أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عفيف إسماعيل - النساء ذوات الوشاح الأبيض*















المزيد.....

النساء ذوات الوشاح الأبيض*


عفيف إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 6545 - 2020 / 4 / 24 - 16:48
المحور: الادب والفن
    


سعدت بدعوة فرع المنظمة العالمية لمسرح الشباب والأطفال في " بوينس آيرس بالأرجنتين"، للمشاركة في مؤتمر مسرحي في سبتمبر ٢٠١٨م كي اقدم ورقة ضمن فعاليات المؤتمر "حول دور مسرح التعدد الثقافي في اندماج اطفال الدياسبورا".

مصدر سعادتي ليس فقط ان هذا المحفل فرصة لتبادل الخبرات والمعارف والحوارات بين الثقافات، او انني سأشارك المنصة مع اهم العاملين في حقل مسرح الشباب والأطفال حول العالم منهم " كريستينا غوددفريدسون Cristina Goddfridsson ، من السويد ، سوزان ليبو Suzanne Lebeau من كندا ، ديردري لافراكاس Deirdre Lavrakas من الولايات المتحدة الأمريكية"، كينجرو اواني Kenjiro Otani من اليايان، و منسقة المؤتمر الأرجنتينية ماريناس فالكوني Maria Ines Falconi. انما ذلك التوق الخفي الذي لازمني لأعوام طويلة كي ازور قارة أمريكا الجنوبية الضاجة بالحياة ، فلي ولع خاصاً بما تنتجه هذه القارة من رواية وشعر وموسيقى ورقص وفنون كورة القدم وجنون أخرى. لي دين مهول لروايات غبريال غاريسا ماركيز Gabriel García Márquez ،1927-2014 وأزبيلا اللنيدي Isbel Allende وجورجي آمادو Joege Amado ،1912-2001 وبابلو كويلوCoelho Pabloو اشعار بابلو نيرودا Pablo Neruda 1904-1973 واوكتفو باث 1914-198Octavio Pazوغيرهم، لقد كانت السند المعنوي وحاضنة لاحتمال السنوات العشر العجاف الأولى من حكم الاخوان المسلمين للسودان.

عندنا تلقيت الدعوة لزيارة الارجنتين على الفور تقافز لذهني، الكاتبين آرنستو سباتو Ernesto Sábato"2011-1911م" الذي ترجل عن سرج حياته العامرة بالإبداع وكاد يبلغ المائة عام إلا قليلا ، و الكاتب خورخي لويس بورخيس Jorge Luis Borges 1899-1986م بتمرده الذي اوصله إلى ما بعد الحداثة، هو من عرفت من اشعاره اسم مدينته التي سيقام فيها هذا المؤتمر، عندما عنون كتابه الشعري الأول بـ " حماس بونيس آريس". فوراً قفزت لذهني تلك الجملة الجيفارية الوقادة الملهمة "كن واقعياً واطلب المستحيل" قبل ان تتماثل امامي صورة تشي جيفاراChe Guevara 1929- 1967م الشهيرة وقبعته ذات النجمة وتلك النظرة الوثابة للغد التي صارت أيقونة للثوار حول العالم، ومن بعد تناهبتها أسواق الرأسمالية لتحولها لبضاعة رائجة للقبعات والاقمصة، ومصورها الكوبي البارع البيرتو دياز 1928-2001 Alberto Díaz صار من احد اساطين التصوير الأبيض والأسود في القرن العشرين. أيضا تدفقت تلك المتعة الفائقة عالية المذاق عندما تذكرت سحرة كورة القدم من الارجنتين : مارادونا Maradona، كمبس Kempes وميسي Kempes بمهارتهم الفائقة في التحكم والمراوغة والتمرير والتهديف مثل كاتب يعرف كل اسرار التشويق والابهار والمتعة الذهنية عندما يكتب لمسرح الأطفال والشباب.

أهمية هذه المشاركة الكبرى بالنسبة لي كانت تتمثل في انني سأتحدث عن احد الانتهاكات الكبرى التي ارتكبتها سلطة الاخوان المسلمين في السودان 1989-2019م، وهو حرمان عدداً كبيراً من أطفال السودان من دفء الوطن والاسرة الممتدة بحضنها الأمين، وان يتحملوا اوجاع التهجير القسري في هذه السن اليافعة من غير استعدادات نفسية هيأت لهذا الشتات في كل القارات، مما اورث عدداً كبيراً منهم أوجاع الصدمة النفسية والحضارية، وتبعثر الهوية، برغم الفرص في التعليم والصحة والمجانية، ورعاية اجتماعية شاملة توفرها كل مرافق الدولة، لكن يظل البحث عن الجذور مثل أرق العضو المبتور، وقد زعم مختصر الورقة التي قدمتها في المؤتمر "حول دور مسرح التعدد الثقافي في اندماج اطفال الدياسبورا" ان المسرح التعدد الثقافي يؤدي مهمتين أساسيتين انه يجعل الجيل الثاني والثالث من المهجرين قسرياً يفخر بأصول جذوره عندما يرى مجتمعه الجديد ينظر لها بعين الاعجاب والتقدير لمسرحيات تنتمي لوطنه الأم، وذلك يجذر انتماءه لوطنه الثاني كمساهم خلق التنوع والتعدد وليس كمستهلك فقط لخيرات الوطن الثاني.

