أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - اوروبا: -رجل العالم المريض-!















المزيد.....

اوروبا: -رجل العالم المريض-!


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 6540 - 2020 / 4 / 17 - 10:54
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    




تقوم اليوم روسيا بتقديم المساعدة الانسانية لايطاليا التي اصيبت بشكل مأساوي بوباء كورونا. وقبلها كانت الصين، كوبا، مصر وغيرها قد ابدت الاستعداد ايضا لمساعدة ايطاليا.
وفي الوقت الراهن تمثل اوروبا اكبر مشكلة في العالم القديم بسبب عجز غالبية الحكومات الاوروبية عن ان تقيّم بشكل صحيح وفي الوقت المناسب خطر وباء كورونا، وهو ما حول القارة الى بؤرة عالمية للعدوى.
ان مأساة وباء كورونا تسجل نهاية حقبة 500 سنة من الهيمنة العالمية لاوروبا، بوصفها معيار التطور الاجتماعي في الوعي العام للناس. وان توصيف "رجل العالم المريض" لا يمكن ان يكون نموذجا يحتذي به احد.
لقد سبق لاوروبا ان فرضت نفسها كمعيار قياسي للتقدم الحضاري بفضل تفوقها العسكري. واولوية الاوروبيين امام الاخرين كانت مرتبطة بالدرجة الاولى بتفوقهم في التكنولوجيا الحربية. وهذا ما أمّن لهم، منذ القرن الساددس عشر وما بعد، الاولوية في جميع الحقول الاخرى.
لقد سبق لبريطانيا العظمى وغيرها من دول اوروبا الغربية ان استخدمت القرصنة ضد السفن التجارية في البحار المفتوحة كوسيلة هامة من وسائل تحقيق التراكم الاوّلي للرأسمال الذي قام عليه النظام الرأسمالي العالمي (حيث كانت السفينة الحربية البريطانية حينما تتأكد من بعيد ان السفينة القادمة قبالتها هي تجارية، تنزل العلم البريطاني وترفع مكانه علم القرصان، وبعد ان تقوم بالقرصنة على السفينة الضحية تعود فترفع العلم البريطاني وتأخذ "بالبحث عن سفينة القرصان!"). ولكن الآلية الرئيسية للتراكم الاوّلي للرأسمال كانت تتمثل في النظام الاستعماري (الكولونيالي). وطفرة الوفرة المادية التي عرفتها اوروبا الغربية في القرون الماضية انما تعود للاستعمار والتوسع والاستيلاء على الموارد من البلدان والشعوب الاخرى، في اسيا وافريقيا واميركا ما قبل الكولومبية، اي البلدان التي لم تكن تمتلك الاسلحة الحديثة المتطورة التي كانت تمتلكها اوروبا. وبفعل الاستعمار انقسم العالم الى قسمين:
الاول ـ المتروبولات (البلدان ـ الام او الرئيسية) التي مثلتها اوروبا الغربية التي ارتبطت بها قيادة العالم.
والثاني ـ الاطراف، اي البلدان المستعمَرة وشبه المستعمَرة والتابعة، التي شملت غالبية بلدان العالم (باستثناء روسيا التي غزاها نابوليون في 1812 بجيش تعداده 680 الف جندي ووصل الى موسكو التي احتلها، ولكن بعد ان احرقها اهلها وانسحبوا منها حتى لا يجد فيها الغزاة ما يقتاتون به. واضطر نابوليون للانسحاب من روسيا بعد ستة اشهر ومعه 27000 جندي وضابط فقط. اما بقية الـ 680 الفا فسقطوا جميعا اسرى وقتلى على الارض الروسية بفعل المقاومة الشعبية الروسية الشرسة ضد الغزاة).
وتكمن الكولونيالية في اساس انتصار الرأسمالية في اوروبا الغربية، وفشل التوجه والثورة الاشتراكيين فيها (فشل ثورات 1848 وثورة كومونة باريس في 1871، وفشل الثورة "السوفياتية" الالمانية بقيادة روزا لوكسمبورغ وكارل ليبنخت في 1919).
و"بفضل" الاستعمار الكولونيالي ونهب خيرات شعوب العالم تمتع الاوروبيون لعدة قرون بالازدهار المادي. وتجدر الاشارة الى ان اوروبا الغربية حولت ايضا اوروبا الشرقية (الارثوذوكسية والسلافية) الى تابع لتزويد اوروبا الغربية بالخامات والمواد الاولية. والسبب الرئيسي لاخضاع بلدان اوروبا الشرقية لهذا الوضع التابع هو ايضا عدم امتلاكها للاسحلة الحديثة والمتطورة. وبذلك شاركت بلدان اوروبا الشرقية في بناء النظام الرأسمالي العالمي كبلدان تابعة ومتخلفة، التي يجري الاستيلاء على مواردها. ومثال على ذلك ما قامت به في حينه الدولة (الكاثوليكية) البولونية ـ الليتوانية المتحدة التي كانت تستغل بلا رحمة الفلاحين الاقنان في اوكرانيا وبيلاروسيا، من اجل تزويد باريس بالحنطة.
