أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حكيمة لعلا - يوميات الحجر (13) وجها لوجه














المزيد.....

يوميات الحجر (13) وجها لوجه


حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)


الحوار المتمدن-العدد: 6540 - 2020 / 4 / 17 - 22:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


صديقتي وفاء:
قررت أن أكتب لك رسالة عزاء، فهل هذا سيعوض اللقاء المعلوم في هذا اليوم الحزين؟ هل سيعوض الرحيل إليك والحضور إلى دار العزاء؟هل سيعوض ذاك اللقاء الحميمي بيننا نحن النساء ؟ هل سيعوض عناقنا الذي نحاول من خلاله إشعار الأخرى أننا هنا لمواساتها، لأننا نعرف قوة الفاجعة والفراق؟ هل سيعوض كل تلك الأسئلة التي نطرحها لترك الحديث يسري، لنستمع لتلك الجريحة في شبه خشوع، لا نقطع لها كلاما ولا حديثا وكلما انهارت نطلب لها الصبر، نحتضنها بأجسادنا لنمدها بجزء من قوتنا؟ وكأننا في جلسة علاج نفسي، تحكي لنا التفاصيل في أدقها كما عاشتها، كما أحستها، كما كتبت في كيانها ، تلك التفاصيل التي سموها البعض بالثرثرة النسائية التي لا تفيد والتي أصبحت تهريجا حتى عند ما يسمى عندنا بحرفي الفكاهة، لأنهم غائبون، يهربون من المعاناة ويفرون من الألم، لا يعرفون له تدبيرا وإن كان المريض أحد أبويهم، فالذين يجهلونه هو أن النساء أكثر حديثا لأنهن أكثر حضورا في المآسي.
صديقتي هل الهاتف كفيل بنقل كل هاته الأشياء ؟ لا أعتقد، هل صفحات التواصل قادرة على خلق الحميمية التي تخلق دفئا في الكيان والوجود؟ لا أعتقد ، فالعزاء عندنا يشبه لحن الخلود الحزين، فنحن في حاجة لترانيم الدعوات للتماهي مع المكلوم، فكيف لك صديقتي أن تعيشي فقدان امرأة أنت جزء منها؟ فكيف لنا أن نواسيك ونجفف دموعك في هاته الفاجعة ونحن في حجر صحي إجباري؟ سؤال طرحته على نفسي عند سماع الخبر، كان من المفروض والمعتاد أن أجيئك للمواساة، كان من المفروض أن أرتدي ملابسي على عجلة وأغادر المنزل بسرعة ، أحاول قدر الإمكان أن أتمهل في السباق في زحمة الدار البيضاء، لكن لا شيء من هذا تحقق، عند سماع الخبر غمرني حزن عميق وشعرت بالعجز، علمت أنني سأخلف الوعد والموعد ولن أكون حاضرة، لن يستطيع أحد الحضور. فاجأني سؤال رهيب هل هي لوحدها؟ شعرت بحزن أكثر فأنا أعرف تلك العلاقة مع أمك ووقع صدمة الفراق. أتذكر يوم جئت لأخباري أنك ستتوقفين عن الدراسة وقلت لي: (أمي جد مريضة لن أستطيع الاستمرار في الدراسة ، علي المكوث معها)، لأول مرة غابت عنك الضحكة ولأول مرة غمرت الدموع عينيك . كان الأمر محسوما بالنسبة إليك ، أمك هي أولى أولوياتك، حاولت التخفيف عنك وتشجيعك، وطلبت منك الاستمرار في الدراسة وإن استعصى عليك الأمر، فأنا أحترم قرارك ،ولكن الحزن ازداد يوما بعد يوم ، كنا على اتصال دائم، أحسست آنذاك أنك دخلت في حرب مع الوقت ، مع الزمن، كنت تحاربين فكرة الفراق، تتشبثين بخيط الأمل ، لم تنهاري ، كنت قوية في مواجهة القدر، ربما لم تفكري يوما أنها سترحل بهذه السرعة، أنها ستغادرك للأبد، ربما الشيء الوحيد الذي لم نتهيأ له هو اليتم، نحن نعيشه فقط. وفي خضم المقاومة، انفجرت دموعك مرات ومرات وكأنك بدأت تدركين ما يعلن المستقبل، اتخذت الحب سلاحا ضد الحزن، وانخرطت في سيل من الواجبات، كان لديك دائما سؤال: ( هل ما أعمله سيطيب خاطرها؟ كنت تبكين في صمت وتجففين دموعك في صمت، كنت دائما شامخة ، عزيزة النفس كما كانت تحب أن تراك).
مر هذا الشريط بسرعة مذهلة واستدركت الأمر وخضعت للواقع، وتمتمت أقسى ما يمكن فعله في حق صديقتك هي أن تتصلي هاتفيا بها، لم أفكر في الكلام الذي علي قوله ولا جمل المواساة التي اعتدنا قولها، كان همي أن أسمع صوتك وجاء باكيا كطفل اجتثت جذوره، وكأنك كنت تنظرين إلى مكالمتي، ونحن اللتان سافرنا ردحا من الزمن في معاناتك مع مرض أمك، أو كما تسميها بالميمة، وقلت لي بصوت يعلن الحداد (إنني لوحدي، راه أنا لوحدي، ماتت لميمة، ماتت زينب سراج الأندلسي)، هل تدرين أنني لم أكن أعرف اسم أمك، عندما رددتيها وكأنك تعلنين هول الفاجعة ، أن من رحلت لها اسم وصفة ، إنها امرأة ذات جذور عريقة، إنها ليست فقط أمك، إنها تلك السيدة التي أحبها الناس وقدروها. أضفت: (لم تستطع أخواتي الحضور، لم يسمح لهن). فأعدت السؤال لأعرف أن إخوانك متواجدون خارج المنزل لأنه طلب منهم ذلك، أخبرتيني أن السلطات حضرت وأغلقت الحي ومنعت الزوار ووضعت حارسا على باب المنزل، أخبرتيني أنك قمت بتغسيل أمك وتكفينها وتهييئها للرحيل الأبدي بمساعدة امرأة أحضروها. أعرف أنك قوية ، ولكن أعرف أن هذا الفعل منهك، كان عليك أن تصمدي إلى ما لا نهاية ، حتى في لحظة الوداع الأخير. همك الوحيد هو هل وفيت الجميل لهاته السيدة الطيبة. كثيرا ما كنت تتحدثين عن المرأة التي هي أمك بحنان جميل، كان حنوك عليها هما يوميا لحمايتها من آفات الآخرين، ولقد وفيت صديقتي .
تركتك لأشغالك في هذا اليوم الكئيب وعدت لمكالمتك في نهاية النهار ، علمت أن إخوانك ذهبوا لدفنها ، وأنه لم يسمح لأحد الحضور إلى البيت، أنك بعد رحيل موكب الدفن تساءلت هل يغلق باب العزاء ، قررت إغلاقه وأنت ترددين لن يأت أحد وأغلقت الباب، بعد صمت تابعت وكأنك لاتخاطبينني: (لقد رحلت في صمت)، أحسست بثقل الصمت في الفقدان، فالموت تعلن عندنا بالجهر، وحتما فكرت أنها لا تستحق الرحيل في هدذا الصمت ، حتما نحن لا نتحدث عن خصال الشخص إلا في عزائه، إنها طريقتنا لإعلان حبنا للمفقود.
صديقتي إن الأمر مفجع في هاته الجائحة ، فنحن أصبحنا كأيتام حياتنا، طقوسنا، إلا أن تدبير الحياة وإلغاء الأشياء لا يلغي الولادة والموت، فهما حاضران خارج قانون الإنسان. إلا أن السؤال يبقى عالقا في أنفسنا وأكيد أنت أيضا تساءلت كيف نكرم الموت خارج طقوسنا؟ ولأنك لا تريدين الاستسلام للصمت ولأنك لا تريدينها أن ترحل في صمت ، فقد قررت أن تقومي بالممكن في دار عزاء، وإن طردت الجائحة زوارها وهم حتما كثر، فقد أشعلت البخور واستعملت اليوتوب لقراءة القرآن، حتى يعلم الجميع أن زينب سراج الأندلسي رحلت عنا هذا النهار. صديقتي لن يخيم عن رحيلها الصمت فهي في قلوب من عشقتها وستظل تعشقها ، فلترقد في سلام ولك مني كل المواساة.
لك كل محبتي.



