أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد لحدو - عطب الذات أم عطب المنظومة...؟ قراءة في كتاب الدكتور برهان غليون حول الثورة السورية ومآلاتها الأخيرة.















المزيد.....

عطب الذات أم عطب المنظومة...؟ قراءة في كتاب الدكتور برهان غليون حول الثورة السورية ومآلاتها الأخيرة.


سعيد لحدو

الحوار المتمدن-العدد: 6536 - 2020 / 4 / 13 - 19:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يقول الدكتور برهان غليون في مقدمة كتابه: "نحن لن نغير العالم ولن نغير البيئة الإقليمية مالم ننجح في تغيير أنفسنا، أي منهج تفكيرنا وأساليب عملنا وتنظيمنا وأخلاقياتنا".
من هنا يبدأ البحث عن طرح الأسئلة الصحيحة والضرورية لفهم الذات أولاً، ومن ثم الغوص عميقاً في الواقع لمحاولة القبض على الأجوبة الدقيقة والتي لا بد أن تكشف لنا عورة اللحظة التاريخية التي شاركنا في صنعها. وأول هذه الأسئلة كما طرحها الدكتور برهان غليون باسم السوريين جميعاً هي: هل كانت الثورة ضرورية؟ ليمر بالبداية السلمية ثم بالتسلح والأسلمة والتدويل وينتهي إلى خاتمة أسئلته المهمة بقوله: هل خسارة الحرب تعني الهزيمة السياسية وتنزع عن الثورة شرعيتها؟ وهل انتهت الثورة وحلم التحرر والديمقراطية؟
لا أعتبر ما أكتبه الآن تقييماً أو نقداً لأستاذ جامعي لامع من وزن الدكتور برهان غليون، معروف في الأوساط الثقافية العربية والعالمية، وبين السوريين عامة، كأحد أبرز من تفاعل مع الحالة السورية منذ عقود وتنطح للعمل السياسي عندما طلبت منه الثورة قيادتها بثقة وموضوعية. لكنني أقدم هذه القراءة لكي أبدي رأيي كطرف في المعارضة السورية وعضو مشارك في جلسات تأسيس المجلس الوطني السوري وانتخاب الدكتور برهان بحماسة وثقة كأول رئيس لذلك المجلس، الذي اعتُبِرَ حينها من قبل الثوار والشعب الثائر، كما من قبل المجتمع الدولي ممثلاً للشعب السوري وإرادته الحرة في رسم مستقبله الذي يريد ويطمح إليه، وإنهاء أكثر من نصف قرن من الحكم الفردي والعصبوية البغيضة.
لا أخفي متعتي في مطالعة هذا الكتاب القيم بكل المقاييس والذي يتحدث عن وقائع عشتها وعايشتُ جزءاً مهماً منها مع الكاتب نفسه. حيث قدم تحليلاً موضوعياً ودقيقاً للأحداث والظروف التي مرت بها الثورة السورية، وبخاصة عندما كان في موقع المسؤولية القيادية فيها. ورسم من خلال ذلك التحليل خارطة لمسيرة ونهج ثورة شعبية عظيمة وفريدة بكل ما اتصفت به من صعود ونبل وقيم سامية، كما من إرهاصات وخذلانات وطعنات من الأعداء والأصدقاء على السواء. ولا تنتفي مسؤولية المعارضة السورية بكل أطيافها وتياراتها وقياداتها والأشخاص المتنفذين فيها عن هذا الإخفاق الكبير للثورة، وإن بدرجات متفاوتة بطبيعة الحال.
إن أكثر ما يلفت النظر للقريبين من الأحداث أن الدكتور برهان حاول أن يوزع المسؤولية بنسب متعادلة تقريباً بين العامل الذاتي المتعلق بالسوريين العزل أنفسهم، أي قيادة الثورة والمعارضة، في مواجهة أشرس القوى المتوحشة من النظام وداعميه، مع تأكيدي الشديد على أهمية هذا العامل من جهة، وبين العامل الخارجي من قوى إقليمية ودولية ادعت صداقتها للشعب السوري ولثورته، وهي تمتلك كل أشكال القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية التي تمكنها من حسم الموقف وتوفير دماء مئات الألاف من السوريين، ناهيك عن الملايين الذين هُجِّروا من بيوتهم وبلداتهم ومدنهم، إضافة إلى التدمير الممنهج لكل ما يربط السوريين ببعضهم مادياً ومعنوياً. لكن تلك القوى لم تقدم أي دعم حقيقي للثورة التي بات مصيرها محسوماً منذ بداية السنة الثالثة لقيامها.
