أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي سيد فرج - مرصد الإصلاح العربى















المزيد.....


مرصد الإصلاح العربى


فتحي سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 1581 - 2006 / 6 / 14 - 08:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ربما يبدو لمن بتابع حديثنا المتصل عن " قراءات ورؤى حول مشروع النهضة " أن الكتابة عن مرصد الإصلاح العربى سيكون خارج السياق المتواصل ، ولكن المتأمل الواعى سوف يدرك بعد الإطلاع على هذا الجهد الرصين لمرصد الإصلاح العربى أنه يؤسس لمشروع حضارى على أسس راسخة ومن خلال تحليل دقيق للواقع العربى ، ربما يهتم باستشراف المستقبل بشكل أوسع من نظرته للماضى ، ومع ذلك فإننا دون أن نستبق العرض نود التأكيد على أن المشروع الاستراتيجي لمرصد الإصلاح العربى لم يهمل تجليات السياق التاريخى انطلاقا من خصوصية العالم العربى بصفة عامة وخصوصيات التشكيلات العربية فى تصنيفاتها المتعددة ، و من ثم خلص لتحديد طبيعة اللحظة التاريخية وكيفية التعامل معها بشكل علمى يستند الى رؤية سليمة وبعد استراتيجي واضح .
ففى إطار " مؤتمر الإصلاح العربى " تم تأسيس " مرصد الإصلاح العربى " فى مقر مكتبة الاسكندرية التى أخذت تستعيد فى أنشطتها العديدة وظيفتها الحضارية القديمة ، بل وتضيف الى ذلك إنجازات معاصرة تتجاوب مع متغيرات هذا العصر .
فتحت أشراف أستاذ هذا الجيل فى الفكر السياسي والدراسات الاستراتيجية السيد يسين ـ فإذا كان أحمد لطفى السيد أستاذا للجيل الليبرالى فى النصف الأول من القرن العشرين ـ فان السيد يسين يعتبر بحق أستاذا للجيل الجديد فى النصف الثانى من القرن العشرين ، استطاع أن يؤسس الفكر الاستراتيجي بأبعاده السياسية والثقافية ، وما يزال هو وكوكبة كبيرة من تلاميذه يشكلون العمود الأساسي فى دراسات علم الاجتماع السياسى والتحليل الاجتماعى من خلال رؤية نقدية للواقع العربى فى تفاعلاته مع التطورات العالمية ، ولن ابذل جهدا فى التدليل على ذلك يكفيني كمثال أخير تكليفه من قبل مكتبة الاسكندرية للإشراف على مرصد الإصلاح العربى الذى اعتقد أنه سيكون المشروع الأقدر على رفد الواقع العربى بآليات الإصلاح والتعامل السليم مع مستجدات العصر، وقياس تحولاته ، ومدى قدرته على التفاعل مع المتغيرات العالمية المتسارعة .
وقد حدد د . على أبو ليلة الإطار الذى يجب أن يقوم به المرصد العربى فى ترشيد حركة الإصلاح الاجتماعى ، وما هى المجالات التى ينبغي إن يتجه إليها الإصلاح ، إضافة الى تحديد معدلات الإصلاح بحيث يتحرك المجتمع على طريق التحديث استادا الى تجميع طاقاته وتوجيهها نحو تحقيق أهداف محددة .
