أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - مصطفى الدروبي - الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية















المزيد.....


الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية


مصطفى الدروبي

الحوار المتمدن-العدد: 6539 - 2020 / 4 / 16 - 10:47
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


إن مخطط البحث الذي سأتطرق لموضوعه يتجلى بالآتي :

*هل عقد الاتفاقات والتحالفات بين الماركسيين وقوى سياسية مختلفة هو بدعة ماركسية ؟
* ما هو مفهوم التحالف لدى كل من كارل ماركس ولينين ؟
*هل كان تحالف الماركسيين مع القوى الأخرى ظرفياً أم ستراتيجياً؟
* بعض تحالفات الأحزاب الشيوعية والعمالية المنخرطة في الأممية الثالثة مع أحزاب أخرى بعد انتصار البلاشفة عام 1917 كـ"الجبهات الشعبية" :
بعض الدول الأوربية..( الحزب الشيوعي الفرنسي) نموذجاً.-1
2- بعض الدول العربية..(الحزب الشيوعي العراقي – الحزب الشيوعي السوري) نموذجاً.



إن التحالفات التي كان يعقدها الشيوعيون على الدوام كانت ضرورة ملحة لتشكيل أوسع إئتلاف طبقي وسياسي ضد الأعداء المشتركين للقوى المتحالفة ..فماركس وإنجلز خصّصا في “بيان الحزب الشيوعيّ” فقرات عديدة لمسألة التحالف بين الشيوعيّين وبقيّة أحزاب المعارضة مثل أحزاب البورجوازية في ألمانيا وقالا : "…يعمل الشيوعيّون على الاتّحاد والتفاهم بين الأحزاب الديمقراطية في جميع الأقطار". كما دافع ماركس في معرض حديثه عن ثورة 1848 في فرنسا عن تحالف العمّال والمزارعين والبورجوازيّة الصغرى تحت قيادة البروليتاريا وأكّد أنّ العمّال ليس بمقدورهم تحقيق أيّة خطوة إلى الأمام دون هذا التحالف.
ومن هنا نجد أن هذين الثوريين الكبيرين لفتا انتباه القوى الثورية منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى أهمية عقد التحالفات مع القوى الأخرى على أساس التوافق السياسي القائم على التقاء المصالح الطبقية.
بل ذهب لينين فيما بعد إلى التأكيد على أهمية هذه المسألة معتبراً أن التحالفات الظرفية التّي تُعقَد حتّى مع العناصر غير الثابتة ضروريّة لوجود أيّ حزب واستمرارية نضاله من أجل الأهداف الستراتيجية المرسومة...بل تجاوز الشيوعيون التحالفات الصغيرة نحو التحالفات الأوسع وعلى المستوى الأممي من أجل التصدي للفاشية الصاعدة في بداية العقد المنصرم ولتغوّل قوى رأس المال والحروب ونهب مقدرات الشعوب وتخليصها من سطوة القوى الكولونيالية والتي لولاها لما حققت هذه الشعوب استقلالها السياسي.
لقد حققت الأممية الشيوعية لاحقاً الكثير من الانتصارات الهامة من خلال استنادها لشعار الجبهات الشعبية ضد الفاشية الصاعدة في أوربا بل جاء تحالف الاتحاد السوفيتي مع خصوم طبقيين رئيسيين (بريطانيا وفرنسا والولايات المتّحدة الأمريكيّة ) بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية للتصدي للعدو المشترك والمتمثل بدول المحور ( ألمانيا واليابان وإيطاليا).

حين أفاد الشيوعيون الفرنسيون من التجربة الألمانية المريرة:

