطالة ، فضلاً عن أن معدلات التضخم تخفض من الميزات النسبية لفروق الأجور ، أما الدخول الإستثنائية للدولة من البترول وقناة السويس ، فهى آخذه فى الإنخفاض ، بصورة ينخفض فيها اسهامها فى سد عجز ميزانية الدولة ، مما يدفع السلطة أكثر فأكثر الى الغاء الدعم . ...... ............ ( سطر ونصف باهتان فى المخطوطة ) .
17. إن هذا الوضع المزدوج : الأزمة من جهة والشروط الموضوعية المعاكسة من جهة أخرى ، نلحظها فى إزدواج المزاج الجماهيري ، فنجد سخطاً متعاظماً ولكنه ظل سخطاً سلبياً ، كما أن قدراً عظيماً من طاقة السخط جرى تسريبها – بسبب ضعف الحركة الشيوعية – فى مسارب الحركة الدينية الرجعية ، تلك التى قدمت للناس تفسيراً بسيطاً للأوضاع المقلوبة مفاده جاهلية المجتمع والسلطة ، أو تكفير المجتمع والسلطة . ثم أن الاستسلام المذل فرص نفسه على الحياة السياسية ، حيث وجدنا العديد من القوى البورجوازية الصغيرة من الناصرية والقومية وحزب التجمع والحزب الشيوعي المصرى ينتقلون الى صفوف المعارضة ، بل لقد إنتقلت العدوى الى المعارضة البورجوازية الليبرالية نفسها وعدد من رجال مجلس قيادة الثورة الذين كانوا حتى البارحة يطالبون السادات باللجوء الى أمريكا التى تمسك فى يديها مفتاح الحل .
ولكن من جهة أخرى نجد الشروط المعاكسة وقد شكلت تكريساً مادياً – مؤقتا بالطبع – للوعى الزائف ، ولنفسية الحل الفردى وتردى القيم ، وحجبت تفجير الطاقات الثورية الكامنة التى تنطوى عليها تناقضات الأزمة . ولكن لا يجب التقليل مع كل ذلك من أن هناك طاقة للسخط يمكن للحركة الشيوعية الثورية تفجيرها شرط استخدامها وسائل ثورية مناسبة ، لا تتعالى على أبسط أشكالها ، فإلى جانب السخط السلبى المتنامي ، لم يخلو الأمر من حركات اضرابية بسيطة تقوم بها الطبقة العاملة ، كما أن حركات الاحتجاج السياسي البسيطة تجد تجاوباً بسيطاً ، وهذا يعنى أن الخروج من الأزمة والارتفاع بكفاءة النضال الشيوعي وتخليصه من إنحرافاته بقادر على تطوير هذه الأشكال فى سياق عمل يستهدف استنهاض موجة ثورية جديدة فى البلاد .
18. إن هذه الفترة قد قاربت على نهايتها ، فمن ناحية نجد الشروط المعاكسة آخذه فى الاضمحلال ، كما أن الجماهير أخذت تصطدم بواقع الاستسلام وخرافة الرخاء ونشهد اليوم تغيرات فى المزاج الجماهيري الى الدرجة التى أصبح فيما عهد الناصرية بمثابة الفردوس المفقود ، فضلاً عن أن اغتيال السادات وفتح ملفات عهده حطمت الكثير من الأساطير المضللة التى روجها النظام عن نفسه وعن استسلامه . ومن ناحية ثالثة فإن الحركة الشيوعية بدأت تتلمس طريقها نحو الخروج من مآزقها ، فهى الشرط الحاسم فى امكانية استثمار كل هذه الشروط لصالح الحركة الثورية .