ومن أجل توضيح مفهوم المرصد يقول : إذا كانت الحضارة الإسلامية قد عرفت مبكرا المراصد التى ترصد جوانب الطبيعة ، وتأسيس جداول فلكية ، بهدف تحديد مواعيد الصلاة واتجاه القبلة ، فان الحضارة الغربية قد ابتكرت نوعا جديدا من المراصد الاجتماعية ، وذلك اتساقا مع حركة التنوير وتأكيدها على قدرة العقل والإرادة الإنسانية على الفعل ، باعتبارها الآليات التى تقود التقدم وتصنعه ، وبما أن التحديث التلقائى قد انتهى عصره وحل محله التحديث الارادى المنضبط ، على هذا النحو فإننا فى حاجة الى المراصد التى ترصد الواقع ، حتى يتسنى للدولة توجيه عملية التحديث ، وللمواطنين إمكانية التعرف على نتائج متابعة هذه المراصد،لأنها تساعد فى تطوير وعيهم،وتزويدهم بالمعلومات التى تيسر لهم إمكانية المساءلة ، وتعظم لديهم الرغبة فى المشاركة ، ويصل د.على ليلة الى تحديد أهداف المرصد على النحو التالى :
• بناء قاعدة شاملة ، محكمة ودقيقة من المعلومات عن واقع المجتمع ، وذلك لإمكانية بناء مؤشرات تحدد مستوى التقدم أو التراخى فى عملية الإصلاح .
• تحليل المتغيرات الفاعلة فى التحديث أو الإصلاح ، سواء كانت ايجابية أو سلبية ، بهدف مواجهة المخاطر المحتملة للمتغيرات السلبية ، وتدعيم الايجابية .
• استنادا الى قاعدة المعلومات ، يمكن تحديد طبيعة المشكلات التى يعانى منها المجتمع ، وتقيم السياسات المتبعة ، ومدى ملاءمتها مع سياق التحديث .
• من المكن أن يشكل المرصد بيت خبرة لمختلف المؤسسات العربية ، والوصول الى تنبؤات بالتطورات المحتملة لبعض المشكلات ، وتقديم حلول لها وفق سيناريوهات متعددة .
• يساعد على تعميق الشفافية ، والشراكة الواعية فى إدارة شئون المجتمع .
• يهدف الى التعرف على آثار العولمة ، وإمكانية التعامل معها بما يحقق المصالح الوطنية.
• يساعد المرصد فى تحقيق التنمية المستدامة ، ومتابعة حالة الفئات الاجتماعية ، وماهى التغيرات التى تطرأ على مكانتها وأدوارها وسلوكياتها الاجتماعية .

وإذا كان قد تم تحديد الأهداف ، فمن الطبيعى إن يكون للمرصد المنهجية التى تساعد على تحقيق هذه الأهداف ، وذلك من خلال وضع نموذج للمجتمع الذى ينبغى الوصول اليه ، حيث يشكل هذا النموذج المرجعية التى يعمل وفقا لها المرصد العربى ، من حيث مستوى المعيشة ونوعية الحياة ، والجهة المسئولة ، وما هى المتغيرات الفاعلة التى يمكن الاستناد إليها لتجسيد وبناء هذا المجتمع ، وإذا كان مسموحا بالتنوع فانه يمكن الاستفادة من المؤشرات العالمية فى بعض الجوانب مثل مؤشرات التعليم والصحة ، ولابد من وضع مؤشرات قومية عربية فى جوانب أخرى لها علاقة بالهوية ، مثل الثقافة واللغة والتراث .
ويعتمد بناء المؤشرات على مجموعة إبعاد أساسية ، مثل تحديد الأهداف ، وطبيعة البيانات والبحوث والإحصائيات المطلوبة ، وفى هذا الإطار يعتبر المؤشر نسقا يضم عددا من المتغيرات مثل ، مؤشر نوعية الحياة الذى يضم متغيرات الدخل والإنفاق ، ومستوى توفر الخدمات الأساسية من التعليم والصحة ، وتؤدى المؤشرات وظائف عديدة منها الكشف عن حجم التغيرات ، وفى أي اتجاه تحدث ، وما هى الآثار الناتجة عنها ، كما تلعب دورا فى ترشيد السياسات والفرارات .
هذا وقد تقرر إصدار مجموعة من التقارير عن المرصد العربى منها ، التقرير السنوى الشامل ، والتقارير القطرية السنوية ، والتقارير القطاعية سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية ، إضافة الى تقارير خاصة بقضايا محددة كمشكلات التوتر الاجتماعى مثل ، الأمية ، البطالة ، العنف والإرهاب .... وغيرها .
