أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - صمتُ السَّعف … صمتُ رمضان














المزيد.....

صمتُ السَّعف … صمتُ رمضان


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6541 - 2020 / 4 / 19 - 10:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كتبَ على صفحته يقول: “هذا العامَ أيضًا، سنذهب كعادتنا معًا ليلة الأحد، نحصدُ عيدانَ السَّعف وسنابلَ القمح، لتعلقيها بيديكِ على باب البيت؛ كعادتكِ كلَّ عام. عند مساء السبت سأنتظرُكِ، ونذهب معًا. كلُّ عام وأحباؤنا المسيحيون طيبون وصائمون؛ يرفعون أياديهم إلى السماء ضارعين بالدعاء لكي يحمي اللهُ مصرَ، ونيلَ مصرَ، وشعبَ مصرَ من كل شرّ،....اللهم تقبل عبادتكم وعبادتنا. أمين.”
هذا رفيقُ دربي، صخرةُ حياتي التي عليها أتكئ كلّما هدّني التعبُ. كتب لي تلك الكلمات في مثل هذه الأيام منذ أربعة أعوام وأنا في مدينة أبو ظبي، عشية أحد السَّعف. كتب من القاهرة ليواسي غربتي عن وطني وأطفالي؛ فلمحتُ على بعد آلاف الأميال سنابلَ القمح تُشرق في كلماته مع دمع يترقرقُ في عينيه الطيبتين؛ لأنها (لأول مرّة ما بنكون سوا)، كما تقول جارة القمر، في مناسبة جميلة اعتدنا على إحيائها معًا.
قبل أيام، مرَّ أحدُ السعف صامتًا؛ بسبب أحوال كورونا. فخسرنا أن نجدلَ مع أصدقائنا المسيحيين شرائحَ السعف تيجانًا وأساورًا وخواتمَ ولُعبًا؛ لكي نؤكد على هُويتنا المصرية ونفرح من أشقائنا كما كل عام. لم نعلِّق سنبلةَ قمح خضراءَ على باب بيتنا مثلما نفعلُ كلَّ عام، ثم نراقبُها وهي تجفُّ يومًا بعد يوم حتى تتحوّل إلى شعلة من الذهب المُشعّ؛ يجلبُ الخيرَ على بيتنا ويحمي أسرتنا من عيون الأشرار، كما كان يؤمن أجدادنا الفراعنة، سلفُنا الصالح.
أعادت لي ذكريات فيس بوك كلماتِ زوجي على صفحته، فغام الحزنُ فوق صفحة وجهي. قاتل الُله كورونا التي باعدت خيوطَ نسيج الأهل والأحبّة والجيرة والصداقة. لكنَّ المحبة لا تنظرُ إلى المسافات، ولا تنتظرُ التقاربَ الجسدي لكي تتأكد وتُعلن عن نفسها. أرسلنا لبعضنا البعض "إلكترونيًّا" مشغولاتٍ مجدولةً من السَّعف، وأكدّنا لبعضنا البعضَ أن المحبة أقوى من الفيروس، لأن الجمال أقوى من القبح، والخير أقوى من أقوى الشرور والأمراض والأوبئة والجوائح. وفي العام القادم بإذن الله سوف نعود إلى سابق عهدنا الجميل في صلة القربى مع الأهل، والصداقة والودّ بين المسلمين والمسيحيين في وطن كريم متحضِّر، عرف كيف يديرُ هذه الأزمة الكونية على خير وجه وبكامل الاحترافية والجاهزية والعلمية والحسم. وطن كريم اسمه مصر.
في مثل ذلك اليوم كنّا نرى شوارعَ مصر تعجّ بباعة سنابل القمح وجريد النخيل في كل مكان. فتلك عادتنا الاجتماعية المصرية القديمة منذ آلاف السنين، قبل أن تتأكّد روحيًّا باصطفاف أهالي القدس الشريف، على الجانبين حاملين أغصان الزيتون: رمزًا للسلام، وعيدان السعف: رمزًا للرغد، انتظارًا للحظة وصول السيد المسيح، رسولا للسلام والمحبة، عليه وعلى أمّه البتول السلام. قبل ألفي عام دخل أورشليم القديمة منتصرًا مُكللاً بأوراق الغار.
