أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود السلمان - صراع الدين والعلم 2 / 2















المزيد.....

صراع الدين والعلم 2 / 2


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 6539 - 2020 / 4 / 16 - 17:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مصالح جُل الدينيين والساسة مصالح مشتركة، وغاياتهم مستوية، واهدافهم واحدة، لكن ليس كل رجال الدين على هذا المنوال، فمنهم المتشدد في دينه والمتعصب له، فذاك قد يجرّم ويحكم بالإعدام لصاحب كل نظرية يرى فيها تهديد لبناء الدين، وإنْ كانت، النظريات هذه، علمية لا يتسرب اليها الشك، أذا كان الامر بيده، فالذي فعلوه بـ (برونو) ليس ببعيد، فقد عاقبوه حرقاً بالنار حتى الموت، لأن الذي قاله برونو هو مناقض لما موجود في الكتاب المقدس.
ويواصل هيكل بحثه في هذا الاتجاه حتى يصل الى قوله: "ولم تنج دولة من الدول ولم ينج عصر من العصور من هذا الصراع الطائفي. وهو طائفي محتوم؛ لأن رجل الدين ليس في الواقع رجل دين باختياره، ورجل العلم ليس في الواقع رجل علم باختياره، بل كل واحد منهم له هذه الصفة بالنشأة التي نشأها والبيئة التي تربى فيها وبالطائفة التي يسرته الحياة ليكون أحد أفرادها؛ فهو في خصومته غير مختار بأكثر مما يختار الجندي المدافع عن وطنه، هذا الجندي يتحمس ويستميت لا لأن له في ذلك مصلحة ذاتية، ولكنه يعلم أو يشعر شعورًا لا سبيل فيه لريب أو شك أن هزيمة بلاده تخضعه لألوان من الذل يقاسيها بالاشتراك مع أهل بلاده جميعًا، كذلك رجل الطائفة يسير وطائفته جنبًا لجنب لمثل هذا السبب. والذي يخرج على طائفته متأثرًا بعقيدة خاصة أو رأي شخصي مثله مثل الذين لا ينخرطون في سلك الجندية، ولو اعتبروا فارين وأعدموا لاعتقادهم بأن الحرب إثم وحشي لا يجوز لإنسان أن يقدم على اقترافه ولو تحمل في سبيل ذلك ما تحمل من النتائج".
ويتجاوز هيكل هنا تجاوز واضح للعلماء خصوصًا عند قوله" ورجل العلم ليس في الواقع رجل علم باختياره، وانا في عقدي الستين لم اسمع برجل علم يسيء، وهو جاء بدون اختياره، وهو لو كان مثل هذا العالم، فمن الظلم أن نقول عنه بأنه عالم. كل رجال الدين خدموا الانسانية، والذين انتجوا نظريات وابحت فيما بعد خاطئة أو مغلوطة، فهي التي توصلت اليها عقولهم آنذاك، لا بهدف الاساءة، وكلنا يعلم هناك مئات النظريات التي اسُتبدلت بأخرى وفنُدت غيرها مئات اخرى، وهكذا دواليك هي النظريات العلمية، لكن النظريات الدينية جامدة، وباقية في محلها لم تجد من يحركها الا القليل، والقليل هذا، أن وجد فمصيره معلوم".
المؤسسات الدينية تعتقد إنِّ النظريات التي يأتي بها العلماء، وتؤيدها التجارب والواقع الراهن، هي بلا شك تهديد علني لنسف تلك المؤسسات، لأن النظريات تلك، تضرب بالصميم. لهذا نلاحظ إنِّ معظم الحروب التي وقعت على الارض هي حروب دينية، ولنا مثال صارخ هي حرب الثلاثين، كمثال، تلك الحرب التي خلفت الآلاف من الضحايا الابرياء، وغيرها من الحروب الكثيرة، وجُلها بأسباب دينية مبنية على نصوص ونظريات جاء من نفس الدين، وحتى الحروب التي وقعت بين المسلمين هي أيضًا لا تخلو من طابع ديني، مذهبي، لكن لا توجد حروب طاحنة وقعت بين العلماء، باستثناء حروبهم الكلامية، فالعالم يقتنع بما يأتي به العالم، أو يفنده بنظرية علمية أخرى تستند الى العقل والمنطق والتجربة، لكن ارباب الدين لا تقنعهم نظريات ولا منطق أرسو. وكان ابن تيمية قد هجم هجومًا عنيفًا على منطق ارسطو، وشن حربًا شعواء، لا تقل خطورة عن الحرب التي اجج سعيرها الغزالي على الفلاسفة، ووصفهم بالزنادقة، رغم كون الغزالي معدود من الفلاسفة.