وفى إطار أوضاع السياق الاجتماعى يذكر د . على أبو ليلة أنه : بسبب ظروف التحول الاجتماعى من ناحية ، وتأثير الحالة الاستعمارية من ناحية ثانية ، ومتطلبات عملية التحديث من ناحية ثالثة ، واجه المجتمع العربى عديدا من المشكلات ، بحيث أدت أحيانا الى تردى الأوضاع العامة ، وتفكيك نظم المجتمع التقليدى ـ البدوى أو الزراعى ـ ، أملا فى إعادة بنائها وفق أسس حديثة ، غير أن التفكيك قد حدث دون أن يكتمل البناء ، ومن ثم ظلت المجتمعات العربية تتأرجح فى الفجوة بين المجتمع التقليدى والمجتمع الحديث ، وطالت الفترة الانتقالية لتبرز ظواهر عديدة مثل وجود الثنائيات ، كالأصالة والمعاصرة ، وثنائيات التعليم الدينى والتعليم العلمانى ، وبسبب طول مرحلة الانتقال تحولت الأصالة لتصبح تطرفا ، والمعاصرة لتصبح تغريبا ، وتردى النظام التعليمى ، بحيث أصبح لا يساعد على التحديث فقط ، ولكن تحول الى آلية من آليات التخلف ، يستهلك موارد دون عائد يساعد على التقدم كما يعدد د . أبو ليلة مظاهر أزمة السياق الاحتماعى ، فى اهتزاز توازن الأسرة العربية ، وتهميش وضع المرأة ، وانتشار العشوائيات والاستبعاد الاجتماعى ، وتردى نوعية الحياة بصفة عامة ، ومن ثم فقد تم صياغة مؤشرات لتقييم هذه الحالات ، إضافة الى متابعة المرصد لحقوق الإنسان العربى .
وفى حديثه عن حالة الثقافة العربية يطرح د. على أبو ليلة تعدد وجهات النظر وتباينها حول بعض القضايا الثقافية ، فهو يرى أن هناك غزو لثقافتنا القومية ، يقف منه البعض موقفا ايجابيا ، باعتباره أحد العوامل التى تساعد على تطور المجتمع ، بينما يراه البعض الآخر اختراقا ينتهك حرمة الثقافة ويمزق نسيج المجتمع ، وهو يتخذ موقفا وسطيا بين الموقفين ، ويدعوا لأن نكون انتقائيين لما يفد إلينا نختار ما يدعم ثقفتنا ، ونرفض ما يضر أمننا الثقافى .
نفس الأمر بالنسبة لقضية الهوية التى يرى أنها معرضة للاختراق ، وهناك تباين حول ذلك ، فهناك من يذهب الى استعادة هويتنا الماضية والعودة للسلفية ، فى المقابل نجد من يؤكد أن الزمان الماضى قد تولى ، وعلينا أن نتعامل بمفردات الزمن الحاضر ، وهو هنا لا يختار الموقف الانتقائي الذى يرى أنه ضعيف ولم يعثر على الآلية الملائمة التى تجعله متوازنا يحافظ على جوهر الهوية .
ويستمر فى عرض لبعض مظاهر أزمة الثقافة العربية ، فهو يرى : إننا على عكس ما حدث فى الغرب ، حيث كان التحديث الثقافى والفكرى هو الذى قاد التحديث الاجتماعى ، ولكن عندنا سارت التحولات الاجتماعية أسرع من الجهود الثقافية و التى لم تستطع أن تقود التحديث ، كما جاءت العولمة بآليات ثقافية قوية ساهمت فى تعميق أزمتنا الثقافية ، مما جعلتا نعانى من مظاهر عديدة ، فأمام عدم مواكبة التحديث الثقافى لعملية التغيير الاجتماعى والاقتصادى المحملة بقيم غربية تتناقض مع مورثنا الثقافى ، انهارت منظومة القيم الثقافية العربية .
