أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي الشمري - معنى الحياة في فلسفة سيورين كيركيغارد















المزيد.....

معنى الحياة في فلسفة سيورين كيركيغارد


علي الشمري

الحوار المتمدن-العدد: 6535 - 2020 / 4 / 11 - 21:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يعتقد الكثير من البشر انهم يستطيعون العيش من دون الحاجة لمعرفتهم الى اين يمضون في حياتهم، ويتصورون انهم ليسوا بحاجة الى التفكير مليًّا في حقيقة وجودهم، ولا يحاول ان يفهم أي احد منهم ما المعنى الحقيقي من حياته.
في السؤال عن معنى الحياة، يقول كيركيغارد ان في وقتٍ متأخرٍ من الليل قد ينتاب الانسان شعور بالجرأة، فينصت بهدوء ويستمع الى صوت داخليّ يسأله : ما هو المعنى من حياتك، انه ليس بسؤال غريب، ولا مربك، ولا محير، لقد طُرح منذ قرون بعيدة، منذ ان أصبحت لدى الانسان القدرة على التأمل والتخّيل و ادراك ما حوله، و يرى ان البحث عن معنى الحياة امر طبيعي لدى الانسان، فهو لا يستطيع ان يتجنبه او يتجاهله، انه تطور طبيعي حتمي لا مفر منه في حياة البشر، فهو يكبر ويتطور بمرور الزمن، كذلك ذوات البشر ترغب في ان تنمو وتتطور لتعانق المزيد من الحقائق وتحضن الواقع كي تحصل على معنى لحياتها ونفسها.
اول مرة جاء هذا السؤال لكيركيغارد عن معنى الحياة وهو في عمر الثانية والعشرين، فقد كان يملك كل ما يتمناه الشاب الصغير في ذلك الوقت، فوالده من اغنى اغنياء كوبنهايكن، وكان طموحه ان يكمل جميع أولاده تعليمهم العالي، ذهب سيورين الى الجامعة ليدرس اللاهوت، وبدأ بدراسة علم الأديان، لعله يصبح قسًا، ولكنه لم يهتم في دراسته وكانت لديه صعوبة في ان يفهم لماذا يجمع كل تلك المعلومات وماذا سيفعل بها، لم يكن كيركيغارد مثل الشباب، كانت آراؤه سابقة لعمره، فمنذ عامه العشرين كان يشعر بأن اغلب الأشياء ليس لها معنى و انها عديمة الفائدة.
ان الانسان لا يتوقف عن التساؤل من انه كيف يكون على ذلك القدر الكبير من التغيير، لو تغيرت غدًا كيف سيكون شكلي، كيف سأكون انا، ان تلك التغييرات التي تطرأ عليه هي التي تثير اهتمامه، ان تغيير صورته بين الماضي والحاضر بين انا اليوم وانا الغد وذلك الاندماج المتغير العجيب المبني بداخلنا بين أنفسنا والعالم هو الذي يجعلنا نبدأ بالبحث عن معنى الحياة.
بعد ملاحظات وتأملات وتفتيش في محاولة لفهم كيف تعمل الذات، في أي الافتراضات، وماهي الاشتراطات التي يعمل عليها الانسان ليكون هو ذاته، وجد سيورين ان هناك ثلاث مراحل حسيّة يمكن للمرء ان يعرف عبرها كيف تعمل ذاته، والمراحل هي: الأولى (المرحلة الحسيّة) والثانية (المرحلة الجوانيّة) والثالثة (المرحلة الروحانية)، وكل مرحلة من هذه المراحل توصل احداها الى الأخرى.
ثلاثة ابعاد من الواقع نفسه، وهذه المراحل تشكل تسلسلا هرميًّا، في بداية الامر يبدأ الانسان بالإحساس المادي، من لحظة ولادته حتى بلوغه سن الاربعين و الخمسين، اذ يكون قد حقق خلال هذه المرحلة الكثير من احلامه الا انه يشعر بفراغ هائل يعتصر روحه، فيبدأ يشعر بالوحدة و الفرغ الهائل، ويشعر بأن كل مافعله لم يسد حاجة في نفسه، من هنا ستكون البداية لدخول المرحلة الثانية وهي الجوانية، اذ يبدأ يسأل من انا، وما المعنى من حياتي، فيبدأ بالبحث عن حقيقته و كينونته ليصل الى الجوانية، وبعد أن يتعمق المرء في ذاته وفي الحياة تأتي المرحلة الثالثة والأخيرة وهي المرحلة الروحية، المرحلة الصعبة التي لم يستطع أي إنسان الوصول إليها بسهولة حتى سورين كيركيجارد واكتفى بأن يعيش الحسيّة والجوّانية، أن يقرأ ويكتب الفلسفة وأن يحب كل شيء وكان هذا كافياً بالنسبة إليه.
كذلك اكتشف سيورين ان هناك ثلاثة أمور قد تسبب بعض الصدمات للمرء فيقع فيها في عمر مبكر مما تسبب عرقلة في سير عملية التطور لديه وتمنع وصوله الى احدى هذه المراحل، اذ يرى سيورين ان التربية القاسية وحياة الطفولة الصعبة، والأعراف والتقاليد المتعصبة التي تحجر العقل وتحشوه بمفاهيم العار والتحريم وتحول كل شيء الى قيود للعقاب وتدمير الذات الإنسانية، كذلك عدم قدرة الشخص على التكيف جميعها تقف حائلا في طريق فهمهم وتقدمهم، وهي التي تتلف عدة و أدوات البحث عن الذات وتدمر حساسيتها الجوانية وتجعلنا نفقد الإحساس بالوضوح وعدم قدرتنا على الانفتاح او حب الاستطلاع الذي سيفضي الى فهم الذات.