تلطخ اسم الاشتراكية الديمقراطية الألمانية بالعار ( جماعة الأممية الثانية) حين وقفت ضد التحالف مع الحزب الشيوعي الألماني منذ أن تسنم مقاليد السلطة بعد سقوط النظام الإمبراطوري عام 1918 وارتكب المجازر بحق الحركات الاحتجاجية والعمالية والتي قامت بُعيد الحرب العالمية الأولى وبقتل المناضلة روزا لوكسمبورغ و"كارل ليب نخت" أبرز قادة الحزب الشيوعي الالماني.. وحين دعاهم هذا الحزب للنضال المشترك بوجه صعود الحزب النازي رفضوا ظناً منهم أنهم سيكسبون رفق هتلر بهم وان هتلر وصل للحكم بشكل شرعي حسب دعواهم وعلينا الانتظار لما سيفعله لاحقاً!!ورفضوا فيما بعد دعم المرشحين المعادين للنازية في الانتخابات ..بل ذهب أحد قادتهم في جلسة للرايخستاغ بالقَسم بيمين الوفاء لسياسة هتلر العامة ولسياسته الخارجية على وجه الخصوص حيث نعتقد أن هزيمة ألمانية في الحرب العالمية الأولى وما ألحقته اتفاقيات الإذعان اللاحقة من إهانة قومية للألمان جعلت من هؤلاء يراهنون على هتلر وحزبه .وماجري بنفس الوقت لا يعفي الحزب الشيوعي الألماني أيضاً من أخطاء قاتلة قد وقع بها وذلك مثل تردده في التحالف مع الفلاحين والبرجوازية الصغيرة لتذبذب مواقف هاتين الطبقتين من التحولات الجارية في المانية مما مهد الطريق أمام تسنم النظام النازي للحكم والذي جلب لألمانيا والعالم الخراب والدمار والمآسي.

ومن هنا نود أن نتعرّف على كيفية تعامل الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ مع الحدث الألمانيّ وكيف استخلص الدروس والعبر؟
منذ وصول النازيّة إلى الحكم في ألمانيا أدركت الأحزاب الشيوعيّة ومعها كافة الشرائح الديمقراطيّة في أوروبا الحاجة الماسة إلى "سياسة جديدة تعمل على توحيد القوى المناهضة للفاشيّة وعلى قطع الطريق أمام الكارثة" ولذا تغيّرت الأولويات والمهام الماثلة أم أحزاب الأممية الثالثة وتغير شكل التحالف تالياً.

حيث استطاع الشيوعيون الفرنسيون شل تذبذب القوى المترددة بقبولها التحالف معهم ونجح بالدعوى لأوسع تحالف مع الحزب الراديكالي الفرنسي (ممثل المزارعين الفرنسيين والبرجوازية الصغيرة الحضرية) والمثقفين من كافة الشرائح الطبقية والديمقراطية وكذلك العمال من قواعد الحزب الاشتراكي والذي رفضت قيادتهم بداءة فكرة التحالف إلا أنها انصاعت أخيراً لأن العمال الاشتراكيين تحالفوا مع إخوانهم العمال الشيوعيين بعد أنّ وجّه الحزب الشيوعيّ إلى الحزب الاشتراكيّ ستّا وعشرين دعوة من أجل وحدة العمل قبل أن يتمّ الإمضاء على ميثاق العمل الموحّد في 27 تموز 1934 وقبل أن يقتنع “ليون بلوم” زعيم الحزب الاشتراكيّ" باستحالة مواصلة التهرّب من تكوين الجبهة الموحّدة.
لقد أشار ديميتروف إلى دور الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ ونجاحه الهام والمثمر بسياسة التحالفات بقوله: “تمثّل فرنسا البلد الذي تضرب فيه الطبقة العاملة المثل للبروليتاريا العالميّة بأسرها في أسلوب مقاومة الفاشيّة. ويعطي الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ كافّةَ فروع الأمميّة الشيوعيّة المثلَ في أسلوب تطبيق الجبهة الموحّدة. كما يعطي العمّال الاشتراكيّون المثلَ في ما يجب على العمّال "الاشتراكيّين الديمقراطيّين" في البلدان الأخرى القيامُ به في النضال ضدّ الفاشيّة
وفي هذا السياق أقرّ مؤتمر الشيوعية المنعقد عام الـ 1935 "بأنّه يمكن للشيوعيين القيام بحملة انتخابيّة على أساس أرضيّة مشتركة وقوائم موحّدة للجبهة المناهضة للفاشيّة شريطة الاحتفاظ بحريّة الدعاية السياسيّة وحريّة النقد".
وكذلك طلب المؤتمر السابع للأمميّة الشيوعيّة من الشيوعيّين "أن يبيّنوا أنّ الطبقة العاملة هي المدافع الحقيقي عن الحريّة القوميّة واستقلال الشعب انطلاقا من نضالها ضدّ الاستعباد وضدّ كلّ اضطهاد قومي ووطني. وفي نفس السياق دعا المؤتمر الشيوعيين إلى مجابهة الفاشيين في ما يعمدون إليه من تزوير للتاريخ ونبّه إلى خطورة السلوك المتمثّل في ازدراء مسألة الاستقلال الوطني والمشاعر القوميّة لدى الجماهير الشعبيّة. وذكّر بأنّ الشيوعيين معنيّون بمصائر بلدانهم ولا يمكن أن يكونوا من أنصار العدميّة القوميّة كما انّهم ليسوا من المدافعين عن القوميّة البورجوازيّة الضيّقة".

