أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود السلمان - صراع الدين والعلم 1/ 2















المزيد.....

صراع الدين والعلم 1/ 2


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 6539 - 2020 / 4 / 16 - 10:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يؤكد محمد حسين هيكل، في كتابه (الايمان والمعرفة الفلسفية- فصل الدين والعلم) أن ثمة خصومة بين رجال الدين ورجال العلم، ومتلاصقة منذ زمن، وفي الوقت نفسه هي ليست معيارها الدين، وهذه الخصومة كانت "قديمة؛ لأنها خصومة على الاستئثار بالسلطة وبنظام الحكم، وأما الدين والعلم فلم تكن بينهما خصومة؛ لأن الدين يقرر المثل الأعلى لقواعد الإيمان التي يجب أن يأخذ الناس بها في حياتهم، والعلم يقرر الواقع في حياة الوجود ويترسم تطور الحياة في سبيل سيرها نحو ما يظنه الكمال، والواجب شيء والواقع شيء آخر، والكمال الذي يدعو الدين إليه كمال مقرر القواعد والأركان لا يمكن أن يتغير أو أن يتبدل، والكمال الذي يظن العلم أن الإنسانية تسير نحوه كمال ظني لا يستطيع العلم رسم قواعده؛ لأن العلم يعترف بأن الإنسانية، وهي بعض قليل من الوجود، خاضعة في تطورها لعوامل معروفة وأخرى ثابتة ولكنها ما تزال غير معروفة".
ويبرر هيكل أن هذه الخصومة هي من اجل السلطة، والسعي والوصول الى سدة الحكم، ولا توجد خصومة حقيقة، واضحة المعالم، بشأن الدين والعلم، والسبب هو لطلب المنفعة وبهدف تسنم مناصب عليا في الدولة، فالتشبث بالدين يأتي من باب الذريعة "فإذا سمعت يومًا أن بين الدين والعلم خلافًا أو خصومة فاقطع بادئ الرأي بأن الخلاف والخصومة ليستا بين الدين والعلم، ولكنهما بين رجال الدين ورجال العلم، وأن أساسهما ليس في شيء من الدين لذاته ولا من العلم لذاته، ولكنه في سعي كل من هاتين الطائفتين سعيًا أنانيًّا صرفًا ليكون بيدها الحكم والسلطان دون الأخرى".
وهذا الكلام ليس بدقيق، فالعلماء لم يكونوا في يوم من الايام انانيين، لأنهم افنوا اعمارهم من أجل العلم وخدمة الناس، وما هذا الذي نعيشه اليوم، من تطور في العلوم الانسانية والتكنولوجيا والعمران والحضارة، والتقدم الهائل الذي يشهده العالم الآن، ما هو إلاّ بفضل الجهود التي يبذلها العلماء العاملين، فلولا العلماء لبقيت المجتمعات الى الآن تعيش التخلف، والهمجية والبهيمية التي عاشتها تلك المجتمعات في العصور المظلمة. وأما الرجال الدين فهم من يحول بين العلم والعلماء، لأن الكتب المقدسة لا تنسجم بطبيعتها مع جُل ما جاء به العلم، من تقدم وتجارب وتغيير جذري في الحياة المعاشة اليوم، وهذا التغيير معظمه مناوئ لتعاليم تلك الكتب، فيثار حنق رجال الدين، وهم، بدورهم لم يقدوا أي شيء يذكر للبشرية.
رجال الدين تائهين في افلاك نصوصهم اللاهوتية. من تخلص منها نجا، ومن تمسك بها ضاح في لجة الطريق.