واذا كانت الهوية هى نتاج تزاوج عناصر التراث مع أقوى عناصر الحاضر ، فان هذا التزاوج لم يتحقق عندنا ، ونتيجة لذلك فنحن نعيش حالة تفتت أو تشرزم للهوية ، و فى هذا الصدد يهتم د. على بشكل خاص بإبراز أزمة اللغة العربية ، فهو يرى : أن اللغة عنصر من عناصر التراث ، وهى التى تشكل التعبير الرمزي للثقافة ، وبالرغم من أنها لغة الدين واكتسبت قدرا من القداسة ، إلا أنها تواجه اختراقات لغوية ، فشرائح النخبة أخذت تتواصل بفصاحة عبر لغات أخرى ،مما أحدث انكماش لفاعلية اللغة العربية ، تسبب فى الانهيار الثقافى واللغوى ، كما أن الإعلام العربى يعيش حالة أزمة تتمثل فى التخلف الفنى والتكنولوجي ، ومن ثم فقد خسر منذ البداية معركة الدفاع عن الثقافة والهوية العربية .
ويتضح من كل ذلك تمسك د . على بالدفاع عن الاستقرار والتخوف من كل ما يهدد الثقافة والهوية العربية لذلك فأنه عندما يتحدث عن فاعلية المرصد فى النطاق الثقافى يركز على تشخيص مصادر تشوه الثقافة واللغة ، وعندما يحدد مؤشرات قياس الحالة الثقافية ، فأنه يهتم بوضع مؤشرات التجانس الثقافى ، والتمسك بالثقافة القومية ، اضافة الى مؤشرات أخرى عن حالة مجتمع المعرفة ، وأداء الإعلام ، وعقلانية التفافة .
وفى إطار الإصلاح السياسى يطرح د . محمد السعيد إدريس رؤية مخالفة ، فى البداية يقصد بالإصلاح السياسى تحول المجتمعات العربية من مجتمعات استبدادية أو سلطوية الى مجتمعات ديمقراطية وليبرالية ، وبهذا المعنى فان الإصلاح يعتبر عملية تغيير اجتماعى مخطط تتحقق عبر سلسلة من المراحل والإجراءات ، كما أنها عملية مجتمعية أى تخص المجتمع السياسى حاكمين ومحكومين ، وترتبط بالقيم كما ترتبط بالمؤسسات ، وهى كذلك تعبير عن رؤية استراتيجية لها أهداف واضحة ومحددة .
وهو فى سبيل ذلك يبدأ بطرح المعوقات والتحديات التى تواجه الإصلاح السياسى ، ويعتبر الحديث عن الخصوصية العربية مجرد مبرر للعزوف عن التحول الديمقراطى والليبرالى ، ورغم اعترافه بان الدول العربية تعيش مجموعة من الاختلافات تتعلق بالسلطة ونظم الحكم ، ونمط العلاقات الاجتماعية ، ومراحل النمو ، وطبيعة القوة الدافعة لعملية التحول ، إلا أنه يركز تحليله لواقع النظم فى منطقة الخليج دون أن يوسع من دائرة اهتمامه خارج هذه ا المنطقة ، ومدى علاقات التأثير والتأثر بينها وبين بقية البلدان العربية ، ويستند الى تصنيف " جياكومولوتشانى " للدول العربية من منظور اقتصادى ورهاناته السياسية ، والذى ميز فيه بين دول توزيعية ، ودول إنتاجية ، تتميز الدول التوزيعية بأن مواردها الأساسية تأتى من الخارج ، وأن نفقاتها تمثل نسبة مهمة من ناتجها القومى ، وتركز على توزيع مواردها وان كان بشكل غير عادل ، فى المقابل فان الدول الإنتاجية يمثل نشاطها الاقتصادى الداخلى المصدر الرئيسى للثروات ، ولايمثل التوزيع وظيفة جوهرية فى نشاطها ، وتعبئة الولاءات بها يتم عبر الترويج لأسطورة وطنية .