يقول خميس العرفاوي الأستاذ المحاضر في التاريخ المعاصر بجامعة تونس عن التجربة الفرنسية في التحالفات:
(لم يكن على الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ في بداية الثلاثينات من القرن الماضي أن يختار بين الفاشيّة وجمهوريّة السوفياتات بل بين الفاشيّة والديمقراطيّة. فكانت الجبهة الموحّدة والجبهة الشعبيّة، اللتان بادر بتأسيسهما بمعية المثقّفين التقدميّين والجناحين اليساريّين في الحزب الاشتراكيّ والحزب الراديكالي الردّ المناسب على التحدّي الذي أطلقته الفاشيّة ضدّ الجمهوريّة. وسائل لتطوير مبادرتها السياسيّة وللتأثير الفعليّ في سير الأحداث. كما أنّها مكّنت الحزب الشيوعي الفرنسي من التحوّل إلى قوّة ماسكة بمصير الطبقة العاملة والأمّة بأسرها بوصفه عنصرا أساسيّا في الحياة السياسيّة بالبلاد. ومثّلت من ناحية أخرى منعرجا تاريخيّا على نطاق عالميّ وبداية مرحلة جديدة في تاريخ الحركة العمّاليّة.
وقد تحقّقت في ظلّ حكومة الجبهة الشعبيّة مكاسب اجتماعيّة هامّة. حيث أقرّت اتفاقيّات “ماتينيون” زيادات هامّة في الأجور والرواتب واعترفت بالحقّ النقابيّ في المؤسّسات وسنّت العقود المشتركة. وأصدرت الحكومة قانونا يمنح العمّال راحة خالصة بخمسة عشر يوما ويضبط أسبوع العمل بأربعين ساعة. كما أنّها أقرّت إصلاحات هيكليّة للنهوض بالاقتصاد الوطنيّ ودمقرطة المؤسّسات الماليّة الدوليّة.
ورغم أنّ حكومة الجبهة الشعبيّة لم تلب مطالب شعوب المستعمرات الفرنسية في الاستقلال إلاّ بالنسبة إلى الشعب السوري، فإنّها انتهجت تجاهها سياسة انفراج تمثّلت أساسا في وضع حدّ لسياسة القمع واحترام حريّة العمل السياسيّ والنقابيّ وحرّيّة الصحافة، ومتّعت عمّالها وموظَّفيها بالمكاسب الاجتماعيّة الجديدة).
وهكذا فإنّ الجبهة الشعبيّة استطاعت انقاذ فرنسا من خطر الفاشيّة واستجابت رغم قصر عمرها للمطالب الملحّة للشرائح الشعبيّة ولشعوب المستعمرات وكانت في مستوى الوعود التّي قطعتها على نفسها.
نخلص إلى القول إنّ تجربة الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ ليست جديرة بالدراسة وحسب من قبل أنصار الديمقراطيّة بل إنّها مثال يحتذى في مواجهة القضايا المصيريّة المطروحة حاليّا في البلدان التي يهدّدها الاستبداد والسطوة وتصاعد التيارات الشعبوية في أوربا وأمريكا اليوم والتي تعمل على بعث الفاشية من جديد.