وهيكل يعتبر الخلاف الناشب بين رجال الدين ورجال العلم هو خلاف ليس بذات الخلاف، أنما هو خلاف لمنفعة فحسب، وهذا ليس بصحيح:" وكيف يكون خلاف بين الدين لذاته والعلم لذاته ومن بين رجال الدين علماء في العلم آخذون بأساليبه من غير أن يطعن ذلك في دينهم أو يغير من عقيدتهم، ومن بين رجال العلم من عمرت بالإيمان نفوسهم، وأخذوا في حياتهم بما يدعو الدين إليه من قواعد الكمال. وكيف يكون خلاف بين الدين لذاته والعلم لذاته ومن رجال الدين من إذا خلوت إليه أو خلا إلى نفسه رأيت الشك يملأ جوانب فؤاده فيعذبه أو يدفعه إلى السخر والاستهزاء من غير أن يخرجه ذلك من زمرة رجال الدين، ومن رجال العلم من يشك في طرائق العلم وأساليبه أكبر الشك، ويدعو لذلك إلى الأخذ بأساليب أخرى قد تكون إلى أساليب الدين أقرب".
وهنا، نذكّر هيكل بكوبرنيكوس، صاحب اعظم نظرية في تاريخ المعرفة العلمية والانسانية، إلاّ وهي نظريته التي خالف بها بطليموس ومن قبله ارسطو، ومن لف لفهما، وحتى النصوص الدينية، فالنظرية القديمة كانت ترى أن الارض هي مركز الكون، وأن الشمس تدور حول الارض، وكوبرنيكوس اثبت العكس، وهذه النظرية مخالفة واضحة لما جاءت به الكتب المقدسة، حتى كان هذا العالم الكبير لم يجرؤ على نشرها إلاّ وهو على فراش الموت، خوفا على حياته، وعلى منزلته بين العلماء فضلا عن عامة الناس، ونظريته هذه، هي الآن قائمة ولم يفندها أحد. كذلك ما جاء به من بعده مثل كبلر وجاليلو ونيوتن، وعشرات غيرهم، وكلهم جاؤوا بنظريات تخالف مخالفة واضحة لتعاليم الدين، وقد يكون آخرهم دارون صاحب اكبر نظرية قالت بتطور الانسان، واليوم هذه النظرية تُدرّس في العديد من الجامعات العالمية.
ثم يأت لنا هيكل بنماذج من الفلاسفة والمفكرين الذين خالفوا الدين بنظرياتهم حتى رموا بالزندقة، ويتهم رجال الكنيسة بذلك الاتهام، ويرى أن الدين كان بمنأى عن ذلك: "ألم يكن رينان الكاتب الفرنسي الكبير من رجال الدين، ثم بلغ من خروجه على متعارف قواعد الدين أن رُمي بالإلحاد وأن أضافه أهل طائفته إلى رجال العلم ليحاربوه بالوسائل التي يحاربون بها رجال العلم، وبرجسون الفيلسوف الفرنسي الكبير يدعو إلى عدم التقيد بأساليب العلم الواقعي المقررة أن كان يراها أضيق من أن تتسع لكل الحقائق، وإلى الأخذ بوحي الإلهام فيما لم يصل العلم إلى الكشف عن حقيقته. ووحي الإلهام أقرب إلى الأساليب الدينية، بل هو قاعدة المذاهب الميتافيزيقية التي أنكرها العلم أشد الإنكار".
نقول: ثمة كثير من الفلاسفة والعلماء كانوا يتحاشون الخوض في قضايا عويصة، من نظريات وحقائق علمية، يعلمون أن الخوض فيها يعرضهم للمخاطر والمهالك، وما كانت تهمة الالحاد ببعيدة عنهم وهي تهمة جاهزة، فكثير من النظريات العلمية هي قطعا تخالف تعاليم الدين، فالدين مبني على نصوص جاهزة كتُبت قبل مئات السنين، حيث أكل عليها الدهر وشرب، بينما العلم يسير على الحس والتجربة والبحث الدقيق المستمر في سبيل الوصول الى نتائج علمية ناهضة.العلماء جاؤوا بنظريات باهرة، الم يأت ديفيد هيوم ولوك ولابنتز وسبينوزا وغيرهم بما يخالف الدين حتى لاقوا ما لاقوه، من سجن ونفي واقصاء؟، ما لا يخفى عن الجاهل قبل العالم.