حول مفهوم الوضع الثورى :-
19. إن هذا المفهوم واحد من المفاهيم الماركسية التى توضح مدى عمق الأزمة التى يتعرض لها النظام البورجوازي فمن الناحية الموضوعية والذاتية ، والتشخيص الدقيق لمدى مطابقة وضع البلاد مع الوضع الثورى من شأنه أن يرشد الطليعة الشيوعية فى نضالها ويعطيها قدرة على التنبؤ بمستقبل النشاط الثورى للجماهير . ويتضمن الوضع الثورى شروطاً موضوعية وأخرى ذاتية ، فهو يتضمن ليس فقط أزمات فى القاعدة نتيجة لتعرض الجماهير الى اضطهاد واستغلال تتجاوز أوضاع الاستغلال العادية ، وإنما يتضمن أيضاً أزمات فى القمة ، بحيث لا تستطيع الجماهير أن تعيش كما كانت فى السابق ، كما لا تستطيع القمة أن تحكم كما كانت تحكم فى السابق ، وإلى جانب هذين الشرطين ونتيجة لهما يتفجر سخط جماهيري يتحول إلى نشاط ثورى جماهيري تاريخي ، تشترك فيه الطبقات الثورية ، والأحزاب الثورية ومختلف أشكال القوى السياسية المعبرة عن هذه الطبقات . والتقاء هذه الشروط جميعاً يكون مقدمة للثورة ، فالوضع الثورى ليس الثورة ، ولكن نضج الوضع الثورى يجعل الانفجار الثورى وشيكاً .
20. إن المبالغة فى الوضع الثورى يؤدى ولا شك الى تكتيكات يسارية يجهض التفجير الثورى ، كما أن التهوين من الوضع الثورى يفوت فرصاً عظيمة للتقدم بإتجاه الثورة ، وحل المسألة لا يجرى أبداً على صعيد المفهوم ، ذلك أن مختلف عناصر الوضع الثورى لا تعرف نمواً أو نضجا متساوياً ، كما أن الشروط الذاتية للطبقة وللطليعة هى أحد مكونات الوضع الثورى ، ومن هنا فإن أندماج الحزب فى صفوف الجماهير وعمله النضالى هو الذى يمكننا من التحديد الدقيق لنضج الوضع الثورى ومعرفة المزاج الجماهيري ومدى استعداد الطبقة والطليعة للانتقال الى الأعمال الثورية .
21. واذا كان من الممكن أن يسبق نضج الشروط الموضوعية نضج الشروط الذاتية ، الا أنه من الخطأ الحديث عن توفر الوضع الثورى الناضج فى بلادنا اعتماداً على الشروط الموضوعية وحدها أما الحديث عن الوضع الثورى ، مع التحفظ بأن المقصود فقط هو الناحية الموضوعية من الوضع الثورى ، فهو يفتح الباب للخلط ، فضلاً عن أنه لا يفيدنا الآن فى فهم خصوصية الأزمة القائمة فى بلادنا ، من حيث وجود شروط موضوعية معاكسة ، ومن حيث انتشار ذلك الوعى الزائف ، ونفسية الحل الفردى ، ونزعات اللامبالاة الخ .... ومن حيث نفوذ التطرف الدينى . كما أنه اذا كانت الشروط الموضوعية تعمل على انضاج الشرط الذاتى فإن الشرط الذاتى يفاقم من الشروط الموضوعية ، بل ويقطع الطريق على محاولات الالتفاف والاحتواء من قبل البورجوازية ، لندخل فى آليه من التفاقم الذى يعاظم الحصار على الطبقة الحاكمة . ومما لاشك فيه أن الوضع الراهن ، رغم الأزمة الموضوعية المتفاقمة ، يتيح للبورجوازية هامشا واسعا للتضليل والالتفاف والترويض والاحتواء . كما أن التطرف الدينى ما يزال قادراً على نشر نفوذه وتسريب طاقة السخط فى جداوله الرجعية (الفاشية) . ولكل هذا فالحديث عن الوضع الثورى من الناحية الموضوعية ، لا يفيدنا فى وضع يدنا على مجموعة الظواهر السابقة ، والتى يشكل فهمها ضرورة لا غنى عنها لترشيد عملنا الثورى فى صفوف الجماهير .