ويستطرد بعد ذلك فى شرح نموذج لما تمثله الخصوصية من تعويق وتحدى لعملية الإصلاح السياسى ، حيث تواجه المجتمعات العربية " إشكالية النموذج الغربى" باعتباره النموذج الأمثل لما يجب أن تكون عليه عملية الإصلاح ، والإشكالية نابعة من أمرين أولا: مدى جدارة هذا النموذج بالأتباع ، وهل يجب الأخذ به كاملا آم يمكن ان تكون هناك عملية تكييف تراعى الخصوصية العربية ، ثانيا : ما يتعلق بالإرث السلبى للخصوصية العربية الذى بات يحمل ـ بسبب تزايد الارتكان إليه ـ صفة هروبية من متطلبات الإصلاح ، فنظم الحكم فى الدول الخليجية باعتبارها نموذج لطابع الدول التوزيعية تستند الى مرتكزات أساسية هى : الفبلية ، والميراثية ، والريعية .
فأنظمة الحكم فى دول الخليج العربى تستند الى تحالفات تقليدية قبلية ، يعتمد حضورها على قربها أو بعدها عن الأسر الحاكمة ، والشرعية لا ترتبط بشخصية الحاكم إنما ترتبط أساسا بالقبيلة ، وتسير هذه الحالة جنبا الى جنب مع مظاهر التحديث للبنى التحتية ، وبمقارنة التطور الاقتصادى المتسارع ، نجد بطء شديد فى المجال السياسى ، حيث لا يشعر الأفراد بالموطنة بل كأعضاء فى تحالفات قبلية واسعة يظهر فيها الولاء للشيخ المترئس مقابل حصولهم على نصيب من الغنائم ، وينظر الى هذه الحالة على أنها لا تعدو أن تكون سلسلة من أعمال النهب والإغارة ، وأن التحولات السياسية ليست إلا نجاح تحالف فى الإطاحة بتحالف آخر ، لتبدأ عملية جديدة من عمليات النهب وتقسيم الغنائم ، وتتمتع نظم الحكم بقدر عالى من الديمومة والاستمرارية الناتج عن ميراثية الحكم ، وهذا الترابط بين حكم القبيلة وقاعدة توريث السلطة جعل الحكم يتحول الى مؤسسة عائلية ، وأداتها فى ذلك الدولة التسلطية ، التى تحتكر السلطة والثروة عن طريق اختزال المجتمع المدنى ، ويتسم نظامها السياسى بالسمات التالية :
• عدم وجود حكومات ممثلة لمصالح السكان .
• الدساتير ملغاة أو معلقة أو مؤقتة أو غير معمول بها .
• عدم وجود تنظيمات مستقلة عن الدولة كالأحزاب ، والنقابات ، والمنظمات المهنية أو الأهلية .
• لا وجود لانتخابات ، أو حقوق مدنية .
• نسبة عالية من الإنفاق يستأثر بها الجيش وأجهزة القمع ، والتى تستخدم فقط لأغراض الأمن الداخلى .
وفى ظل التطورات الهائلة بتحول دول مجلس التعاون الخليجى الى مجتمعات منتجة ومصدرة للنفط والغاز بكميات كبيرة ، ومن ثم تحولت الى دول ريعية أثرت فى نظم الحكم وفى العلاقة بين الدولة والمجتمع ، فهى دول لا تفرض الضرائب والمكوس على الأفراد ، بل على العكس من كل دول العالم تدفع لهم ، والأفراد هنا لا يرون أهمية للفوارق فى توزيع الثروة ، ولا تمثل هذه الفوارق حافزا كافيا لمحاولة تغيير النظم السياسية ، يكمن الحل بالنسبة الى الفرد الذى يشعر بالغبن فى المناورة لحيازة منافع أكبر ، وليس فى التعاون مع آخرين يعيشون حالته لأجل التغيير ، وينحط الحراك السياسى ولا يتطور الى حوار سياسى حقيقى ، والنتيجة أنه مع عدم وجود ضرائب فان الأفراد يكنون أقل إلحاحا نحو المشاركة السياسية ، فتاريخ الديمقراطية ترتبط بدايته بنوع من الارتباط المالى ( لا ضرائب بدون تمثيل سياسى ) .
