أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد عبدول - موعد مع الموت















المزيد.....

موعد مع الموت


احمد عبدول

الحوار المتمدن-العدد: 6543 - 2020 / 4 / 22 - 19:31
المحور: الادب والفن
    


كنت صبيا في بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي عندما كان جارنا (حسون ) الذي غادرنا الى منطقة اخرى في جانب الرصافة مرغما بسبب مشاكل والده مع زوجاته الذي لم يستطع ان يجمع بينهن تحت سقف واحد مما اضطره الى بيع داره على مضض لكي يوفر لكل واحدة منهن بيتا متواضعا .
كان حسون شابا اسمر البشرة فارع الطول مفتول العضلات صاحب طرفة متى ما صادفته وجدته متبسما ، ولم تستطع معارك الثمان سنوات على امتداد الحدود العراقية الايرانية ان تسلبه شيئا من تلك الابتسامة على الرغم من اصابته البليغة في معارك الخفاجية عام 1981 والتي كادت ان تودي بحياته.
ما زلت اتذكره وقد احاطت الجروح برقبته وتفرقت الحروق على كتفيه واعلى صدره بينما ارتفعت نهايات خيوط سوداء من اعلى فروة رأسه وهو يحدثنا عن اهوال الحروب ومآسي المعارك .
لم يستطع حسون نسيان موطن صباه حيث نشأ وترعرع لذلك كان يزورنا خلال ايام اجازته بين الفينة والاخرى وهو يخبرنا عن نجاته من الموت بأعجوبة في اغلب المواجهات ثم يختتم حديثه الشيق وهو يقلد صوت الرئيس (صدام حسين) المميز ويؤدي حركاته بينما ترتعد والدتي خوفا وهي تحذره بأن للجدران عيونا ترى وللسقوف اذانا تسمع .
برع حسون في قيادة دبابته الروسية الصنع فكان محط انظار واهتمام جنود الوحدة وضباطها ، اما ارادته فكانت تتضاعف بعد كل معركة فهو لا يهاب الموت ولا يبالي بالمكاره ، اذا ما كلف بمهمة او انتدب لمدلهمة، مما اضطر والدته (زكية ) ان تفاتحه بأمر تزويجه من احدى بنات اختها في محافظة البصرة .
لم يكن حسون راغبا بالزواج وانى له ذلك وربما يذهب لجبهات القتال فلا يعود الا وقد اتشح جسده بالعلم العراقي ، الا ان اصرار والدته المرأة الطاعنة في السن جعله اخيرا يوافق على تزويجه من احدى قريباته ليختتم بذلك فصلا من فصول حياته تاركا وراءه سهراته التي غالبا ما كانت تمتد حتى خيوط الفجر ، خلال ايام اجازته مع عدد من اصحابه وهم يغادرون حانات الخمور وصالات الرقص .
رزق حسون بعد زواجه بأربعة اولاد ذكور الا انه صار تواقا بعد ذلك بسنوات ان يرزقه الله بأنثى حتى انه كان يمر على جاره الذي رزق بأربعة اناث فيخاطبه قائلا(ادري ابو بيداء يعني شيصير لو ربك مبدلني بوحدة من بناتك ومنطيك واحد من ولدي ) فيرد عليه جاره (هذا رزق اخوي ابو محمد استغفر الله )
مضت الاعوام وسقط النظام ولم يمض على تشكيل اول حكومة منتخبة بضعة اشهر حتى اعلنت وزارة الدفاع عن ضرورة التحاق كافة الضباط والمراتب من صنوف الدروع بنواة الجيش العراقي الجديد فما كان من حسون الا ان لبى النداء وهو يحلم ان يعتلي برج دبابته مجددا وهي تقطع القفار وتجتاز الفيافي .
اختير حسون لمهمة التدريب على قيادة الدبابات داخل احدى المعسكرات في بغداد حيث خُصص له راتب شهري مجز لم يكن يحلم به من قبل ، فتنفس الصعداء بعد سنوات الحصار التي قضاها في بيع الاثاث القديم في سوق الزعفرانية ، وما هي الا اشهر قلائل حتى رزق بطفلة اسماها (شيماء) فتحققت جل احلامه واجتمعت اسباب رضاه فكان ومالك الدنيا سواء .
مهنية حسون وحرصه على اداء عمله دفع بكبار ضباطه ان يقوموا برفع اسمه لوزير الدفاع ليكون على رأس الموفدين الى بعض دول اوروبا الشرقية لغرض التعاقد على صنوف جديدة من الدبابات وما هي الا ايام حتى اكمل حسون كافة اجراءات السفر الى خارج العراق .
كان يوم توديعه لأولاده يوما شاقا على نفسه ثقيلا على قلبه فقد كانت دموعه تسيل على خديه بغزارة وهو يحمل صغيرته بين يديه وقد اخذ ولده محمد يوبخه قائلا ( يابا المفروض انته اليوم فرحان حياتك كلها ما مسافر متكلي شبيك كول ياالله )
عند الفجر اقلعت الطائرة من مطار بغداد الى اوكرانيا ، لم يصطحب حسون معه سوى حقيبة تضم بعض الملابس وموبايله الشخصي الذي اشتراه مؤخرا واجاد استعماله بشق الانفس .