كان عدد المشاركين/ات في المؤتمر لا يتعدى الخمسة والثلاثين، اعطى هذه العدد القليل ان تكون مداولات المؤتمر في صالة مسرح اتحاد كتاب "بونيس آريس"، مما عزز دينامية تواصل عملي بهذا التقارب والتواجد في مكان واحد لأكثر من سبع ساعات نهاراً، ومساءً ينتقل التفاكر إلى الفندق حيث يتشارك الجميع السكن والوجبات والحوارات الدسمة التي لا تتوقف كطبيعة اهل تلك البلاد ذات الدفء الإنساني الحميم.

همس لي دليلنا السياحي وهو محرك العرائس المشهور “عمر الفاريز”
المعلومات التي سأقولها عن هذا الميدان تهمك بشكل خاص، فهو يسمى ميدان دي مو Plaza de Mayo، وايضاً يعرف باسم ميدان النصر، وكما ترى انه محاط بالمباني الاثرية، و قد لعب دوراً كبيراً في حركة المقاومة الأرجنتينية قبل قرنين من الزمان، وايضاً في السبعينات من القرن الماضي، تحديداً في عام 1977م في تلك الفترة المظلمة من تاريخ الارجنتين، لقد قامت الحكومة الدكتاتورية المدنية -العسكرية المدعومة من الولايات المتحدة في تلك الأيام التي تعرف في تاريخ القارة بسنوات الحرب القذرة، باعتقال ثلاثين الف مواطنة ومواطن بتهمة انهم ينتمون لفصائل يسارية تعارض خطط السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، وكان اغلب هذا العدد الكبير من أطفال المدارس والشابات والشباب، تم اختطافهم وتعذيبهم وقتلهم بدون أي محاكمات ولم تسلم جثثهم لذويهم، فتحول هذا الميدان في مساء كل يوم خميس الى ساحة لتظاهرات نسائية راتبة، يحملن فيها صور اطفالهن او ازواجهن او اشقائهن او أي من الأقارب المفقودين ويطفن حول الميدان وهن يرتدين على رؤوسهن اوشحة بيضاء وصار هذا التقليد متبعاً حتى الآن بحثاً عن هؤلاء المفقودين/ات، برغم ان معظم قادة تلك الحكومة الدكتاتورية الدموية يقبعون الآن في السجون، بعد ان تمت محاكمتهم في الثمانيات من القرن الماضي بجرائم حرب وجرائم لإبادة الجماعية. عقب دليلينا السياحي بصوت مخنوق وهو يشير الأرض:" هذه الأوشحة البيضاء المنقوشة على أرضية الميدان تكريماً وتخليداً لذكرى المفقودات والمفقودين".

وانا اودع مطار "بونيس آريس" تركت جزء من قلبي عند ميدان النصر مع النساء ذوات الأوشحة البيضاء ، وظلت كلمات "بورخيس" المضيئة ترن في ذهني:

"بعد فترة تتَعلَّم الفرقَ الواهِي بينَ الإِمساكِ بيد و بينٍ تكبيلِ روح،
و تتعلَّم أنَّ الحُبّ لا يعنِي الاتكاء
و أنَّ الصُّحبة لا تعني الأَمان،
وَ تبدأ بالتعلم أنَّ القُبل لا تعني اتفاقاتً مُبرمَة
و أنَّ الهَدايا ليست وُعودًا
و تبدأ بتقبُل هزائِمك مع رأس مرفوع و عينين مفتوحتين بِسموِّ امرأة
و ليسَ بحُزنِ طفلٍ،
وتتعلم بناء كُلّ دُروبك على يومِك الحاضر
لأنَّ أرضَ الغدِ غير جديرة بالثِقة بالنسبة إلى الخُطى،
بعد فترة تتعلم أنَّ حتى أشعة الشَّمسِ تَحرق إذا بالغت في الاِقتراب
لِذا تقوم بزرعِ حديقتك وتُزيّن روحِك بدلاً مِن انتظار شَخص ما ليحضر لك الزهور
و تتعلم أنَّ بمقدورَك حقًا الاِحتمال
أنَّكَ حقًا قوي وأنك تطوي قيمتَك بداخِلك
وتتَعلم وتتَعلم، وتتَعلم وتتَعلم
مع كلّ وَداعٍ تتَعلم".