22. وليس معنى ذلك أننا نغفل ما تنطوى عليه هذه الأزمة وما تحمله من امكانات ثورية مستقبلية ، فهى أزمة تحمل طاقة ثورية كامنة ، كما أن البورجوازية لن تجد لها حلاً إصلاحياً ، فالثورة الاشتراكية هى وحدها التى يمكنها أن تقدم لها الحل، أى أن الآفاق هى آفاق ثورية ولا شك .
حول فكرة استقرار الرجعية :-
23. تستند هذه الفكرة على أن التحول الرجعى للبرجوازية وسلطتها لم تواكبه مقاومة شعبية مباشرة . وبدلاً من ذلك فهناك ظواهر تمنع نهوضها مثل المزاج الانهزامى وإنتشار الحل الفردى ، بصورة يستنتج منها أن التحول الرجعى المذكور يتخذ وضعاً مستقراً وأن مقاومتها ليست فى الأفق المنظور . وهذه الفكرة خاطئه للأسباب التالية:
- عدم التعمق فى التناقضات الطبقية التى ينطوى عليها ذلك التحول الرجعى للبرجوازية القومية فهو ليس تحولاً رجعياً يرتبط بتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام ، كما هو الحال مثلاً فى النظام الايرانى بعد الانقلاب على مصدق وحتى اندلاع الثورة الايرانية . حيث نهض هذا النظام بمهام التحول البورجوازى فى المجتمع ، فى إطار التبعية والتحالف مع الامبريالية والعداء الشرس للحريات الديمقراطية ، إن هذا التحول البورجوازى ، رغم اطاره الرجعى هذا ربط بالنظام واطاره فئات طبقية وطبقات بأسرها ممن استفادت به خاصة أن النظام الايرانى كانت تتوفر له موارد هائلة من البترول وعملت على تكريس وتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام . وكل هذا مكن نظاماً رجعياً من الاستقرار لمرحلة تاريخية محددة ، قبل أن تستفحل تناقضات التحول البورجوازى نفسه ، لتنفجر الثورة .
أما التحول الرجعى فى بلادنا على العكس من ذلك عمل ويعمل على تضييق القاعدة الاجتماعية للنظام بتشديد استغلال الطبقات الشعبية من جهة ، وبانفضاض لا ينى عن الاتساع للجماهير الشعبية عن النظام من جهة ثانية ، وذلك رغم الظواهر المعاكسة والمتمثلة فى الهجرة والتضخم وما صحبهما من حراك اجتماعي ، وفى بعض الموارد الاستثنائية للدولة .... ( سطران باهتان فى المخطوطة ) .........................................................................( البترول وقناة السويس ) والتى مكنت السلطة من تأجيل اجراءات الغاء الدعم وتحريك أسعار منتجات القطاع العام الخ . وذلك فضلا عن أن هذه الظواهر نفسها هى ظواهر مؤقته ولايمكن الزعم انها سوف تستغرق مرحلة تاريخية ، وتدل المؤشرات الفعلية على بدء تقلصها.
-ان انتشار الحل الفردى ، والمزاج الانهزامي كعنصر فى الواعى الزائف ، المنتشر فى صفوف الجماهير ، هى ظواهر فعلية ، عاظمت منها وشجعتها تلك الظواهر المعاكسة المذكورة . وهى ظواهر لا ينبغى التقليل من شأنها ، بل ينبغى التعمق فى تشخيصها ودراسة ما ينشأ عنها من تغييرات ، لكن الوقوف عندها وحدها يؤدى الى رؤية وحيدة الجانب ، لا ترى فى نفس الوقت الانفضاض الحادث فعلا فى صفوف الجماهير الشعبية عن النظام ، والسخط الواسع الموجود فعلا ، والذى لم تستطع الحركة الشيوعية ( بسبب أزمتها وانحرافاتها خاصة فى حزبنا) أن تعمل على تحويله الى حركة ثورية ، ففتحت الفرصة أمام التيار الدينى ( الفاشى ) لاستيعاب قسماً عظيما من طاقة السخط تلك فى الاطار الرجعى الفاشى .
