أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد عيسى شدود - فِطرةُ الشرّ عند الإنسان وجهادُ نفسِه لأجل الخير














المزيد.....

فِطرةُ الشرّ عند الإنسان وجهادُ نفسِه لأجل الخير


وليد عيسى شدود

الحوار المتمدن-العدد: 6540 - 2020 / 4 / 17 - 00:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عندما نغوص في مكامن النفس البشرية نكتشف أننا نسبح في بحر لا قرار له ولا نلامس فيه كل النهايات.
وعندما نركز في سلوكيات الجنس البشري تُثار لدينا العديد من التساؤلات عن أصل وجذور هذا السلوك, وخلال مسيرة الكشف عن صفات الكائن البشري طالعتنا الكثير من الآراء حول فطرته الأولى.
لقد كانت قضية الخير والشر وفطرةُ الإنسان على أيٍ منهما هي, مثار جدل بين علماء النفس وسجالات, كالتي حدثت بين جان جاك روسو الذي رأى أن الإنسان لطيف وخفيف طالما أنه بعيد عن النظام الطبقي الذي يفرضه المجتمع, وبين توماس هوبز الذي وصف الإنسان بأنه بشعٌ وهمجي, ولايمكنه التعايش بسلام مع بني جنسه إلا في وجود قوانين وضوابط مجتمعية لتلجم جماح غرائزه وشهواته.
وقد قال سيغموند فرويد أن الإنسان يولد كالصفحة البيضاء فلا هو خير ولا هو شر, ورأى أرسطو أن الإنسان يكتسب الأخلاق والفضيلة بالتعلم فهو يولد بلا أخلاق.
وقد قال الشاعر اللبناني جبران خليل جبران في مطلع قصيدته "المواكب":
الخير في الناس مصنوعٌ إذا جُبِروا والشرُّ في الناس لايفنى وإن قُبروا
ليؤكد أن الأصل في الإنسان هو الشر, ولايقوم الإنسان بالخير إلا إذا ابتغى من ورائه مصلحة.
ورأى ابو حيان التوحيدي أن الانسان مزيج من الخير والشر, لكن الواقع يؤكد على أن الغلبة تعود للشر غالباً, إذ يضطر الإنسان لتهدئة هذا الشر, لكنه قلما يفلح في ذلك, فيتضح حينئذ مدى الشر الذي يسكن هذا الكائن.
ولمّا كان التسامح والعفو عملاً خيِّراً هنا حَقَّ سؤالي, هل الإنسان مجبول عليهما أم لا ؟
ولأُجيب عن تساؤلي هذا قسَّمتُ تاريخ البشرية إلى ثلاث حقبٍ, ليسهل عليَّ البحث عن إجابتي.

فالحقبة الأولى كانت عند بدايات البشرية حيث أن علم الآثار " الأركيولوجيا" أثبت أنه كان هناك أنواع من الإنسان غيْرَ إنساننا هذا الذي يسمى "Homo sapiens" الإنسان العاقل, وكان "Homo neanderthalensis" الإنسان البدائي, و "Homo habilis" الإنسان الماهر أو الحاذق, والعديد من أنواع الإنسان التي لا مجال لذكرها هنا والتي كان آخرها اكتشافاً الهومو ناليدي.
وتشير هذه الأبحاث أن هذه الأنواع عاشت في نفس الفترة الزمنية ونفس الحقبة, مع بعضها وكان لكل منها جماعات وقطعان ومستعمرات, حيث كان أكثر هذه الأنواع تطوراً والأكثر ذكاءً هو إنسان اليوم هذا وهو الإنسان العاقل.
كان الإنسان العاقل هذا يقوم بالإغارة على أبناء نوعه فيسلبهم مستعمراتهم وممتلكاتهم, حتى أنه كان يتزاوج مع اناثهم, وهذا مايثبته علم الوراثة أو علم الجينات " Genetics ", من خلال وجود جينات هذه الأنواع عند الإنسان العاقل في يومنا هذا, فعلى سبيل المثال شعوب شمال وشرقي البحر الأبيض المتوسط تحمل جينات الهومو نياندرتال والإنسان العاقل.
لم يكن الإنسان العاقل رحيماً ولا متسامحاً مع أبناء نوعه ابداً, وقد يعتبر الإنسان العاقل, إنسان اليوم هذا أحد أهم أسباب انقراض بقية الأنواع الأخرى من الإنسان, وهنا يطرأ سؤال ملحّ, ألم تكن الطبيعة تتسع للجميع في ذلك الوقت؟ فماذا كان مبرر سلوكياته تلك لو كان متسامحاً ؟.
اما الحقبة الثانية فكانت حقبة الاديان والتي إذا نظرنا إليها كلها منذ نشأتها إلى اليوم, الأرضية منها والسماوية, كلها مجتمعة تحض على التسامح والحب والمغفرة, فالكتب الدينية تعجُّ نصوصها بعباراة التسامح, ألم يأت في سفر يوشع بن سيراخ 18:11 " فلذلك أكثر من العفو ", وايضاً في (انجيل لوقا 6:29) "من ضربك على خدك فاعرض له الآخر أيضاً, ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك ايضاً", وجاء في القرآن في سورة المائدة الآية 32 " مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ".
لقد اكتفيت هنا بهذه الأمثلة من الديانات السماوية الثلاثة, وهذا غيض من فيض النصوص الدينية التي تدعو الإنسان إلى التسامح وحضِّه على العفو والمغفرة.
لو كان الإنسان بهذه الفطرة من الخير والعفو والتسامح لما جاءت الأديان لتحثّه على ما هو مفطور عليه, فمثلاً إذا كنتُ أنا أتبرعُ كلّ يومٍ للفقراء والمساكين, فليس هناك أي معنىً لنصيحتك لي بالتصدق للفقراء, فإذاً جاءت الأديان لتؤكد أنه على الإنسان أن يجاهد ضد الشر الذي في داخله, وقد سمّيَ جهادُ النفس بالجهادِ الأكبر, لما فيه من مشقّة على الإنسان لفعل الخير وهذا مايؤكدُ ماقاله أبو حيان التوحيدي.
وأخيراً الحقبة الثالثة وهي حقبة التاريخ ووكانت بدايته عند اكتشاف الكتابة, فلو نظرنا إلى ما وصلَنا من التاريخ المكتوب للإنسان والأمم نلاحظ أنه تاريخ يعجُّ بالحروب والقتل وسفك الدم والاستيلاء والسطوة, صراع دائم من سومر إلى أكاد إلى بابل إلى آشور إلى اليونان إلى الرومان إلى الحربين العالميتين إلى يومنا هذا, كل هذا التاريخ لايعطي انطباعاً يدلُّ على فطرة التسامح عند الإنسان, ويدل على تأصّل الشر في ذاته.
وفيما تقدم تكون إجابتي على سؤالي الأول, وأن كل مانراه ومانسمع عنه من ومضات تكاد لا تذكر من قصص الخير والتسامح لدى الإنسان عبر التاريخ ماهي إلا جهاداً مريراً خاضته هذه الأنفس أمام كمية الشر المتأصلة عند الإنسان, لذلك أوافق كل من جبران وابو حيان وارسطو على رأيهم في أنّ الإنسان لم يُفطر على الخير ولا على التسامح ولا العفو والمغفرة.

(شدّود في ابريل 2020)



#وليد_عيسى_شدود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبثية الوجود لاتؤدي الى الله ولا ترفضه


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد عيسى شدود - فِطرةُ الشرّ عند الإنسان وجهادُ نفسِه لأجل الخير