قلبي مازال معلقاً مع النساء ذوات الأوشحة البيضاء بميدان النصر بمدينة بونيس آريس بالأرجنتين.
قلبي مازال معلقاً بميدان مجزرة الاعتصام امام مباني القيادة العامة بالخرطوم.
ذاك الاعتصام الذي يمثل حالة سودانية نادرة، أعطت ملمحاً شفيفاً بما يحلم به إنسان السودان لوطنه، تلك الحالة المهرجانية المُحبة للحياة والاجتهاد والإصرار على هزيمة المستحيل والتقدم بخطوات واثقة إلى الامام، انبت تلك الحالة الجمعية افضل ما يعتز به الشعب السوداني من تراحم وتكافل وثورية مثل كومونة اشتراكية هاربة من يوتوبياً ما صنعت خصيصاً بنبض شابات وشباب السودان الذي كان يراهم شاعر الشعب "محجوب شريف،
1948-2014 كميراث لغد الوطن:


"ونبض الشعب كلو حلم بداه بيتم
وتطلع من شقوق الارض آلاف المدن قامات
ويطلع حتى من قلب الحجر والصى
شجر متشابك الهامات
وجيل جاى حلو الشهد
صبايا وفتية يمرحوا فى صباح الغد
عيونهم برقهن لماح سؤالهم رد
خفاف ولطاف وثابين أوان الجد
دفاعا عن حياض السلم والافصاح
سلموا لى عليهم
سلموا لى عليهم جملة
حتى اللسه قبل الخلق والتكوين
صناع الحياة اليوماتى ملح الارض
نبض الشعر والموسيقى والتلوين"

وكما قال الزعيم الخالد مارتن لوثر كنجMartin Luther King Jr. 1929- 1968م في خطبته الخالدة " لدي حلم" اعلن بكامل آمالي المشروعة، وبحق دماء الشهداء أننى:
احلم بحكومة ديمقراطية تمثل توق الشعب السوداني العظيم للحرية والسلام والتنمية.
أحلم ان يتم نقل مباني القوات المسلحة وكل الوحدات العسكرية الاخرى إلى خارج العاصمة، وبعيداً عن مساكن المدنيين، وان تقوم القوات المسلحة فقط بدورها المنوط بها في حماية البلاد من العدوان الخارجي ولا تتدخل ابداً في شئون حكم البلاد.
احلم في ظل الحكومة المدنية الديمقراطية القادمة أن تسمى ساحة الاعتصام أمام مباني القيادة العامة بميدان النصر، وان تتحول مباني القيادة العامة لمسارح وسينمات وصالة عرض للتشكيل وقاعات مؤتمرات، ومتاحف للثورة، أهم متحف هو ذاك المتحف الذي يوثق للبربرية التي تمت بها فض الاعتصام، ولكل مجازر الحروب والابادة الجماعية التي ارتكبها نظام الاخوان المسلمين، كي لا تحدث الغفلة مرة أخرى، وان تكون شاهداً لتاريخ الاسلامويين الدموي.
واحلم ان تُنحت تماثل للشهداء والمفقودين/ات وترسم لهم/ن البوتريهات كجداريات خالدة في ميدان النصر، وتنقش شعارات ثورة ديسمبر على سراميك أرضية الميدان مثل الأوشحة البيضاء لنساء " بونيس آريس" المنقوشة بميدان "دي مايو".
احلم ان يصبح الميدان مزارا لكل محبي الحرية والعدالة الاجتماعية حول العالم. وان تعقد في ذكرى انتصار الثورة في ديسمبر سنوياً ولمدة شهر كامل مهرجانات الفنون بكل أنواعها ، والندوات وحلقات النقاش والمؤتمرات وورش عمل عن المحافظة على البيئة وسلام الكون وعن ثقافة حقوق الانسان.

أغسطس ٢٠١٩م
بيرث – غرب استراليا
• مجلة كتابات سودانية العد ٥٨، مركز الدراسات السودانية- الخرطوم ٢٠١٩م



#عفيف_إسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- *الأستاذ محمود.. ولعبة الموناليزا
- ارح مارقه*... والترميم الثوري
- -ارح مارقه-*... والترميم الثوري (1)
- *الأستاذ محمود.. ولعبة الموناليزا..
- اسامة الفَراح عوان الحِله
- وتَبقَى طفلةُ العصافير الموسميّة*
- وداعا النقابي الجسور وسيم الروح فاروق احمد -جدو-
- من وصايا الشهداء
- تَشبَهي العيد في بَلَدْنا
- صور شعبيّة.. وقسم السّيد أدفريني*
- وداعا ..زوربا السوداني(2-2)
- مُسامرة من وراء المحيط..محمود.. أرق المهووسين
- وداعاً زوربا السوداني1
- لوحة2
- مُسامرة حوارية مع الفنانة المغنية د. ياسمين إبراهيم
- رنين الحنين على أجنحة نوارس عائدة أو نغم أخضر
- مسامرة حوارية- جريدة الحصاحيصا
- زهور ذابلة
- إندماج أم إقصاء؟!
- مبادرة -برانا- الثقافية


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عفيف إسماعيل - النساء ذوات الوشاح الأبيض*