#حكيمة_لعلا (هاشتاغ)       Hakima__Laala#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات الحجر (12) وجها لوجه- الجزء 3
- يوميات الحجر (12) وجها لوجه- الجزء 2
- يوميات الحجر (12) وجها لوجه- الجزء 1
- يوميات الحجر الصحي (11) وجها لوجه
- يوميات الحجر (10) وجها لوجه
- يوميات الحجر (9) وجها لوجه
- يوميات الحجر (8) وجها لوجه
- يوميات الحجر (7) وجها لوجه
- يوميات الحجر (5- 6) وجها لوجه
- يوميات الحجر (4) وجها لوجه
- يوميات الحجر (3) وجها لوجه
- يوميات الحجر (2) وجها لوجه
- يوميات الحجر (1) وجها لوجه
- -أنا- و -أنا-  في محك القرار


المزيد.....




- في ظل الحرب.. النفايات مصدر طاقة لطهي الطعام بغزة
- احتجاجات طلابية بجامعة أسترالية ضد حرب غزة وحماس تتهم واشنطن ...
- -تعدد المهام-.. مهارة ضرورية أم مجرد خدعة ضارة؟
- لماذا يسعى اللوبي الإسرائيلي لإسقاط رئيس الشرطة البريطانية؟ ...
- بايدن بعد توقيع مساعدات أوكرانيا وإسرائيل: القرار يحفظ أمن أ ...
- حراك طلابي أميركي دعما لغزة.. ما تداعياته؟ ولماذا يثير قلق ن ...
- المتحدث العسكري باسم أنصار الله: نفذنا عملية هجومية بالمسيرا ...
- برسالة لنتنياهو.. حماس تنشر مقطعا مصورا لرهينة في غزة
- عملية رفح.. -كتائب حماس- رهان إسرائيل في المعركة
- بطريقة سرية.. أميركا منحت أوكرانيا صواريخ بعيدة المدى


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حكيمة لعلا - يوميات الحجر (13) وجها لوجه