"ولم يكن فوز طائفة رجال الدين بالحكم، ولا كان فوز طائفة رجال العلم راجعًا إلى الدين لذاته أو إلى العلم لذاته، بل كان راجعًا أبدًا إلى اعتقاد المجموع بصلاح واحدة من الطائفتين دون الأخرى لولاية شئون الدولة. واعتقاد المجموع بالصلاح لولاية شئون الدولة يرجع إلى اعتبارات عملية لا دخل للدين ولا للعلم فيها، وإنما الدخل لقوام الخلق وحسن البصر بالأمور وبعد النظر ودقة معرفة حاجات الدولة في الفترة التي يحكم المجموع فيها، سواء ما تعلق من هذه الحاجات بحكم الدولة في شئونها الداخلية وما تعلق بصلاتها بسواها من الدول".
نعم، وامّا بشأن رجال الدين فاتفق مع هيكل في طرحه هذا، حينما يصفهم بأنهم طلاب سلطة، غايتهم الاستئثار بالحكم، وها بعضهم قد نال مأربه، لكن العلماء والفلاسفة ليسوا بطلاب السلطة، العلماء كرسوا حياتهم للبحث العلمي وللاختراع والابداع، ولإيجاد النظريات العلمية والطبية والهندسية، وحتى السياسية كما فعل ميكافيلي صاحب كتاب الامر. فالإنجازات العلمية التي نعيش اليوم تحت ظلها، كلها بفضل هؤلاء العلماء الذين سهروا الليالي ولاقوا النصب والمعاناة، في سبيل الوصول الى نظريات طبية أو علمية أو ابداعية أخرى، وهذا مما لاشك فيه.
الى أن يطرح هيكل كلامًا سليمًا، (ولا أريد القول أن كل كلامه ليس بسليم) أعني قوله: " لقد قضت العصور الحديثة منذ قرون ثلاثة في أوروبا أن يتغلب رجال العلم على رجال الدين شيئًا فشيئًا، حتى كان ما كان من فصل الكنيسة عن الحكومة في فرنسا في العهد الأخير الذي سبق الحرب الكبرى. وإنما تغلبت طائفة رجال العلم أن نشأ المخترعون والاقتصاديون. وهؤلاء وأولئك جعلوا الناس أكثر حرصًا على حياة أكثر رفهًا ونعمة. وقد تقدمت الاختراعات على يد رجال العلم إلى حد أيقن الناس معه أن رجال الدين - على حاجة الناس إليهم لهدايتهم في سبيل الله - أقل صلاحًا للحكم وتنظيم شئون الدنيا من رجال العلم. وامتد هذا الاعتقاد وساد أوروبا كلها وانتقل مع الغزاة والمستعمرين الأوروبيين إلى أمم الشرق، وهو اليوم قد تغلغل في هذه الأمم حتى أصبح من البدهيات المسلم بها عند الناس جميعًا، أن خير ما يجب أن يتحلى به رجل الدين الورع والزهد في الدنيا وزخرفها، والتقرب إلى الله للعبادة والانقطاع له بدرس الدين من غير تعرض لشئون الدولة ولا لنظام الحكم فيها".
نعم، أن الثورة الفرنسية جاءت على أسس علمية، وقامت على مبادئ انسانية، بفضل روسو وفولتير وبتأييد من ايمانويل كانت، وبغيرهم من المفكرين العظماء والمتنورين، الذين احترقوا بنار رجال الدين، من قسوة تلك النصوص الدينية الجامدة، والتي تريد من الانسان أن يكون بلا عقل ويسير فارغ اللب امام هيبة تلك النصوص المسلطة عليه، ولا اقول جميع النصوص، بل النصوص الاخلاقية لا يمكن الاستغناء عنا، لكن رجال الدين لا يعملون بها الا القليل. فابتعاد رجل الدين عن السياسة هو الحل الناجع، وهو حكم العلمانية، فرجل الدين يروم طريق الله، وهو المفروض والصحيح، ورجل السياسة هدفه السلطة والحكم والوصول الى اعلى هرم في الدولة، وهو ليس بالضرورة طريق الله، لأن السياسة فيها الكذب والتدليس، واما طريق الله فهو واضح.