هذه المرتكزات الثلاثة من القبلية ، والميراثية ، والريعية ، أنتجت فى النهاية سلطة سياسية تتمتع باستقلالية لا مثيل لها ، تتمثل فى استقلال اقتصادى ، فالعلاقة بين الدولة وأفرادها تم اختزالها الى مجرد أسر حاكمة تحتكر السلطة مقابل عقد اجتماعى تقوم بمقتضاه بضمان الوظائف والخدمات الاجتماعية ، وأفراد تستقبل هذه الخدمات لا كحقوق مواطنة ، بل كهبات تقوم مقابلها بالصمت عن إطلاق يد الحاكم ليتصرف على هواه ، وساهم العامل الثقافى فى تعزيز العقلية الريعية التى تكسر الارتباط بين العمل والمكافأة ، إذ تصبح المكافأة كسبا وليس ثمرة عمل منتج ، وهذه الحالة تخلق نوعا من الخضوع لدى الأفراد لسلطة الدولة ، مما يضعف حالة الانتماء لمعنى الوطن والمواطنة ، ويزيد من سيطرة الدولة على حساب حريات الأفراد الذين يعتمدون عليها بالرغم من أنها قد تكون أكثر استغلالا لهم ، وربما أكثر استغناء عنهم .
والاستقلال الثانى لدول الخليج يتمثل فى استقلالها عن العمالة المحلية ، فقوة العمل الأساسية يتم استيرادها كسلعة من الخارج للاستخدام لفترة محددة دون أى حقوق سياسية ، وبأقل أجور ، وهى معرضة للترحيل حينما تنتفى الحاجة اليها ، وهذه الوضعية تمكن هذه الدول من الانتفاع بقوة عمل ماهرة دون التعامل معها كجزء من المجتمع ، بالمقابل فان هذه الأعداد من قوة العمل الوافدة تهمش المجتمع المحلى سياسيا أمام نظام حكمه وذلك عبر إزاحتة عن مواقع الإنتاج التى يمكن أن ينشب حولها صراع اجتماعى أو سياسى .
وثالثا : الاستقلال الأمنى والعسكرى ، فعلى عكس العلاقات الطبيعية فى كل المجتمعات التى تجعل من مواطنيها أساسا لتوفير الحماية الوطنية ، فان خصوصية دول الخليج النفطية أدت الى ان يصبح توفير الأمن الذى هو فى الأساس أمن النظام الحاكم على عاتق الدول الكبرى المستوردة للنفط خاصة الولايات المتحدة الأمريكية للدفاع عن مصالحها ، كما أن امتلاك هذه الدول لقدرات مالية ضخمة ، وافتقارها الى القدرات البشرية يجعلها قادرة على شراء مستلزمات الأمن وتوظيف الخبرات الأجنبية فى القواعد العسكرية الكبيرة والمتطورة ، ومن ثم فان الاعتماد على أفرادها فى تحقيق الأمن يصبح أمرا قليل الأهمية ، ومن الواضح أن الحاكم الذى لا يستمد وضعه وشرعية حكمه من الرضا الداخلى ، يعيش علاقة فريدة مع شعبه ، والأدبيات السياسة تجمع على أنه من التعذر أن يستمر حاكم دون دعم داخلى من طبقة اجتماعية أو طائفة تسند حكمه ، يقابل ذلك قيام الحاكم بأداء واجبه تجاهها ، وهذا التوازن غالبا ما ينهار حينما تأتى قوى خارجية لتضمن للحاكم وجوده رغم انف مجتمعه .
