أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - علاء موفق رشيدي - الثقافة حاجة بيولوجية للأجيال















المزيد.....

الثقافة حاجة بيولوجية للأجيال


علاء موفق رشيدي

الحوار المتمدن-العدد: 6535 - 2020 / 4 / 12 - 12:14
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


العلاقة بين الأجيال :

تشغل فكرة الأجيال والعلاقات فيما بينها، الحجر الأساس في الفكر الذي يستعرضه لنا ( خوسيه غاسيت ) في كتابه ( موضوع زماننا) ، فيعرف كل " جيل " بأنه حساسية حيوية ناشئة في التاريخ، ويبين دور الأجيال في بناء الشعوب، فيكتب (خوسيه غاسيت) : ( إذا أخذنا ارتفاع شعب من الشعوب بجملته، فإن كل جيل من أجياله يمثل لنا لحظة من حيويته، وكنبض من قدرته التاريخية. وكل نبضة لها سماتها المميزة الفريدة، إنها خفقة ثابتة في سلسلة النبض، كما هي كل نغمة في تدفق لحن )

ويوضح (خوسيه غاسيت ) أن كل جيل ينشأ يجد نفسه ثقافياً أمام وضعين : أولاً حتمية التعامل مع أفكار الجيل الماضي، وثانياً ضرورة تطوير أفكاره الذاتية : ( ذلك أن الأجيال تنشأ من بعضها البعض، بشكل يجد الجيل الجديد نفسه مع الأشكال التي أطلقها الجيل السابق إلى الوجود. فالحياة إذاً، بالنسبة إلى جيل من الأجيال مهمة ذات بعدين، إحداها تكمن في تلقي ما عاشه الجيل السابق من أفكار وقيم ومؤسسات، والمهمة الأخرى في جعل خيارها الخاص يتدفق )

وبما أن لكل جيل ناشئ حيوية خاصة كما يقول (خوسيه غاسيت )، فإن على كل جيل الإطلاع في دور تاريخي هو النشاط والفاعلية لأجل دعواته الخاصة، ويخيم على الأجيال الواجب الآمر القاسي في تطوير براعمها الداخلية، وتشكيل الوجود فيما حولها حسب رؤيتها. لكن هل هذه هي الحال التي تتم حقاً ؟

كلا، هي إجابة المؤلف على هذا السؤال، وهو يوضح أن هناك أجيال مثل الأفراد، تنكص وتتقاعص عن دورها التاريخي، وتستسلم لما هو مقدم لها من إنجازات الجيل السابق، ويحذر الفيلسوف (غاسيت ) من الخطر المحدق بالجيل المتقاعص، فيكتب : ( في الواقع، هناك أجيال غير وفية لذاتها تبطل القصد التاريخي المودع فيها. فبدلاً من أن تتصدى للمهمة التي حددت لها مسبقاً فإنها تفضل ، وقد أصمت آذانها عن أندية دعوتها الملحة، أن تستكين متقوقعة في أفكار ومؤسسات وملذات خلقتها أجيال سابقة وتخلو من التشبه بطبعها. إن هذا النكوص من موقعها التاريخي لا يتم من غير عقاب. فالجيل الجاني على نفسه يتمرغ في الوجود في خلاف دائم مع نفسه ذاتها، وهو مخفق حيوياً )

بالعلوم يمكن النبؤ بالمستقبل :

للإجابة على هذا التساؤل يروي لنا المؤلف ( خوسيه غاسيت ) عن كيفية رؤية الإنسان القديم للأحداث التاريخية : ( إن تفسير الإنسان القديم للحياة التي كان يعيشها، هو في الحقيقة، إلغاء التاريخ. فالوجود في نظره كان يكمن في أن أشياء تحدث له. والحوادث التاريخية كانت أخطالاً تنهال تباعاً. فإنتاج عمل عبقري والأزمات المالية والتغيرات السياسية والحروب كانت ظاهرات من نمط واحد يمكننا أن نرمز إليه بقرميدة تسحق عابر سبيل. وعلى هذا الشكل تكون العملية التاريخية سلسلة من المصائب لا قانون لها ولا معنى )، إذاً، هكذا يعتقد الإنسان القديم أن المعارف والأحداث التاريخية هي معطى غير خاضع للتحليل السببي، ولكن ماذا عن زمننا المعاصر ؟

يدرك الإنسان المعاصر أن الحياة سلسلة من الوقائع التي تخضع لقانون، ويؤيد (خوسيه غاسيت ) هذه الرؤية المعاصرة لتفسير الوقائع والأحداث التاريخية: ( إن الحياة هي سلسلة من الوقائع يدبرها قانون. ففي كل مرحلة من مراحل التطور، نجد المرحلة التالية قد تشكلت مسبقاً. إن الحياة البشرية هي عملية داخلية لا تقع فيها الأحداث من الخارج على الذات، أكان فرداً أم شعباً، وإنما هي كما تطلع من البذرة ثمرة وزهر )