كان حسون يرى وجه صغيرته ويستمع لصوتها عند حلول المساء بعد ان ينتهي من الاطلاع على معامل الاسلحة والمعدات الثقيلة برفقة عدد من الضباط والخبراء الاوكرانيين ، فيهيم شوقا ويتحرق ألما حتى ان صاحبه ابو علي كان يلومه اشد اللوم على ذلك التعلق فيقول له (ابو محمد اليشوفك يكول ما عنده اولاد يمعود باجر الا اخليك تنسه نفسك ) رد حسون متسائلا (اشلون ابو علي ). قال ابو محمد: (راح اخذك لمكان يرد الروح )
توجه حسون برفقه صاحبه ابو علي الى احدى متنزهات العاصمة كييف الرائعة التي تمتد على طول الضفة الغربية لنهر (دنيبرو) وصادف ان اجتمعت هناك بعض الحسناوات والشقراوات وهن يرتدين الملابس القصيرة اخذ حسون يتفحص الوجوه ويتمعن المفاتن وقد استعاد شيئا من طيشه واسترجع جزءا من مرحه وشقاوته وهو يقول لصاحبه ( ابو علي هاي النسوان الزينة ما تخلينه ناخذنه صوره وياهن ) لم يمانع صاحبه من ذلك وسرعان ما توسط حسون جمع الشقراوات ليلتقط له ابو علي عددا من الصور التي رغب حسون ان تصل الى عائلته مع باقي الصور التي التقطها له صاحبه خلال ذلك اليوم ليشاركوه اجواء فرحه ومرحه ، وما هي إلّا ساعات حتى وصلت صور الاب لولده محمد الذي لم يستطع بدوره ان يخفيها عن والدته فجن جنونها وغاب صوابها وهي تتوعد زوجها بالويل والثبور .
حاول أبناؤه ان يهدئوا من روع والدتهم ، فتستشيط غضبا وهي تتوعد زوجها بشيء لم يخطر على ذي عقل وسرعان ما اهتدت الزوجة الى مكيدة تجعل زوجها يقطع سفره وينهي ايفاده ويعود مسرعا فقد اجبرت ولدها محمد على ان يكتب لأبيه ان ابنته ( شيماء) على وشك الموت ولا بد من عودته بأسرع وقت.
وصل الخبر الى حسون فما كان منه الا ان هرع كالمجنون الى المسؤولين عن ايفاده وهو يخبرهم بحال صغيرته وضرورة عودته قبل ان تلفظ انفاسها الاخيرة.
اخذ مطار العاصمة يتراءى للركاب بعد ساعات طوال ثقال على متن الطائرة التي اقلعت من العاصمة كييف وحسون يشعر لو انه قفز من الطائرة وهم راكضا نحو بيته حيث صغيرته التي كان يحب ان يخاطبها ب(شوشة) استأجر حسون فور وصوله لأرض المطار سيارة اجرة الى الزعفرانية ودموعه تسبقه كانت انفاسه تكاد ان تنقطع وهو يستعجل سائق السيارة بعد اقل من ساعتين ترجل من السيارة التي وقفت بالقرب من داره وهو يرمي بالاجرة على السائق بشكل لافت للنظر دخل مسرعا لكنه تفاجأ بصغيرته وهي تلعب داخل باحة البيت انتشلها من الارض بقوة وهو يردد اسمها (بابا بابا شوشه سلامتج ) احاطت شيماء رقبة والدها بكلتا يديها الصغيرتين وقد انفرجت اساريرها ، دخل حسون البيت فهرع الاولاد وهم يلقون عليه بالتحية اخذوا يقبلونه وهو يستفهم منهم الامر دون ان يجيبه احد حينها دخلت زوجته وهي تصرخ بوجهه قائلة ( اني ما وديتك علمود تأخذ الصور ويه ذني الوصخات شوف شسويت بيك ) صعق حسون واخذ ينزل صغيرته الى الارض بترو وقد وضع يده اليمنى على قلبه خاطب ولده (ابني محمد جيبلي شوية مي ) ما ان جاء محمد بقدح الماء حتى لفظ والده أنفاسه الاخيرة .



#احمد_عبدول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسقاط النظام الملكي في العراق .. هل كان لصالح العراق والعراق ...
- بطون وعقائد
- مدينة الحرية ايقونة الكرخ وموطن الابداع والمبدعين
- شكرا كورونا
- الخوف في قصائد الشاعر الراحل ...كاظم اسماعيل الكاطع
- هل يعد الحديث عن السنة والشيعة حديثا معيبا ؟
- الجريمة البشعة
- ما هو المطلوب من المتظاهرين في الوقت الحاضر ؟
- الجماهير والسلطة
- القوى المدنية على الأبواب
- لماذا لم يخرج معظم العراقيون في مظاهرات يوم امس ؟
- جيل الثورة
- الهيام بسنوات حكم صدام ...مؤشر جهل ام معرفة ؟
- القول السليم في الباشا والزعيم
- الحرب لم تنته بعد
- افكار داخل دماغ يغلي
- هل ينتفع الصائمون من صيامهم ؟
- شعوب مستفزة
- العمامة والزئبق الاحمر
- رائد التجديد في الاغنية الريفية ... الراحل عبادي العماري


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد عبدول - موعد مع الموت