أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد كاظم غلوم - معاناة الفقر والفاقة وصلتهما بالابداع














المزيد.....

معاناة الفقر والفاقة وصلتهما بالابداع


جواد كاظم غلوم

الحوار المتمدن-العدد: 6542 - 2020 / 4 / 20 - 20:45
المحور: الادب والفن
    


كثيرا ما تختلج في رأسي فكرة ان المبدع – فنانا كان او أديبا- لا يصل الى قمة الإبداع وفردوسه الممتع الجميل إلاّ إذا عاش الفقر وتذوّق مرارة الفاقة وقد يصل الى ذلك الفردوس الإبداعي الذي يصبو اليه بمهارة وحنكة لا مثيل لها ؛ لأن الفقر والعوز يعطي الأديب والفنان دفعا وزخما أعلى بكثير ممن لا يعيشون معاناة الفاقة .
فمن يحترق بنار الفقر والعوز ويعيش لظاها ليس مثل من يتحسس آلام الجوع والحاجة وشتان مابين الثكلى الفاقدة وليدها وبين المواسية المُعزّية .
يكاد هاجسي يكون يقينا بأن الإبداع غالبا ما يخرج من رحم الأحزان وليدا شرعيا معترفاً به .
أمامنا العديد من البراهين والدلائل التي تؤكد هذا المنحى ؛ فلننظر مثلا الى الحقبة التي حكم فيها القياصرة روسيا قبل اندلاع الثورة البلشفية عام /1917 وكيف كان الأدب الروسي، بشعرائه وكتّابه اللامعين أمثال تشيخوف وغوغول وديستويفسكي وتولستوي وغيرهم وما كتبوه من روائع الأدب الخالدة في العالم اجمع . لكن ما تبعه من الأدب السوفياتي بعد الثورة لم يرقَ الى عُشر مستوى الادب الروسي الساحر المؤثر ؛ رغم قناعتنا بأن الحرية قد خُنقت في العهد السوفياتي حتى كاد السقف الايدولوجي يطيح برؤوس الكتّاب والفنانين والشعراء المبدعين وخوفهم بان لا يتجاوزوا المحظور ولا يخترقوا الضوء الأحمر الشاخص أمامهم .
وفي تقديري ان شيوع الفاقة قبل الثورة سببه تنامي الاقطاعيات الكبيرة واتساع التخلف المادي لعدم وصول التأثيرات التي قامت بها الثورة الصناعية وقتذاك الى روسيا مما جعله بلدا عائما بالفقر واغلب مواطنيه من الفلاحين المعدمين وقد امتص جهدهم إقطاعيو القياصرة .
وفي تصوّرنا انه كان الدافع الرئيس لظهور أدب عظيم وإبداع هائل . وكلّ ذلك سببُه اتساع الفاقة .
من جانب آخر تضاءل الفقر تدريجيا بعد انتصار الثورة وقضائها على النظام القيصري وكادت الفوارق الطبقية تقلّ في العهد السوفياتي ومستوى الدخل أصبح شبه متساوٍ بين فئات المجتمع العامل لكنه بنفس الوقت ولّد أدبا لا يلفت الأنظار كثيرا سوى بعض الكتابات الراقية الضئيلة التي كتبها ماياكوفسكي وغوركي (( المخضرم في الحقبتين الروسية والسوفياتية )) وكذا النخبة المثقفة الطليعية" اوبيرو" ثم بعدهم رسول حمزاتوف وأشعاره الجميلة ، لكنها تصغر كثيرا أمام شعر الكسندر بوشكين وميخائيل ليرمنتوف على سبيل المثال لا الحصر ، وكذا في اكثر روايات العهد السوفياتي شهرةً مثل " الفولاذ سقيناه " للقاص أوستروفسكي و " الدكتور زيفاجو " للكاتب باسترناك اللتين – رغم رقيّهما -- تتضاءلان كثيرا أمام ملحمة الحرب والسلام وآنا كارنينا لتولستوي ، والجريمة والعقاب ،والاخوة كارامازوف والمقامر لديستويفسكي والمعطف لغوغول والأم لمكسيم غوركي الذي كتبها ابان العهد القيصري والعم فانيا لتشيخوف وغيرها الكثير .
وكذا الحال في الادب الفرنسي وما أبدعه الشاعران آرثر رامبو وشارل بودلير ومالارميه حيث عانوا العوز والفقر والتشرد لكنهم أنتجوا شعرا ما زال عالقا في الأذهان الى يومنا هذا .
ويحضرني في الذاكرة أيضاً القاص والشاعر الأميركي المبدع أدغار ألن بو الذي ذاق مرارة العيش والفقر والتشرد ولكنه كتب أروع القصص والأشعار ووصل الى درجات هائلة من الإبداع ومات وهو جالس على مصطبة في إحدى الحدائق العامة لأنه كان يفتقد المأوى والمسكن إضافة الى مرضه العضال .
ذات الشيء مع عبقرية بتهوفن الموسيقية الهائلة والذي ذاق مرارة الفقر والعوز والحرمان فابتكر ما يدهش الإنسانية من ثراء موسيقي لا نظير له من السيمفونيات والسوناتات الخالدة أبداً .
وهل ننسى الرسام العظيم فان كوخ الذي تباع لوحاته بملايين الدولارات الآن وكان في حياته يعاني قحط العيش وبالكاد يحصل على مايسد رمقه ويقيم أودَه ؟ ؟
حديثي هنا عمّن يستثمر الفاقة والحرمان من المبدعين حصرا من ذوي المواهب الاستثنائية والعقليات الخارقة والنفوس المثقلة بالتجديد والابتكارات الملفتة ، وليس عن الفقر كحالةٍ مزرية بائسة قد توقع الكثيرين من الدهماء وعامة الناس العاديين في مهالك الجريمة والانحطاط والبغاء والشذوذ ، هنا يكون العوز والحاجة حاضناً في مناقع الأوبئة الاجتماعية ومرتعا للمهانة والإذلال والسقوط الأخلاقي والفكري وكلّ ما هو شائن ومنحط .
مع اقتناعي بوجهة النظر هذه ؛ فإنني لا أنكر ان البعض قد أبدعوا في كتاباتهم وهم ربيبو القصور وأبناء الثراء والبذخ واعتلوا مراتب أدبية سامية مثل تولستوي الإقطاعي الغنيّ قبل ان يعزم على توزيع إقطاعياته لفقراء الفلاحين رغبةً وطواعية منه وكذا بوشكين الطبيب ذي الأسرة الموسّرة وتورجينيف المنتميين لعائلات ثرية جدا ومنهم من تقلّد مناصب ديبلوماسية رفيعة مثل الشاعر الفرنسي الآخاذ المبهر سان جون بيرس ، وعندنا نحن العرب أحمد شوقي الذي توّج أميرا للشعراء وغيره من الأدباء الذين عاشوا الرخاء ورغد العيش وفي بحبوحة الخلفاء وندامى الأمراء وهم كثرٌ ، وقد نعزو السبب الرئيس هنا الى عظم حساسيتهم الجمالية وعمق معاناتهم وفرط أعماقهم الإبداعية وهم يرون شركاءهم في الإنسانية يعانون مرارة الحال والمآل ؛ لكني مقتنعٌ تماما بان الفقر يوصل الفنان والأديب الى قمة الإبداع ويزيده لمعانا وخصبا مع أنني لا ارفض الإبداع أصلا دون فقر.
فالفاقة تدفع الإنسان الأديب والفنان الى أعلى مراتب اللوعة وتوصل الى فردوس الإبداع وهناك فرق شاسع بين فنان او أديب يكتوي بنار الفاقة ويحترق في لهيبها وبين آخر يقترب من هذه النار ويرى معاناة من بداخلها عن بعد ؛ لكنه ناءٍ عن جمرها وكيّها ولا تصل اليه لسعتها الحارقة سوى دفءٍ آتٍ من مكان بعيد لا يخلو من الإبهار وفي ساحل الإبداع غير انه ليس في غوره العميق .