لقد قال الدكتور برهان إن التغيير الحقيقي للمصير الذي كنا نطمح إليه يبدأ بتغيير أنفسنا أولاً. وهذا صحيح إلى حدٍ بعيد في الظروف العادية للوضع الدولي، ووفق المنطق السليم للوقائع والأحداث. لكن بالنظر للظروف المعقدة للنظام العالمي وتشابك المصالح المحلية والإقليمية والدولية على مستويات متعددة، في الحالة السورية ونشوء بداية حرب باردة جديدة، واستعداد الأطراف المتصارعة بالواسطة، وعلى الأرض السورية، بصورة تجافي أي منطق، للذهاب إلى أبعد ما يمكن لتحقيق ما تصبو إليه، بغض النظر عما يحمله ذلك من مآسٍ وويلات للشعب السوري وثورته. كل هذا جعل العامل الذاتي مفتقراً للحد الأدنى من القوة الفاعلة لتغيير ما يمكن تغييره لصالح الثورة. وبالتالي فإنني أرى أن السوريين مهما عملوا في ظل تلك الظروف، ومهما كان لقيادة المعارضة من دور فعَّال في تلك المرحلة، لم يكن ليغير في النتيجة إلا بنسبة طفيفة جداً. ذلك لأن أقرب الأصدقاء للثورة السورية كانوا الأكثر حرصاً على تمزيق المعارضة واقتسام قميصها المهترئ أصلاً. ولقد صرحت بهذا الكلام في ندوة سياسية دُعيت للمشاركة فيها أقيمت في هولندا أواخر عام 2013. حينها قلت حرفياً جواباً على أحد الأسئلة: "إن أكثر من أضر الثورة السورية هم أقرب الأصدقاء لها".
كان يوجد في المعارضة أطراف أو شخصيات مخلصة وصادقة، وأجزم أن الدكتور برهان هو أحد تلك الشخصيات. لكن لا ننسى أن التسليح والأسلمة عنصران باغتا المخلصين والوطنيين في الثورة. وهذان العنصران دخلا بدفع وتموين خارجي معروف، وقد شرحه الدكتور برهان بشكل مفصل، وليس من المصادفة أنهما كانا معولي هدم لكل ما تم بناؤه من إيجابيات في الأشهر الأولى للثورة.
يضاف إلى ذلك أيضاً التعبئة الطائفية المخططة والمدروسة التي لعب عليها النظام قرابة نصف قرن. وجاءت المجموعات المسلحة والتنظيمات الإسلامية المتطرفة، لتجاريه فيها وتقدم للنظام ما كان يتمناه ويعمل ليل نهار لتحقيقه، وليرفع بذلك أسهمه في أعين بعض شرائح الشعب السوري وبعض الدول المتخوفة من الفوضى والتطرف اللذين يصعب ضبطهما.
مناقشة الدكتور برهان لمواقف بعض الدول الإقليمية، وبخاصة تركيا، اقتصر على السنتين الأولى والثانية من عمر الثورة. ولا بد هنا من التوضيح أكثر بالنظر للتحول الكبير الذي حصل على الموقف التركي ومن خلفه القطري. فمن الموقف الإيجابي الذي احترم مواقف المعارضة في البداية، والتزم بحدود معقولة بسيادة القرار السوري، والمثال على ذلك الحالة الوحيدة في تلك الفترة التي طلب فيها مستشار وزير الخارجية التركي عن طريق ممثل الإخوان المسلمين السماح له بحضور جلسات تأسيس المجلس الوطني في استانبول ورفض طلبه بإصرار من قبل معظم الحاضرين وكنت شاهداً على هذا الحدث. كذلك ما قدمته تركيا للاجئين في تلك الفترة من الخدمات والتسهيلات اللازمة، والمعاملة الإنسانية التي عاملتهم بها والمتميزة عن جميع الدول العربية الأخرى. هذا الموقف التركي الإيجابي تحول فيما بعد إلى العمل بكل ما أمكن لجر المجموعات المسلحة والمعارضة أو الشخصيات التي قبلت منها لخدمة السياسة الأردوغانية وبخاصة بعد استقالة داود أوغلو مهندس السياسة الخارجية التركية السابق، تحول ذلك الموقف إلى النقيض تماماً، وذلك على حساب الثورة والتزاماتها المبدئية. فقد تم سوق بعض الشخصيات وممثلي بعض الفصائل المسلحة مرة بعد أخرى إلى مؤتمرات أستانة وسوتشي التي رفضت قيادة المعارضة المشاركة فيها واعتبرتها التفاف على جنيف وقرارات مجلس الأمن بخصوص الحل السوري. جرى كل ذلك باسم المعارضة لتعزيز الموقف التركي أمام روسيا وإيران. وامتد الأمر إلى اللاجئين الذين تم استغلال ظروفهم القاهرة لتهديد الاتحاد الأوربي بهم من أجل أن تحصل تركيا على مساعدات مالية وشروط أفضل للتفاوض. حصل هذا عبر موجة اللاجئين الأولى قبل بضعة أعوام، وتكررت المحاولة مرة أخرى أواخر العام الماضي وبداية هذا العام، بتصريحات علنية من أردوغان نفسه مهدداً بإغراق أوربا بموجات اللاجئين إذا لم يستجيب الأوربيون لطلباته.
