أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بولات جان - السجدة (3)















المزيد.....

السجدة (3)


بولات جان

الحوار المتمدن-العدد: 6534 - 2020 / 4 / 10 - 23:42
المحور: الادب والفن
    


قبل يومٍ واحد

كان المطر يهطل مدراراً فتنقر قطراته باستفزاز على السقف النايلوني وفتشكل برك صغيرة على النايلون المسود من الشحوار ودخان المدفأة المتصدئة، فيتقعر النايلون تحت البرك الصغيرة، ومن ثم تشكل جدولاً صغيراً يشق طريقه كخيطٍ مائي رفيع من الأعلى باتجاه الأطراف المقوسة للسقف النايلوني حتى تصل إلى الاطراف وتتجه نحو الوادي. كان يوماً ربيعياً بارداً آخر، ونحنُ منكمشين على أنفسنا تحت البطانية الخشنة بملابسنا المتشربة لماء المطر والسيل وكل وحل الطريق المطروش من الاعلى الى الأسفل. ننتظر الصباح حتى نهرع إلى اشعال نار نجفف ملابسنا ونخزن الدفء في اجسادنا ونستمتع بكاسة شاي من الابريق الاسود العملاق.
حدثت تلك الجلبة الصباحية على أصوات (روج باش... روج باش)، فكل من يستيقظ يرفع صوته مردداً (روج باش) كي يوقظ الآخرين بدوره. لم نكن نحتاج إلى الكثير من الجلبة ودعوات الصحوة لأجل أن نخرج من تلك المهاجع النايلونية ونستكشف المكان بحثاً عن أقرب نبع أو جدول ماء جارٍ ونتجه إليه لنغسل وجوهنا التعِبة بذلك الماء البارد المنعش ونزيل الوحل واللأتربة عن ملابسنا، ونكشط أحذيتنا بالصخور لإزالة الوحول المتكومة عليها.
لم تمضي ساعة، حتى كان الضابط المناوب يفتل بين المهاجع ليخبر القادمين الجدد بضرورة تواجدهم في مكان الاجتماع. مكان الاجتماع ليس سوى غرفة نايلونية كبيرة فيها بعض الكراسي البلاستيكية الملونة وهنالك طاولة بلاستيكية في صدر الغرفة وخلفها كرسي واحد وخلفها على الجدار عدة صور وأعلام وشعارات مختلفة. لم تمضي عدة دقائق من مكوثنا على تلك الكراسي الباردة ونحنُ نسعل بالتناوب والتناظر، وننتظر بشوقٍ ولهفة، ونتطلع إلى الباب بفضول، دخل وهو يعرج قليلاً، ألقى علينا تحية الصباح (روج باش)، بدورنا وبصوتٍ واحد كما تلاميذ المدرسة جاء ردنا (روج باش).
بعد برهة من الصمت الذي صاحبه السعال المكتوم هنا وهناك، "يبدو بإنكم قد تعبتم من الطريق واصابكم البرد. لم يكن هنالك وقتٌ كافٍ للحديث في الطرف الآخر، رأينا من الأنسب أن نعقد اجتماعنا الأول هاهنا..." تطلع إلينا وكإنه يعدنا فرداً فرداً. "إذا كان الجميع حاضراً هنا فسوف نبدء دون أن نضيع أية لحظة في غير محلها". بدء بالحديث وتطرق إلى موضوع الساعة أي (الثورة) مباشرة، "هذه الثورات فرصة للقضاء على الديكتاتوريات في المنطقة وفتح المجال أمام الديمقراطية الحقيقية ونيل الشعوب لحرياتهم. من المؤكد بإن الشعوب الحرة والديمقراطية سوف تتعامل مع قضيتنا بشكلٍ ايجابي وسوف تكون منفتحة للوحدة والتعايش بين شعوب المنطقة...". توقف برهة، ليرى إن كنا نتابعه ونستوعب ما يقوله. كانت أوركسترا الكحة والسعال المكتومة والتي تصدر على حياء تارة وسافرة صارخة احياناً أخرى حال جميع من كانوا جالسين على تلك الكراسي البلاستيكية الباردة. "تعرفون بإن كل من تركيا وإيران تتصارعان تارة وتتوافقان تارة أخرى في سبيل السيطرة على المنطقة وسلب إرادة شعوبها وجعلها حدائق خلفية لمشاريعهم ومطامعهم. العرب حالهم ليس بأفضل من حالنا أيضاً؛ فهم مسلوبو الإرادة ومنقسمون ومضطدين... نرى بأن هذه الثورات ضرورية للتخلص من صراع القطبين (إيران وتركيا) وبروز قطب آخر ينافسهم ويبعدهم عن المنطقة، هذا القطب سيكون العرب. فوجود ثلاث أقطاب سيكون أفضل بالنسبة لنا، و سنبرز نحنُ أيضاً بإرادتنا كقطب قوي ومؤثر في المنطقة...".