الشيوعيون العراقيون والتحالفات
انطلاقاً من مقولة أن الاتفاق السياسي يمثل التجسيد الواقعي لالتقاء المصالح الطبقية وبناءً على رسالة أمين عام الحزب الشهيد "يوسف سلمان يوسف" "فهد" والتي وجهها من محبسه وهو في سجن الكوت عام 1948 إلى قيادة الحزب في بغداد مؤكداً على ايجاد التحالفات الميدانية وموصياً بضرورة الاتصال بالأحزاب السياسية الوطنية وتقديم المقترحات لها حول سير الأحداث وتوجيه الجماهير والاستفادة من" علنيتها، وخصوصا فيما يتعلق بالحزبين الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال وان تلك السياسة لم تكن تعبيراً عن ارادات ذاتية بل هي سياسة تفرضها الظروف الموضوعية " (كانت تلك المرحلة مرحلة تحرر وطني حيث التناقض الرئيس فيها هو التناقض مع النظام الرجعي وحليفته الامبريالية البريطانية آنذاك). وهذا ما كان يتطلب الحشد لأكبر تجمع وطني وأوسع تحالف طبقي. حيث كانت الخارطة الطبقية في العراق يوم ذاك تتمثل بـ :
تردي أوضاع الفلاحين حيث بسبب الاستغلال الاقطاعي البشع وكذلك معاناة العمال بسبب قلة الأجور والخدمات والحرمان من أبسط الحقوق الديمقراطية والنقابية أما البرجوازية الوطنية فكانت مخنوقة من قبل الكومبرادور المرتبطة مصالحه بالخارج..وأما أهل الحِرف فكانوا يعانون من مزاحمة المواد المستوردة ومن شحة المواد الأولية ووسائل الانتاج وارتفاع أسعارهما..وأما المثقفون فكان وضعهم بأسوأ حال.
بعد إعدام قادة الحزب فهد والشبيبي وزكي محمد بسيم في اليومين المشؤومين يوميّ 14، 15 شباط 1949 عانى الحزب من هجمة القوى الرجعية الشرسة والمرتبطة بالاستعمار البريطاني واستخباراته لكنه ظل يعمل بحماسة ومثابرة على تعزيز التحالف مع كل القوى التي لها مصلحة في اسقاط الحكم العميل للإنكليز.
يقول أحد مؤرخي الحزب : " وبرغم قساوة تلك الضربات على الحزب لم تلن عريكته وواصل النضال ضد السلطة الرجعية وحليفتها الامبريالية البريطانية ويشهد على ذلك تفجير انتفاضة تشرين 1952 التي انطلقت على ضوء مطالب طلابية بحته لكنها تطورت من خلال السلوك القمعي للنظام وتصديه بالعنف المفرط للتظاهرات وقمعه لشتى اشكال التعبير عن الرأي وقد تحقق في تلك الانتفاضة الباسلة التنسيق في قيادة التظاهرات بين الحزب وباقي اطراف الحركة الوطنية تلك الانتفاضة الباسلة التي اثمرت قبر المشروع الاستعماري مشروع الدفاع عن الشرق الاوسط وهو مازال في المهد" وفي فترة استلام الشهيد سلام عادل مسؤولية الحزب فترة اعادة اللحمة لصفوف الحزب وللحركة الوطنية فتم أولاً انهاء انشقاق راية الشغيلة وأنجز تشكيل جبهة الاتحاد الوطني التي ضمت في حينها حزبنا والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال وحزب البعث وعلى ضوء رفض حزبي البعث والاستقلال لانضمام الاخوة الكرد الى الجبهة جرى التوصل الى تحالف ثنائي بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب البارتي الديمقراطي الكردستاني.
لقد اثمر ذاك التحالف عن انتصار ثورة الرابع عشر من تموز 1958 بإسقاط النظام الملكي وإقامة النظام الجمهوري..إلا أن عقده انفرط للأسف بعد الثورة حيث حزب البعث في جريدته الداخلية المسماة الاشتراكي وهو الذي كان الى جانب التجمع القومي (الناصريين) كان يعدُ العُدة وبالتنسيق مع قيادة الجمهورية العربية المتحدة والـمخابرات المركزية الأمريكية لإسقاط حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم بسبب خشيتهم من ذلك التعاون الذي تحقق في الشارع بين القواعد حتى أن أحدهم كتب في هذه الصحيفة وبصراحة رافضاً لذلك التقارب بين القواعد يقول :( "إن اليد التي تمتد إلى الشيوعيين يجب ان تقطع!! ".