لكن المسألة الأكثر فجاجة واستغراباً هي استعمال بعض مقاتلي المعارضة السورية كمرتزقة في بازار السياسة الأردوغانية عندما تم سحبهم من مواقعهم في الشمال السوري وشحنهم بالطائرات والسفن من تركيا إلى ليبيا للمشاركة في القتال الدائر هناك بدعم طرف ضد طرف آخر، في الوقت الذي كان القصف اليومي مستمراً على منطقة إدلب ومحيطها من قبل النظام والطيران الروسي!!!
مواقف الدول العربية الأخرى كان من المفترض لها أن تكون أفضل، لكن سلبيتها الشديدة تجاه المعارضة السورية الرسمية، وبخاصة عدم تقديم الدعم المالي اللازم لها في مقابل الدعم الكبير الذي كان يقدم للمجموعات المسلحة والمتطرفة بصورة خاصة، جعل القيادة السياسية للمعارضة مكتوفة الأيدي إزاء ما كان يجري على الساحة باسمها، دون أن يكون لها أي تأثير فعلي في الواقع. وهذا ما دفع الدول الأوربية أن تبقى متفرجة مع بعض الاستثناءات القليلة.
أما المايسترو الكبير والقطب الأوحد والأقوى والأقدر على التأثير في السياسة العالمية، أمريكا، التي باستطاعتها وبمجرد تصريح إعلامي جدي، أن تضبط إيقاع حركة الديبلوماسية الدولية، وتقرر إنهاء المأساة السورية برمتها وفق المنطق ومصلحة الأمن والسلام الدوليين. لكن كل هذا لم يحدث. وهذا برأيي لم يكن موقف لا مبالاة بقدر ما هو إرادة وقصد.
ولعل مثال الرئيس اليوغسلافي ميلوسوفيتش أصدق تعبير عن العامل الخارجي وتأثيره الحاسم إذا أرادت تلك الدول، وبخاصة أمريكا، أن تقول كفى!! وذلك عندما استُدعيَ مضطراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأُجبر على توقيع اتفاق دايتون عام 1995 الذي أنهى الحرب البوسنية، ليتم تسليمه بعدها للمحكمة الجنائية الدولية.
العطب هنا كما أعتقد هو في المنظومة الإقليمية والدولية التي أحاطت بالثورة السورية لتجعل من العامل الذاتي عاملاً هامشياً إزاء القوى التي باتت متحكمة في المسار وبالتالي المصير لهذه الثورة التي ولدت يتيمة على الرغم من كثرة الذين ادعوا أبوَّتها.



#سعيد_لحدو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كردستان التي تأخرت مائة عام
- (غودو) الحل السوري
- الحرية طليقة والأحرار معتقلون
- العرس في فيينا والطبل في حرستا
- الدب الروسي في معرض الزجاج السوري
- قلق العالم هو مايقلق السوريين
- الخلافة وبناتها، الخليفة وإخوانه
- حكاية الإرهاب ومكافحيه
- وعند بثينة الخبر اليقين
- التدخل الأمريكي: درهم وقاية أم قنطار علاج؟
- داعشي حتى العظم مع وقف التنفيذ
- انتحابات في سوريا... مرة أخرى
- لسنا إرهابيين .... لكننا سنكون
- استعراض روماني في الساحة السورية
- جنيف 2... تعا.. ولا تجي...
- إقالة قدري جميل.. عقوبة في الشكل ومكافأة في المضمون
- نظرية المقاومة
- مؤتمر الإنقاذ، وإنقاذ مالايُنقَذ
- خطاب بشار الخامس: خمسة بعيون الشيطان
- قصة الثورة والحذاء وخطة أنان


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد لحدو - عطب الذات أم عطب المنظومة...؟ قراءة في كتاب الدكتور برهان غليون حول الثورة السورية ومآلاتها الأخيرة.