وهذا النظام الرأسمالي الكولونيالي كان يتم اعادة انتاجه باستمرار حتى الازمنة الاخيرة حيث اتخذ شكل "الاتحاد الاوروبي". وبهذا الصدد يقول عالم السياسة الاسباني جوزب كولومير: "بعد ان فقدت البلدان الاوروبية القوية مستعمراتها ما وراء البحار، قامت ببناء امبراطورية كولونيالية داخلية، مبنية على التعاون الاقتصادي والعسكري".
ان وجود "المعيار" الاوروبي للتطور الاجتماعي طوال القرون الخمسة الماضية صار ممكنا بنتيجة امتلاك اوروبا لقاعدة موارد خارجية بفعل نهب المستعمرات. وبفضل هذه القاعدة كان من الممكن وجود القيَم الاوروبية والنموذج الاوروبي للدمقراطية.
وفي العقود الاخيرة بدأت تتضاءل الموارد الخارجية الموروثة من العهد الكولونيالي، مما ادى الى بداية تآكل جاذبية اوروبا للاخرين. كما انتهى التفوق العسكري الاوروبي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. واصبحت اوروبا تستظل بالمظلة النووية لاميركا التي مع ذلك لم تكن تمتلك التفوق في الاسلحة الستراتيجية. ولكن الولايات االمتحدة الاميركية تمكنت من الاحتفاظ بدورها القيادي في الاقتصاد العالمي، اولا لانها خرجت سالمة من الحرب لبعدها الجغرافي، وثانيا، بفضل الوضع المميز للدولار الورقي في النظام المالي العالمي. اما اوروبا التي خرجت من مدمرة من الحرب العالمية الثانية، الا انها كانت لا تزال تتمتع بالثروات التي تجمعت لديها خلال الـ500 سنة الماضية من "العصر الاوروبي" الكولونيالي.
واذا كانت اوروبا اليوم لا تزال تتمتع ببعض الاولوية، فهذا يعود الى ما يسمى "القوة الناعمة"، المتمثلة في الجاذبية الخارجية لطريقة الحياة الاوروبية، التي يميل الاخرون الى تقليدها واعادة انتاجها. وبالرغم من ان اوروبا قد "شاخت"، وصارت تسمى "القارة العجوز"، ولم تعد تشارك في السياسة العالمية كما في السابق، وليست في وضع يسمح لها بالدفاع عن نفسها بدون الاميركيين، الا ان شوارعها لا تزال نظيفة، وسلعها هي نوعية. كما يبدو الاتحاد الاوروبي وكأنه شبه دولة تعتني بمواطنيها، وتوجد فيها الدمقراطية، وحقوق الانسان هي مصانة. ولا يزال هذا النموذج له تأثيره خصوصا لدى الدول الصغيرة في العالم.
ولكن وباء كورونا وضع اكليلا على قبر "القوة الناعمة" لاوروبا. اذ في نظر كافة بلدان العالم تحولت اوروبا الى رمز للفشل، والكارثة، واللامسؤولية واللامبالاة. والنتيجة هي عشرات الوف الوفيات بسبب وباء كورونا، وانهيار الاقتصاد، وانهيار المثال المشرق لاوروبا كنموذج للتطور التاريخي.
وطوال العشرين سنة الاولى من القرن الواحد والعشرين كانت اوروبا مسرحا لشتى الازمات والمشكلات. وجاءت كارثة وباء كورونا لتتوّج تلك الازمات.
لقد ولى الزمن الذي كانت فيه اوروبا مثالا جذابا لبقية العالم، ولم تعد كما كانت "قمة التقدم الاجتماعي والتطور التاريخي" وتحولت الى "الرجل المريض" على الكرة الارضية، الذي ينبغي احاطته بالرعاية والمساعدة، من قبل روسيا والصين وكوبا ومصر وايران وغيرها من الدول "المنبوذة" والمستعمرات السابقة لاوروبا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسار حرب النفط بين اميركا وروسيا
- هل تدشن ايطاليا بداية النهاية لوجود الاتحاد الاوروبي؟
- صندوق النقد الدولي وفيروس ترامب
- خطر العدوان على الابواب والخاصرة الرخوة للمقاومة في لبنان
- انهيار اسعار النفط والبورصات وانقلاب السحر على الساحر
- لبنان بيضة القبان وتركيا ستخسر معركة النفط والغاز
- النزاع التركي اليوناني والنفط والغاز في شرقي المتوسط
- فينزويلا شوكة في حلق الامبريالية الاميركية
- البحر الاسود والبلقان في المواجهة الستراتيحية بين الناتو ورو ...
- سقوط النظام العالمي -الليبيرالي- لاميركا
- تغييرات مهمة في تركيبة النظام السياسي الروسي
- ترامب يقود اميركا من هزيمة الى هزيمة
- تدهور العلاقات بين اميركا والاتحاد الاوروبي
- رغم العقوبات الاميركية الغاز الروسي يشق طريقه الى اوروبا
- ميلاد السيد المسيح وبعض ما رافقه من احداث كبرى
- حلف الناتو يحشرج قبل الموت
- كوريا الشمالية تستأنف تسلحها واميركا تبتز كوريا الجنوبية
- سقوط المشاعية البدائية بتدمير قرطاجة، وظهور المسيحية
- ضرورة تأسيس الجبهة الشعبية اللبنانية للانقاذ الوطني
- -ربيع الأميركان- في لبنان


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - اوروبا: -رجل العالم المريض-!