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا لو كانوا قد استجابوا لذلك التقارب وأبدوا استعداداً لإعادة التحالف الذي سبق ثورة تموز الى سابق عهده بدلاً من التفرق والتطاحن والتآمر لإسقاط حكومة الثورة لكان العراق اليوم في مكان آخر تماماً!
تصعب الإحاطة الكاملة في عرض موقف الحزب الشيوعي العراقي من التحالفات خصوصاً بعد استيلاء سلطة البعث (المعادية للشيوعية والديمقراطية) على حكم العراق عبر انقلاب 17 تموز 1968 وذلك بسبب المشهد المعقد والمتشابك على الساحة العراقية لتداخل مصالح القوى الكولونيالية والجموح اللامحدود لشهوة القوى القومية الساعية للسطو على السلطة وبأي ثمن والتي أحيطت بشبهات كثيرة من خلال ازدواجية مواقفها وترددها(حيث سلطة البعث تمثل البرجوازية الصغيرة ذات الطبيعة الازدواجية في معاداتها للاستعمار والإقطاع من جهة، وفي معاداتها للديمقراطية من الجهة الأخرى) وعدم استجابتها لتشكيل حكومة وحدة وطنية عندما طرح الحزب الشيوعي العراقي مشروع ميثاق الجبهة الوطنية على الأحزاب والمنظمات الشعبية والشخصيات الوطنية آملاً تشكيل حكم وطني إئتلافي ديمقراطي يحقق أهداف الحركة الوطنية العراقية في التنمية والعدالة الاجتماعية والقطع مع القوى الاستعمارية الطامعة بثروات العراق.

لقد مرت قضية التحالفات مع البعث بثلاثة مراحل :
1968 ولغاية 1971 1- من:
1971 ولغاية 1975 2- من:
1975 ولغاية 1979 3- من:

في 15 تشرين الثاني 1971 طرح البعث مسودة " ميثاق العمل الوطني ". وبحسب " وثيقة التقييم " اعتبر الحزب الشيوعي العراقي أنها أساسا صالحا للحوار مع البعث من أجل إقامة الجبهة عبر بيان تقييمي أصدره في 27/11/1971مؤكداً على :
أولا: إن مشروع الميثاق من حيث مضامينه واتجاهاته الرئيسية معاد للإمبريالية .
ثانيا: إنه يؤكد على أهمية الاستمرار في توثيق التعاون مع الدول الاشتراكية .
ثالثا: يؤكد على الحل السلمي الديمقراطي للمسألة الكردية، وبأن بيان الحادي عشر من آذار 1970 هو الإطار السليم لضمان الحقوق والتطلعات القومية المشروعة لشعبنا الكردي بما فيها الحكم الذاتي .
رابعا: يرسم المشروع برنامجا تقدميا للتحولات الاقتصادية – الاجتماعية، ويعتبر طريق التطور الرأسمالي طريقا مرفوضا من الناحية المبدئية.
إلا أن الخطوات اللاحقة بينت أن سلطة البعث تراوغ وتتحايل من أجل تفردها المطلق بالسلطة وإن سياستها القائمة على النزعة الفاشية والتعصب القومي والعداء للشيوعية والديمقراطية دليل واضح على تعثر إي تحالف مع هذه السلطة.. وهذا ما أكدته الأيام التالية عندما دخل الحزب الشيوعي العراقي في تحالف معها تحت اسم الجبهة الوطنية التقدمية والتي أعلن عنها في 16 يوليو 1973
ثم جاءت الأحداث اللاحقة لتؤكد أن بعث العراق كما هو بعث سوريا لا يمكن أن يقبل بعقلية التشارك الوطني في قيادة بلداننا وأن الغاية كانت بالأساس هي الاجهاز على الأحزاب الشيوعية من خلال توريطها في تحالف يفتقر لعناصر ديمومته مبينة أن رهاناتها كانت خاطئة وأن تعزيز النظامين في كل من العراق وسوريا مع الاتحاد السوفيتي آنذاك والتشدق بكلمة الاشتراكية والتقدمية ما هو سوى اللعب على العواطف الثورية ودغدغتها مما أدى لتوجيه ضربات قاسية ومهولة للشيوعيين(خاصة للشيوعيين العراقيين) من خلال سياسة العصا والجزرة حيث نعتقد أن القوى الكولونيالية والرجعية العربية لم تكن بعيدة عما جرى.
يقول جاسم الحلوائي القيادي في الحزب الشيوعي العراقي عن قضية التحالف مع البعث في العراق : " وإذا أردنا النظر إلى تلك التجربة بوعينا اليوم، فأعتقد إن الدرس الأساس الذي يمكن استخلاصه من التجربة، في ظل الظروف الجديدة ومن منطلقنا الأيديولوجي والستراتيجي المتجددين، هو: "إن تحالف إي حزب سياسي مع حزب حاكم في نظام لا يقوم على أسس ديمقراطية مؤسساتية، هو خطأ مبدأي يرتكبه الحزب غير الحاكم، لا بسبب عدم توفر تكافؤ الفرص فحسب، بل لتعذر ضمان استقلال الحزب سياسياً وتنظيمياً وفكرياً، وهو مبدأ أساسي في أي تحالف سياسي"