بعدها يقرّ هيكل بأن العلم قديم، وهنا لا نريد أن نقول أن هيكل لم يكن يؤمن بالعلم، لكنه يفضل عليه الدين، والصحيح أن الدين هو يعني عقد صفقة رابحة مع الله، وليس للآخرين التدخل في هذه الصفقة، بينما نحن نرى كما يرى ايمانويل كانت، أو كما قال اينشتاين، حينما سُئل بأي إله تؤمن، فقال لهم أومن بإله سبينوزا. " ولا ريب في أن العلم قديم؛ لأن أبسط المعارف هي أولى درجات العلم، فمنذ رأى الإنسان الأول مشرق الشمس ومغربها، ومنذ رأى المغرب والمشرق يتكرران كل يوم فعرف أن هذا بعض نواميس الوجود وإن لم يدرك سره، ومنذ رأى النجوم ولاحظ ثبات بعضها في اتجاه معين فاتخذ منه هاديًا في مسراه — من ذلك الحين كانت هذه المعارف الأولى؛ وما تزال؛ نواة العلم. وعلى توالي الأجيال تكاثرت وتداولت هذه المعارف التي تقع تحت الحس، والتي استنبط الإنسان منها نظام حياته بين الموجودات الكثيرة المختلفة التي تقع تحت حسه وملاحظته. وبتكاثرها وتداولها استطاع الإنسان التقريب بينها ومقارنتها واستنباط قوانين الوجود وسننه منها، واستطاع أن يستفيد بعلمه هذه القوانين والسنن ما يزيده سلطانًا على الوجود وتحكمًا فيه واستمتاعًا به".
صحيح أن العلم كان في بدايته بسيطًا، كالوليد الحديث لا تهتدي الطريق، ولا يستطيع تلبية حاجاته الخاصة، لكنه حينما كبر وترعرع واشتد ساعده، وبات يعي، صار يعتمد على نفسه في قضاء كل ما يريد من متطلبات الحياة. كذلك العلم بدأ غضًا طريًا حتى اشتد بفضل تدرج العلم وبفضل النظريات العلمية التي طرحها العلماء الاوائل ثم من جاء بعدهم، وهكذا الى يومنا هذا، فالنظريات العلمية قائمة على قدم وساق، ولن تتوقف في يوم من الايام، بل تزداد اكثر فأكثر مما كانت هي عليه في ساعاتها الاولى "ولما كانت الإنسانية بحاجة مع ذلك إلى الاستفادة من علمها المحدود ومعارفها القليلة، فقد كانت معارف الحس بعض ما انصب عليه الإيمان الملهم وسلكه في نظامه. وبهذا التطابق سارت الإنسانية قرونًا طويلة يحس المجموع فيها السكينة إلى العيش والطمأنينة إلى الحياة وإلى الموت وإلى ما بعدهما".
"في هذه القرون الطويلة أسلمت الإنسانية قيادها إلى أولئك الدعاة الصالحين الذين هدوها سبل الخير، وكان العلماء بعض طوائف هذه الإنسانية السعيدة. وقد أسلموا هم الآخرين القياد إلى الهداة؛ لأن علمهم كان أقصر من أن يقدم للإنسانية غذاءً ماديًّا كافيًا أو غذاءً قلبيًّا كافيًا أو غذاء روحيًّا كافيًا، لكنه كان مع ذلك نواة العلم الوضعي أو العلم الواقعي الذي أنتج اليوم من الثمرات أغزرها مادة واقواها سلطانًا.
إن الاولى بالإنسان الحر، والكاتب المستقل، والمفكر الفذ أن لا يجامل، ولا يداهن، ولا يتجاوز الحقيقة، لأن الحقيقة هي كالنور الساطع، وما بعد النور الا الظلام الدامس، والجهل المطبق الذي يخيم على الابصار فيحجب ذلك البصر عن رؤيا الحقيقة. وكلام هيكل هذا الاخير نشم منه رائحة المجاملة، أو الخوف من السلطة الدينية على ما يبدو، لأن حديثه هذا ينم عن خوف من الذين استأثروا بالسلطة والذين تحدث عنهم هيكل في بداية حديثه هذا.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع الدين والعلم 1/ 2
- أنهم يحرقون سرڤيتوس!
- مفهوم(البغاء) عند نوال السعداوي1/2
- مفهوم(البغاء) عند نوال السعداوي1/1
- بحث في الدين (2)
- مبحث في الدين (1)
- ماهي قيمة الانسان اذا لم يسمو بطابع وجوده؟
- ابن الفلاح الذي صار الاب الثاني للفلسفة المثالية الحديثة
- من هو الاسكافي الاعجوبة الذي اصبح من عظماء الانسانية
- مزقت شراعه رياح الشك حتى أرسى على شاطئ الايمان*
- مفهوم السعادة لدى الخيام *
- عمر الخيام متصوفاً(1)
- عمر الخيام متصوفاً(2)
- هل يصح الجمع بين الدين والعلم باسكال فعل ذلك!؟
- الانتحار فلسفة أم يأس من الحياة؟
- متظاهر.. مسرحية قصيرة من فصلين
- مصير قطيطة!
- ثورة التوك توك(1)
- رئيس القرية والعارف الفاهم
- الموسيقى الحزينة: والله يا زمن


المزيد.....




- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود السلمان - صراع الدين والعلم 2 / 2