 لكن غياب الحب عن بني الإنسان جعلت هذا الرسولَ الكريم، الذي جال يصنع خيرًا، يسير، بعد أيام قليلة، في طريق وعرة من باب الأسباط إلى كنيسة القيامة حاملاً صليبَه الخشبيَّ الهائل، قربانًا لخلاص البشر من الشرور والبغضاء.
بعد أيام قليلة يحلُّ علينا شهرُ رمضان المعظّم. الشهر الطيّب الذي حمل لنا القرآنَ رسالةَ نور ومحبة وعدل إلى العالم، ليتأكد للعالمين أن الحبَّ هو جوهرُ الأديان كافّة وسرُّ أسرار رسائلها للبشر. سيأتي علينا رمضانُ صامتًا، خلوًا من سماته المصرية الجميلة في التقارب والتوادّ بين الأهل والأصدقاء والجيران. لن نرى الزينات الملوّنة يعلّقها الأطفالُ في سماوات الطرقات. لن نرى الفوانيسَ مضاءةً بالشموع تُنثر الثريات المضيئةَ في ليالي مصر الطيبة. لكننا بالحبّ سنعوّض غيابَ الاحتشاد. الحبُّ شمعةُ القلب التي لا تنطفئ ولا يقدرُ عليها فيروس ولا جوائحُ.
غيابُ الحبّ أصلُ كلّ شرور العالم. فهيا نجلسُ في بيوتنا ونضيء شموع الفوانيس ونجدلْ مشغولات السعف لمن نحبّ. دعونا نفحصْ قلوبنا. هل تخفق؟ إذن نحن بخير، ولا خوفٌ علينا. نحن بخير حين نتيقّنُ أن قلوبنا مازالت قادرةً على الحب، رغم ما نمرُّ به من نازلة كونية لم نرَ مثلها من قبل. الحبُّ نعمة هائلة لا يدرك معناها إلا ذوو القلوب الخافقة. أما ذوو البلادة القلبية فليس لهم إلا الشفقة والدعاء لهم بأن يتعلّموا كيف أحبّنا الله ُولم يطلب منّا سوى أن نحبًّه ونحبَّ خلقَه فنعمِّرُ الكونَ بالرغد والسلام. كلَّ عام وجميعُ المصريين بخير في عيد القيامة المجيد، وفي شهر رمضان المعظّم. بالحبِّ والعلم سوف ننتظر على كورونا بإذن الله. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مِنَصَّةُ الأخلاق … في درس كورونا
- السيسي … فارسُ المهامّ الصعبة
- وأكره اللي يقول: آمين.. يا عزيزي الرئيس مبارك
- ركلةٌ في أسنان البشر
- خُطّة العميل كوڤيد 19
- ابتسامةُ چورچ … ليندا صندوقُ اللآلئ
- الزهرةُ البريّة
- كوميديات أمّي … في عيد الأم (1)
- كوميديات أمّي … في عيد الأم (2)
- في الفواجع … شعبُنا على كأس ماء بارد
- عاصفة كورونا السوداء
- كورونا … يذوبُ في الألوان
- الحبُّ في زمن الكورونا… اسألوا أهلَ الذِّكر
- زينب الكفراوي … نَمِرةُ بور سعيد الباسلة
- هالة زايد … وزيرة على خطّ النار
- وأكره اللي يقول: آمين... عزيزي الرئيس مبارك!
- وشاح محمد بن راشد ... لقلب مصر
- صوتُ الرئيس مبارك
- المايسترو مجدي يعقوب … ضابطُ إيقاع القلوب
- جواب اعتقال … سيكولوجية الإرهابيّ: (العقل والأداة)


المزيد.....




- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - صمتُ السَّعف … صمتُ رمضان