الحزب الشيوعي السوري وسياسة التحالفات
جُلنا يعلم الكثيرعن هذا التحالف الذي فرّط بحزب الشيوعيين السوريين لاحقاً وبهيبته وهم الذين كانوا مثالاً للصمود الأسطوري في سجون عبد الناصر والسرّاج..وأنه من اللافت إلى ما قبل هذا التحالف هو التقارب بين خالد بكداش والجنرال حافظ الأسد الطامع والطامح للسطو على السلطة قبل عام 1970 علماً أن قيادة اليسار الماركسي في البعث كانت عازمة حينها على تشكيل إئتلاف بل اتحاد بين الأحزاب اليسارية السورية وفق التوليفة التي حدثت في اليمن الجنوبي عندما توحّد اليسار اليمني في اطار حزبي واحد (الحزب الاشتراكي اليمني) هذا التقارب بل اللقاء لأكثر من مرة بين بكداش وأسد في منزل الأخير بالمزة (أورده بكداش نفسه بحديثه المطول مع الاعلامي عماد ندّاف والذي صدر بكتاب تحت عنوان "خالد بكداش يتحدث") يثير الكثير من علامات الاستفهام حيث من غير المفهوم موقف السوفييت المعادي للاتجاه اليساري داخل البعث ودعمهم لشخص تثار حوله الشبهات وتتهمه قيادته بالميول اليمينية؟!! .
وإني لأحسب أنهم (أي السوفييت) كانوا لا يريدون أن تتحول دمشق إلى هانوي ثانية مما يدل على ان المكتب السياسي والدولة العميقة بالعهد السوفيتي كانت تخشى من وصول الشيوعيين للسلطة... (بالمناسبة هناك حالة مشابهة تتمثل بدعوة رئيس أركان الجيش السوري حينها (عفيف البزري) لخالد بكداش بوضع اليد على السلطة إن وافق إلا أن بكداش رفض حينها!!.
إن دخول الحزب الشيوعي السوري للجبهة الوطنية حقيقة ما كان سوى فخاً نُصب له و للقوى السياسية السورية كافة من قبل الطاغية حافظ الاسد ليضرب بها أكثر من عصفور بحجر وأهمها احتواء كل هذه القوى واختراقها وإضعافها إلى أبعد الحدود حتى تمكّن هذا النظام من الدوس على هيبة الشيوعيين والإساءة البالغة لإرثهم المجيد.
وحين سئل بكداش ذات يوم عن هذا التحالف قال بما معناه :(لقد أدخلنا عبد الناصر السجون بينما ادخلنا حافظ الأسد الوزارة !!) وكأن جل اهتمام حزب الكادحين والمثقفين السوريين هو الدخول إلى وزارة!!
وهنا لابد من التوقف عند الرهان الخاطئ على أنظمة عسكرية مشبوهة الارتباطات والتحالف معها بناء على توصية من السوفييت أو الانتشاء بشعارتها الكاذبة حول معاداة الإمبريالية والدعوة للاشتراكية والتقدمية والعلمانية! إن غياب الاستقلالية والتبعية العمياء لتوصيات الكومنترن جعل هذه الأحزاب موضع تندّر من البعض بسبب تبعيتها العمياء لموسكو مع عدم توقف قيادة الحزب الشيوعي السوري والذي كان يفتقر للديمقراطية في حياته الحزبية الداخلية عند قضية انحراف القيادة السوفيتية عن المبادئ اللينينة منذ صعود ستالين للسلطة ...بل هو نفسه الحزب وقائده تبنيّا النهج الستاليني ودافعا عنه على طول الخط وبكل ضراوة مما عرّضا الحزب لاحقاً للتصدعات الكبرى فاستغلت الأجهزة الأمنية للنظام السوري هذا الوضع واشتغلت على تعميقه باستمرار مما أدى لمغادرة القواعد المبدئية والمجربة لصفوف الحزب تباعاً وغاب الوجه المستقل لسياساته ليصبح ملكية شخصية لآل بكداش عبر نزعة انتهازية رخيصة ثم تعددت انقسامته ليحتويها النظام لاحقاً باستثناء قيادة رياض الترك ورفاقه والذين قضوا سنوات مديدة في أقبية حافظ الأسد.