ان المبالغة فى شأن ضعف المقاومة ترجع الى محاكمة الأمر من خلال نموذج واحد للمقاومة ينطلق من استفزاز منتظر لخطوات الاستسلام فى حركة سياسية مباشرة ، وتغفل امكانيت تحويل النضال الاقتصادى الى نضال سياسي . هذا النضال الاقتصادى الذى ينشأ بالضرورة من استفحال التناقضات الطبقية التى تنجم عن الاستغلال البورجوازى بما هو كذلك ثم تشديد هذا الاستغلال بسبب التبعية الاقتصادية فى عصر الاستسلام .


*********************************************القسم الخامس *************************************************************************************************



#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكرى مرور عام على رحيل تروبادور الثورة الدائمة بشير السباعى
- الطب النفسي والسياسة أداة التلاعب بالعقول
- هل كان ماركس أبا تقليديا ؟
- مقالات من الجريدة الرينانية الجديدة حول الثورة المضادة 1848- ...
- المثقفون المصريون ومناهضة التطبيع فى عهد السادات - 4
- المثقفون المصريون ومناهضة التطبيع فى عهد السادات -3
- المثقفون المصريون ومناهضة التطبيع فى عهد السادات - 2
- المثقفون المصريون ومناهضة التطبيع فى عهد السادات - 1
- حوار قديم مع المغنى الفلبينى فريدى اجيلار أيام ثورة إدسا 198 ...
- دفاعا عن حزب العمال الشيوعى المصرى والمفكر الماركسي إبراهيم ...
- من يذكر الديكتاتور الفلبينى ماركوس والإطاحة به ؟
- هل إستوعبنا حقا دروس إنتفاضة يناير 2011 فى مصر ؟!!! رؤى من م ...
- فى ذكرى 25 يناير 2011 - إستلهامات لينينية
- عن الإنتفاضة والحزب فى ذكرى 18- 19 يناير 1977 - رد على رفيق ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى ومنتقدوه - من أوراق شيوعى سابق 1
- إعادة بناء المادية التاريخية -تقديم إبراهيم فتحى لكتاب جورج ...
- ابراهيم فتحى - فى الإستراتيجية والتكتيك - ملحق بموجز لبعض ال ...
- ابراهيم فتحى – فى الإستراتيجية والتكتيك ، والموقف من الحركة ...
- ابراهيم فتحى – فى الإستراتيجية والتكتيك ، والموقف من الحركة ...
- الوهم الدستورى والصراع الطبقى - ماركس ، إنجلز ، لاسال ، ليني ...


المزيد.....




- الناطق باسم نتنياهو يرد على تصريحات نائب قطري: لا تصدر عن وس ...
- تقرير: مصر تتعهد بالكف عن الاقتراض المباشر
- القضاء الفرنسي يصدر حكمه على رئيس حكومة سابق لتورطه في فضيحة ...
- بتكليف من بوتين.. مسؤولة روسية في الدوحة بعد حديث عن مفاوضات ...
- هروب خيول عسكرية في جميع أنحاء لندن
- العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدخل المستشفى التخص ...
- شاهد: نائب وزير الدفاع الروسي يمثل أمام المحكمة بتهمة الرشوة ...
- مقتل عائلة أوكرانية ونجاة طفل في السادسة من عمره بأعجوبة في ...
- الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
- شويغو: هذا العام لدينا ثلاث عمليات إطلاق جديدة لصاروخ -أنغار ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد العليمى - قضية بناء الحزب - الإنتقال من الطور الحلقى الى الطور السياسي الحزبى - من الجدالات الداخلية 1978 - 1983