أثناء حديثه الهادئ كانت أصابعه لا تنفك في ملامسته لإذنيه وحواجبه وأرنبة أنفه وشعره ويشمر بين الحين والآخر عن ساعديه. استمر حديثه لأكثر من ساعتين، منذ الأيام الأولى من هذه السنة ونحنُ نتابع أخبار الثورات هنا وهنالك ونقرأ المقالات ونستمع إلى تحليلات السياسيين والقادة في الراديو والمجلة الشهرية. كان المناخ العام يشبه القيامة، قيامة الشعوب وطوفان الجماهير، وكانت أرواحنا تتعالى وتعانق أرواح المنتفضين والمحتجين في كل أشطار المنطقة المترامية. نتيجة حديثه الهادئ وشروحاته المنطقية المتأنية، كان البعض منا لم يدرك سبب وجوده هنا، لكن أكثرنا أدركنا الأمر ومن خلال لغة العيون والإشارات عبرنا عن حبورنا وغبطتنا لبعضنا البعض. كنا جميعاً نسعل بصمت. بعد استراحة لم تستمر لأكثر من ربع ساعة، عاد الجميع إلى مكان الاجتماع. كان الكلام هذه المرة أكثر تحديداً ويخصنا مباشرة، حيث بدء كلامه بصيغة "أنتم"، وتابع "أنتم... كما تعلمون هنالك ثورة في البلد، ثورة شعبية كبيرة، كنا ننتظرها منذ سنوات، كما كل الثورات في الشرق فلا نعرف إلى ماذا ستؤول هذه الثورة أيضاً؟ وعلينا أن نتخذ بعض التدابير لحماية الشعب هنالك وتنظيم صفوفه. هنالك في البلد عدد من المناضلين يعملون بكل جهد، لكنهم قلّة، وهنالك المئات منهم في السجون". أمعنا النظر في وجوهنا لكي يتأكد من نفاذ كلماته إلى أعماقنا جيداً، "هنالك احتمالين أثنين بالنسبة إلى شعبنا هناك. قد تنتج من هذه الثورة أمرين أثنين، الاول عبارة عن فرصة لحرية عظيمة لشعبنا، والاحتمال الثاني هو تطهير عرقي كبير قد يواجه شعبنا هناك... كِلا الاحتمالين متساويين، خمسين بالمائة لكل منهما". "وأنتم" واشار بيده إلينا، "أنتم وظيفتكم تكمن في جعل احتمال الحرية أكثر فأكثر والعمل على تقليل أو تصفير الاحتمالية السلبية الأخرى...". توقف عن الكلام ليمعن النظر في وجوهنا جيداً وكأنه يريد التأكيد بلغة الجسد على أهمية وخطورة الأمر وضرورة إدراكنا لذلك من أعمق أعماق قلوبنا وعقولنا. "هل فهمتم؟". حينها استوعب البعض أو أغلبيتنا ماهية المهمة الجديدة. وكنا ننتظر التفاصيل الأوفى، تفاصيل تخصنا كأشخاص وليس كمجموعة وحسب. وهو بدروه لم يتركنا طويلاً لحيرتنا فتابع كلامه: " سنقسمكم إلى ثلاثة مجموعات صغيرة وكل مجموعة ستذهب إلى اقليم، بعد وصولكم ستصلكم ما يلزم من توجيهات. لكن يجب أن يكون الأمر برمته في غاية السرية... كونوا حذرين، لا نريد أن يُعتقل أيٌ منكمن ولا أن يعرف أي كائنٍ كان بأمركم وأمر مهمتكم...". " وإن تطلب الأمر فسوف ندعمكم بعدد آخر، لكن يجب أن تعتمدوا على أنفسكم وعلى الامكانيات والموارد الموجودة هنالك ولا تنتظروا الكثير من هنا".
بعد أن تم قراءة أسماء أفراد كل مجموعة، دبت النقاشات المجموعة بين المجموعة فرحاً وفضولاً واستغراباً. أخبروننا بضرورة أن نكون جاهزين في كل لحظة لكي نتوجه (كل مجموعة على حدا) صوب الحدود. طلب مروان الأذن للكلام فجاءته إيماءة بالاجابة بنعم فقال مروان: "كنتُ أقترحتُ الذهاب إلى ديرسيم و..." فقاطعه " هذه العمل مهم أيضاً..." فقال مروان: "صحيح ولكن ليس لدي أن تفكير أو تخطيط لهذه المهمة المستجدة..."، فقال له: "لا بأس، حينما تعود يمكننا مناقشة موضوع ديرسيم". كان ريزان السمين والمبتسم دائماً جالساً إلى جانب مروان فتمتم بصوتٍ خافت :"ومتى سنعود؟" بدا وكإنه يملي على مروان الذي قال مباشرة: "ومتى نعود؟". بكل هدوء وهو يداعب ارنبة أنفه وحاجبيه وكإنه يبعد بضربة من طرف أصبعه حبة تراب من عليها قال مبتسماً: " شهر، شهران أو ثلاثة أشهر على الأكثر". وأنهى الاجتماع لكي نتمكن من تحضير أنفسنا بشكلٍ كامل. خرجنا من مكان الاجتماع والابتسامة تعلو وجوهنا ونبارك لبعضنا البعض ونتمنى التوفيق ونطلق الضحكات والنكت.

يتبع...



#بولات_جان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السجدة (2)
- السجدة
- تحذيرات لم تلقى آذاناً صاغية... و مجازر شنغال
- جمهورية كردستان السوفيتية-3
- جمهورية كردستان السوفيتية-1
- جمهورية كردستان السوفيتية-2
- الدين و تغريبة الكردي
- على كتّابنا وأدباءنا تخليد ثورة روج آفا
- -نحنُ لا نعادي الكُرد... و لكن-
- واجبات العالم تجاه الكُرد
- نفاق المصطلحات
- حقائق يجب معرفتها حول انطلاقة ثورة 19 تموز
- الديك الذي تحول إلى دجاجة
- سقوط حلب الشرقية
- كوباني تنبعث من رمادها
- أ و لم أقل بأنك لا تستطيع؟!
- مفارقات كوبانية
- الطريق إلى شنغال-5
- الطريق إلى شنكال- 4
- الطريق إلى شنكال-3


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بولات جان - السجدة (3)