لقد أفضى تحالف بكداش -- الأسد إلى الحاق شديد الأذى بحزبه والذي تحول بعد انطلاق الثورة السورية في 2011 إلى كتيبة من الموالين لنظام دمّر سوريا وشرّد أهلها وجلب الاحتلالات كافة للتراب السوري مفرطاً بسيادة سوريا واستقلالها ووضعها في خطر وجودي حقيقي وانتهى الأمر به إلى خيانة الوطن والثورة والشعب.
واليوم وبعد محنتنا السورية المهولة والتي طال عبرها نزف جراحنا كثيراً علينا الإفادة من دروس الماضي وعِبره وأن نضع على رأس أجنداتنا جميعاً كقوى سياسية أسس للتحالفات الحرة المستندة لبناء دولة مدنية ديمقراطية تكرّس التعددية الحزبية والمواطنة الحقيقية وتؤصّلها من خلال دستور عصري يحمي عقائد الناس ويسمح بحرية الممارسة الدينية ويمنع الاستثمار السياسي للأديان تنزيهاً لها وكذلك منع العبث بقيمها الفاضلة من قبل الطامعين بالسلطة أو بالثروة .
واهم من يظن أن ثورتنا السورية قد اندحرت...وليعلم أن سوريا تغيّرت كثيراً وكثيراً جداً بعد انطلاقة ثورتها التي ملأت الآفاق وأن عدم اسقاط النظام عسكرياً(حيث العسكرة اساءت كثيراً للثورة وسمحت للقوى الرجعية باستغلالها..) إلى الآن لا يعني أن النظام ما زال قائماً فهذا النظام لم يعد يملك أية سيادة أو إرادة أو مقام وأضحى أسير الطامعين في سوريا والذين جعلوا منه حجر بيدق هزيل ليس إلا ...إن الثورات قد تكبوا لكنها لا تهزم لأنها من صنع الشعوب.
وأن سوريا الآن بحاجة لأوسع تحالف وطني وعلى اليساري السوري في الداخل والخارج أن يلم شتاته أولاً ويعمل على عقد تحالفات مع كل القوى الوطنية والديمقراطية السوري من أجل ترحيل الاستبداد وكتابة عقد اجتماعي جديد يحفظ حقوق كل السوريين والانتقال بسوريا إلى رحاب الدولة المدنية الديمقراطية وفاءاً لدماء شهداء ثورتها وعذابات معتقليها من الأحرار والحرائر والذين مازالوا يقبعون في سجون نظام الخيانة والبطش والدم

الباحث السوري
فرنسا 16.04.2020



#مصطفى_الدروبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما الذي تبقى من نظام آل الأسد؟
- كنت ناصرياً ذات عهد ...عن 23 تموز- يوليو واشياء أخرى
- رداً على زياد ماجد عن -الإسلاميين والعسكر ومقولة وجهَيّ العم ...


المزيد.....




- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - مصطفى الدروبي - الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية