أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي حسين يوسف - الشرُّ الكامن فينا














المزيد.....

الشرُّ الكامن فينا


علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)


الحوار المتمدن-العدد: 6541 - 2020 / 4 / 18 - 16:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الشرّ ــ بكل أنواعه ــ يمثلّ واقعا رهيبا , وسلوكيات غير مرغوب فيها البتة , وقد تباينت الأفهام في مصادر الشرّ ومسبباته فليس من السهولة أن نجد اتفاقا بين القوم في تبريره , لكنّ الناسَ لم يألوا جهدا في التفلسف فيه أو ادراجه ضمن سرديات المخيلة ليكون ثيما فكريّة ونصوصا أدبيّة مؤثرة ولوحات فنيّة طازجة كي يأووا إلى ركن من التأويل آمن يرضي خواطرهم ويشبع شراهتهم مثلما حاول لابرويير ذات مرة أن يجد مسوغا لتلك التصرفات حين أكد على أننا يجب لا نحتدّ على الناس حين نرى غلظتهم وكفرانهم واجحافهم وصلفهم وحبّهم لأنفسهم ونسيانهم للآخرين , فهكذا خلقوا وهذه طبيعتهم .
وقد لا يقنع المرء بمثل هذا التبرير فمؤدّاه حتما احتمال السوء دون انتقاده والأحرى أن تكون الذات النقية التي لا تنصاع للباطل ــ وهكذا يفترض أن نكون دائما ــ مرآة تفضح كل أنواع الزيف والقبح ، كما نجد ذلك عند المتنبي الشاعر العربي الذي لم يأل جهدا في انتقاد الصلف والغدر الكامنين في نفوس بعضهم , يقول أبو الطيب :
أذم الى هذا الزمان أهيـــــله
فأعلمهم فدم وأحزمهم وغد
وأكرمهم كلب وأبصرهم عم
وأسهدهم فــــهد وأشجعهم قرد
ونجد أيضا هذه الأبيات المعبرة عن أسى الشاعر ويأسه من الناس لرسوخ الشر في طبيعتهم :
ودهر ناسه ناس صغار وإن كانت لهم جثث ضخام
أرانب غير أنهم ملوك مفتحة عيونهم وهم نيام
وشبه الشيء منجذب إليه وأشبهنا بدنيانا الطغام
إن البؤس في هذه الحياة ماهو إلا حصيلة ممارسات شريرة يقوم بها البعض , ففي الأرض صنوف من البؤس تذهب باللب , بعض الناس يعوزهم القوت , يخشون الشتاء ويرهبون الحياة على حين يأكل بعضهم في مكان آخر بواكر الفاكهة ويتنعمون بخيرات الأرض ما استطاب لهم ... ومع كل هذا الشقاء فإن أولئك المحرومين أكثر إحساسا بالإنسانية من غيرهم , إنه لنوع من العار أن يكون المرء سعيدا بمرآي صنوف البؤس دون الثورة عليه وقد كان أبو العلاء المعري رغم نكبته أكثر حزما منا حين وضع يده على مكمن الداء في لزومياته إذ قال :
مـــــــلّ المقام فكم أعاشر امـــــة أمرت بغير صلاحها أمراؤها
ظلموا الرعية واستجازوا كيدها فعدوا مصالحها وهم أجراؤها
وقد كان دأب أبي العلاء فضح شرور البشر وأكاذيبهم وتسليط الأضواء على خداعهم بمختلف طبقاتهم , فقال في ذم المنافقين :
تــــــــستروا بأمور في ديانتهم وإنما دينهم دين الزناديق
تكذب العقل في تصديق كاذبهم والعقل أولى بإكرام وتصديق
والطريف من أمر أبي العلاء أنه يرى أن هذه الحياة نفاق كلها وما من أحد إلا وهو يمارس هذه اللعبة واعيا بذلك أم غير واع , يقول المعري عن نفسه :
أهوى الحياة وحسبي من معايبها إني أعيش بتمويه وتدليس
فاكتم حديثك لايشعر به أحد من رهط جبريل أو من رهط إبليس
ولهذا فان أبا العلاء يرى أن الخير قليل في هذه الدنيا وإن الغلبة للشر فيقول في هذا المعنى :
نعم ثم جزء من ألوف كثيرة من الخير والأجزاء بعد شرور
يقول الدكتور طه حسين معلقا : ((لذلك كره أبو العلاء الوجود وآثر العدم وتمنى للوليد ألا يولد وللحي أن يفنى ))
وتجسيدا لهذه الرؤية يقول أبو العلاء أيضا :
فليت وليدا مات ساعة وضعه ولم يرتضع من أمه النفساء
وقد أوصى أن يكتب على قبره البيت الآتي :
هذا جناه أبي عليّ وما جنيت على أحد
إن الإحساس بعدائية الآخر متجذر في النفس البشرية بوصفه شعورا وقائيا وعملا احترازيا لحماية الذات من شرور الآخرين لكنه مع قيمته الاحترازية تلك يظل إحساسا مؤلما , لذلك يضعنا الشاعر طرفة بين العبد أمام هذه الصورة الباعثة على التساؤل فيقول :
فمالي أراني وابن عمي مالكا متى أدن منه ينأ عنـــي ويــــبعد
يلوم وما أدري علام يلومني كما لامني في الحي قرط بن معبد
وأيأسني من كل خير طلبــــته كأنا وضعناه إلى رمس ملحــــــد
أما قيس بن الخطيم فيعبر عن غربته بهذه الأبيات :
وما بعض الإقامة في ديار يكـــون بها الفتـــى إلا عــناء
وبعـــض خلائق الأقوام داء كداء الكشح ليس له شفاء
يحب المرء أن يلقي مناه ويأبي الله إلا ما يشــــــاء
فالأبيات المتقدمة تصور لنا ضربا من ضروب الشر وهو ما أطلق عليه ليبنتز بالشر الخلقي , يقول الدكتور زكريا إبراهيم : إننا لا نستطيع أن نوطن أنفسنا على قبول الشر أو الرضا عنه أو السكوت عليه , لأننا نشعر في قرارة نفوسنا بأن السعادة حق مشروع لنا وأن الشقاء ظلم لا يصح لنا الرضوخ له ومن هنا فإن الشر موجود طفيلي يقحم نفسه في صميم حياتنا لكي يفسد علينا تلقائيتنا الفطرية وانطلاقنا الطبيعي اللا شعوري ........
ملاحظة : هذا جزء من مقال للكاتب منشور سابقا .



#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)       Ali_Huseein_Yousif#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف بين الشعور بالمسؤولية والتحديات
- أنا وكتبي
- العدالةُ هي الحلّ
- شاعريّةُ الأمل عند مريم حميد , ملاحظات أوليّة ونصوص
- الوجود ووحدة الوجود , أفكار أولية
- فلسفة افلاطون ومؤلفاته وأفكاره الأساسية
- المستوى الصوتي في شعر الحكمة عند الشاعر محمد علي هادي الشمري
- رواية قصر الثعلب لابراهيم سبتي وأرشفة الوجع العراقي
- الماركسية , تاريخها , أقسامها , مباحثها
- كورونا , صراعٌ مع الإنسان وتوظيفٌ سياسي للأزمة
- الفلسفةُ , أسسها , مباحثها , أقسامها
- المعنى من التطابق إلى التشتت
- كيفية كتابة بحث في العلوم الانسانية
- التداولية , ملمح تعريفي
- نحو تداولية الخطاب المعاصر أو ترويض الخطابات
- مقتل الحسين كما صورته كتب التاريخ والتراجم
- الرثاء في الشعر العربي , التمثلات والبواعث
- الواقعُ نصَّاً سرديّاً , قراءة في مجموعة (رغبات بعيدة المنال ...
- موجِّهات السرد في رواية (السقشخي) لعلي لفته سعيد
- ما سكت عنه السرد , قراءة في رواية (وحي الغرق) لساطع اليزن


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي حسين يوسف - الشرُّ الكامن فينا