أن هذه الدول البالغة الاستقلال تظهر قوية جدا أمام شعبها ، وليست فى حاجة الى نيل الشرعية ، وغير قابلة للمحاسبة ، لهذا فان المشكلة التى تواجه اغلب الدول الحديثة وهى مكابدة أزمة الشرعية تصبح لا وجود لها ، ورغم توافر كل الشروط لوجود أزمة فى دول الخليج إلا أن ذلك لا يظهر على السطح ، والسبب فى ذلك أن السلطة الخليجية لا تملك شعبا ، كما أن الشعب الخليجى لا يملك سلطة ، لهذا فان ظاهرة الإقصاء السياسى تقدم توضيحا لما تمثله خصوصية دول الخليج من عوائق وتحديات لعملية الإصلاح السياسى ، وتفسر حالة الاستعصاء الديمقراطى فى العالم العربى ، كما تجسد بوضوح شديد حالة استعصاء التداول السلمى للسلطة .
ويرى د . محمد السعيد إدريس أنه : إضافة الى سلبيات الخصوصية العربية المعرقلة للإصلاح ، فان النموذج الغربى المطروح للإقتداء به ، يلتبس بتوجهات الدور الأمريكي الامبراطورى ورغبتها فى السيطرة على العالم ، وما تمارسه من ضغوط فى سبيل نشر الديمقراطية والقيم الأمريكية كإطار لأيديولوجية العولمة ، مما يشوه الدعوة للنموذج الغربى للديمقراطية .
وبعد هذا الاستعراض الذى يؤكد فيه د , السعيد صعوبة أن لم يكن استحالة الإصلاح السياسى فى هذه المنطقة من العالم ، نراه يطرح علينا تصوره لما يمكن أن يكون عليه الإصلاح العربى المنشود ، والذى يرى أنه سيكون عملية معقدة ومركبة تمزج بين العملية الجوهرية للإصلاح ، وبين ما يسميه " الحكم الصالح " ضمن عملية تحديثية شاملة ، وبهذا فأنه يعتبر أن مطلب الحكم الصالح هو هدف استراتيجي يتضمن ثلاثة إبعاد مترابطة ، البعد السياسى المتعلق بعمل الإدارة العامة وكفاءتها وفاعليتها ، والبعد الاقتصادى الاجتماعى المتعلق بطبيعة بنية المجتمع المدنى ومدى حيويته واستقلاله عن الدولة ، وطبيعة السياسات العامة ومدى تأثيرها فى المواطنين من حيث نوعية الحياة ومستوى الفقر .
وأمام صعوبة تعريف الحكم الصالح لا يرى سوى إبراز مفهوم الحكم السيىء أو غير الصالح ، والذى يسهل تحديد معالمه ، فالحكم السيىء هو : الذى يفشل فى الفصل بين الصالح العام والمصلحة الخاصة ، وينقصه الإطار القانونى ، ويتميز بوجود قاعدة ضيقة أو مغلقة فى صنع القرار ، وعدم القدرة على الإنجاز لوجود آليات تتعارض مع التنمية وتدفع نحو إهدار الموارد المتاحة ، كما يتميز بوجود الفساد وانتشار آلياته وثقافته ، ومن ثم فانه يتميز أيضا باهتزاز الشرعية ، وضعف ثقة المواطنين به ، مما يدفع الى تهديد الاستقرار وسيطرة الحلول الأمنية وانتشار القمع ومصادرة الحريات ، وانتهاك حقوق الإنسان ، بهذا المعنى نستطيع القول بأن الحكم الصالح هو القادر على مواجهة كل هذه التحديات ، وهو الأقرب لأن يكون مشروعا للنهضة الوطنية ، ومنه يجب أن ينطلق النموذج العربى للإصلاح .