#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلويحة شاتمة الى كورونا
- وما أدراك ما أهوال الكتابة !! ؟
- الطاعن في العشق
- وطنٌ ذبّاحٌ
- شيخوخة الكتاب الورقي وفتوة الكتاب الالكتروني
- ومضات شعرية في الصداقة
- متى تكفّ العلمانية عن مغازلة العقائد الدينية والاستنجاد بها ...
- صلاة الشعر حينما تصدق
- وصلةٌ شعريةٌ لبغداد الواهنة الكسيحة
- قفشات وتسميات مبتكرة صاحبتْ ثورة الاشقاء السودانيين
- أحببْ عقائد الآخرين محبتك لدينِك
- هكذا تعلّم الأنظمة الراقية أجيالَها الجديدة
- عناءٌ وشقاءٌ ؛ صديقان لا يفترقانِ عني
- صناعة الابداع ؛ رؤية وانطباع فيما يُكتب الآن
- تــكْـتَـكَـتْ ساعة الصفر فلا توقفوها
- بعض مظاهر النفاق الشائعة في وسطنا المجتمعيّ
- تقليعة صينيّة في فضح الفاسدين
- طلبُ رجاءٍ الى جسدي
- قتل الحرفيّة العراقية وتدمير الاقتصاد في زمن النظام الريعي ا ...
- أتَضوَّر عشقاً


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد كاظم غلوم - معاناة الفقر والفاقة وصلتهما بالابداع