إذاً، إن التنبؤ بالمستقبل ممكن برأي ( خوسيه غاسيت ) حين الإتكاء على معطيات العلم : ( بكل اختصار إن العلم الذي ينتج الآن هو الوعاء السحري حيث يجب أن ننظر للحصول على لمعة من ملامح المستقبل. العلم ما هو إلا مثال أعلى، فعلم اليوم يصحح علم أمس، وعلم غد يصحح علم اليوم، فالعلم ليس واقعة تختتم في الزمن. فإن العلم الكامل والعدالة الحقيقية يتححقان فقط، كما كان يتصور كانط هو وعصره، في السيرورة اللامتناهية للتاريخ )

وهنا يحرص المؤلف على إعطاء وصيته في بناء ثقافة المستقبل، وهي مساعدة وتشجيع الثقافات الصاعدة على حساب الثقافات الرجعية أو الجامدة : ( ومن هنا فإن المذهب الثقافي يكون دائماً تقدمياً، لأن معنى وقيمة الحياة يوجدان دائماً في غد أفضل )

تالياً، ويحذر الفيلسوف ( خوسيه غاسيت ) من الإستكانة إلى جاذبية الثقافات القديمة مثل : الدين، والعادات والتقاليد. ويكشف عن أساليب الجاذبية التي تمارسها الفلسفات القديمة على ثقافة الأجيال الصاعدة، فيصف هذه الجاذبية بالآتي : ( الجاذبية التي تجذبنا بها فلسفات الماضي، هي إيجازها الواضح والبسيط وسذاجة توهمها أنها اكتشفت الحقيقة كلها، وثقتها بأنها تستقر في صيغ تفترضها راسخة، تعطينا انطباعاً عن عالم منجز محدد ونهائي من غير مشاكل وكل شيء فيه محلول )

الثقافة حاجة بيولوجية :

من الأفكار المميزة التي جاءت بها فلسفة (خوسيه غاسيت) في هذا الكتاب، هي الظاهرة البيولوجية للثقافة. فهو يخالف النظرة السائدة سواء تلك التي تجعل من الثقافة حالة روحانية، أو تلك الأخرى التي ترى بالثقافة مرآة للعقلانية. لا يقبل ( خوسيه غاسيت ) أن تقتصر الثقافة على الجانب الروحاني أو العقلاني فقط، بل يدافع، عما يميز رؤيته الفلسفية، بأن للثقافة جانب بيولوجي، وبذلك يجعل من الثقافة جزءاً من الحاجات العضوية للإنسان.

يقول (خوسيه غاسيت ) : ( إن العدالة والحقيقة والإستقامة الخلقية والجمال هي أشياء لها قيم بحد ذاتها وليس فقط بمقدار ما هي مفيدة للحياة)، إذاً للشعور بالعدل، ومعرفة الحقيقة والتفكير فيها، والإبداع الجمالي والتمتع به، معانٍ في ذاتها، ولها قيمة في ذاتها نفسها، ولو أصبحت مجردة من منفعتها للكائن الحي الذي يمارس تلك الوظائف.

يحث المؤلف (خوسيه غاسيت ) في كتابه ( موضوع زماننا ) على مشاركة الأفراد في بناء الثقافات : ( الثقافة تستمر في الحياة ما دامت تتلقى دفقاً حيوياً مستمراً من الذوات والأفراد، حتى إن انقطع هذا الدفق وابتعدت الثقافة بنفسها، فإنها لا تلبث أن تجف وتصبح ميتة )

فللثقافة إذاً، ساعة ولادة وهي ساعتها الغنائية أو الشعرية، ولها ساعة تحجر وهي ساعة أفولها. هناك ثقافة وليدة وثقافة جاهزة من قبل. فمن الضرورة في عصور الإصلاح كعصرنا ألا نثق بالثقافة الجاهزة، وعلينا أن نشجع الثقافة الصاعدة. ففي مقابل الثقافة، علينا أن نشجع : الصدق والذاتية والحيوية.



#علاء_موفق_رشيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - اللامرئي - في الفكر، الفن، الأدب والموسيقى
- - لماذا الحرب ؟ - بين ألبرت آينشتاين، وسيغموند فرويد.
- - مماثل للحياة الإنسانية - معرض تغريد درغوث : تشكيل موّحد لم ...
- مهرجان حرش بيروت 2018 : الإهتمام بمسرح المقولات السياسية وال ...
- واقع حرية التعبير في لبنان
- الأمسية الثانية للأفلام اللبنانية القصيرة 2018
- - إيروتيكا - باللغة العربية
- عن الفنون الفردية السورية وآليات إنتاجها بين عامي 2012 – 201 ...
- فيلم - الآن: نهاية الموسم -، محطة المهاجر بين البياض والماء
- مسرحية (صاحب الصورة المشهورة ) : تماهي المتلقي بين المنقذ وا ...
- المغامرة السريالية
- القصة القصيرة الروسية الساخرة
- رحيل منظر المفاهيم السردية الأساسية
- مسرحية (صاحب الصورة المشهورة ) : تماهي المتلقي بين المنقذ وا ...
- فيلم - الآن: نهاية الموسم -، محطة المهاجر بين البياض والماء
- مسرحية الإعتراف : الموت والعذراء في الراهن السوري.
- Haven For Artists : ملاذاً للفن والفنانين.
- القصة الروسية الساخرة
- المغامرة السريالية
- القراءة والقارئ صور في البلاغة الأدبية - فيليب دايفيس


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - علاء موفق رشيدي - الثقافة حاجة بيولوجية للأجيال