ومرة أخرى يعود د . السعيد ليؤكد أن الإصلاح السياسى يجب أن يشمل عمليتين هما : الديمقراطية والليبرالية ، وبدون أي متهما تبقى عملية الإصلاح ناقصة ، وهو يفرق بين الديمقراطية باعتبارها العملية التى يتم الحكم بها وفق آليات ، وعن طريق مؤسسات ، لتحويل المجتمع من نمط شمولى الى نمط تتوزع فيه السلطة ، ويسهل تداولها سلميا بضوابط قانونية . إما الليبرالية فهى مجموعة من القيم والمبادىء العامة تعلى من شأن الحرية دون تضحية بالعدالة والمساواة ، وبالتالى فان مرتكزات الديمقراطية والليبرالية رغم انهما تصبان فى قناة واحدة ، إلا انه يجب التميز بينهما ، فمرتكزات الديمقراطية هى : دستور ديمقراطى ، ومؤسسات حكم ديمقراطية ، وهيئات تشريعية وقضائية وأحزاب وتنظيمات مدنية مستقلة ، إما مرتكزات الليبرالية فهى فى جوهرها تأكيد وسيادة قيم الحرية ، وغياب قيم الليبرالية يعيق أداء المؤسسات الديمقراطية ، فالأحزاب لا يكتمل تفعيلها إلا بالتعدية ، والانتخابات تحتاج مؤسسات حرة تديرها ، ولابد من تثبيت قواعد الشفافية والمحاسبة والمساءلة ، وقيام وسائل الإعلام برسالتها دون قيود أو ضغوط ، وتحقيق المواطنة الحقيقة فى مناخ من حرية التنظيم والتعبير والمشاركة دون تمييز بين جموع المواطنين .
ولنا بعض الملاحظات على ما تم عرضة بخصوص السياق الاجتماعى ، والثقافى ، والإصلاح السياسى .
• هناك خلافات واضحة فى المنطلقات الفكرية بين الهيئة العلمية للمرصد ، تتضح بشكل جلى فى العرض الذى قام السيد يسين بنشره على صفحات جريدة الأهرام ، وبين النصوص المنشورة فى الكتاب الصادر عن المؤتمر ، كما تتبين فى الخلافات حول موضوع الخصوصية والهوية، بين د .على أبو ليلة و د . محمد السعيد إدريس .
• ركز د . على أبو ليلة على تحليل السياق الاجتماعى فى معزل عن السياق الاقتصادى ، ومدى التأثير والتأثر بين الانساق الاجتماعة والثقافة والاقتصادية ، كما كان دفاعه عن الاستقرار وتأكيد الهوية تعبيرا عن موقف ضد التوجه العام لأفكار التغيير والإصلاح
• اهتم د . السعيد بالتركيز على تحليل الواقع بمنطقة الخليج العربى ، رغم وجود سمات مشتركة فى المرتكزات التى قام بتوضيحها وبين عديد من البلدان العربية الأخرى ، فعلى سبيل المثال نجد أنه بالرغم من سيادة نمط الاقتصاد الريعى فى دول مجلس التعاون الخليجى ، إلا أنه لا ينحصر فى بلدان الخليج فقط ، بل يمكن إضافة كلا من ليبيا والعراق والى حد ما الجزائر ، كما أن العديد من البلدان العربية تعتمد على تصدير النفط كمصدر رئيسي ، وان لم يكن وحيد ، إضافة الى إن باقى الدول العربية الأخرى تعتمد على تحويلات مواطنيها العاملين فى الخارج بصفة عامة ودول النفط بصفة خاصة ، مما يزيد من مصادر الدخل الريعى فى اغلب البلدان العربية ، وبالتالى فان حالة الاستعصاء الديمقراطى و تعويق الإصلاح السياسى بصفة عامة فى المنطقة العربية قد يجد تفسيره فى ذلك .
• موضوع هشاشة وخواء الأحزاب السياسية ، وسيادة الأحزاب على أسس إيديولوجية فى المنطقة العربية ، وعدم وجود قوى حقيقة تمارس الصراع على أساس المصالح الاجتماعية والاقتصادية ، يحتاج الى جهد أكبر لتفسير هذه الظواهر المكبلة لإمكانية الإسراع فى التحول الديمقراطى .



#فتحي_سيد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلم والنظرة الى العالم
- تفكيك الثقافة العربية
- إشكالية النهضة عند الطهطاوى
- قراءات ورؤى حول مشروع النهضة


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي سيد فرج - مرصد الإصلاح العربى