خطوبة سيورين، و جوّانيّته.
عندما التقى سيورين ذات يوم بفتاة اسمها ريجينا لم يستطع ان يتمالك نفسه، فكان كلامه ينساب كالينبوع في التعبير عن مشاعره و احاسيسه، تقول ريجينا انه جذب انتباهي وشدّني بكلامه الساحر وصرت واقفة كالمفتونة امامه، بعد ذلك أحبها سيورين، وكانت علاقتهم الغرامية من اغرب قصص الحب، أحبها سيورين، وبعد سنوات من الحب والخطوبة تخلى سيورين عن حبيبته لماذا؟ ليجد حقيقة ذاته عبر الجوانية الخاصة به والجرأة على الاختيار، يقول سيورين ينبغي ان تكون لديك الشجاعة لتختار، فعن طريق البحث والاختيار ستجد ذلك الذي يشكل الانا الخاصة به.
عاش سيورين بعد خطوبته صراع في داخله، تمثل في قوتان، الأولى الرغبة و التوق الى الحب و المرأة و البيت، و الثاني الذي كان يسميه الخيار، أي ان يختار بين الزواج و الارتباط و المفاهيم المتحجرة، او عدم الارتباط و السير وراء تلك الإرادة القوية التي في داخله ليكون هو نفسه، لذلك سيورين ارد ان يحقق جوانيته و يجرأ على الاختيار، فتخلى عن حبيبته، وبقي يحبها حتى مات، ربما كان سيورين قد حقق اختياراته بالتخلي، في المقابل سيكون لدينا من يحقق اختياراته و جوّانيته بالارتباط و انشاء اسرة على عكس سيورين الذي كان ناقما على الزواج و تكوين الاسرة، وهذا ما يكشف لنا ان سيورين ربما يكون صائبًا تجاه نفسه فقط.
يرى سيورين ان كل اختيار تقوم به مهما كان تافها وحتى لو كان ليس له معنى فهو يكشف بالضرورة عن داخلك انت، اما ان يفضح اللاوعي الخاص بك الذي ورثته عن بيئتك وتربيتك وعائلتك، او انه يكشف عن حقيقة القيم والمبادئ التي خلقتها من فكرك الواعي، لقد حدد سيورين خياراته وسار معها الى اقصى حد من الجدية، ان يتزوج او لا يتزوج من ريجينا حبيبته استغرق ذلك منه سنوات عديدة ليدرك ماذا يريد وان يتوصل الى جواب سليم، حتى يقرر بعدها، وعندما كان يتناول قهوته فأنه كان يعتني عناية خالصة بالفنجان الذي سيشرب منه وانه كان لديه خمسون فنجاجا، كل هذا يقول سيورين من اجل يحقق جوانيته.
أرى لو ان احدهم يعيش هكذا مثلما يعيش سيورين لقلنا انه بلاشك مريض نفسيّ و يعيش حالة من الوسواس القهري، والا من سيتخلى عن حبيبته بحجة انه اكتشف جوانيته الخاصة، ومن سيكدس الفناجين في المطبخ ليحقق الانا الخاصة به عبر شربه بالفنجان الذي يريد، فقط سيورين سيفعل هذا.
يقول سيورين ان لحظة الاختيار بالنسبة لي هي لحظات في منتهى الجدية، لأنه من خلال اختياراتنا يصبح المرء انسانا وليس مجرد بابا نويل، وان قدرة المرء على الاختيار تظهر في أعماق وجوده كم هو حر ولن تكون لدى كل فرد منا حرية في داخله، و ان خياراتنا غير واعية، لذلك فهي لا تحتوي على معرفة حقيقة شخصيتنا، انها مجرد مرآة تعكس زمننا، اصولنا، مزاجنا، طموحاتنا، وعندما نبدأ نلقي نظرة الى الداخل وندرب أنفسنا على الجوانية، تبدأ خياراتنا تتكشف امام انفسنا، كما و ان الاختيار الذي يكون قادم من الداخل وناتج عن قناعة جدية واعتقاد جوّاني فأنه يصل قدر الإمكان الى الحقيقة.



#علي_الشمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن السوشل ميديا و الأدب الرخيص
- تكلفة البقاء على قيد الحياة في العراق
- جمهورية باب السور
- قصائد لليل و الحرب
- الى سعاد خاتون وليس لزامل بالتأكيد، من طفل مراهق
- آمالُ ميتة
- ذكاء الساسة ام غباء المواطن
- الايمان سلاح ذو حدين
- ((الاصلاح في ظل ثقافة الانبطاح))
- هل أصبح الارهاب لغة عالميه؟؟؟
- ((الطائفيه داء العصر المزمن))
- ((هل أدرك العرب حقيقة ربيعهم الزائف؟؟؟))
- ((الغباء التركي قد يعجل بتغيير خارطتها السياسية))
- مراجيح الجنة ونفاخات يزيد بن معاويه
- ((هل بالامكان قيام تجمع ديمقراطي عربي قادر على أعادة التوازن ...
- ((المثقف والتطرف نقيضين لا يلتقيان)
- ((ألف شكرا لموقع الحوارالمتمدن ))
- ((قبول فكرة تقسيم العراق))
- ((الوصايا العشرة في الديانة المانويه))
- ((وطن وشعب بلا خطوط حمراء))


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي الشمري - معنى الحياة في فلسفة سيورين كيركيغارد