ويستمر هيكل ببحثه هذا، حول موقف رجال الدين من العلماء ليقول: "ويزيدك دلالة على ما تقدم وعلى أن الخلاف ليس بين الدين والعلم، بل هو بين رجال الدين ورجال العلم وأنه خلاف على السلطة ونظام الحكم قبل أن يكون خلافًا على شيء آخر، ما كان من الخلاف بين طوائف رجال الدين أنفسهم حين انقسامهم إلى مذاهب مختلفة. فقد بدأ الخلاف بين أهل هذه المذاهب على أنه خلاف في المبادئ لذاتها، ثم سرعان ما انقلب خلافًا غايته السلطة والحكم، وكلمة هنري الرابع: «باريس تساوي قداسًا»- يقصد أن امتلاك باريس يستحق انتقاله من البروتستاتنية إلى الكثلكة - تدل على معنى كبير. وكل الفرق بين هنري الرابع وغيره أن هنري الرابع كان صريحًا وأن كثيرين يذهبون مذهبه لو أنهم وجدوا ما يساوي ذهابهم هذا المذهب. فإذا لم يجدوه ورأوا في التعصب لرأيهم ما يساوي باريس تعصبوا لهذا الرأي أيما تعصب".
وهيكل، هنا، كأنه لا يفرق بين السياسة من المستأثرين بالسلطة، الرامين الى التسلط والحكم فتزيوا بزي الدين، وما اكثرهم، وكلنا نعلم أن معظم الساسة - مسيحيون واسلاميون- لا يهمهم الدين بقدر ما تهمهم مصالحهم الشخصية ووصولهم الى مركز القرار، وهذا هو هدفهم، وصحيح أن رجال الدين كانوا من يحمي الحكم والسلاطين والملوك، ويعتذر عنهم اذا ما اساءوا أو اخطأوا، لأن ثمة مصالح مشتركة تجمعهم، فرجل السياسة يتغاضى احيانا إن حصلت ثمة إساءة للدين، بشرط أنْ لا تتعرض لمصلحته السياسية، أو تهز عرشه السلطوي، لكن رجل الدين لا يداهن ويكون متشددا في احيان كثيرة، وهذا ليس مدحًا لهم.
ثم يعود هيكل ويكرر ما قاله آنفا، كأنه لم يقتنع بالذي قاله سابقا حتى يكرر مرة أخرى، فيقول إنّ:" الخصومة بين رجال الدين ورجال العلم إذن هي خصومة أساسها بعيد عن الدين والعلم جميعًا، وقاعدتها حرص كل طائفة على الاستئثار بالسلطة ونظام الحكم. وكلما تغلبت طائفة من الطائفتين على الأخرى قام منها رجال السياسة وأولياء الأمر في الدولة. ألم يكن ريشليو كبير وزراء فرنسا كاردينالا من أكابر الكرادلة. لكن مجده على التاريخ ليس مجدًا دينيًّا بل هو مجد سياسي؛ لأن رجال الدين كانت لهم الغلبة على رجال العلم في عصره، فآلت إليهم شئون الدولة وقام أذكياؤهم وذوو الدراية والدربة في الشئون العامة منهم بالتقدم إلى مصاف الحكم. لكن هؤلاء كانوا يتبادلون المعاونة مع أهل طائفتهم من رجال الدين. فكانوا يعينونهم على الحياة ومرافقها وييسرون لهم أسباب العيش فيها بما في يدهم من سلطان يسمح لهم بالتحكم في خزانة الدولة. وكانوا يستعينون بما لأهل طائفتهم من رجال الدين من سلطان على المجموع وحكم على عقائده وعلى أعماله".



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنهم يحرقون سرڤيتوس!
- مفهوم(البغاء) عند نوال السعداوي1/2
- مفهوم(البغاء) عند نوال السعداوي1/1
- بحث في الدين (2)
- مبحث في الدين (1)
- ماهي قيمة الانسان اذا لم يسمو بطابع وجوده؟
- ابن الفلاح الذي صار الاب الثاني للفلسفة المثالية الحديثة
- من هو الاسكافي الاعجوبة الذي اصبح من عظماء الانسانية
- مزقت شراعه رياح الشك حتى أرسى على شاطئ الايمان*
- مفهوم السعادة لدى الخيام *
- عمر الخيام متصوفاً(1)
- عمر الخيام متصوفاً(2)
- هل يصح الجمع بين الدين والعلم باسكال فعل ذلك!؟
- الانتحار فلسفة أم يأس من الحياة؟
- متظاهر.. مسرحية قصيرة من فصلين
- مصير قطيطة!
- ثورة التوك توك(1)
- رئيس القرية والعارف الفاهم
- الموسيقى الحزينة: والله يا زمن
- من خرافات صاحب كتاب (حياة الحيوان الكبرى)(3)


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود السلمان - صراع الدين والعلم 1/ 2